اسلام ويب
هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.



 
الرئيسيةأحدث الصورالتسجيلدخول

من فقه الدعاء يقول سيدنا عمر بن الخطاب - رضي الله عنه -: "أنا لا أحمل همَّ الإجابة، وإنما أحمل همَّّ الدعاء، فإذا أُلهمت الدعاء كانت الإجابة معه". وهذا فهم عميق أصيل ، فليس كل دعاء مجابًا، فمن الناس من يدعو على الآخرين طالبًا إنزال الأذى بهم ؛ لأنهم ينافسونه في تجارة ، أو لأن رزقهم أوسع منه ، وكل دعاء من هذا القبيل ، مردود على صاحبه لأنه باطل وعدوان على الآخرين. والدعاء مخ العبادة ، وقمة الإيمان ، وسرّ المناجاة بين العبد وربه ، والدعاء سهم من سهام الله ، ودعاء السحر سهام القدر، فإذا انطلق من قلوب ناظرة إلى ربها ، راغبة فيما عنده ، لم يكن لها دون عرش الله مكان. جلس عمر بن الخطاب يومًا على كومة من الرمل ، بعد أن أجهده السعي والطواف على الرعية ، والنظر في مصالح المسلمين ، ثم اتجه إلى الله وقال: "اللهم قد كبرت سني ، ووهنت قوتي ، وفشت رعيتي ، فاقبضني إليك غير مضيع ولا مفتون ، واكتب لي الشهادة في سبيلك ، والموت في بلد رسولك". انظر إلى هذا الدعاء ، أي طلب من الدنيا طلبه عمر، وأي شهوة من شهوات الدنيا في هذا الدعاء ، إنها الهمم العالية ، والنفوس الكبيرة ، لا تتعلق أبدًا بشيء من عرض هذه الحياة ، وصعد هذا الدعاء من قلب رجل يسوس الشرق والغرب ، ويخطب وده الجميع ، حتى قال فيه القائل: يا من رأى عمرًا تكسوه بردته ** والزيت أدم له والكوخ مأواه يهتز كسرى على كرسيه فرقًا ** من بأسه وملوك الروم تخشاه ماذا يرجو عمر من الله في دعائه ؟ إنه يشكو إليه ضعف قوته ، وثقل الواجبات والأعباء ، ويدعو ربه أن يحفظه من الفتن ، والتقصير في حق الأمة ، ثم يتطلع إلى منزلة الشهادة في سبيله ، والموت في بلد رسوله ، فما أجمل هذه الغاية ، وما أعظم هذه العاطفة التي تمتلئ حبًا وحنينًا إلى رسول الله - صل الله عليهلم -: (أن يكون مثواه بجواره). يقول معاذ بن جبل - رضي الله عنه -: "يا بن آدم أنت محتاج إلى نصيبك من الدنيا ، وأنت إلى نصيبك من الآخرة أحوج ، فإن بدأت بنصيبك من الآخرة ، مرّ بنصيبك من الدنيا فانتظمها انتظامًا ، وإن بدأت بنصيبك من الدنيا ، فائت نصيبك من الآخرة ، وأنت من الدنيا على خطر). وروى الترمذي بسنده عن النبي - صل الله عليهلم -: أنه قال: ((من أصبح والآخرة أكبر همه جمع الله له شمله ، وجعل غناه في قلبه ، وأتته الدنيا وهي راغمة ، ومن أصبح والدنيا أكبر همه فرَّق الله عليه ضيعته ، وجعل فقره بين عينيه ولم يأته من الدنيا إلا ما كُتب له)). وأخيرًا .. أرأيت كيف أُلهم عمر الدعاء وكانت الإجابة معه ، وصدق الله العظيم إذ يقول: (وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ فَلْيَسْتَجِيبُوا لِي وَلْيُؤْمِنُوا بِي لَعَلَّهُمْ يَرْشُدُونَ) (186)" (البقرة:186).


 

  رحى الحرب لا تزال دائرة

اذهب الى الأسفل 
كاتب الموضوعرسالة


avatar


نقــاط : 99310
 رحى الحرب لا تزال دائرة Oooo14
 رحى الحرب لا تزال دائرة User_o10

 رحى الحرب لا تزال دائرة Empty
مُساهمةموضوع: رحى الحرب لا تزال دائرة    رحى الحرب لا تزال دائرة Emptyالإثنين 20 مايو 2013 - 22:01

الحمد لله كما يحب ربنا ويرضى، له الأسماء الحسنى والصفات العلى، نشكره على نعمائه، ونرضى بقضائه، ونسأله أن يعيننا على تحمل ما قَدَّرَ من البلاء، وألاَّ يحرِمَنا فيه من المثوبة وحسن الرجاء.

وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك، له الملك الحق المبين، وأشهد أن سيدنا محمدًا عبدُ الله ورسوله، وصفيُّه من خلقه وحبيبه، اللهمَّ صلِّ وسلم وبارك عليه، وعلى آله وصحبه أجمعين.

أما بعد:
فبعد عودة النبي الكريم - صلى الله عليه وسلم - من غزوة الأحزاب، وقد بدَّد الله جمعهم، وفل فلولهم، ورجعوا أدراجهم خائبين، يجرون أذيال البؤس والصغار، كعودة جيش الصهاينة عن غزة الشامخة منذ أيام، كان النبي الكريم - صلى الله عليه وسلم - يخلعُ لأمَةَ الحرب، وإذ بأمين الوحي جبريل - عليه السلام - يأتيه ويقول: إن الملائكة لم تضع أسلحتَها بعدُ؛ بمعنى: أن الحرب لم تضعْ - بَعْدُ - أَوْزَارَهَا، فلا زالت هناك بقية من جهادٍ ليهود بني قريظةَ نَقَضَةِ العهود، الذين حاولوا كشف ظهر الجيش المسلم الذي كان يجابه الأحزاب، ولهم في سحل الإجرام باعٌ طويل.

ما أشبه الليلة بالبارحة:
واليوم، قد وضعت الحرب أوزارها في غزة إلى حين، بعد أن خرجت قطعان الجنود من إخوان القردة والخنازير على دباباتهم ومدرعاتهم، وقد عبَّروا عن شخصيتهم التواقة إلى بحار الدماء من الشعب الأعزل، ولعلهم على قدرٍ متجدد بعودة عما قريب.

والمعركة لا تزال دائرة على كل صعيد، بالقنبلة والرصاصة، والكلمة، والحصار، والإعلام، هناك جيوش معدة من بني صهيون لمثل هذه المواهب الجسام، التي غفل عنها أهل الحق على حين غِرَّةٍ من زمن البطالة، والإخلاد إلى الدنيا الفانية، في ليل الهوى الآثم.

واقتفى المنافقون والأحلاس منابرَ التوجيه في أهم الوسائل المؤثرة على أفهام العامة، فأضلوهم، واصطادوا همتهم وسجنوها في الشهوات والتوافه، وقيدوا أشواقهم إلى الجهاد في سبيل الله بقيود الوهن والتمتع بطيبات الحياة الدنيا، وهم يعيشون حياة الفاقة والحرمان! ووقع الناس أُسَارَى هذه الأفكار، التي حرمتْهم من نقد مُهور الحور العين للآخرة، وحرمتهم كذلك من أدني الحقوق التي لم يَصُنها لهم مَن لا يتقي الله – تعالى - فخسروا الدنيا والآخرة!

أَنَخْشَى الجِهَادَ وَأَعْبَاءَهُ وَلاَ نَتَّقِي جَمْرَهَا فِي سَقَرْ
فَيَا وَيْلَنَا عِنْدَ وَزْنِ الحِسَابِ وَعِنْدَ التَّلاَقِي بِيَوْمٍ عَسِرْ
وَيَوْمَ نُسَاقُ إِلَى عَرْشِهِ وَيَحْكُمُ فِي أَمْرِنَا المُقْتَدِرْ
أَيَا قُدْسُ دِيسَ المَكَانُ الجَلِيلُ وَغَطَّى عَلَى الطُّهْرِ رِجْسٌ أَشِرْ
وَتَحْتَ عُلاَكَ مَضَوْا يَحْفِرُون فَتَشْهَقُ تَحْتَ عُلاَكَ الحُفَرْ
وَيَحْرُسُكَ المُسْلِمُونَ الصِّغَارُ عَلَى حِينَ خَافَ الكِبَارُ الخَطَرْ


آية لم نحسن فهمها بعد:
وإذا ما تَنَادَيْنَا بالجهاد، خرج المثبطون من هذه الأمة، الذين أُشربوا الوهن في قلوبهم حتى النخاع، ولهم في ميدان استدعاء الذل إعادةٌ وإِجادةٌ، خرجوا يقولون مع قياداتهم الحكيمة: نحن أهل السلام، إنا لا نحب الحرب، وساقوا مع طنطنتهم المتكررة قوله - تعالى -: {وَإِنْ جَنَحُوا لِلسَّلْمِ فَاجْنَحْ لَهَا وَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ} [الأنفال: 61]، وللأسف الشديد أصبحت هذه الآية المباركة مَعْلمًا على السلام على طريقة الجبناء والخانعين، ينطقها الكبار، ويكتبها الصغار على أنها دليل وافٍ يثبت أن الإسلام دين السلام - وهو كذلك - لكنها غفلة عجيبة ما كان للأمة أن تقع فيها أبدًا؛ لأن هذه الآية بالذات تؤصل للجهاد ووسائله، وتؤكد عليه، وعلى العزة المنشودة في حياة المسلمين وحكامهم يوم أن يتمسكوا بالقوة التي تساعد على الجهاد في سبيل الله - تعالى.

كنا سنركن إلى السلام المشروط والمغموس ذلاًّ - مثل ما يَهْرِفُ أكارمُ الإعلامِ المُوَجَّهِ - لو كان الله - تعالى - قد قال: "وإن جنحوا للسلم فاجنح له"؛ لكنه - سبحانه - قد قال: {فَاجْنَحْ لَهَا}؛ أي (القوة)، فحتى السلام يحتاج إلى قوةٍ تحرُسه وترعاه، أمَا ترى أنه - سبحانه - يقول في الآية السابقة: {وَأَعِدُّوا لَهُمْ مَا اسْتَطَعْتُمْ مِنْ قُوَّةٍ وَمِنْ رِبَاطِ الْخَيْلِ تُرْهِبُونَ بِهِ عَدُوَّ اللَّهِ وَعَدُوَّكُمْ} [الأنفال: 60]، والجو العام للآيات وما قبلها، يتحدث عن الحرب، ونقض العهود، وتقسيم الغنائم، والخطط الحربية عند الخوف من خيانة الأعداء، وغيرها، فلا نامت هذه العيون الخائنة الوقحة!

إن الجهاد في الإسلام هو ذروة سنامه، وسيظل كذلك إلى قيام الساعة، وإن فلسطين بأسرها هي وديعة النبي الكريم - صلى الله عليه وسلم - في أعناقنا، وإن ما أصاب المسلمين من محنٍ بسطو اللصوص الأمريكية والأوروبية، والشرقية والغربية عليهم في جل بلاد الإسلام، ما هو إلا ترجمة عملية لترك الجهاد في سبيل الله - تعالى.

أوطاننا هي كل بلاد الإسلام:
لا تزال رحى الحروب الخؤونة دائرة في العراق، وأفغانستان، والصومال، وكشمير، وغيرها من أوطاننا الإسلامية، والمسلم الصادق مهمومٌ دائمًا بأمر أمَّته، مشغول بهمومها وآمالها؛ لأنه يكرر في نفسه دائمًا:

فِي طَيْبَةِ المُصْطَفَى عَهْدِي وَمَوْعِظَتِي هُنَاكَ يُنْسَجُ تَارِيخِي وَعِرْفَانِي
بِالشَّامِ أَهْلِي وَبَغْدَادُ الهَوَى وَأَنَا بِالرَّقْمَتَيْنِ وَبِالفُسْطَاطِ جِيرَانِي
أَلنِّيلُ مَائِي وَمِنْ عُمَانَ تَذْكِرَتِي وَفِي الجَزَائِرِ إِخْوَانِي وَتطْوَانِ
وَالوَحْيُ مَدْرَسَتِي الكُبْرَى وَغَارُ حِرَا بَدَايَتِي وَبِهِ قَدْ شَعَّ قُرْآنِي
وَثِيقَتِي كُتِبَتْ فِي اللَّوْحِ وَانْهَمَرَتْ آيَاتُهَا فَاقْرَؤُوا يَا قَوْمَ عُنْوَانِي
فَأَيْنَمَا ذُكِرَ اسْمُ اللَّهِ فِي بَلَدٍ عَدَدْتُ ذَاكَ الحِمَى مِنْ صُلْبِ أَوْطَانِي


إن الحرب لم تضع أوزارها بعدُ في أكباد البلاد من العالم الإسلامي، ولا تزال المخاوف مبثوثة في كل بقعة:

أَنَّى اتَّجَهْتَ إِلَى الإِسْلاَمِ فِي بَلَدٍ تَجِدْهُ كَالطَّيْرِ مَقْصُوصًا جَنَاحَاهُ


فماذا ينقم المخذِّلون على المجاهدين والمشتاقين إلى الجهاد؟ إن الواقع ينطق والحال يصرح: لم يبقَ إلا الجهاد، الذي هو وسيلة الصمود والبقاء، فمتى يستشعرون الخطر؟

إذا انتهكت محارمنا
إذا نُسفت معالمنا ولم تغضبْ
إذا قُتلت شهامتنا إذا دِيست كرامتنا
إذا قامت قيامتنا ولم تغضبْ
فأخبرني متى تغضب؟
إذا نُهبت مواردنا
إذا نكبت معاهدنا
إذا هُدمت مساجدنا، وظل المسجد الأقصى وظلت قدسنا تُغصبْ
ولم تغضبْ
فأخبرني متى تغضبْ؟

لم يبقَ إذًا إلا الجهادُ نورًا في ظلمة التمرغ في أوحال التبعية والتزلف إلى الأعداء، لست أدري تحت أي عنوان يضيف المسلمون أنفسهم في هذا الزمن؟ أهم من أهل العزة والمجد، أم من أهل التبعية والذل؟ وبأي وجه كذوب سيقابل المثبطون ربَّهم يوم الوعيد؟! والله يعلمهم ويخبر مكنونات قلوبهم {قَدْ يَعْلَمُ اللَّهُ الْمُعَوِّقِينَ مِنْكُمْ وَالْقَائِلِينَ لِإِخْوَانِهِمْ هَلُمَّ إِلَيْنَا وَلَا يَأْتُونَ الْبَأْسَ إِلَّا قَلِيلًا} [الأحزاب: 18].

التحذير من ترك الجهاد:
إن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يحذِّرنا من ترك الجهاد؛ حتى لا نكون عرضةً للذل، فعن عبدالله بن عمر قال: سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول: ((إذا تبايعتم بالعِينة، وأخذتم أذناب البقر، ورَضِيتم بالزرع، وتركتم الجهاد، سلَّط الله عليكم ذلاًّ، لا ينزعه حتى ترجعوا إلى دينكم))؛ ("سنن البيهقي" 10484).

ولقد كان اللوم عنيفًا من الله ورسوله على مَن ترك الجهاد، قال الله - تعالى - لما تلكأ المسلمون عن إجابة داعِيَ الجهاد يوم تبوك: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا مَا لَكُمْ إِذَا قِيلَ لَكُمُ انْفِرُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ اثَّاقَلْتُمْ إِلَى الْأَرْضِ أَرَضِيتُمْ بِالْحَيَاةِ الدُّنْيَا مِنَ الْآَخِرَةِ فَمَا مَتَاعُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا فِي الْآَخِرَةِ إِلَّا قَلِيلٌ} [التوبة: 38].

إن المخذِّلين والمعتذرين عن الجهاد؛ لأسباب تتعلق كلها بالوهن، والعبِّ من مباهج الدنيا على حساب الدين - يسابقون أشباههم على عهد رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فقد خطب النبي الكريم - صلى الله عليه وسلم - الناسَ لما أراد المسير إلى تبوك، فقال: ((يا أيها الناس، إني أريد الروم))، فأعلمهم، وذلك في زمان من البأس، وشدة الحر، وجدبٍ من البلاد، وحين كانت الثمار، والناس يحبون المقام في ثمارهم وظلالهم، ويكرهون الشخوص عنها، فبينما رسول الله صلى الله عليه وسلم ذات يوم في جهازه ذلك، قال للجد بن قيس: ((يا جد، هل لك في جلاد بني الأصفر؟))، فقال: يا رسول الله، ائذن لي ولا تفتنِّي، لقد علم قومي أنه ليس من أحدٍ أشد عجبًا بالنساء مني، وإني أخاف إن رأيت نساء بني الأصفر أن يفتنني، فأذنْ لي يا رسول الله، فأعرَضَ عنه وقال: ((قد أذنت لك))، فأنزل الله - تعالى -: {وَمِنْهُمْ مَنْ يَقُولُ ائْذَنْ لِي وَلَا تَفْتِنِّي أَلَا فِي الْفِتْنَةِ سَقَطُوا} [التوبة: 49]؛ (أخرجه البيهقي في "السير" 9/33، عن عروة مختصرًا).

وعلى شاكلة الجد بن قيس، كان أناس كثيرون على عهد النبي الكريم - صلى الله عليه وسلم - قد تخلفوا عن الجهاد، واختلقوا المعاذير التي لا تقبلها العقول، وقَبِل النبي - صلى الله عليه وسلم - منهم ما قالوا، وأنزل الله - عز وجل -: {فَرِحَ الْمُخَلَّفُونَ بِمَقْعَدِهِمْ خِلَافَ رَسُولِ اللَّهِ وَكَرِهُوا أَنْ يُجَاهِدُوا بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَقَالُوا لَا تَنْفِرُوا فِي الْحَرِّ قُلْ نَارُ جَهَنَّمَ أَشَدُّ حَرًّا لَوْ كَانُوا يَفْقَهُونَ} [التوبة: 81]، وقد عاتب الله - تعالى - نبيَّه الكريم - صلى الله عليه وسلم - على قبول هذه الأعذار الواهية، قال – تعالى -: {عَفَا اللَّهُ عَنْكَ لِمَ أَذِنْتَ لَهُمْ حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَكَ الَّذِينَ صَدَقُوا وَتَعْلَمَ الْكَاذِبِينَ} [التوبة: 43].

وبعد العودة من تبوك، كان العتاب قاسيًا على بعض المتخلفين بلا أعذار، وهم الذين كانت لهم سوابق الخير من قبل ذلك، وكانوا ثلاثة: الصحابة الأجلاء كعب بن مالك، ومعه مرارة بن الربيع، وهلال بن أمية - رضي الله عنهم أجمعين - وقد كان الثلاثة من الأفذاذ الذين لا يتخلفون عن الجهاد، إلا أنهم هذه المرة قد ثقلت بهم أبدانُهم عن اللحاق بالجيش، فأمر النبي - صلى الله عليه وسلم - بمقاطعتهم، وعدم الكلام معهم لمدة أربعين يومًا، ثم أمر النبي الكريم - صلى الله عليه وسلم - بفراق زوجاتهم، حتى يحكم الله فيهم، وبلغ زمان الحصار النفسي خمسين يومًا، حتى تنكرت الأرض والخلق، قال الله - تعالى -: {وَعَلَى الثَّلَاثَةِ الَّذِينَ خُلِّفُوا حَتَّى إِذَا ضَاقَتْ عَلَيْهِمُ الْأَرْضُ بِمَا رَحُبَتْ وَضَاقَتْ عَلَيْهِمْ أَنْفُسُهُمْ وَظَنُّوا أَنْ لَا مَلْجَأَ مِنَ اللَّهِ إِلَّا إِلَيْهِ ثُمَّ تَابَ عَلَيْهِمْ لِيَتُوبُوا إِنَّ اللَّهَ هُوَ التَّوَّابُ الرَّحِيمُ} [التوبة: 118]، وجاءت التوبة من الله - تعالى - على قدرٍ سعيدٍ بعدما أضنتهم الحيل لقبولها، والله بعباده رحيم.

أعذارٌ صادقةٌ:
أما أصحاب الأعذار الصادقة، فقد ضمن الله - تعالى - لهم أجورَهم، وقد سبقتهم نياتُهم وأشواقهم إلى الجهاد في سبيل الله، حينما كان يأتي أحدهم إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فيقول: يا رسول الله؛ زادًا وراحلة، ولا يملك لهم النبي الكريم جوابًا، وكانوا يعودون إلى بيوتهم وملء قلوبهم حزنٌ لا يوصف؛ من شدة الشوق إلى الجهاد، ويصف القرآن الكريم هذا المشهد الحيَّ، قال - تعالى -: {لَيْسَ عَلَى الضُّعَفَاءِ وَلَا عَلَى الْمَرْضَى وَلَا عَلَى الَّذِينَ لَا يَجِدُونَ مَا يُنْفِقُونَ حَرَجٌ إِذَا نَصَحُوا لِلَّهِ وَرَسُولِهِ مَا عَلَى الْمُحْسِنِينَ مِنْ سَبِيلٍ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ * وَلَا عَلَى الَّذِينَ إِذَا مَا أَتَوْكَ لِتَحْمِلَهُمْ قُلْتَ لَا أَجِدُ مَا أَحْمِلُكُمْ عَلَيْهِ تَوَلَّوْا وَأَعْيُنُهُمْ تَفِيضُ مِنَ الدَّمْعِ حَزَنًا أَلَّا يَجِدُوا مَا يُنْفِقُونَ} [التوبة: 91، 92]، وقال عنهم النبي الكريم - صلى الله عليه وسلم - وهو قافل بالرجوع إلى المدينة، فيما يرويه أنس بن مالك - رضي الله عنه - قال: لما رجع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - من غزوة تبوك، فدنا من المدينة، قال: ((إن بالمدينة لقومًا، ما سِرتُم من مسيرٍ، ولا قطعتم واديًا، إلا كانوا معكم فيه))، قالوا: يا رسول الله، وهُمْ بالمدينة؟! قال: (( وهم بالمدينة؛ حبسهم العذرُ))؛ ("سنن ابن ماجه" 2764).

والحمد لله لا تزال في الأمة بقيةٌ كبرى من هذه النماذج الطيبة، المشتاقة إلى الجهاد في سبيل الله – تعالى - وعذرُهم الوحيد أنهم لا يجدون طريقًا، ولا يهتدون سبيلاً إلى ملاقاة أعداء الله والدين، يتمنى المخلصون من هذه الأمة ألاَّ يحُول بينهم وبين الجهاد في سبيل الله قرارُ حاكم لا يخشى إلا أعداءه، ولا يطمع إلا في حياةٍ لا تسرُّ صديقًا، ولا تنكأُ عدوًّا.

متى تضع الحرب أوزارها؟

وستظل بإذن الله - تعالى - رحى الحرب دائرةً على قدرٍ موعودٍ، حتى يأذن الله بيوم من أيامه، التي يعز بها الحق وأهله، ويزهق الباطل وحزبه.

ستضع الحرب أوزارها في آخر الزمان، بعد نزول المسيح نبي الله عيسى ابن مريم، الذي سينزل بالعدل مقسطًا، ويكسر الصليبَ، ويريق الخمر، ويقتل الخنزير.

ستضع الحرب أوزارها، عندما يحتدم القتال بين المسلمين واليهود، الذي أخبر عنه حديث أبي هريرة - رضي الله عنه - أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: ((لا تقوم الساعة حتى يقاتل المسلمون اليهود، فيقتلهم المسلمون، حتى يختبئ اليهود من وراء الحجر والشجر، فيقول الحجر أو الشجر: يا مسلم، يا عبدالله، هذا يهودي خلفي، فتعالَ فاقتله، إلا الغرقد، فإنه من شجر اليهود))؛ ("صحيح مسلم" 2922).

وساعتها سيتميز مَن بكى ممن تباكى، وسيظهر المعدن الحقيقي للجبناء الغاصبين من اليهود المترسين الآن خلف الترسانة العسكرية الأمريكية، حيث لا ينفعهم مَن عاوَنهم على الظلم، والبغي في الأرض بغير الحق، ولن يُجيرهم من جند الله الظافرين شفيعٌ ولا نصير.

والحمد لله في بدء وفي ختم.


الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
 
رحى الحرب لا تزال دائرة
الرجوع الى أعلى الصفحة 
صفحة 1 من اصل 1
 مواضيع مماثلة
-
» دائرة المحرمات أضيق بكثير جدا من دائرة الحلال والمباحات
»  أخلاقيات الحرب في الإسلام
» يقولون نخشى أن تصيبنا دائرة
» الحرب على الحجاب!
»  الحرب على التائبات

صلاحيات هذا المنتدى:لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى
اسلام ويب :: ۩✖ منتدي الاسلاميات العامه ۩✖ :: مقــــالات اســــلاميه :: خطب مقـــرؤه-
انتقل الى: