اسلام ويب
هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.



 
الرئيسيةأحدث الصورالتسجيلدخول

من فقه الدعاء يقول سيدنا عمر بن الخطاب - رضي الله عنه -: "أنا لا أحمل همَّ الإجابة، وإنما أحمل همَّّ الدعاء، فإذا أُلهمت الدعاء كانت الإجابة معه". وهذا فهم عميق أصيل ، فليس كل دعاء مجابًا، فمن الناس من يدعو على الآخرين طالبًا إنزال الأذى بهم ؛ لأنهم ينافسونه في تجارة ، أو لأن رزقهم أوسع منه ، وكل دعاء من هذا القبيل ، مردود على صاحبه لأنه باطل وعدوان على الآخرين. والدعاء مخ العبادة ، وقمة الإيمان ، وسرّ المناجاة بين العبد وربه ، والدعاء سهم من سهام الله ، ودعاء السحر سهام القدر، فإذا انطلق من قلوب ناظرة إلى ربها ، راغبة فيما عنده ، لم يكن لها دون عرش الله مكان. جلس عمر بن الخطاب يومًا على كومة من الرمل ، بعد أن أجهده السعي والطواف على الرعية ، والنظر في مصالح المسلمين ، ثم اتجه إلى الله وقال: "اللهم قد كبرت سني ، ووهنت قوتي ، وفشت رعيتي ، فاقبضني إليك غير مضيع ولا مفتون ، واكتب لي الشهادة في سبيلك ، والموت في بلد رسولك". انظر إلى هذا الدعاء ، أي طلب من الدنيا طلبه عمر، وأي شهوة من شهوات الدنيا في هذا الدعاء ، إنها الهمم العالية ، والنفوس الكبيرة ، لا تتعلق أبدًا بشيء من عرض هذه الحياة ، وصعد هذا الدعاء من قلب رجل يسوس الشرق والغرب ، ويخطب وده الجميع ، حتى قال فيه القائل: يا من رأى عمرًا تكسوه بردته ** والزيت أدم له والكوخ مأواه يهتز كسرى على كرسيه فرقًا ** من بأسه وملوك الروم تخشاه ماذا يرجو عمر من الله في دعائه ؟ إنه يشكو إليه ضعف قوته ، وثقل الواجبات والأعباء ، ويدعو ربه أن يحفظه من الفتن ، والتقصير في حق الأمة ، ثم يتطلع إلى منزلة الشهادة في سبيله ، والموت في بلد رسوله ، فما أجمل هذه الغاية ، وما أعظم هذه العاطفة التي تمتلئ حبًا وحنينًا إلى رسول الله - صل الله عليهلم -: (أن يكون مثواه بجواره). يقول معاذ بن جبل - رضي الله عنه -: "يا بن آدم أنت محتاج إلى نصيبك من الدنيا ، وأنت إلى نصيبك من الآخرة أحوج ، فإن بدأت بنصيبك من الآخرة ، مرّ بنصيبك من الدنيا فانتظمها انتظامًا ، وإن بدأت بنصيبك من الدنيا ، فائت نصيبك من الآخرة ، وأنت من الدنيا على خطر). وروى الترمذي بسنده عن النبي - صل الله عليهلم -: أنه قال: ((من أصبح والآخرة أكبر همه جمع الله له شمله ، وجعل غناه في قلبه ، وأتته الدنيا وهي راغمة ، ومن أصبح والدنيا أكبر همه فرَّق الله عليه ضيعته ، وجعل فقره بين عينيه ولم يأته من الدنيا إلا ما كُتب له)). وأخيرًا .. أرأيت كيف أُلهم عمر الدعاء وكانت الإجابة معه ، وصدق الله العظيم إذ يقول: (وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ فَلْيَسْتَجِيبُوا لِي وَلْيُؤْمِنُوا بِي لَعَلَّهُمْ يَرْشُدُونَ) (186)" (البقرة:186).


 

 وسائل الإعلام الحديثة (2)

اذهب الى الأسفل 
كاتب الموضوعرسالة


avatar


نقــاط : 99310
وسائل الإعلام الحديثة (2) Oooo14
وسائل الإعلام الحديثة (2) User_o10

وسائل الإعلام الحديثة (2) Empty
مُساهمةموضوع: وسائل الإعلام الحديثة (2)   وسائل الإعلام الحديثة (2) Emptyالأحد 19 مايو 2013 - 11:56

وسائل الإعلام الحديثة (2)
السينما مرتع الفساد ووسيلة الإفساد



الحمد لله العليم الخبير؛ {يَعْلَمُ خَائِنَةَ الأَعْيُنِ وَمَا تُخْفِي الصُّدُورُ * وَاللهُ يَقْضِي بِالحَقِّ وَالَّذِينَ يَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ لاَ يَقْضُونَ بِشَيْءٍ إِنَّ اللهَ هُوَ السَّمِيعُ البَصِيرُ} [غافر: 19 - 20]، نحمده فهو أهلُ الحمد، ونشكره فلا أحدَ أحقُّ بالشكر منه؛ خلقَنا ورزقَنا وهدانا واجتبانا وعلَّمَنا، ومن الخير أعطانا، وأشهد أن لا إلهَ إلاَّ الله وحدَه لا شريكَ له؛ دِينُه خيرُ دِين، وكتابه أحسنُ كتاب، وشريعتُه أكملُ شريعة، ولا رَشاد في الدنيا، ولا فوزَ في الآخرة إلاَّ بالتمسُّك بها؛ {صِبْغَةَ الله وَمَنْ أَحْسَنُ مِنَ الله صِبْغَةً وَنَحْنُ لَهُ عَابِدُونَ} [البقرة:138].

وأشهد أنَّ محمَّدًا عبده ورسوله؛ حذَّرَنا من أقوام هُم من جلدتنا، ويتكلَّمون بألسنتنا، ونهانا عن طاعتهم، واتِّباع سبيلهم، وأمَرَنا بتحذير الناس منهم ومِن ضلالهم، وأخبرَنا أنَّهم دعاة على أبواب جهنَّم؛ مَن أجابهم قذفوه فيها، صلَّى الله وسلَّم، وبارك عليه، وعلى آله وأصحابه، وأتباعه إلى يوم الدِّين.

أمَّا بعد:
فاتقوا الله - تعالى - وأطيعوه، واحذروا الفِتنَ والمهلكاتِ، التي أعظمُها وأكبرها الفِتنةُ في الدِّين، والمجاهرة بالمنكرات، والرِّضا بها، والدَّعوة إليها، وفرْضُها على الناس بالقوَّة؛ وذلك مُؤذِن بالعقوبات والمَثُلات على الأفراد والجماعات؛ {وَاتَّقُوا فِتْنَةً لاَ تُصِيبَنَّ الَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْكُمْ خَاصَّةً وَاعْلَمُوا أَنَّ اللهَ شَدِيدُ العِقَابِ} [الأنفال:25].

أيُّها الناس:
أَمَر الله - سبحانه وتعالى - بالإصلاح في الأرْض، وأثْنى على المصلحِين، ونهى - عزَّ وجلَّ - عن الفساد وذَمَّ المفسدين، وكان رسل الله - تعالى - هم المصلِحين، ودعوتهم ودعوة أتباعهم هي الصلاح والإصلاح، وكان المعارِضون للرُّسل المحارِبون لأتباعهم هم أهلَ الفساد والإفساد.

وقد يتظاهر المفسدون بأنَّهم مصلِحون، وأنَّ مشاريعهم التخريبيَّة للعقائد والأخلاق هي من الإصلاح، كما يفعله المنافقون في القَديم والحديث، ولكن الله - تعالى - حذَّرَنا من الغرور بدعواهم، وفَضَحَهم في قرآن يُتْلى إلى يوم القيامة؛ لنكونَ على حذر من كذبهم ودجلهم، وعدم تصديقهم في دعاواهم أنَّهم مصلِحون، وهم في واقع الأمر مُفسِدون؛ قال الله - تعالى - في وصفهم: {وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ لاَ تُفْسِدُوا فِي الأَرْضِ قَالُوا إِنَّمَا نَحْنُ مُصْلِحُونَ * أَلاَ إِنَّهُمْ هُمُ المُفْسِدُونَ وَلَكِنْ لاَ يَشْعُرُونَ} [البقرة:11 - 12].

وكان فرعونُ الطاغيةُ أشهرَ رمْز من رموز الفساد في الأرض، وكان يدَّعي الإصلاح، ويزعم أنَّه مصلِح، وقد سعى لتعبيد الناس له من دون الله - تعالى - وأراد فرْضَ فساده على الناس باسم الإصلاح؛ ولذلك فإنَّ وصف الفساد والإفساد والمفسدين في القرآن جاء ذِكْره في قصة فرعون أكثرَ من غيرها، وابتدأت به؛ {إِنَّ فِرْعَوْنَ عَلاَ فِي الأَرْضِ وَجَعَلَ أَهْلَهَا شِيَعًا يَسْتَضْعِفُ طَائِفَةً مِنْهُمْ يُذَبِّحُ أَبْنَاءَهُمْ وَيَسْتَحْيِي نِسَاءَهُمْ إِنَّهُ كَانَ مِنَ المُفْسِدِينَ} [القصص: 4].

ولَمَّا أَغرق الله - تعالى - فرعونَ، وغَرغَر بالموت ادَّعى أنَّه يؤمن بدِين موسى - عليه السلام - فخوطب بأنَّه من المفسدين في قول الله - تعالى -: {آَلْآَنَ وَقَدْ عَصَيْتَ قَبْلُ وَكُنْتَ مِنَ المُفْسِدِينَ} [يونس: 91]، وجعل الله - تعالى - قصَّة فرعون مع قصص مَن قبله مِن المفسدين عبرةً لنا، وخوطب بذلك نبينا محمد - صلَّى الله عليه وسلَّم - في قول الله - تعالى -: {ثُمَّ بَعَثْنَا مِنْ بَعْدِهِمْ مُوسَى بِآَيَاتِنَا إِلَى فِرْعَوْنَ وَمَلَئِهِ فَظَلَمُوا بِهَا فَانْظُرْ كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ المُفْسِدِينَ} [الأعراف:103]، فكان فرعون أنْمُوذجًا للمفسدين في الأرْض الذين يَكذِبون على الناس فيدَّعون أنَّهم مصلِحون.

والمفسِد فرعونُ كان يعلم أهميَّة الإعلام في نشْر فساده، وكان يحرص على تأليب النَّاس على موسى ومَن معه، ويتظاهر بالبراءة والصلاح والإصلاح، والحِرْص على رعيته من الفساد الذي يدَّعيه في موسى - عليه السلام - فكان يخاطب الناس خطابًا إعلاميًّا علنيًّا يُظهر فيه نصحَه لهم، وحرصَه عليهم، وخوفَه من إفساد موسى: {وَقَالَ فِرْعَوْنُ ذَرُونِي أَقْتُلْ مُوسَى وَلْيَدْعُ رَبَّهُ إِنِّي أَخَافُ أَنْ يُبَدِّلَ دِينَكُمْ أَوْ أَنْ يُظْهِرَ فِي الأَرْضِ الفَسَادَ} [غافر:26]، وكان يشتدُّ في خطابه الإعلامي التضليلي فيقول: {يَا أَيُّهَا المَلَأُ مَا عَلِمْتُ لَكُمْ مِنْ إِلَهٍ غَيْرِي} [القصص: 38].

وكثيرٌ من الناس كان ينخدع بهذا الخِطاب الإعلامي من فِرعون، ويُصدِّقون أكاذيبَه؛ لأنَّ صوته كان أعلى، وكان هو الذي يملك وسائلَ الإعلام المتاحة في زمنه، فاغترَّ به كثيرٌ من الناس؛ لقوَّة إعلامه ودعايته، وبراعته في التزوير والإضلال؛ {فَاتَّبَعُوا أَمْرَ فِرْعَوْنَ وَمَا أَمْرُ فِرْعَوْنَ بِرَشِيدٍ} [هود: 97].

وكان موسى - عليه السلام - يُحذِّره وزمرتَه الإعلاميَّة الفاسدة من تزوير الحقائق، واختلاق الأكاذيب عليه، وعلى مَن معه من المصلِحين؛ {قَالَ لَهُمْ مُوسَى وَيْلَكُمْ لاَ تَفْتَرُوا عَلَى الله كَذِبًا فَيُسْحِتَكُمْ بِعَذَابٍ وَقَدْ خَابَ مَنِ افْتَرَى} [طه: 61].

يا لِعظمةِ هذا القرآن حين تبقى هذه القصَّة بفصولها وأحداثها، وأقوال أبطالها منذ تنزُّل القرآن إلى يومنا هذا! لنرى في أمَّتنا زمرةً من الفراعنة الإعلاميِّين الجُدد يَلبَسون ثياب الناصحين المصلِحين؛ لينشروا ثقافةَ الفساد والإفساد، ويرموا أهل الصلاح والإصلاح بموبقاتهم، كما فَعَل فرعونُ من قبل مع موسى - عليه السلام - إنَّها نفْس الطريقة، ونفْس الأكاذيب، ونفْس الوسائل القَذِرة التي استخدمها فرعونُ من قبلُ؛ لحشد الرأي العام ضدَّ موسى ومَن معه.

لقد زَعَم فراعنةُ هذا الزَّمن أنَّ السينما وسيلةُ إصلاح، ورموا المعارضين لها بأنَّهم لا يريدون وسائلَ الإصلاح، مع أنَّ السينما بإجماع السينمائيِّين لا تقوم إلاَّ على ركنين: هما الجنس والعُنف، وهما مِن أعظمِ الفساد الذي تُعاني منه الحضارة المعاصرة بشهادة الغربيِّين قبل الشرقيِّين، وبإقرار الكفَّار قبل المسلمين؛ فإنَّ مئات الدِّراسات الأكاديميَّة والتحليليَّة والإحصائية تذكُر أنَّ أعظمَ ما يهدِّد الحضارة المعاصرة هما العُنفُ والجِنس، الذي يسوقه تجَّار السينما والفضائيات.

يا للعجبِ مِن أُناسٍ يتباكون في إعلامهم على ما يُمارس من عنفٍ ضدَّ الأطفال والفتيات والنِّساء، ويعقدون الندواتِ ليُحذِّروا من الضرْب - ولو كان للتأديب - بحُجَّة أنَّ العنف لا يولِّد إلاَّ العنف، ثم يستجلبون وسيلةَ نشْر ثقافة العنف على أوسع نطاق باسم الإصلاح، فما أعظمَ التزويرَ والإضلال!!

يا للعجب منهم حين يصيحون محذِّرين من التحرُّش الجنسي بالمرأة وابتزازِها، في الوقت الذي يفرضون فيه أداةَ الإغراء الجنسي الأولى التي تهيِّج الغرائز، وتُسعر الشهوات، وتدعو إلى الفواحش، فإذا انضمَّ لها مشاهدُ عنف، كان ذلك تربية على الاغتصاب والابتزاز، فأيُّ تناقض هذا؟!

إنَّهم حين يَكذبون على الناس، ويُزوِّرون الحقائق، فيُعلنون أنَّهم يُنتجون سينما تتوافق مع خصوصيات المجتمع، وأنَّهم يُريدون بها الإصلاحَ والترفيه البريء، فإنَّ هذه الحُجَّة لا تنطلي إلاَّ على الجَهلة والمُغفَّلين؛ ذلك أنَّه لا نجاح للسينما عالميًّا وعربيًّا إلاَّ بمشاهد الإغراء والعنف، وكلَّما كانت هذه المشاهدُ أكثرَ كان ذلك أدعى لنجاح ما يُعرض.

ولذا لا يخلو فيلم من امرأة جميلة تُبدي مفاتنَها، وتمارس مقدِّمات الزِّنا مع بطل الفيلم، واللائي اعتزلنَ السينما في مصر وغيرها لم يعترضْ أكثرهنَّ على ذات السينما، ولا على التمثيل والتصوير والاختلاط والخلوة، وغير ذلك من الموبقات، ولكن أراد المخرِجون منهنَّ خلع ملابسهنَّ، وإظهار مفاتنهنَّ لجلب الزَّبائن إلى قاعة السينما، وتحقيقِ أكبرِ عائد ماديٍّ بأجسادهن، فأبتْ عليهنَّ كرامتُهنَّ ذلك، ونظرنَ إلى أنَّ ذلك عارٌ يلحقهن وأُسرَهن، ويُعَيَّرُ به أزواجُهنَّ وأولادهنَّ، لا يمحوه الزمن.

ثم إنَّ الشركة التي تبنَّت صناعة السينما - التي زعموا أنَّها ستكون نظيفةً وهادفة - هي ذاتها التي تبثُّ أفلامَ القذارة والعنف في باقي قنواتها الفضائيَّة، وهي التي خصَّصت قنوات لاستعراض أجساد المغنيَّات والراقصات على الملأ، فيما يُعرف بالأغاني التمثيليَّة، ويُريدون نقْل ذلك عبر التدرُّج إلى صالات السينما - إن أُقرَّت لهم - فهل يعي عقلاءُ الناس حقيقةَ ما يريده المفسدون من فراعنة هذا العصر، الذين أحيوا بأفعالهم وأقوالهم ذِكرى فرعونَ الأكبر؟!

وهل يُنكرون موبقاتِهم التي يريدون إغراقَ البلاد والعِباد بها؟! في زمن تتخطَّف المنطقةَ بأسرها أَيادي الصهاينة والصَّليبيِّين والفرس الباطنيِّين، فأمَّة يهود تنفِّذ خططَها، وأمَّة فارس الباطنيَّة تترقَّب الفرصةَ للانقضاض على الخليج وضمِّه إليها، وتبني ترسانةً عسكريَّة هائلة لأجل ذلك، وأمَّة العرب لا تنتج إلاَّ لهوًا ورقصًا ولعبًا، ولا فرْق عندهم بين وقت الجِدِّ والهزل، ولا بين الأمْن والخوف، والخطرُ وعدمُه عندهم سواء، ولا تقع الكوارثُ بالأمم إلاَّ حين تَغِيب عن الوعي، وتَعمَى عن الحقائق، وتُسكرها الشهوات، نسأل الله - تعالى - أن يعفوَ عنَّا وعن المسلمين، وألاَّ يُعذبَنا بذنوبنا، ولا بما فعل السُّفهاء منَّا، وأن يهبَ لنا من أمرنا رشدًا، إنَّه سميع مجيب.

أعوذ بالله من الشيطان الرجيم: {فَلَمَّا نَسُوا مَا ذُكِّرُوا بِهِ فَتَحْنَا عَلَيْهِمْ أَبْوَابَ كُلِّ شَيْءٍ حَتَّى إِذَا فَرِحُوا بِمَا أُوتُوا أَخَذْنَاهُمْ بَغْتَةً فَإِذَا هُمْ مُبْلِسُونَ * فَقُطِعَ دَابِرُ القَوْمِ الَّذِينَ ظَلَمُوا وَالحَمْدُ لله رَبِّ العَالَمِينَ} [الأنعام: 44 - 45].

بارك الله لي ولكم في القرآن...

الخطبة الثانية



الحمد لله حمدًا طيِّبًا كثيرًا مباركًا فيه، كما يحبُّ ربُّنا ويرضى، وأشهد أن لا إلهَ إلاَّ اللهُ وحدَه لا شريكَ له، وأشهد أنَّ محمَّدًا عبده ورسوله، صلَّى الله وسلَّم، وبارك عليه، وعلى آله، وأصحابه، ومَن اهتدى بهداهم إلى يوم الدِّين.

أمَّا بعد:
فاتقوا الله عبادَ الله، واستسلموا لدِينه، واخضعوا لأمره، واجتنبوا نهيَه، ولا يغلبنَّكم على ذلك أهلُ الشبهات وأهلُ الشهوات؛ {وَاللهُ يُرِيدُ أَنْ يَتُوبَ عَلَيْكُمْ وَيُرِيدُ الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ الشَّهَوَاتِ أَنْ تَمِيلُوا مَيْلاً عَظِيمًا} [النساء: 27].

أيُّها المسلمون:
الحملة الإعلاميَّة الضَّخمة المصاحبة لمنكرِ فرْض السينما تُشبه الحملةَ الإعلاميَّة التي كان يقوم بها فرعون؛ فإنَّ فراعنة الإعلام سَخِروا بالحِسبة والمحتسِبين، وبأهل النُّصح والإرشاد والتوجيه في مقالات ورسوم ساخرة، استهزؤوا فيها بسُنن المصطفى - صلَّى الله عليه وسلَّم - وكان فرعونُ يَسخر بموسى ودِينه، حتى قال لوزيره: {يَا هَامَانُ ابْنِ لِي صَرْحًا لَعَلِّي أَبْلُغُ الأَسْبَابَ * أَسْبَابَ السَّمَاوَاتِ فَأَطَّلِعَ إِلَى إِلَهِ مُوسَى وَإِنِّي لَأَظُنُّهُ كَاذِبًا} [غافر: 36 - 37]، وقد اختلق فراعنةُ الإعلام سيْلاً من الأكاذيب بثُّوها في صُحفهم وفضائياتهم ومواقعهم؛ كما فعل فرعونُ من قبل في إعلامِه؛ ولذا فإنَّنا نعظهم، ونَعِظ مَن يستمعون لهم، ويُصدِّقون أكاذيبهم، بموعظة موسى - عليه السلام - لفرعون وجنده: {وَيْلَكُمْ لاَ تَفْتَرُوا عَلَى الله كَذِبًا فَيُسْحِتَكُمْ بِعَذَابٍ وَقَدْ خَابَ مَنِ افْتَرَى} [طه: 61].

وسخريتهم بدِين الله – تعالى - وبسُنَّة رسوله - صلَّى الله عليه وسلَّم - وبعباده الصالحين المحتسِبين لن تعودَ بالضرر إلاَّ عليهم، وعلى مَن أقرُّوهم على منكرهم هذا؛ فإنَّ جمعًا من المنافقين سَخِروا بقرَّاء الصحابة في غزوة تبوك، ثم جاؤوا إلى النبي - صلَّى الله عليه وسلَّم - معتذرين من سخريتهم، فأنزل الله - تعالى - فيهم: {وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ لَيَقُولُنَّ إِنَّمَا كُنَّا نَخُوضُ وَنَلْعَبُ قُلْ أَبِالله وَآَيَاتِهِ وَرَسُولِهِ كُنْتُمْ تَسْتَهْزِئُونَ * لاَ تَعْتَذِرُوا قَدْ كَفَرْتُمْ بَعْدَ إِيمَانِكُمْ} [التوبة: 65 - 66]، فما كان النبيُّ - صلَّى الله عليه وسلَّم - وهو أرحمُ الناس وأقبلُهم للعذر - يَزيد على مقابلة اعتذارهم إلاَّ أن يقول: {أَبِالله وَآَيَاتِهِ وَرَسُولِهِ كُنْتُمْ تَسْتَهْزِئُونَ * لاَ تَعْتَذِرُوا قَدْ كَفَرْتُمْ بَعْدَ إِيمَانِكُمْ} [التوبة: 65 - 66]، فما أعظمَ الأمرَ وما أخطرَه، لو كان أهلُ الجهل والهوى يعقلون!!

إنَّ الدعوة إلى منكر جديد، أو المشاركة فيه، أو الرِّضا به، أو السُّكوت عنه - أعظمُ إثمًا في الشريعة من المشاركة في منكر قائم، كما أنَّ الإفساد في أرض صالحة أشدُّ إثمًا من الإفساد في أرض فاسدة، والله - تعالى - نهانا عن ذلك في القرآن، فقال - سبحانه -: {وَلاَ تُفْسِدُوا فِي الأَرْضِ بَعْدَ إِصْلَاحِهَا} [الأعراف: 85].

ومَن شَرَع لمنكرٍ جديد، أو شارك فيه، أو أعان عليه، أو رَضِيَه - فإنَّه يبوء بإثمه، وآثامِ مَن تبعوه في هذا المنكر، ولو امتدَّ مئاتِ السِّنين إلى أن ينتهيَ المنكر ويضمحل، وهذا الحُكم قاعدة مُحكمة مقرَّرة في القرآن وفي السُّنَّة؛ قال الله - تعالى -: {لِيَحْمِلُوا أَوْزَارَهُمْ كَامِلَةً يَوْمَ القِيَامَةِ وَمِنْ أَوْزَارِ الَّذِينَ يُضِلُّونَهُمْ بِغَيْرِ عِلْمٍ أَلاَ سَاءَ مَا يَزِرُونَ} [النحل: 25]، وقال - تعالى -: {وَلَيَحْمِلُنَّ أَثْقَالَهُمْ وَأَثْقَالاً مَعَ أَثْقَالِهِمْ وَلَيُسْأَلُنَّ يَوْمَ القِيَامَةِ عَمَّا كَانُوا يَفْتَرُونَ} [العنكبوت: 13]، قال مجاهد - رحمه الله تعالى -: "يحملون ذنوبَهم وذنوبَ مَن أطاعهم، ولا يُخفِّف عمَّن أطاعهم من العذاب شيئًا"، وجاء في حديث أبي هريرة - رضي الله عنه -: ((...وَمَنْ دَعَا إلى ضَلالَةٍ، كان عليه من الإِثْم مِثلُ آثام مَن تَبِعَه لا يَنْقُص ذلك مِن آثامِهم شيئًا))؛ رواه مسلم.

وفي حديث جَرِيرِ بن عبدالله - رضي الله عنه -: ((...ومَن سَنَّ سُنَّةَ شَرٍّ فَاتُّبِع عليها، كان عليه وِزْرُه ومِثْلُ أوزارِ مَن اتَّبَعه غير مَنقوصٍ مِن أَوْزَارِهِمْ شيئًا))؛ رواه الترمذي وصحَّحه.

ولذا؛ فإنَّ الذين أَحْدثوا منكرَ السينما في البلاد الإسلاميَّة قبلَ مائة عام يبوءون بإثمِ ملايين الناس الذين فُتنوا بها عبرَ العقود الماضية، وإلى ما شاء الله - تعالى - إلى أن ينتهي هذا المنكر.

فليحذرِ المصلِحون أن يكونوا عونًا للمفسدين على إفسادِهم بالفِعْل أو القول أو الإقرار بالمنكر، فيَحملوا أوزارَ مَن انغمسوا في هذا المنكر عبرَ السِّنين، والعاقل تكفيه ذنوبُه عن حمْل ذنوب غيرِه من الناس، نسأل الله - تعالى - الهدايةَ لنا وللمسلمين، ولا بدَّ من أداء النصيحة لِمَن انغمسوا في هذا الإثم المبين؛ إقامةً للحُجَّة، وبراءةً للذمَّة، ونصحًا للأمة، ودفعًا للعقوبة؛ {وَإِذْ قَالَتْ أُمَّةٌ مِنْهُمْ لِمَ تَعِظُونَ قَوْمًا اللهُ مُهْلِكُهُمْ أَوْ مُعَذِّبُهُمْ عَذَابًا شَدِيدًا قَالُوا مَعْذِرَةً إِلَى رَبِّكُمْ وَلَعَلَّهُمْ يَتَّقُونَ} [الأعراف: 164].

وصلُّوا وسلِّموا على نبيكم.....


الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
 
وسائل الإعلام الحديثة (2)
الرجوع الى أعلى الصفحة 
صفحة 1 من اصل 1
 مواضيع مماثلة
-
» وسائل الإعلام الحديثة (1)
»  يستفاد في الدعوة بالمتاح من وسائل الإعلام المعاصرة
»  أطفالنا والإلكترونيات الحديثة
» الدعوة إلى الله بالتقنية الحديثة
»  التقنيات الحديثة (الهاتف الجوال)

صلاحيات هذا المنتدى:لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى
اسلام ويب :: ۩✖ منتدي الاسلاميات العامه ۩✖ :: مقــــالات اســــلاميه :: خطب مقـــرؤه-
انتقل الى: