اسلام ويب
هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.



 
الرئيسيةأحدث الصورالتسجيلدخول

من فقه الدعاء يقول سيدنا عمر بن الخطاب - رضي الله عنه -: "أنا لا أحمل همَّ الإجابة، وإنما أحمل همَّّ الدعاء، فإذا أُلهمت الدعاء كانت الإجابة معه". وهذا فهم عميق أصيل ، فليس كل دعاء مجابًا، فمن الناس من يدعو على الآخرين طالبًا إنزال الأذى بهم ؛ لأنهم ينافسونه في تجارة ، أو لأن رزقهم أوسع منه ، وكل دعاء من هذا القبيل ، مردود على صاحبه لأنه باطل وعدوان على الآخرين. والدعاء مخ العبادة ، وقمة الإيمان ، وسرّ المناجاة بين العبد وربه ، والدعاء سهم من سهام الله ، ودعاء السحر سهام القدر، فإذا انطلق من قلوب ناظرة إلى ربها ، راغبة فيما عنده ، لم يكن لها دون عرش الله مكان. جلس عمر بن الخطاب يومًا على كومة من الرمل ، بعد أن أجهده السعي والطواف على الرعية ، والنظر في مصالح المسلمين ، ثم اتجه إلى الله وقال: "اللهم قد كبرت سني ، ووهنت قوتي ، وفشت رعيتي ، فاقبضني إليك غير مضيع ولا مفتون ، واكتب لي الشهادة في سبيلك ، والموت في بلد رسولك". انظر إلى هذا الدعاء ، أي طلب من الدنيا طلبه عمر، وأي شهوة من شهوات الدنيا في هذا الدعاء ، إنها الهمم العالية ، والنفوس الكبيرة ، لا تتعلق أبدًا بشيء من عرض هذه الحياة ، وصعد هذا الدعاء من قلب رجل يسوس الشرق والغرب ، ويخطب وده الجميع ، حتى قال فيه القائل: يا من رأى عمرًا تكسوه بردته ** والزيت أدم له والكوخ مأواه يهتز كسرى على كرسيه فرقًا ** من بأسه وملوك الروم تخشاه ماذا يرجو عمر من الله في دعائه ؟ إنه يشكو إليه ضعف قوته ، وثقل الواجبات والأعباء ، ويدعو ربه أن يحفظه من الفتن ، والتقصير في حق الأمة ، ثم يتطلع إلى منزلة الشهادة في سبيله ، والموت في بلد رسوله ، فما أجمل هذه الغاية ، وما أعظم هذه العاطفة التي تمتلئ حبًا وحنينًا إلى رسول الله - صل الله عليهلم -: (أن يكون مثواه بجواره). يقول معاذ بن جبل - رضي الله عنه -: "يا بن آدم أنت محتاج إلى نصيبك من الدنيا ، وأنت إلى نصيبك من الآخرة أحوج ، فإن بدأت بنصيبك من الآخرة ، مرّ بنصيبك من الدنيا فانتظمها انتظامًا ، وإن بدأت بنصيبك من الدنيا ، فائت نصيبك من الآخرة ، وأنت من الدنيا على خطر). وروى الترمذي بسنده عن النبي - صل الله عليهلم -: أنه قال: ((من أصبح والآخرة أكبر همه جمع الله له شمله ، وجعل غناه في قلبه ، وأتته الدنيا وهي راغمة ، ومن أصبح والدنيا أكبر همه فرَّق الله عليه ضيعته ، وجعل فقره بين عينيه ولم يأته من الدنيا إلا ما كُتب له)). وأخيرًا .. أرأيت كيف أُلهم عمر الدعاء وكانت الإجابة معه ، وصدق الله العظيم إذ يقول: (وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ فَلْيَسْتَجِيبُوا لِي وَلْيُؤْمِنُوا بِي لَعَلَّهُمْ يَرْشُدُونَ) (186)" (البقرة:186).


 

 من هو الذبيح؟ الحكم بعد المداولة

اذهب الى الأسفل 
كاتب الموضوعرسالة


avatar


نقــاط : 99250
من هو الذبيح؟ الحكم بعد المداولة Oooo14
من هو الذبيح؟ الحكم بعد المداولة User_o10

من هو الذبيح؟ الحكم بعد المداولة Empty
مُساهمةموضوع: من هو الذبيح؟ الحكم بعد المداولة   من هو الذبيح؟ الحكم بعد المداولة Emptyالخميس 9 مايو 2013 - 16:09

من هو الذبيح؟ الحكم بعد المداولة


مِن بين العقائد الإسلامية لأهل السنة هي أن الذبيح هو إسماعيل - عليه السلام - بينما يدَّعي اليهود كذبًا وافتراء بأنه هو إسحاق - عليه السلام - مع أن المُتتبِّع لنصوص التوراة في هذا الشأن، وذلك الخصوص، يجد أنها تنطِق بأعلى صوتها قائلة: "الذبيح هو إسماعيل".



وكلنا يعلم أن اليهود عبَثوا مِرارًا وتَكرارًا بالنصوص التوراتية المنزَّلة من عند رب العرش العظيم، فجعلوا يُغيِّرون ويبدلون، ويمحون ويكتمون؛ حتى انطمَستْ بفعل فِعالهم هذه كثيرٌ من الحقائق، وتَجلَّت كثير من الأباطيل، يقول الحق - تبارك وتعالى - في مُحكَم آياته عن تحريفهم التوراة: ﴿ مِنَ الَّذِينَ هَادُوا يُحَرِّفُونَ الْكَلِمَ عَنْ مَوَاضِعِهِ ﴾ [النساء: 46]، وقال أيضًا: ﴿ وَمِنَ الَّذِينَ هَادُوا سَمَّاعُونَ لِلْكَذِبِ سَمَّاعُونَ لِقَوْمٍ آخَرِينَ لَمْ يَأْتُوكَ يُحَرِّفُونَ الْكَلِمَ مِنْ بَعْدِ مَوَاضِعِهِ ﴾ [المائدة: 41].



إلا أنهم بالرغم من تلاعُبهم فيها، لم يستطيعوا أن يُغيِّبوا أو يُخفوا بعضًا من الحقائق، وإن كانت النصوص التي تُخبر بها قد صارت دميمة اللغة، وقبيحة الألفاظ؛ بسبب ذلك التلاعب، وعلى سبيل المثال لا الحصر دعواهم الكاذبة بأن الذبيح هو إسحاق لا إسماعيل، رغم أن نصوصًا توراتية عدة تؤكِّد أنه إسماعيل - عليه السلام - وهذا إنما يؤكِّد قولَ الحق - تبارك وتعالى - فيهم: ﴿ مَثَلُ الَّذِينَ حُمِّلُوا التَّوْرَاةَ ثُمَّ لَمْ يَحْمِلُوهَا كَمَثَلِ الْحِمَارِ يَحْمِلُ أَسْفَارًا بِئْسَ مَثَلُ الْقَوْمِ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآيَاتِ اللَّهِ وَاللَّهُ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ ﴾ [الجمعة: 5].



فهم قد عبَثوا بنصوص التوراة؛ ليَصرِفوا أمْر الذبح إلى إسحاق افتراء، ولكنهم بغبائهم لم يتمكَّنوا من طمْس أدلة عديدة تؤكِّد أنه إسماعيل وليس إسحاق.



والنص التوراتي الذي يَسرُد خبر الذبيح هو النص التالي:

" (1) وحدَث بعد هذه الأمور أن الله امتحَن إبراهيم، فقال له: "يا إبراهيم!"، فقال: "هأنذا"، (2) فقال: "خذ ابنك وحيدك، الذي تُحبه؛ إسحاق، واذهب إلى أرض المريا، وأصعِده هناك محرَقةً على أحد الجبال الذي أقول لك"، (3) فبكَّر إبراهيم صباحًا وشدَّ على حماره، وأخذ اثنين من غِلمانه معه، وإسحاق ابنه، وشقَّق حطبًا لمحرَقة، وقام وذهب إلى الموضِع الذي قال له الله، (4) وفي اليوم الثالث رفَع إبراهيم عينَيه وأبصَر الموضع من بعيد، (5) فقال إبراهيم لغلاميه: "اجلِسا أنتما ههنا مع الحمار، وأما أنا والغلام، فنذهب إلى هناك ونسجد، ثم نرجع إليكما"، (6) فأخذ إبراهيم حطَب المحرَقة ووضَعه على إسحاق ابنه، وأخذ بيده النار والسكين، فذهبا كلاهما معًا، (7) وكلَّم إسحاق إبراهيم أباه، وقال: "يا أبي!"، فقال: "هأنذا يا ابني"، فقال: "هو ذا النار والحطب، ولكن أين الخروف للمحرقة؟" (Cool فقال إبراهيم: "الله يرى له الخروف للمحرقة يا ابني" فذهبا كلاهما معًا.



(9) فلما أتيا إلى الموضِع الذي قال له الله، بنى هناك إبراهيم المذبح ورتَّب الحطب وربَط إسحاق ابنه ووضَعه على المذبح فوق الحطب، (10) ثم مدَّ إبراهيم يدَه وأخذ السكين ليَذبح ابنه، (11) فناداه ملاك الرب من السماء، وقال: "إبراهيم! إبراهيم!"، فقال: "هأنذا" (12) فقال: "لا تَمُد يدك إلى الغلام، ولا تفعل به شيئًا؛ لأني الآن علِمت أنك خائف الله، فلم تُمسِك ابنك وحيدك عني" (13) فرفَع إبراهيم عينَيه ونظَر وإذا كبش وراءه مُمسكًا في الغابة بقرنيه، فذهب إبراهيم وأخذ الكبش وأصعَده محرَقةً عِوضًا عن ابنه[1].



ويلاحَظ في ذلك النص عدة أمور يمكن الاستِناد إليها في التأكيد على أن القول بأن الذبيح هو إسحاق إنما هو كذِب بحت وافتراء مَحض.



ومن بين تلك الأمور ما يلي:

يقول النص التوراتي: "خذ ابنك وحيدك، الذي تُحبه؛ إسحاق" هذا النص التوراتي وصَف إسحاق - عليه السلام - بأنه ابن سيدنا إبراهيم البِكر والوحيد، وهذا طبقًا لنصوص التوراة نفسها يُعدُّ كَذبًا وافتراء؛ لأن النصوص التوراتية التالية تُخبِر بأن إسماعيل - عليه السلام - ولِد لأبيه إبراهيم حينما كان إبراهيم ابن ست وثمانين سنة، بينما ولِد إسحاق لأبيه إبراهيم حينما كان ابن مائة سنة.



وتقول النصوص التوراتية في هذا الشأن:

"(15) فولَدت هاجر لأبرام ابنًا، ودعا أبرام اسم ابنه الذي ولَدته هاجر: "إسماعيل"، (16) كان أبرام ابن ست وثمانين سنة لمَّا ولَدت هاجر إسماعيل لأبرام"[2].



" (5) وكان إبراهيم ابن مائة سنة حين ولِد له إسحاق ابنه"[3].



أي: إن إسماعيل - عليه السلام - كان قد بلَغ الرابعة عشرة من عمره حينما ولِد أخوه إسحاق - عليه السلام - وهذا يعني أن ولَدَ سيدنا إبراهيم البكر هو سيدنا إسماعيل - عليه السلام - وليس كما يدَّعي اليهود كذبًا وافتراء، كما يعني أن إسحاق - عليه السلام - لم يكن البِكر؛ وإنما إسماعيل - عليه السلام.



إذا ادَّعى اليهود أن إسماعيل - عليه السلام - لا يُعَد ابنًا لسيدنا إبراهيم - عليه السلام - لكونه ابن جارية.



فسيكون الرد على ادِّعائهم الكاذب بالنص التوراتي التالي الذي يؤكِّد أن سيدنا إبراهيم كان قد اتَّخذ السيدة هاجر زوجة له:

"(1) وأما ساراي امرأة أَبْرام، فلم تلِد له، وكانت لها جارية مصرية اسمها هاجر، (2) فقالت ساراي لأبرام: "هو ذا الرب قد أمسَكَني عن الولادة، ادخل على جاريتي؛ لعلي أُرزَق منها بنين"، فسمع أَبْرام لقول ساراي، (3) فأخذت ساراي امرأة أبرام هاجر المصرية جاريتها، من بعد عشر سنين لإقامة أبرام في أرض كنعان، وأعطتْها لأبرام رجلها زوجةً له، (4)فدخل على هاجر فحَبَلت"[4].



وهو كما هو مبيَّن من طيَّات نصِّه يقول: إن السيدة هاجر أم سيدنا إسماعيل - عليه السلام - كانت زوجة لسيدنا إبراهيم - عليه السلام.



النص التوراتي التالي يُعَدُّ واضحًا وضوح الشمس في كونه يَنسب صفة إسماعيل - عليه السلام - ابنًا لسيدنا إبراهيم:

"(15) فولَدت هاجر لأبرام ابنًا، ودعا أبرام اسم ابنه الذي ولَدته هاجر: إسماعيل، (16) كان أبرام ابن ست وثمانين سنة لما ولَدت هاجر إسماعيل لأبرام"[5].



وكذلك النص التالي:

"(7) وهذه أيام سِنِي حياة إبراهيم التي عاشها: مائة وخمس وسبعون سنةً، (Cool وأسلَم إبراهيم رُوحه ومات بشيبةٍ صالحة، شيخًا وشبعان أيامًا، وانضمَّ إلى قومه، (9) ودفَنه إسحاق وإسماعيل ابناه في مغارة المكفيلة في حقل عفرون بن صوحر الحثي الذي أمام ممرا، (10) الحقل الذي اشتراه إبراهيم من بني حِثٍّ، هناك دفِن إبراهيم وسارة امرأته، (11) وكان بعد موت إبراهيم أنْ الله بارَك إسحاق ابنه، وسكَن إسحاق عند بئر لحي رَئِي" [6].



وإذا ادَّعى اليهود كذِبًا أن إسماعيل لا يُعدُّ ولدًا بكرًا لسيدنا إبراهيم؛ لكونه ابن امرأة كانت مكروهة، فيمكن تكذيب ذلك الادِّعاء بالنص التوراتي التالي:

"إذا كان لرجل امرأتان: إحداهما محبوبة والأخرى مكروهة، فولَدَتا له بنين، المحبوبة والمكروهة، فإن كان الابن البكر للمكروهة، (16) فيوم يَقسِم لبنيه ما كان له، لا يَحِل له أن يُقدِّم ابن المحبوبة بكرًا على ابن المكروهة البكر، (17) بل يعرف ابن المكروهة بكرًا ليُعطيه نصيب اثنين من كل ما يوجد عنده؛ لأنه هو أول قدرته، له حق البكورية "[7].



وهكذا يتجلَّى لنا من النصوص التوراتية المتعددة أن الذبيح هو إسماعيل - عليه السلام - وليس إسحاق كما يدَّعي اليهود كذبًا وافتراء.



أقوال بعض فقهاء المسلمين والأئمة في كون أن الذبيح هو إسماعيل:

قال شيخ الإسلام ابن تيمية - رحمه الله - في (مجموع الفتاوى 4/331) لما سئل عن الذبيح مِن وَلَد خليل الله إبراهيم - عليه السلام -: هل هو (إسماعيل) أو (إسحاق)؟

فأجاب:

"الحمد لله رب العالمين، هذه المسألة فيها مذهبان مشهوران للعلماء، وكلٌّ منهما مذكور عن طائفة من السلف، وذكَر أبو يعلى في ذلك روايتين عن أحمد، ونصر - أي القاضي - أنه إسحاق اتِّباعًا لأبي بكر عبدالعزيز، وأبو بكر اتَّبع محمد بن جرير؛ ولهذا يذكُر أبو الفرج بن الجوزي أن أصحاب أحمد يَنصرون أنه إسحاق، وإنما ينصره هذان ومَن اتَّبعهما، ويُحكى ذلك عن مالك نفسه لكن خالَفه طائفة من أصحابه.



وذكَر الشريف أبو علي بن أبي يوسف أن الصحيح في مذهب أحمد أنه إسماعيل، وهذا هو الذي رواه عبدالله بن أحمد عن أبيه؛ قال: مذهب أبي أنه إسماعيل.



وفي الجملة فالنزاع فيها مشهور، لكن الذي يجب القطع به أنه إسماعيل، وهذا الذي عليه الكتاب والسنة والدلائل المشهورة، وهو الذي تدُلُّ عليه التوراة التي بأيدي أهل الكتاب.



وأيضًا فإن فيها أنه قال لإبراهيم: اذبَح ابنك وحيدك، وفي ترجمة أخرى: بِكرك.



وإسماعيل هو الذي كان وحيده وبِكره باتفاق المسلمين وأهل الكتاب، لكن أهل الكتاب حرَّفوا فزادوا إسحاق؛ فتلقَّى ذلك عنهم مَن تلقَّاه، وشاع عند بعض المسلمين أنه إسحاق، وأصله من تحريف أهل الكتاب.



ومما يَدل على أنه إسماعيل قصة الذبيح المذكورة في سورة الصافات؛ قال تعالى: ﴿ فَبَشَّرْنَاهُ بِغُلَامٍ حَلِيمٍ ﴾ [الصافات: 101].



وقد انطوتِ البِِشارة على ثلاث: على أن الولد غلام ذكَر، وأنه يبلُغ الحُلُم، وأنه يكون حليمًا، وأي حِلم أعظم من حِلمه حين عرَض عليه أبوه الذبح فقال: ﴿ سَتَجِدُنِي إِنْ شَاءَ اللَّهُ مِنَ الصَّابِرِينَ ﴾ [الصافات: 102].



وقيل: لم يَنعَت الله الأنبياء بأقلَّ من الحِلم؛ وذلك لعزَّة وجوده، ولقد نعت إبراهيم به في قوله تعالى: ﴿ إِنَّ إِبْرَاهِيمَ لَأَوَّاهٌ حَلِيمٌ ﴾ [التوبة: 114]، ﴿ إِنَّ إِبْرَاهِيمَ لَحَلِيمٌ أَوَّاهٌ مُنِيبٌ ﴾ [هود: 75]؛ لأن الحادثة شهِدت بحِلمهما، ﴿ فَلَمَّا بَلَغَ مَعَهُ السَّعْيَ قَالَ يَا بُنَيَّ إِنِّي أَرَى فِي الْمَنَامِ أَنِّي أَذْبَحُكَ فَانْظُرْ مَاذَا تَرَى قَالَ يَا أَبَتِ افْعَلْ مَا تُؤْمَرُ سَتَجِدُنِي إِنْ شَاءَ اللَّهُ مِنَ الصَّابِرِينَ ﴾ [الصافات: 102] إلى قوله: ﴿ وَفَدَيْنَاهُ بِذِبْحٍ عَظِيمٍ * وَتَرَكْنَا عَلَيْهِ فِي الْآخِرِينَ * سَلَامٌ عَلَى إِبْرَاهِيمَ * كَذَلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ * إِنَّهُ مِنْ عِبَادِنَا الْمُؤْمِنِينَ * وَبَشَّرْنَاهُ بِإِسْحَاقَ نَبِيًّا مِنَ الصَّالِحِينَ * وَبَارَكْنَا عَلَيْهِ وَعَلَى إِسْحَاقَ وَمِنْ ذُرِّيَّتِهِمَا مُحْسِنٌ وَظَالِمٌ لِنَفْسِهِ مُبِين ﴾ [الصافات: 107 - 113].



فهذه القصة تدل على أنه إسماعيل من وجوه:

أحدها: أنه بشَّره بالذبيح وذكَر قصته أولاً، فلما استوفَى ذلك قال: ﴿ وَبَشَّرْنَاهُ بِإِسْحَاقَ نَبِيًّا مِنَ الصَّالِحِينَ * وَبَارَكْنَا عَلَيْهِ وَعَلَى إِسْحَاقَ ﴾ [الصافات: 112- 113]، فبيَّن أنهما بِشارتان؛ بِشارة بالذبيح، وبشارة ثانية بإسحاق، وهذا بيِّن.



الثاني: أنه لم يذكُر قصة الذبيح في القرآن إلا في هذا الموضع، وفي سائر المواضع يذكُر البِشارة بإسحاق خاصة، كما في سورة هود من قوله تعالى: ﴿ وَامْرَأَتُهُ قَائِمَةٌ فَضَحِكَتْ فَبَشَّرْنَاهَا بِإِسْحَاقَ وَمِنْ وَرَاءِ إِسْحَاقَ يَعْقُوبَ ﴾ [هود: 71]، فلو كان الذبيح إسحاق لكان خُلْفًا للوعد في يعقوب، وقال تعالى: ﴿ فَأَوْجَسَ مِنْهُمْ خِيفَةً قَالُوا لَا تَخَفْ وَبَشَّرُوهُ بِغُلَامٍ عَلِيمٍ * فَأَقْبَلَتِ امْرَأَتُهُ فِي صَرَّةٍ فَصَكَّتْ وَجْهَهَا وَقَالَتْ عَجُوزٌ عَقِيمٌ ﴾ [الذاريات: 28 - 29]، وقال تعالى في سورة الحجر: ﴿قَالُوا لَا تَوْجَلْ إِنَّا نُبَشِّرُكَ بِغُلَامٍ عَلِيمٍ * قَالَ أَبَشَّرْتُمُونِي عَلَى أَنْ مَسَّنِيَ الْكِبَرُ فَبِمَ تُبَشِّرُونَ * قَالُوا بَشَّرْنَاكَ بِالْحَقِّ فَلَا تَكُنْ مِنَ الْقَانِطِين ﴾ [الحجر: 53 - 55]، ولم يذكُر أنه الذبيح.



ثم لما ذكَر البِشارتين جميعًا؛ البِشارة بالذبيح والبشارة بإسحاق بعده، كان هذا من الأدلة على أن إسحاق ليس هو الذبيح.



ويؤيِّد ذلك أنه ذكَر هِبته وهبة يعقوب لإبراهيم في قوله تعالى: ﴿ وَوَهَبْنَا لَهُ إِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ نَافِلَةً وَكُلًّا جَعَلْنَا صَالِحِينَ ﴾ [الأنبياء: 72]، وقوله: ﴿ وَوَهَبْنَا لَهُ إِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ وَجَعَلْنَا فِي ذُرِّيَّتِهِ النُّبُوَّةَ وَالْكِتَابَ وَآتَيْنَاهُ أَجْرَهُ فِي الدُّنْيَا وَإِنَّهُ فِي الْآخِرَةِ لَمِنَ الصَّالِحِينَ ﴾ [العنكبوت: 27]، ولم يذكُر الله الذبيحَ.



الوجه الثالث: أنه ذكَر في الذبيح أنه غلام حليم، ولما ذكَر البِشارة بإسحاق ذكَر البشارة بغلام عليم في غير هذا الموضِع، والتخصيص لا بد له من حكمة، وهذا مما يقوِّي اقتران الوصفين؛ الحِلْم هو مناسب للصبر الذي هو خُلُق الذبيح.



وإسماعيل وصِف بالصبر في قوله تعالى: ﴿ وَإِسْمَاعِيلَ وَإِدْرِيسَ وَذَا الْكِفْلِ كُلٌّ مِنَ الصَّابِرِينَ ﴾ [الأنبياء: 85]، وهذا أيضًا وجه ثالث؛ فإنه قال في الذبيح: ﴿ يَا أَبَتِ افْعَلْ مَا تُؤْمَرُ سَتَجِدُنِي إِنْ شَاءَ اللَّهُ مِنَ الصَّابِرِينَ ﴾ [الصافات: 102]، وقد وصَف الله إسماعيل أنه من الصابرين، ووصَف الله تعالى إسماعيل أيضًا بصدق الوعد في قوله تعالى: ﴿ إِنَّهُ كَانَ صَادِقَ الْوَعْدِ﴾ [مريم: 54]؛ لأنه وعَد أباه من نفْسه الصبر على الذبح فوفَّى به.



الوجه الرابع: أن البِشارة بإسحاق كانت معجزة؛ لأن العجوز عَقيم؛ ولهذا قال الخليل - عليه السلام -: ﴿ أَبَشَّرْتُمُونِي عَلَى أَنْ مَسَّنِيَ الْكِبَرُ فَبِمَ تُبَشِّرُونَ ﴾ [الحجر: 54]، وقالت امرأته: ﴿ يَا وَيْلَتَى أَأَلِدُ وَأَنَا عَجُوزٌ وَهَذَا بَعْلِي شَيْخًا ﴾ [هود: 72]، وقد سبَق أن البِشارة بإسحاق في حال الكِبَر، وكانت البِشارة مشترَكة بين إبراهيم وامرأته.



وأما البشارة بالذبيح، فكانت لإبراهيم - عليه السلام - وامتُحِن بذبحه دون الأم المبشرة به، وهذا مما يوافِق ما نقِل عن النبي وأصحابه في الصحيح وغيره من أن إسماعيل لما ولَدته هاجر غارت سارة فذهب إبراهيم بإسماعيل وأمه إلى مكة، وهناك أمِر بالذبح، وهذا مما يؤيِّد أن هذا الذبيح دون ذلك.



ومما يدل على أن الذبيح ليس هو إسحاق: أن الله تعالى قال: ﴿ فَبَشَّرْنَاهَا بِإِسْحَاقَ وَمِنْ وَرَاءِ إِسْحَاقَ يَعْقُوبَ ﴾ [هود: 71]؛ فكيف يأمُر بعد ذلك بذبحه، والبِِشارة بيعقوب تقتضي أن إسحاق يعيش ويولَد له يعقوب؟! ولا خلاف بين الناس أن قصة الذبيح كانت قبل ولادة يعقوب، بل يعقوب إنما ولِد بعد موت إبراهيم - عليه السلام - وقصة الذبيح كانت في حياة إبراهيم بلا ريب.



ومما يدل على ذلك: أن قصة الذبيح كانت بمكة، والنبي - صلى الله عليه وسلم - لما فتح مكة كان قرْنَا الكبش في الكعبة، فقال النبي - صلى الله عليه وسلم - للسَّادِن: "إني آمِرك أن تخمِّر قرني الكبش؛ فإنه لا ينبغي أن يكون في القِبلة ما يُلهي المصلِّي"، ولهذا جُعلت منى محلاًّ للنُّسك من عهد إبراهيم وإسماعيل - عليهما السلام - وهما اللذان بَنيا البيت بنص القرآن، ولم يَنقُل أحد أن إسحاق ذهب إلى مكة لا من أهل الكتاب ولا غيرهم، لكن بعض المؤمنين من أهل الكتاب يزعمون أن قصة الذبح كانت بالشام، فهذا افتراء؛ فإن هذا لو كان ببعض جبال الشام لعرف ذلك الجبل، وربما جعِل مَنسكًا، كما جعِل المسجد الذي بناه إبراهيم وما حوله من المشاعر.



وفي المسألة دلائل أخرى على ما ذكَرناه، وأسئلة أورَدها طائفة كابن جرير والقاضي أبي يعلى والسهيلي، ولكن لا يتَّسِع هذا الموضِع لذِكرها والجواب عنها، والله - عز وجل - أعلم، والحمد لله رب العالمين، وصلى الله على محمد وآله وصحبه وسلم تسليمًا".



وقال شيخ الإسلام ابن تيميَّة في مِنهاج السنة النبوية (الجزء الخامس، صفحة 353):

"ولهذا امتحَن الله إبراهيم بذبح ابنه، والذبيح على القول الصحيح ابنه الكبير (إسماعيل) كما دلَّت على ذلك سورة الصافات وغير ذلك، فإنه قد كان سأل ربه أن يهَب له من الصالحين، فبشَّره بالغلام الحليم إسماعيل، فلما بلَغ معه السعي أمرَه أن يذبَحه؛ لئلا يبقى في قلبه محبة مخلوق تُزاحِم محبة الخالق، إذ كان قد طلَبه وهو بِكره، وكذلك في التوراة يقول: اذبَح ابنك وحيدك، وفي ترجمة أخرى: بِكرك، ولكن ألْحَق المُبدِّلون لفظ (إسحاق)، وهو باطل، فإن إسحاق هو الثاني من أولاده باتِّفاق المسلمين وأهل الكتاب، فليس هو وحيده ولا بِكره؛ وإنما وحيده وبكره إسماعيل؛ ولهذا لما ذكَر الله قصة الذبيح في القرآن قال بعد هذا: ﴿ وَبَشَّرْنَاهُ بِإِسْحَاقَ نَبِيًّا مِنَ الصَّالِحِينَ ﴾ [الصافات: 112]، وقال في الآية الأخرى: ﴿فَبَشَّرْنَاهُ بِإِسْحَاقَ وَمِنْ وَرَاءِ إِسْحَاقَ يَعْقُوبَ ﴾ [هود: 71]، فكيف يُبشِّره بولَد ثم يأمُره بذبحه؟!".



وقال شيخ الإسلام ابن تيميَّة في الرد على المَنطقيِّين (صفحة 517):

"ولهذا أمِر إبراهيم الخليل بذبح ابنه؛ فإنه كان قد سأل الله أن يَهَبه إياه ولم يكن له ابن غيره، فإن الذبيح هو إسماعيل على أصحِّ القولين للعلماء وقول أكثرهم، كما دلَّ عليه الكتاب والسنة، فقال الخليل: ﴿ رَبِّ هَبْ لِي مِنَ الصَّالِحِينَ ﴾ [الصافات: 100]، قال الله: ﴿ فَبَشَّرْنَاهُ بِغُلَامٍ حَلِيمٍ ﴾ [الصافات: 101]، والغلام الحليم إسماعيل، وأما إسحاق فقال فيه: ﴿ إِنَّا نُبَشِّرُكَ بِغُلَامٍ عَلِيمٍ ﴾ [الحجر: 53].



وإسحاق بشرت به سارة أيضًا لما غارت من هاجر، والله ذكَر قصته بعد قصة الذبيح، فإنه لما ذكَر قصة الذبيح قال بعدها: ﴿ وَبَشَّرْنَاهُ بِإِسْحَاقَ نَبِيًّا مِنَ الصَّالِحِين ﴾ [الصافات: 112].



والمقصود هنا أن الله أمَر الخليل بذبح ابنه بِكره؛ امتحانًا له وابتلاء؛ ليخرج من قلبه محبة ما سوى الله؛ ليتم كونه خليلاً بذلك، فهذا هو الكمال".



وقال العلامة ابن القيم الجوزية في زاد المعاد (الجزء الأول، صفحة 71):

"وإسماعيل هو الذبيح على القول الصواب عند علماء الصحابة والتابعين ومَن بعدهم، وأما القول بأنه إسحاق، فباطل بأكثر من عشرين وجهًا، وسمِعت شيخ الإسلام ابن تيميَّة - قدَّس الله رُوحه - يقول: هذا القول إنما هو مُتلقى عن أهل الكتاب مع أنه باطل بنص كتابهم؛ فإن فيه: أن الله أمَر إبراهيم أن يذبح ابنه بِكره، وفي لفظ: وحيده، ولا يشكُّ أهل الكتاب مع المسلمين أن إسماعيل هو بِكر أولاده".

[1] سفر التكوين: الإصحاح الثاني والعشرون.

[2] سفر التكوين: الإصحاح السادس عشر.

[3] سفر التكوين: الإصحاح الحادي والعشرون.

[4] سفر التكوين: الإصحاح السادس عشر.

[5] سفر التكوين: الإصحاح السادس عشر.

[6] سفر التكوين: الإصحاح الخامس بعد العشرين.

[7] سفر التثنية: الإصحاح الحادي والعشرون.


الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
 
من هو الذبيح؟ الحكم بعد المداولة
الرجوع الى أعلى الصفحة 
صفحة 1 من اصل 1

صلاحيات هذا المنتدى:لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى
اسلام ويب :: ۩✖ Known to the islam ۩✖ :: شبهـات حــول الاسـلام-
انتقل الى: