اسلام ويب
هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.



 
الرئيسيةأحدث الصورالتسجيلدخول

من فقه الدعاء يقول سيدنا عمر بن الخطاب - رضي الله عنه -: "أنا لا أحمل همَّ الإجابة، وإنما أحمل همَّّ الدعاء، فإذا أُلهمت الدعاء كانت الإجابة معه". وهذا فهم عميق أصيل ، فليس كل دعاء مجابًا، فمن الناس من يدعو على الآخرين طالبًا إنزال الأذى بهم ؛ لأنهم ينافسونه في تجارة ، أو لأن رزقهم أوسع منه ، وكل دعاء من هذا القبيل ، مردود على صاحبه لأنه باطل وعدوان على الآخرين. والدعاء مخ العبادة ، وقمة الإيمان ، وسرّ المناجاة بين العبد وربه ، والدعاء سهم من سهام الله ، ودعاء السحر سهام القدر، فإذا انطلق من قلوب ناظرة إلى ربها ، راغبة فيما عنده ، لم يكن لها دون عرش الله مكان. جلس عمر بن الخطاب يومًا على كومة من الرمل ، بعد أن أجهده السعي والطواف على الرعية ، والنظر في مصالح المسلمين ، ثم اتجه إلى الله وقال: "اللهم قد كبرت سني ، ووهنت قوتي ، وفشت رعيتي ، فاقبضني إليك غير مضيع ولا مفتون ، واكتب لي الشهادة في سبيلك ، والموت في بلد رسولك". انظر إلى هذا الدعاء ، أي طلب من الدنيا طلبه عمر، وأي شهوة من شهوات الدنيا في هذا الدعاء ، إنها الهمم العالية ، والنفوس الكبيرة ، لا تتعلق أبدًا بشيء من عرض هذه الحياة ، وصعد هذا الدعاء من قلب رجل يسوس الشرق والغرب ، ويخطب وده الجميع ، حتى قال فيه القائل: يا من رأى عمرًا تكسوه بردته ** والزيت أدم له والكوخ مأواه يهتز كسرى على كرسيه فرقًا ** من بأسه وملوك الروم تخشاه ماذا يرجو عمر من الله في دعائه ؟ إنه يشكو إليه ضعف قوته ، وثقل الواجبات والأعباء ، ويدعو ربه أن يحفظه من الفتن ، والتقصير في حق الأمة ، ثم يتطلع إلى منزلة الشهادة في سبيله ، والموت في بلد رسوله ، فما أجمل هذه الغاية ، وما أعظم هذه العاطفة التي تمتلئ حبًا وحنينًا إلى رسول الله - صل الله عليهلم -: (أن يكون مثواه بجواره). يقول معاذ بن جبل - رضي الله عنه -: "يا بن آدم أنت محتاج إلى نصيبك من الدنيا ، وأنت إلى نصيبك من الآخرة أحوج ، فإن بدأت بنصيبك من الآخرة ، مرّ بنصيبك من الدنيا فانتظمها انتظامًا ، وإن بدأت بنصيبك من الدنيا ، فائت نصيبك من الآخرة ، وأنت من الدنيا على خطر). وروى الترمذي بسنده عن النبي - صل الله عليهلم -: أنه قال: ((من أصبح والآخرة أكبر همه جمع الله له شمله ، وجعل غناه في قلبه ، وأتته الدنيا وهي راغمة ، ومن أصبح والدنيا أكبر همه فرَّق الله عليه ضيعته ، وجعل فقره بين عينيه ولم يأته من الدنيا إلا ما كُتب له)). وأخيرًا .. أرأيت كيف أُلهم عمر الدعاء وكانت الإجابة معه ، وصدق الله العظيم إذ يقول: (وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ فَلْيَسْتَجِيبُوا لِي وَلْيُؤْمِنُوا بِي لَعَلَّهُمْ يَرْشُدُونَ) (186)" (البقرة:186).


 

 وفاته عليه الصلاة والسلام أعظم مُصابٍ أُصيبَت به الأمة؛ فأيُّ احتفالٍ بعدَهُ؟!

اذهب الى الأسفل 
كاتب الموضوعرسالة


avatar


نقــاط : 99315
وفاته عليه الصلاة والسلام أعظم مُصابٍ أُصيبَت به الأمة؛ فأيُّ احتفالٍ بعدَهُ؟! Oooo14
وفاته عليه الصلاة والسلام أعظم مُصابٍ أُصيبَت به الأمة؛ فأيُّ احتفالٍ بعدَهُ؟! User_o10

وفاته عليه الصلاة والسلام أعظم مُصابٍ أُصيبَت به الأمة؛ فأيُّ احتفالٍ بعدَهُ؟! Empty
مُساهمةموضوع: وفاته عليه الصلاة والسلام أعظم مُصابٍ أُصيبَت به الأمة؛ فأيُّ احتفالٍ بعدَهُ؟!   وفاته عليه الصلاة والسلام أعظم مُصابٍ أُصيبَت به الأمة؛ فأيُّ احتفالٍ بعدَهُ؟! Emptyالأحد 19 مايو 2013 - 16:16

وفاته عليه الصلاة والسلام أعظم مُصابٍ أُصيبَت به الأمة؛ فأيُّ احتفالٍ بعدَهُ؟!

الحمد لله المُتفرِّد بالخلق إيجادًا وإفناءً، أحمده – سبحانه – وأشكره، هو القيوم دوامًا وبقاءً، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له شهادةً نرجوا بها اتباعًا واهتداءً، وأشهد أن نبينا وحبيبنا محمدًا عبدُ الله ورسوله خيرُ البرية سيرةً بلجاءً، وسريرةً مُطهَّرةً زهراء، اللهم فصلِّ وسلِّم عليه صلاةً تُوفِّي حقَّه كفاءً، وبارِك – يا ربنا – على آله السامين زكاءً وصفاءً، وصحبه الكرام حبًّا وولاءً واصطفاءً، ومن تبعهم بإحسان يرجو في الجنان ارتقاءً، وبالأبرار التقاءً.

أما بعد:
فخيرُ ما يُستفتحُ به الكلام: الوصيةُ بتقوى الله على الدوام، وطاعة الملك العلام، ولزوم سنة سيد الأنام: {وَمَن يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَيَخْشَ اللَّهَ وَيَتَّقْهِ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الْفَائِزُون} [النور: 52].

عباد الله:
كل قضية إلى نسيان ودروس، وكل أمرٍ مُلِمٍّ إلى انمحاءٍ وطموس، وكل اعتلاءٍ إلى ارتدادٍ ونكُوص، ولكن دين الإسلام العالمي الرباني – بفضل الله – إلى ثباتٍ وخلود وانطلاق، وسيرة المصطفى - صلى الله عليه وسلم – في انتشار وامتداد وائتلاق {وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلاَّ رَحْمَةً لِّلْعَالَمِين} [الأنبياء: 107].

أمة الإسلام:
السيرة النبوية المباركة هي المعينُ السلسال، والأنمولجُ المُشرقُ الكمال، الهادي دون مباءة الضلال، وهي النور الوضَّاء لكل المجتمعات والأجيال، وإن التوارد على حِكَمها وآدابها، وفقهها ولُبابها، والذب عن مقاصدها وآرابها لمن دلائل النصح والتوفيق، والاهتداء إلى أقوم طريق.

يُؤكَّد ذلك – يا رعاكم الله – حينما يرى الغيور مواطن خللٍ في الأمة في فهم جوانب من السيرة النبوية تحتاج إلى مزيد تأمُّل وتأصيل، وتجلية وتحليل.

في نُبُوٍّ عن الأطروحات العاطفية، والنظرات الشكلية، بيْد أن من جوانب السيرة العطِرة حدثًا عظيمًا أثَّر على مجرى التأريخ؛ إنه حدثٌ يذهبُ بالألباب، ويطيشُ بالحِجا والصواب، إنه رُزْؤٌ مُفجِّعٌ فادِح، وجَلَلٌ مُفزِّعٌ قادح، قد هزَّ الآفاق، وقرَّح الأحداق؛ إذ لم يعرف التاريخُ خطْبًا هزَّ العالم مثله، ولم تُصَب الأمة برزيَّةٍ أعظم منه؛ ذلكم هو مُصاب وفاته وفراقه، ونبأ موته والتحاقه، بأبي هو وأمي - صلى الله عليه وسلم.

فالتذكير بمُصاب خير البشر إنما يرِد لاستكناه العِظات والعِبَر، لا لاستجاشة الدموع الدِّرَر، فكما كانت حياتُه - صلى الله عليه وسلم – متدفقةً دعوةً وهدايةً وبناءً، فكذلك كانت وفاتُه – عليه الصلاة والسلام – نضَّاخةً دروسًا وعبرًا واقتداءً، تستخلص الأمة عَبَقَ مغازيها، وتترسَّمُ شُمَّ معانيها؛ إذ كيف للأمة الاتباع والهداية أن تُحدِث في إشراقات البداية، وتغفُل عن مواطن الادِّكار في النهاية.

بل كيف تذهلُ العقول عن فاجعة الوفاة في إعراضٍ وانتفال، وتُيمِّمُ شطر المولد للإحداث والاحتفال، فيا لله العجب؛ كيف يكون الفرح بيوم حياته أولَى من الحزن على يوم وفاته، والله – عز وجل – يقول: {وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانتَهُوا} [الحشر: 7].

والمصطفى - صلى الله عليه وسلم – يؤكِّد ذلك بقوله: ((من عمل عملاً ليس عليه أمرُنا فهو ردٌّ))؛ خرَّجه مسلمٌ في (صحيحه).

أيها المؤمنون:
وبعد أن أكمل الله الدين، وأتمَّ على البشرية النعمة، وبلَّغ المصطفى - صلى الله عليه وسلم – الأمانة، وأدَّى الرسالة، وهدى البشرية من الضلالة، وعلَّمها من الجهالة، وانتحى بها إلى قِمم المجد والعز والجلالة، أنزل الحق عليه سورة النصر ناعيًا إياه في أول مقدمات الوفاة، فكل أمر اكتمل واستتم فالتسبيحُ والاستغفار عقِبَه خيرُ مُختَتم.

وفيه أيضًا: أن الاستغفار ساعة الانتصار دليلُ الشكر والذل والانكسار، وقد أومأ - صلى الله عليه وسلم – لأصحابه بدُنُوِّ أجله، وعرَّض باقتراب فراقه، ففي حجة الوداع من السنة العاشرة خَطَبَ – عليه الصلاة والسلام – الناس وودَّعهم، قائلاً - فيما خرَّجه مسلمٌ في (صحيحه) -: ((فلعلِّي لا ألقاكم بعد عامي هذا)).

إخوة الإسلام:
ولما حضرَت الحبيب المصطفى - صلى الله عليه وسلم – الوفاة أخذه ألمٌ في رأسه، ثم ثقُل عليه الوجع، فكانت حُمًّى شديدة تنتاب جسده الشريف، بأبي هو وأمي - صلى الله عليه وسلم -، فعن أبي سعيد الخدري – رضي الله عنه – قال: خرج رسول الله - صلى الله عليه وسلم – في مرضه الذي مات فيه وهو معصوب الرأس، فقام على المنبر فقال: ((إن عبدًا عُرِضَت عليه الدنيا وزينتها فاختار ما عند الله)) فلم يفطن لها أحدٌ من القوم إلا أبو بكرٍ – رضي الله عنه، فقال: بأبي وأمي، بل نفديك بأموالنا وأنفسنا وأولادنا؛ أخرجه أحمد وابن حبان.

فلم يفهم المراد غيرُ حفيِّه ونجيِّه – رضي الله عنه وأرضاه، وأعلم الأمة بمقاصد رسول الله – صلوات الله وسلامه عليه -، ولا غرو فهو ثاني اثنين إذ هما في الغار، فأكرِم بصدِّيق هذه الأمة صفيِّ النبي المختار، عليه الصلاة تترى، والسلام المدرار.

إخوة الإيمان:
ولما تفاقم المرض بالمصطفى - صلى الله عليه وسلم – استأذن زوجاته أن يُمرَّض في بيت عائشة – رضي الله عنها، وذلك من خُلُقه العظيم، ووُدِّه المكين، فخرج من بيت ميمونة يتوكَّأ بين الفضل بن عباس وعليٍّ – رضي الله عنهم أجمعين -، لا يستطيع مسيرًا.

ومع اشتداد الألم للمصطفى – عليه الصلاة والسلام – كانت زهرة حياته فاطمة – رضي الله عنها – تلتاع فتقول: واكرب أبتاه، فيقول - صلى الله عليه وسلم -: ((ليس على أبيك كربٌ بعد اليوم))؛ خرَّجه البخاري في (صحيحه).

وفي ذلك عزاءٌ لأهل المحن وتسلية، واصطبارٌ وتسلية، قال الإمام القرطبي – رحمه الله -: (أحبَّ الله أن يبتلي أصفياءه تكميلاً لفضائلهم، ورفعةً لدرجاتهم، وليس نقصًا في حقهم، مع رضاه بجميل ما يُجريه عليهم).

معاشر المسلمين:
وثقُلت وطأة الداء بالجسد الطاهر الكريم حتى أنهَكَته دون الخروج، فسأل عن المسلمين وصلاتهم، في (الصحيحين) من حديث عائشة – رضي الله عنها – قالت: قال – عليه الصلاة والسلام -: ((أصَلَّى الناس؟)). قلنا: هم ينتظرونك يا رسول الله، فقال: ((ضعوا لي ماءً في المِخضَب))، ففعلوا فاغتسل، ثم ذهب لينوء؛ أي: ليقوم، فأُغمِيَ عليه، ثم أفاق فقال: ((أصَلَّى الناس؟)). كرَّر ذلك ثلاثًا، لكنه لم يقوَى بأبي هو وأمي - صلى الله عليه وسلم -، فقال: ((مُروا أبا بكرٍ فليُصلِّ بالناس)). وفي ذلك إشارة لأهليته وأوليته بالخلافة – رضي الله عنه وأرضاه.

إخوة العقيدة:
وفي تلك الأيام الحزينة المُعتكرة الأليمة، بلياليها الساجية الثقيلة التي آذنَت بانقطاع الوحي من السماء، وغروب شمس النبوة، كان المُجتبى – عليه صلوات الله وسلامه – يُحذِّر من قضية مهمة لا تزال الأمة تنوء بكلكلها؛ ذلكم هي الشرك بالله، فقد كانت عليه خميصة إذا اغتمَّ كشفها عن وجهه، فقال: ((لعن الله اليهود والنصارى؛ اتخذوا قبور أنبيائهم مساجد)) يُحذِّر ما صنعوا، وذلك هو التأكيد الأكيد على دعوة التوحيد، ونبذ الشرك والتنديد.

ومن معاقد الخير التي أرشد إليها، وحثَّ عليها وهو في شدةٍ غالبة، وعلةٍ كائبة: ما ورد عن أنس بن مالك – رضي الله عنه – قال: كانت عامة وصية رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: ((الصلاة الصلاة، وما ملكت أيمانكم)) يُغرغر بها صدره، وما يكاد يفي بها لسانُه.

فيا أمة الإسلام:
اللهَ اللهَ في حفظ عمود الإسلام، فإنها وصية خير الأنام، ومفتاح الخير والسعادة، ومعراج الروح والإفادة، وركن الإسلام الذي رحِم الله به عباده.

وأما ما ملكت أيمانكم؛ فمن نساءٍ وبنين، وخدمٍ ومأمورين، فاجتهدوا في معاملتهم بالحسنى واللطف، واحتسبوا الأجر فيهم بالرفق والعطف، فذو المرتبة يحنو على ذي المتربة وصولاً إلى المجتمع الإسلامي المتراحم المتلاحم.

أحبة المصطفى - صلى الله عليه وسلم -:
وعن آخر النظرات لسيد البريات التي تُجهِشُ باللوعات والزفرات يصِفُ لنا أنسُ بن مالك – رضي الله عنه – مشهدًا مهيبًا، ومُطَّلعًا للحبيب رغيبًا، لله ما كان عنده أبهاه وأروعه، ولله ما كان أزكاه وأسنعه وأبدعه، يقول – رضي الله عنه -: حتى إذا كان يوم الاثنين وهو صفوفٌ – أي: الصحابة الكرام – في الصلاة، كشف النبي - صلى الله عليه وسلم – ستر الحُجرة ينظر إلينا وهو قائمٌ، كأن وجهه ورقة مصحف.

قصدٌ في الحسن والاستنارة، ثم تبسَّم يضحك، فهممنا أن نبتسم من الفرح لرؤية النبي - صلى الله عليه وسلم -، فتأخر أبو بكر – رضي الله عنه – ليصِل الصف، فأشار إلينا النبي - صلى الله عليه وسلم – أن أتِمُّوا صلاتكم، وأرخى الستر، فتُوفِّي من يومه – عليه الصلاة والسلام.

فيا لله؛ ما أعظمها من بليَّة وفاجعة، وما أشدها من نازلة وواقعة.

ومُدَّت أكُفٌّ للوداع تصافَحَت وكادَت عيونٌ للفراق تسيلُ
همَمتُ بتوديع الحبيب فلم أُطِق فودَّعتُه بالقلب، والعينُ تدمعُ

إخوة الإيمان:
إثر ذلك حُمَّ القضاء، وأُبرِم في الأرض ما قدَّره الله في السماء، واشتدَّت بحبيبنا حُمَّاه، واستباح الموت حِماه، قالت أم المؤمنين عائشة – رضي الله عنها – وكانت بين يديه - صلى الله عليه وسلم – رَكوَة، فجعل يُدخِلُ يدَه في الماء، فيمسح بها وجهه، ويقول: ((لا إله إلا الله، إن للموت لسكرات))، ثم نصب يدَه فجعل يقول: ((اللهم في الرفيق الأعلى، اللهم في الرفيق الأعلى)) يُردِّدها حتى قُبِض ومالت يدُه. مُخرَّج في (الصحيحين).

لا إله إلا الله، بتلك الكلمات من دُرر الخلود، وبتلك المعاني من نفحات النور والقُدُس، التحق حبيب القلوب، ورسول علاَّم الغيوب بالرفيق الأعلى.

قال الحافظ ابن حجر – رحمه الله -: (قوله - صلى الله عليه وسلم -: ((إن للموت لسكرات)) دليلٌ على جواز توجُّع المريض، والمُعوَّل في ذلك على عمل القلب، لا على نطق اللسان).

فكم من ساكتٍ وهو ساخط، وكم من شاكٍ وهو راضٍ.

خَطْبٌ أجلُّ أناخ بالإسلام بين النخيل ومعقد الآطام
قُبِض النبي محمدٌ فعيوننا تذري الدموع عليه بالتَّسْجَامِ

وسرى خبر الفاجعة بين الجموع، وانحدرت العبرات والدموع، وغدَت المحاجر في انهمار وهُموع، واستحكم الذهول بالعقول، وحُقَّ لهم ذلك؛ أليست هي وفاة أعظم نبيٍّ وأكرم رسول؟!

فبكِّي رسولَ الله يا عينُ عبرةً ولا أعرفنك الدهر دمعُك يجمُدُ
وما فقد الماضون مثل محمدٍ ولا مثلُه حتى القيامة يُفقَد

وامتثل أبو بكر – رضي الله عنه – متجهًا شطر رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، فوجده مُسجًّى بثوب حَبِرة، فقبَّلَه وبكى، وقال: بأبي أنت وأمي، طِبتَ حيًّا وميتًا، وخرج على الناس وعمر – رضي الله عنه – مأخوذٌ بهول الخَطْب، وحال الصحب الكرام في هذه الرزيَّة كالغنم النطيرة في الليلة الشاتية؛ لا تهتدي سبيلاً، فقال أبو بكرٍ قولته الشهيرة: (من كان يعبد محمدًا فإن محمدًا قد مات، ومن كان يعبد الله فإن الله حيٌّ لا يموت) وتلا قوله تعالى: {وَمَا مُحَمَّدٌ إِلاَّ رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِن قَبْلِهِ الرُّسُلُ أَفَإِن مَّاتَ أَوْ قُتِلَ انقَلَبْتُمْ عَلَى أَعْقَابِكُمْ} [آل عمران: 144]، فكأن الناس لم يعلموا هذه الآية حتى تُلِيَت عليهم.

وقال عمر – رضي الله عنه – وفي صدره من غُصَص الأذى ما يُذهِبُ الحَشا: والله ما هو إلا أنْ سمعت أبا بكرٍ تلاها فعُقِرتُ ما تُقلُّني رجلاي، وحتى أهويتُ إلى الأرض، وعلمتُ أن النبي - صلى الله عليه وسلم – قد مات؛ أخرجه البخاري.

وفي هذا الموقف الحاسم دليلٌ على شجاعة الصدِّيق، ورباطة جأشه عند حلول المصائب، وهو الأثيث الرقيق، وبرهان وفرة علمه – رضي الله عنه وأرضاه -؛ حيث كشف اضطراب الصحابة بنور الوحي والإصابة.

اغبرَّ آفاق السماء وكُوِّرَت شمسُ النهار وأظلم العصران
والأرض من بعد النبي كئيبةٌ أسفًا عليه كثيرةُ الرُّجْفان

أيها المسلمون:
وتُوفِّي سيد الأنام – عليه الصلاة والسلام – في السنة الحادية عشرة من الهجرة، عن ثلاثة وستين عامًا قضاها في الدعوة والبلاغ والهداية والإصلاح، وغُسِّل في ثيابه كرامةً له، وصُلِّي عليه أرسالاً؛ الرجال، ثم النساء، ثم الصبيان دون أن يؤمَّهم أحد، ودُفِن حيث قُبِض، صلوات رب البرية تترى عليه بكرةً وعشية، وفارق الصحبَ الكرام مَنْ كان نجوى أرواحهم الظمأ الرغاد، ونبع أفئدتهم الخاشع المُنساب.

تكدَّر من بعد النبي محمدٍ عليه سلامٌ كل من كان صافيا
فلو أن رب العرش أبقاك بيننا سعِدنا، ولكن أمرُه كان ماضيا

وأبلغ من ذلك وأعز: قول المولى – جل وعزّ -: {إِنَّكَ مَيِّتٌ وَإِنَّهُم مَّيِّتُون * ثُمَّ إِنَّكُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ عِندَ رَبِّكُمْ تَخْتَصِمُون} [الزمر: 30- 31].

وقالت فاطمة – رضي الله عنها – قولاً هطل من سُحُب الحزن الآلمة، ولكن في صبرٍ واحتساب: يا أبتاه ! أجاب ربًّا دعاه، يا أبتاه ! إلى جبريل ننعاه، يا أبتاه ! جنة الفردوس مأواه، ثم قالت: يا أنس ! أطابَت أنفسكم أن تحثوا على رسول الله - صلى الله عليه وسلم – التراب.

وراحوا بحزنٍ ليس فيهم نبيُّهم وقد ذهبَت منهم ظهور وأعضُدُ
وهل عدَلَت يومٌ رزيَّةُ هالكٍ رزيَّةَ يومٍ مات فيه محمدُ؟!

ولكن إلى الرفيق الأعلى؛ حيث المآب الكريم، والثواب العظيم {وَمَا جَعَلْنَا لِبَشَرٍ مِّن قَبْلِكَ الْخُلْدَ أَفَإِن مِّتَّ فَهُمُ الْخَالِدُون * كُلُّ نَفْسٍ ذَائِقَةُ الْمَوْتِ وَنَبْلُوكُم بِالشَّرِّ وَالْخَيْرِ فِتْنَةً وَإِلَيْنَا تُرْجَعُون} [الأنبياء: 34- 35].

وبعد، عباد الله:
فهذه شذراتٌ من حادثة وفاة سيد البشر، خذوا منها الدروس والعِظات والعِبَر، فاتقوا الموت وهجمته، والقبر وضجعته، واحذروا غرور الدنيا ومكائدها، وفتنها ومصائدها، ملتزمين سنة خير البرية، السنةَ السنةَ، غير مُغيِّرين ولا مُبدِّلين، مُتدرِّعين بالصبر عند كل محنةٍ وبليَّة، فليس بعد موت المصطفى من مصيبة ورزيَّة.

اصبر لكل مُصيبةٍ وتجلَّد واعلم بأن المرء غيرُ مُخلَّد
وإذا أتتك مُصيبة تُشجَى بها فاذكر مُصابك بالنبي محمدِ

صلوات ربي الزكية وتسليماته الثنية تترى عليه، وعلى آله أُولِي المناقب العليَّة، وصحبه أُولِي السجايا الرضية، والتابعين ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين.
أقول قولي هذا، وأستغفر الله العظيم الجليل لي ولكم، ولكافة المسلمين من كل ذنب، فاستغفروه وتوبوا إليه، إن ربي لغفور رحيم.


الخطبة الثانية
الحمد لله، امتنَّ علينا ببعثة خير البشر، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له شهادة من خضع لله وائتمر، وأشهد أن نبينا وسيدنا محمدًا عبده ورسوله إمام المرسلين الغُرُر، الشافع المُشفَّع في المحشر، صلى الله وسلَّم وبارَك عليه، وعلى آله وصحبه السادات الخِيَر، ومن تبعهم بإحسانٍ ما تآلَفَ خُبْرٌ وخَبَر، وما عَما رُكامٌ بمطر، وما اتصلت عينٌ بنظر، وأذنٌ بخبر.

أما بعد، فيا عباد الله:
اتقوا الله تعالى وأطيعوه، واقتدوا بنبيكم - صلى الله عليه وسلم – ولا تعصوه، تُفلِحوا وتسعدوا، وتفوزوا وتمجدوا.

أمة السيرة الزكية، والمسيرة الثنيَّة:
لقد التحق المُجتبى - صلى الله عليه وسلم – بالرفيق الأعلى، وإن حبَّه حيٌّ في قلوبنا مغروس، وسيرته تُعطِّر الأرجاء والنفوس، وقد أورثنا شريعة خالدةً وقرآنًا، وأمةً خيرَ الأمم برهانًا.

وإنه لمن العزة والنصر والثبات في الأمر: أن نأخذ أنفسنا وأجيالنا بدروس السيرة النبوية، والوصايا المحمدية المُصطفوية، وأن تكون مرتعًا لانطلاقنا عقيدةً وعلمًا، وخُلُقًا وسلوكًا، وأن نطبع أنفسنا وقِيَمنا على غرارها، وحياتنا على هديها ومنارها؛ لأنها للعالمين الأولين والآخرين النور الوهَّاج والهدى البهَّاج {قُلْ إِن كُنتُمْ تُحِبُّونَ اللّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللّهُ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ} [آل عمران: 31].

أيها الأحبة الأكارم:
ومع الفضائل الربانية الباهرة، والشمائل المحمدية الزاهرة للمُرسل رحمةً للعالمين، وعلى الرغم من المؤتمرات الحوارية العالمية الهادفة يتكرَّر التطاوُل الكفور، والبُهتُ الغدور على جناب نبينا وحبيبنا محمد - صلى الله عليه وسلم – وأخيه عيسى – عليهما الصلاة والسلام – من قِبَل قنوات صهيونية أفَّاكة، وهؤلاء البَهَتة الأفاكل ما كفاهم إجرامُهم في غزة العزة حتى امتد إلى الأنبياء الكرام – عليهم الصلاة والسلام، وهل تلك إلا سجيتهم في قديم الدهر وحديثه؟! ألا شاهت وجوه المعتدين الظالمين.

إخوة الإسلام، أتباع سيد الأنام:
ومُقتضى محبة المصطفى - صلى الله عليه وسلم – ونصرته: محبة آل بيته الأطهار، وصحابته الأبرار، فحبُّهم جوازٌ على الصراط، وبُرهان الإيمان المُورِثُ للبِشْر والاغتباط، فنُشهِدُ الله وملائكتَه والناس أجمعين على حبه – عليه الصلاة والسلام – وحب آل بيته الطيبين الطاهرين، وحب جميع صحابته الغُرِّ الميامين.

هذا؛ واعملوا – وفقكم الله – أن من دلائل الحب والاقتداء، والنصرة والائتساء: دوام الصلاة والسلام على إمام الحنفاء، فمن داوم على الصلاة والسلام عليه كشف الله عنه همومًا لا تُحصَى، ونفَّث عنه كروبًا لا تُستقصَى.

فيا فوز من صلَّى عليه من الورى فذاك بتثقيلٍ لميزانه خُصَّا

وقد قال المولى – عز وجل – قولاً كريمًا، تشريفًا لنبينا وتكريمًا، وإرشادًا للعباد وتعليمًا: {إِنَّ اللَّهَ وَمَلاَئِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا} [الأحزاب: 56].

يا فوز من صلى عليه فإنه يحوي الأماني بالنعيم السرمدِ
أحبَّتنا ! صلُّوا عليه لتظفروا بالبِشْر والعيش الهنيِّ الأرغدِ
صلَّى عليه الله جل جلالُه ما لاحَ في الآفاق نجمٌ فرقدِ

اللهم صلِّ وسلِّم وبارِك على نبينا وحبيبنا وقدوتنا وسيدنا محمد بن عبد الله الهاشمي القرشي، من شرَّفته على سائر الأنام، ورفعته إلى أشرف محل ومقام، وجعلتَه دليلاً لنا إلى دار السلام، اللهم فكما أمرتنا بالصلاة والسلام عليه، فاسلُكنا في زُمرته، واجعلنا ممن اهتدى بسنته، وفاز بمحجَّته، وسعِد بمحبَّته، وائتمَّ بشِرعته.

اللهم أكرِمنا بشفاعته، وأورِدنا حوضَه، واسقِنا بيده الشريفة شربةً لا نظمأُ بعدها أبدًا، واجزِه عنا خير ما جزيتَ نبيًّا عن قومه.

جزى الله عنا كلَّ خيرٍ محمدًا فقد كان مهديًّا وكان هاديًا
وكان رسول الله روحًا ورحمةً ونورًا وبُرهانًا من الله باديًا

اللهم وارض عن الأربعة الخلفاء، الأئمة الحنفاء، ذوي القدر العليّ، والشرف الجليّ: أبي بكرٍ، وعمر، وعثمان، وعليّ، ومن سار على نهجهم واقتفى، يا خير من تجاوز وعفا.

اللهم أعِزَّ الإسلام والمسلمين، اللهم أعِزَّ الإسلام والمسلمين، وأذِلَّ الشرك والمشركين، ودمِّر أعداء الدين، واجعل هذا البلد آمنًا مطمئنًّا سخاءً رخاءً، وسائر بلاد المسلمين.

اللهم آمِنَّا في أوطاننا، اللهم آمِنَّا في أوطاننا، وأصلِح أئمتَنا وولاة أمورنا، وأيِّد بالحق إمامنا ووليَّ أمرنا، اللهم وفِّقه لما تحب وترضى، وخُذ بناصيته للبر والتقوى.

اللهم وفِّق إمامنا خادم الحرمين الشريفين، اللهم أعِزَّه بطاعتك، وارزقه البِطانة الصالحة، واجمع به كلمة المسلمين على الحق والهدى يا رب العالمين، اللهم اجزه خير الجزاء على ما قدَّم للإسلام والمسلمين، وجمع كلمتهم، وتنقية أجوائهم، وتحقيق المُصالحة بين فئاتهم، يا حي يا قيوم.

اللهم وفِّق وليَّ عهده لما تحب وترضى، اللهم وفِّقه لما تحب وترضى، اللهم أسبِغ عليه لباس الصحة والعافية، يا ذا الجلال والإكرام، اللهم وفِّقه وإخوانه وأعوانه إلى ما فيه عزُّ الإسلام وصلاح المسلمين.

اللهم وفِّق جميع ولاة المسلمين لتحكيم شرعك، واتباع سنة نبيك - صلى الله عليه وسلم -، اللهم احفظ على هذه البلاد عقيدتها، وقيادتها، وإيمانها، وأمنها، واستقرارها يا ذا الجلال والإكرام، اللهم احفظها وسائر بلاد المسلمين من عدوان المُعتدين، ومن كيد الكائدين.

اللهم وفِّق رجال أمننا، اللهم وفِّق رجال أمننا، اللهم واجزهم خيرًا على ما قدَّموا من مُنجَزات، وعلى ما حقَّقوا من إنجازات، يا حي يا قيوم، يا ذا الجلال والإكرام.

اللهم وفِّق المسلمين قاطبةً إلى ما تحب وترضى، اللهم اهدِ ضالَّهم، اللهم اشف مريضهم، اللهم ارحم موتاهم يا أرحم الراحمين، اللهم فرِّج همَّ المهمومين من المسلمين، ونفِّث كرب المكروبين، واقض الدَّين عن المدينين، واشف برحمتك مرضانا ومرضى المسلمين.

{رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الآخِرَةِ حَسَنَةً وَقِنَا عَذَابَ النَّار} [البقرة: 201].

اللهم أنت الله لا إله إلا أنت، أنت الغني ونحن الفقراء، أنزِل علينا الغيث ولا تجعلنا من القانطين، اللهم أغِثنا، اللهم أغِثنا، اللهم أغِثنا، اللهم اجعل ما أصاب البلاد من رياحٍ رياحَ خيرٍ وبركة، اللهم إنا نسألك من خيرها وخير ما أُمِرَت به، ونعوذ بك من شرها وشر ما أُمِرَت به، اللهم فأتبِعها بالأمطار الغِزار، والغيث المِدرار، يا حي يا قيوم، يا ذا الجلال والإكرام.

{رَبَّنَا تَقَبَّلْ مِنَّا إِنَّكَ أَنتَ السَّمِيعُ الْعَلِيم} [البقرة: 127]، {وَتُبْ عَلَيْنَآ إِنَّكَ أَنتَ التَّوَّابُ الرَّحِيم} [البقرة: 128]، واغفر لنا ولوالدينا ولجميع المسلمين، الأحياء منهم والميتين، برحمتك يا أرحم الراحمين.

{سُبْحَانَ رَبِّكَ رَبِّ الْعِزَّةِ عَمَّا يَصِفُون * وَسَلاَمٌ عَلَى الْمُرْسَلِين * وَالْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِين} [الصافات: 180- 182].


الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
 
وفاته عليه الصلاة والسلام أعظم مُصابٍ أُصيبَت به الأمة؛ فأيُّ احتفالٍ بعدَهُ؟!
الرجوع الى أعلى الصفحة 
صفحة 1 من اصل 1
 مواضيع مماثلة
-
»  حقوق النبي عليه الصلاة والسلام على الأمة حيا وميتا
» عيسى عليه الصلاة والسلام
»  وفاة الرسول - عليه الصلاة والسلام
» خلق النبي عليه الصلاة والسلام مع أصحابه
» رحلة الرسول عليه الصلاة والسلام الي الطائف

صلاحيات هذا المنتدى:لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى
اسلام ويب :: ۩✖ منتدي الاسلاميات العامه ۩✖ :: مقــــالات اســــلاميه :: خطب مقـــرؤه-
انتقل الى: