اسلام ويب
هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.



 
الرئيسيةأحدث الصورالتسجيلدخول

من فقه الدعاء يقول سيدنا عمر بن الخطاب - رضي الله عنه -: "أنا لا أحمل همَّ الإجابة، وإنما أحمل همَّّ الدعاء، فإذا أُلهمت الدعاء كانت الإجابة معه". وهذا فهم عميق أصيل ، فليس كل دعاء مجابًا، فمن الناس من يدعو على الآخرين طالبًا إنزال الأذى بهم ؛ لأنهم ينافسونه في تجارة ، أو لأن رزقهم أوسع منه ، وكل دعاء من هذا القبيل ، مردود على صاحبه لأنه باطل وعدوان على الآخرين. والدعاء مخ العبادة ، وقمة الإيمان ، وسرّ المناجاة بين العبد وربه ، والدعاء سهم من سهام الله ، ودعاء السحر سهام القدر، فإذا انطلق من قلوب ناظرة إلى ربها ، راغبة فيما عنده ، لم يكن لها دون عرش الله مكان. جلس عمر بن الخطاب يومًا على كومة من الرمل ، بعد أن أجهده السعي والطواف على الرعية ، والنظر في مصالح المسلمين ، ثم اتجه إلى الله وقال: "اللهم قد كبرت سني ، ووهنت قوتي ، وفشت رعيتي ، فاقبضني إليك غير مضيع ولا مفتون ، واكتب لي الشهادة في سبيلك ، والموت في بلد رسولك". انظر إلى هذا الدعاء ، أي طلب من الدنيا طلبه عمر، وأي شهوة من شهوات الدنيا في هذا الدعاء ، إنها الهمم العالية ، والنفوس الكبيرة ، لا تتعلق أبدًا بشيء من عرض هذه الحياة ، وصعد هذا الدعاء من قلب رجل يسوس الشرق والغرب ، ويخطب وده الجميع ، حتى قال فيه القائل: يا من رأى عمرًا تكسوه بردته ** والزيت أدم له والكوخ مأواه يهتز كسرى على كرسيه فرقًا ** من بأسه وملوك الروم تخشاه ماذا يرجو عمر من الله في دعائه ؟ إنه يشكو إليه ضعف قوته ، وثقل الواجبات والأعباء ، ويدعو ربه أن يحفظه من الفتن ، والتقصير في حق الأمة ، ثم يتطلع إلى منزلة الشهادة في سبيله ، والموت في بلد رسوله ، فما أجمل هذه الغاية ، وما أعظم هذه العاطفة التي تمتلئ حبًا وحنينًا إلى رسول الله - صل الله عليهلم -: (أن يكون مثواه بجواره). يقول معاذ بن جبل - رضي الله عنه -: "يا بن آدم أنت محتاج إلى نصيبك من الدنيا ، وأنت إلى نصيبك من الآخرة أحوج ، فإن بدأت بنصيبك من الآخرة ، مرّ بنصيبك من الدنيا فانتظمها انتظامًا ، وإن بدأت بنصيبك من الدنيا ، فائت نصيبك من الآخرة ، وأنت من الدنيا على خطر). وروى الترمذي بسنده عن النبي - صل الله عليهلم -: أنه قال: ((من أصبح والآخرة أكبر همه جمع الله له شمله ، وجعل غناه في قلبه ، وأتته الدنيا وهي راغمة ، ومن أصبح والدنيا أكبر همه فرَّق الله عليه ضيعته ، وجعل فقره بين عينيه ولم يأته من الدنيا إلا ما كُتب له)). وأخيرًا .. أرأيت كيف أُلهم عمر الدعاء وكانت الإجابة معه ، وصدق الله العظيم إذ يقول: (وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ فَلْيَسْتَجِيبُوا لِي وَلْيُؤْمِنُوا بِي لَعَلَّهُمْ يَرْشُدُونَ) (186)" (البقرة:186).


 

 المشروع الحضاري الإسلامي

اذهب الى الأسفل 
كاتب الموضوعرسالة


avatar


نقــاط : 99300
المشروع الحضاري الإسلامي Oooo14
المشروع الحضاري الإسلامي User_o10

المشروع الحضاري الإسلامي Empty
مُساهمةموضوع: المشروع الحضاري الإسلامي   المشروع الحضاري الإسلامي Emptyالأحد 2 يونيو 2013 - 15:04

المشروع الحضاري الإسلامي

ملخَّص الخطبة:
1- الضرورة إلى المشروع الحضاري الإسلامي.
2- ضراوة الحرب على الإسلام.
3- شراسة الحملات الإعلامية.
4- تلبيس أعداء الإسلام وتدليسهم.
5- أهداف الحملات الإعلامية وأغراضها الدنيئة.
6- حتمية المواجهة.
7- ما ينبغي اتخاذه.
8- ملامح المشروع الحضاري الإسلامي ومعالمه وركائزه.
9- التحذير من بدع رجب.
• • • • • •

الخطبة الأولى
أيُّها المسلمون:
في عصر التحدِّي الحضاري ودوَّامة التَّحامل الإعلامي على هذا الدين الإسلامي - تتعاظم حاجةُ الأمَّة الإسلامية إلى الاضطلاع بمهمَّة المشروع الحضاري الإسلامي، تقويمًا للمسيرة، وتصحيحًا للرُّؤى، وتنسيقًا في الجهود والمواقف، وإعلاءً لمنظومة المُثُل والقيم، وإشاعةً للودِّ والتسامح والتراحم، وبثًّا لروح التعاون والتصافي والتفاهم، وبالتالي ارتقاءً بالإنسانية وإسعادًا للبشرية.

معاشر المسلمين، واستقراءً لنصوص الوحي المطهَّر، واعتبارًا بحوادث التأريخ، وتأمُّلاً في دنيا الواقع، يخرجُ الغَيُور المستبصر، ويدرك المتابِع المتأمِّل، أنَّ آليَّات الهجوم على الإسلام وتشويه حقائقه وطمس محاسنه تتنامى ولا تتناهى، وتتعاظم ولا تتناغَم، وتكون أكثر خطورة وأشدَّ ضراوةًَ حينما تشعل الحرب الإعلامية فَتِيلَها، وتُذكي الهجمة الدِّعائية أُوارَها؛ حيث لم تَعُد مقتصرةً على بعض الأقلام الآحاديَّة المغرضة؛ بل تبنَّتها مراكزُ أبحاث ودراسات، وتلقَّفتها دوائر ومؤسَّسات، في ظاهرةٍ من التحامل المنظَّم والتخطيط المُبْرَم، مما يستدعي من الأمَّة وقفةً جادة متأنِّية لدراسة أبعاد هذه الحملة ومراميها وأهدافها، ووضع البرامج والآليَّات العملية لمواجهتها والتصدِّي لها، ومن هنا جاءت الحاجة الملحَّة لتبنِّي الأمَّة للمشروع الحضاري الإسلامي، الذي ينبغي على كلِّ ذي دين وغيرة أن يُسهم بما يستطيع لدعمه وتشجيعه، ولو بإعطاء صورة مشرقة عن الإسلام؛ في حسن تعامله وتصرُّفاته, وضبط سلوكياته وأخلاقياته.

إخوة العقيدة:
ولعلَّ أهمَّ بواعث طرح هذا المشروع الحضاري تلك الحملاتُ الموتُورة التي تصوَّب سهامُها ضدَّ دين الأمَّة وقِيَمها وثوابتها وبلادها، تطاولت على مقام الربوبية والألوهية، ونالت من جناب صاحب الرسالة المصطفوية - بأبي هو وأمي - وسَخِرَت من الحدود الشرعية وطالبت بإلغائها، وهاجمت الحجاب وقضايا المرأة المسلمة، وحملت على مناهج التعليم الإسلامي، واتَّهمت المؤسسات الخيرية والإغاثية والإنسانية، وشوَّهت دورها الرِّيادي الذي تقوم به عالميًّا، وسلَّطت ألسنة حدادًا وأبواقًا شدادًا على بلاد الحرمَيْن - حرسها الله - في أهمِّ جوانب كِيانها ومكوِّنات وجودها، تشويهًا للحقائق، وتضخيمًا للهنَّات والشَّقاشِق، وما ذاك إلاَّ لأنَّها مَحْضَن الإسلام، ومَأْرَز الإيمان، ومتنزَّل القرآن، ولها المكانة الكبرى والقدح المعلَّى في تبني قضايا المسلمين والدفاع عن حقوقهم.

والأدهى من ذلك: الأساليبُ المنفِّرة التي تقوِّض دعائم السلام العالمي، وتُخَلْخِل ضمانات الأمن الدُّوَلي، وتُسْهِم في إضعاف فُرصِ التَّعايش بين الحضارات، وتدعم الصدامَ والصراع بين المؤسسات، وتغذِّي الإنسانية بالأحقاد، وتُذْكِي لهجةَ الكراهية بين الشعوب، وتروِّج الأكاذيب والأراجيف والشَّنْشَنات الأَخْزَمِيَّة، وكلُّ ذلك لن يضير هذا الدِّين بحمد الله؛ بل لقد كان من أسباب الإقبال عليه والقراءة عنه، كما أن هذه الافتراءات ستتحطم - بإذن الله - أمام صخرة تمسُّك الأمَّة بثوابتها، وستتلاشى أمام سدِّها المنيع المتمثِّل في عدم اهتزاز قناعات الأمَّة بدينها، وتلاحم رعاتها ورعيَّتها، في مرحلة حرجة وفترة عصيبة تتطلَّب بُعْدَ النظر وتغليبَ منطق العقل والحكمة، والإرجاءَ لصغار المصالح؛ لئلا تفوت كبارُها، والأخذَ بأدنى المفاسد؛ حتى لا تحصُل عظامُها، فالدِّين والأمَّة والمجتمع والبلاد مستهدفةٌ في أعزِّ مقوِّماتها، ولذلك فإن تبنِّي الأمَّة للمشروع الحضاري الإسلامي يحقِّق الحفاظ على ثوابتها وهُوِيَّتها، ويوحِّد جهودها في مواجهة المخاطر، ويحفظها - بإذن الله – من أن تُستدرج لمعارك خاسرة، أو أن يُستثار ويُستفزَّ بعضُ أبنائها في أنماط هامشيَّة، تُستجرُّ الأمَّة من خلالها إلى ويلاتٍ من الفِتَن والمِحَن، وطوفانٍ من الرَّزايا لا يعلم عواقبها إلا الله.

كما أن الحفاظ على جبهة الأمَّة الداخلية ووحدة صفِّها - الأرضيةُ الصُّلبة التي ينطلق منها هذا المشروع الحضاري، ليتفيَّأ العالم ظلالَه خيرًا وعطاءً، وسعادةً ونماءً، وأمنًا وسلامًا، وتسامُحًا ووئامًا، في بُعْدٍ عن غوائر الشُّرور والعنف والإرهاب، ومسالك الظُّلم والإفساد والإرعاب.

إخوة الإيمان:
ومما يؤكِّد أنه قد آن الأوان لتبنِّي الأمَّة لهذا المشروع الحضاري: أن تلك الحملات المُغْرِضة تقدَّم للعالم بقالب أخَّاذ، تغطِّيه أصباغٌ خادعة، و(مكاييج) حضارية مصطنَعة، لا يلبث قناعها أن يسقط، ليتبدَّى زيفُ الشعارات، وترنُّح هذه الحضارات، فقُدِّمت الحملات تحت شعار حقوق الإنسان ومكافحة الإرهاب، ومن أجل الحرية والعدالة والمساواة والرَّخاء والانفتاح، وتخليص الإنسانية من الجمود والتخلُّف، والتقدُّم بها نحو حياة تسودها مقاييس التَّحديث والتَّقدم والحضارة، في حربِ مصطلحاتٍ خطيرة، يوشك أن تخدَع ببهرجها كثيرًا من المنهزمين من أبناء هذه الأمَّة.

أمَّة الإسلام:
لقد استهدفت هذه الحملاتُ الدِّعائية القضاءَ على الوجه الإسلامي المتألِّق، وتشويهَ صورته الوضَّاءة، والهجومَ على حضارتنا الإسلامية، وقِيَمنا الاجتماعية المحافِظة، في عولمةٍ مشبوهة، تنفث سمومها لتفرض أنماطًا من الهيمنة الفكرية والأخلاقية على الأمَّة الإسلامية، وتحمل أبعادًا عَقَدِيَّة خطيرة. ومن أسفٍ أن ينبري بعض المخدوعين من أدعياء الفكر والثقافة بأصواتٍ ببغوية ليستعديَ أصحابَ هذه الحملات المغرضة على أمَّته وتأريخه وبلاده، في تشويهٍ متعمَّد، وآخرون في تشويه غير متعمَّد، ممَّن يجهلون - أو يتجاهلون - حقيقة رسالة الإسلام الحضارية، فلا يحسنون عرضَه وتقديمَه للعالم بجمالياته ومحاسنه وأخلاقيَّاته: {لِيَهْلِكَ مَنْ هَلَكَ عَن بَيِّنَةٍ وَيَحْيَى مَنْ حَىَّ عَن بَيِّنَةٍ} [الأنفال: 42].

أمَّة الإسلام:
إن سبيل المواجهة لهذه الحملات الإعلامية أضحى أمرًا حتميًّا على الغَيُورين، بعدما تبيَّن خطورةُ الأمر وأبعاد المؤامرة، وأن القوم يعدُّون لأبعاد تآمريَّة على أمَّتنا الإسلامية، لا يمكن إغفالها أو تجاهلها، أو الاعتذار عنها وتبريرها، أو يظنَّ أن التنازلات والاستجابة لشدَّة ضغوط هذه الحملات ستثني أصحابَها عن تحقيق أحلامهم ضدَّ هذه الأمَّة.
وإذا ما أخذنا شاهدًا حيًّا على ذلك؛ فإن قضية المسلمين الكبرى؛ قضيةَ فِلَسْطِين المسلمة المجاهدة - تأتي مثلاً ساخنًا على الأطماع الدَّنيئة لأصحاب هذه الحملات الدِّعائية العدوانية؛ حيث صُوِّرت المقاومة الشرعية والانتفاضة الجهادية على أنها عمليات إرهابية، واليوم يكاد أسفُنا لا ينقضي ونحن نرى ونسمع ما يتحدَّى مشاعرَ أكثر من مليار وربع مليار من المسلمين، ويمثِّل صدمةً عنيفةً لهم، وذلك بقرار خطير غير مسبوق يسلب مدينة القدس عروبتها وإسلاميَّتها، في تحدٍّ للحقوق التاريخية والقرارات الدُّوَليَّة، مما يتطلَّب استنفارًا إسلاميًّا عاجلاً على كافة الصُعُد والمستويات، لمواجهة (صَهْيَنَة) أولى القبلتين ومَسْرَى سيِّد الثَّقَلَيْن – صلوات الله وسلامه عليه - أقرَّ الله الأعين بفكِّ أسره وتحريره.

ومن هنا؛ فإنَّ تبنِّي الأمَّة المشروعَ الحضاري سيُسهم بأفعال لا بردود أفعال في مواجهة هذه الحملة وأبعادها، بالأساليب الحضارية الهادفة إلى تثبيت هُويَّة الأمَّة، وتفعيل دَوْرِها من حيث كونُها أمَّة الخيرية والرَّحمة والشّهادة على العالمين، وإبراز دَوْرها الحضاري وحقِّها التاريخي ووجهها المشرق، وتصحيح الصورة المغلوطة عن الإسلام وأهله، وتوعية الأمَّة بخطورة الحملة ضدَّ دينها وثوابتها وبلادها ومقدَّساتها، والسعي في إصلاح أحوالها وتفادي أزماتها بتقوية عقيدتها بربِّها، والتلاحم الصَّادق بين قياداتها وشعوبها، والمطالبة بتجاوز خلافاتها الجانبية ومعاركها الوهمية، والتوحُّد في وجه الطوفان الكاسِح الذي يسعى لاجتياح الجميع، وأن يتمَّ تنسيق الجهود بسدِّ جميع الثَّغرات التي ينفذ منها المصطادون بالمياه العِكَرة.

والحاجةُ ملحَّة لمقابلة الحملة بنفس وسائلها، وإلى وضع برنامج علمي إعلامي مدروس، يتَّسم بحسن العَرْض، وأسلوبِ الخطاب المتمثِّل في قول الحقِّ تبارك وتعالى: {وَقُولُواْ لِلنَّاسِ حُسْنًا} [البقرة: 83]، {وَقُل لِعِبَادِى يَقُولُواْ الَّتِي هِيَ أَحْسَنُ} [الإسراء: 53]، {وَجَادِلْهُم بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ} [النحل: 125]، والحوارِ الحضاري للعالم بلغاته الحيَّة، وتوضيح الحقائق أمامه، وبيان خطورة الحملات الظالمة، وما تجرُّه من استعداء العالم، وإعلاءِ لهجة الحقد والكراهية والتَّمييز، وما تجره من شقاء على الإنسانيَّة.

والحقُّ أنَّ غياب الإعلام الإسلامي الهادف ومواكبة التَّطور التَّقاني، واستثمار القنوات الإعلامية الفضائية والشبكات المعلوماتية الإلكترونية كان من أكبر العوائق لوصول الكلمة الرصينة والحوار الهادف إلى العالم، فهل يعي رجال الإعلام والأعمالِ في الأمَّة حقيقة دورهم، ووجوب إسهامهم في هذا المشروع الحضاري دفاعًا عن دينهم وأمتهم وبلادهم؟! وهل يحسِن علماء الشريعة ودعاةُ الإسلام عرضَ ما لديهم من حقٍّ وثوابت، مرتبطًا بالمبادئ والغايات، والمصالح والقِيَم والأخلاقيَّات، والآداب والشرائع والجماليَّات، في تنسيقٍ للجهود وسلامةٍ للصُّدور، وبُعْدٍ عن غوائل الشُّرور، ومراعاة للأولويَّات، وحسن تعامل مع المتغيِّرات المرتبطة بالوسائل والأساليب، حتى تقام الحُجَّة، وتتَّضح المحجَّة؛ فالحق يعلو ولا يُعلى عليه.

فِي طَلْعَةِ الْبَدْرِ مَا يُغْنِيكَ عَنْ زُحَلِ
{فَأَمَّا الزَّبَدُ فَيَذْهَبُ جُفَاء وَأَمَّا مَا يَنفَعُ النَّاسَ فَيَمْكُثُ فِى الأرْضِ كَذَلِكَ يَضْرِبُ اللَّهُ الأَمْثَالَ} [الرعد: 17].
نفعني الله وإيَّاكم بهَدْي كتابه، وبسنَّة نبيِّه محمَّد – صلَّى الله عليه وسلَّم . {إِنَّ رَبِّي لَطِيفٌ لِمَا يَشَاء إِنَّهُ هُوَ الْعَلِيمُ الْحَكِيمُ} [يوسف: 100].
أقول قولي هذا، وأستغفر الله العظيم الجليل لي ولكم ولكافَّة المسلمين من كلِّ ذنب، فاستغفروه وتوبوا إليه، إنَّه هو الغفور الرحيم.

الخطبة الثَّانية
اللَّهمَّ لك الحمد كما ينبغي لجلال وجهك ولعظيم سلطانك، أحمدك ربِّي وأشكرك على إنعامك وإحسانك وتوفيقك وامتنانك، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أنَّ سيدنا ونبينا محمَّدًا عبد الله ورسوله، بَعَثَه بالحقِّ بشيرًا ونذيرًا، وداعيًا إلى الله بإذنه وسراجًا منيرًا، فصلَّى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلَّم تسليمًا كثيرًا.
أمَّا بعد:
فاتقوا الله - عباد الله - فإنَّها خير شعار، وأفضل دِثار، وبها النَّجاة من سَخَط الجبَّار، ودخول الجنَّة دارَ القرار، وعليكم بالجماعة؛ فهي طريق الأخيار، وحاذروا مسالك الأشرار والفجَّار.

أيُّها الإخوة في الله:
من ملامح هذا المشروع الحضاري ومعالمه وركائزه - ليرسُم طريق الخلاص للعالم من الواقع البئيس الذي يعيشه - أنَّه ربانيٌّ عالميٌّ، وَسَطِيُّ سَلَفِيٌّ، أخلاقيٌّ إنسانيٌّ حضاريٌّ، إيجابيٌّ شُمُوليٌّ واقعيٌّ، ترتبط الأصالة فيه بالمعاصرة، يلتزم المصداقيَّة بلا تضخيم، والواقعيَّة بلا انهزاميَّة، والشَّفافِيَة بلا تهريج، الإنصافُ رائدُهُ، والعدل حادِيهُ، والتَّسامح أسلوبه وقالَبه، يعمل على شحذ الطَّاقات في الأمَّة لا على تبديدها، يسلك مسالكَ الإخلاص للخالق، والرِّفق والرحمة بالمخلوقين، يتَّسم بالعقل والتَّسامح والحكمة، ويحاذر الصَّلَف والعنف والتهوُّر والشَّطَط، وبذلك تحقِّق أمَّتنا الرِّيادةَ الحضارية، وتستعيد أمجادها التاريخية، وتتخلَّص من أزماتها الخانِقة، وتصلُح أوضاعها المتردِّية - بإذن الله.

أيها الإخوة في الله:
ولعلَّ أُولى الخطوات في ذلك: الرجوع إلى الذَّات، ومحاسبة النفس، والوقوف طويلاً للمراجعات، تصحيحًا في المعتقد، وسموًّا في الخُلُق والسَّجايا، وسلامةً في الاتِّباع، ومحاذرةً للابتداع، ومعالجةً لجوانب النَّقص التي دخلت على الأمَّة في عقيدتها ومنهجها، وأن تلتزم الأمَّة نورَ الوحيَيْن، ومنهجَ القرون المفضَّلة، وألاَّ تجعل من أيامٍ وليالٍ مخصوصةٍ مناسباتٍ وعباداتٍ لم يكن عليها سَلَف هذه الأمَّة - رحمهم الله - كما يعتقده بعض النَّاس في شهر رجب وليلة السابع والعشرين منه.
يقول الإمام الحافظ ابن حجر - عليه رحمه الله -: "لم يصحَّ في فضل شهر رجب ولا في ليلة معيَّنة منه - لا ليلة سبع وعشرين ولا غيرها - حديثٌ صحيحٌ يصلح للحُجَّة، ولو صحَّ لم يَجُزْ تخصيصُها بعبادةٍ لم يكن عليها رسول الهدى وأصحابه، ولو كان خيرًا لسبقونا إليه"، وبمثله قال جَمْعٌ من المحققِّين؛ كشيخ الإسلام ابن تيمية، والحافظ ابن رجب، والشَّوْكاني ... وآخرين.

فيا أمَّة محمد:
إنها فرصةٌ للحوار مع الذَّات؛ فهي البنية التَّحتيَّة للحوار مع الآخَر، وما لم تُصلح الأمَّة ما بينها وبين ربِّها، وما لم تتصالح فئاتُها وفعاليَّاتها على الكتاب والسُّنة - لن تستطيع أن تتصالح مع الآخَرين، فضلاً أن تقدِّم ذلك للعالم بأسره.
إن الفرصةَ متاحة للأمَّة في طرح ما لديها من عقيدة وموروث حضاري للعالم بأسره، ولا يُفَتُّ في عَضُدِها كثرةُ الفِتَن والابتلاءات؛ فهي الطريق إلى المعالي والمكرمات، وإنَّ في طيَّات المِحَن لَمِنَحًا، وفي ثنايا البلايا والرَّزايا مِنَنًا وعطايا، فاللهَ الله في العمل الجاد، والجهد الفاعل البنَّاء، ووضع آليَّاتٍ عمليَّة ودراسات ومراكز أبحاث استراتيجيَّة بعيدة المدى لمواجهة هذه الحملات المُغْرِضة، وكان الله في عون العاملين المخلصين لدينهم وأمَّتهم ومجتمعهم وبلادهم، إنَّه جوادٌ كريم.

{إِنْ أُرِيدُ إِلاَّ الإِصْلاحَ مَا اسْتَطَعْتُ وَمَا تَوْفِيقِي إِلاَّ بِاللَّهِ عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ وَإِلَيْهِ أُنِيبُ} [هود: 88].
ألا وصلُّوا وسلِّموا - رحمكم الله - على الرَّحمة المُهداة والنِّعمة المُسداة؛ نبيُّكم محمد بن عبد الله؛ فقد أمركم بذلك ربُّكم جلَّ في علاه، فقال تعالى قولاً كريمًا: {إِنَّ اللَّهَ وَمَلائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ صَلُّواْ عَلَيْهِ وَسَلِّمُواْ تَسْلِيمًا} [الأحزاب: 56].
اللَّهم صلِّ وسلِّم وبارك على نبيِّنا وحبيبنا وقدوتنا محمد بن عبدالله، وارضَ اللَّهمَّ عن آله الأطهار، وصحابته الأبرار، المهاجرين منهم والأنصار ...


الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
 
المشروع الحضاري الإسلامي
الرجوع الى أعلى الصفحة 
صفحة 1 من اصل 1

صلاحيات هذا المنتدى:لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى
اسلام ويب :: ۩✖ منتدي الاسلاميات العامه ۩✖ :: مقــــالات اســــلاميه :: خطب مقـــرؤه-
انتقل الى: