اسلام ويب
هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.



 
الرئيسيةأحدث الصورالتسجيلدخول

من فقه الدعاء يقول سيدنا عمر بن الخطاب - رضي الله عنه -: "أنا لا أحمل همَّ الإجابة، وإنما أحمل همَّّ الدعاء، فإذا أُلهمت الدعاء كانت الإجابة معه". وهذا فهم عميق أصيل ، فليس كل دعاء مجابًا، فمن الناس من يدعو على الآخرين طالبًا إنزال الأذى بهم ؛ لأنهم ينافسونه في تجارة ، أو لأن رزقهم أوسع منه ، وكل دعاء من هذا القبيل ، مردود على صاحبه لأنه باطل وعدوان على الآخرين. والدعاء مخ العبادة ، وقمة الإيمان ، وسرّ المناجاة بين العبد وربه ، والدعاء سهم من سهام الله ، ودعاء السحر سهام القدر، فإذا انطلق من قلوب ناظرة إلى ربها ، راغبة فيما عنده ، لم يكن لها دون عرش الله مكان. جلس عمر بن الخطاب يومًا على كومة من الرمل ، بعد أن أجهده السعي والطواف على الرعية ، والنظر في مصالح المسلمين ، ثم اتجه إلى الله وقال: "اللهم قد كبرت سني ، ووهنت قوتي ، وفشت رعيتي ، فاقبضني إليك غير مضيع ولا مفتون ، واكتب لي الشهادة في سبيلك ، والموت في بلد رسولك". انظر إلى هذا الدعاء ، أي طلب من الدنيا طلبه عمر، وأي شهوة من شهوات الدنيا في هذا الدعاء ، إنها الهمم العالية ، والنفوس الكبيرة ، لا تتعلق أبدًا بشيء من عرض هذه الحياة ، وصعد هذا الدعاء من قلب رجل يسوس الشرق والغرب ، ويخطب وده الجميع ، حتى قال فيه القائل: يا من رأى عمرًا تكسوه بردته ** والزيت أدم له والكوخ مأواه يهتز كسرى على كرسيه فرقًا ** من بأسه وملوك الروم تخشاه ماذا يرجو عمر من الله في دعائه ؟ إنه يشكو إليه ضعف قوته ، وثقل الواجبات والأعباء ، ويدعو ربه أن يحفظه من الفتن ، والتقصير في حق الأمة ، ثم يتطلع إلى منزلة الشهادة في سبيله ، والموت في بلد رسوله ، فما أجمل هذه الغاية ، وما أعظم هذه العاطفة التي تمتلئ حبًا وحنينًا إلى رسول الله - صل الله عليهلم -: (أن يكون مثواه بجواره). يقول معاذ بن جبل - رضي الله عنه -: "يا بن آدم أنت محتاج إلى نصيبك من الدنيا ، وأنت إلى نصيبك من الآخرة أحوج ، فإن بدأت بنصيبك من الآخرة ، مرّ بنصيبك من الدنيا فانتظمها انتظامًا ، وإن بدأت بنصيبك من الدنيا ، فائت نصيبك من الآخرة ، وأنت من الدنيا على خطر). وروى الترمذي بسنده عن النبي - صل الله عليهلم -: أنه قال: ((من أصبح والآخرة أكبر همه جمع الله له شمله ، وجعل غناه في قلبه ، وأتته الدنيا وهي راغمة ، ومن أصبح والدنيا أكبر همه فرَّق الله عليه ضيعته ، وجعل فقره بين عينيه ولم يأته من الدنيا إلا ما كُتب له)). وأخيرًا .. أرأيت كيف أُلهم عمر الدعاء وكانت الإجابة معه ، وصدق الله العظيم إذ يقول: (وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ فَلْيَسْتَجِيبُوا لِي وَلْيُؤْمِنُوا بِي لَعَلَّهُمْ يَرْشُدُونَ) (186)" (البقرة:186).


 

 عيسى عليه الصلاة والسلام

اذهب الى الأسفل 
كاتب الموضوعرسالة


avatar


نقــاط : 99205
عيسى عليه الصلاة والسلام Oooo14
عيسى عليه الصلاة والسلام User_o10

عيسى عليه الصلاة والسلام Empty
مُساهمةموضوع: عيسى عليه الصلاة والسلام   عيسى عليه الصلاة والسلام Emptyالخميس 9 مايو 2013 - 13:20

عيسى عليه الصلاة والسلام


هو سيدنا المسيح عيسى بن مريم بنت عمران، روحُ الله وكلمته ألقاها إلى مريم، وآخرُ أنبياء بني إسرائيل؛ نسبه هو نسب أمه لأنه مولود من غير أب.



أما عن نسبه في الإنجيل ففي كل من سفري متى(1/18) ولوقا(1/34) نجد إقرارًا بميلاد عيسى المعجز. لكن نجد إلى ذلك أيضًا أن عيسى هو ابن يوسف النجار[1] كما في متى(1/16، 13/55) ولوقا(3/23).



و يجعلون له إخوة وأخوات، كما في متى(13/55 -56) ولوقا(8/19) ومرقس(3/31) إلى غير ها من التناقضات مما سنقف على بعضها لاحقًا.



السيدة مريم:

كان عمران، والد مريم من علماء بني إسرائيل، وكانت زوجته عقيمًا لا تنجب، فنذرت إن هي حملت لتجعلن ولدها محرَّرا لله تعالى خالصًا لخدمة بيت المقدس. فحملت بمريم فلما وضعتها رأت أنها أنثى، وكانت ترغب بذكَرٍ ليخدم بيت الله، لكن الله تقبل مريم وحفظها ورعاها وذريتها من الشيطان[2]. وبعد وفاة عمران أصبحت مريم في كفالة زكريا، زوج خالتها الذي اتخذ لها مكانًا في المسجد تعبد الله فيه. عاشت مريم عيشة طُهرٍ وعفاف طيلة حياتها، وكانت تقوم بواجبها تجاه المسجد من خدمة ورعاية. وكان زكريا كلما دخل عليها المحراب وجد عندها رزقًا [3]، فيسألها من أين لك هذا؟ فتجيب بأنه من عند الله تعالى.



﴿ إِذْ قَالَتِ امْرَأَةُ عِمْرَانَ رَبِّ إِنِّي نَذَرْتُ لَكَ مَا فِي بَطْنِي مُحَرَّرًا فَتَقَبَّلْ مِنِّي إِنَّكَ أَنْتَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ * فَلَمَّا وَضَعَتْهَا قَالَتْ رَبِّ إِنِّي وَضَعْتُهَا أُنْثَى وَاللَّهُ أَعْلَمُ بِمَا وَضَعَتْ وَلَيْسَ الذَّكَرُ كَالْأُنْثَى وَإِنِّي سَمَّيْتُهَا مَرْيَمَ وَإِنِّي أُعِيذُهَا بِكَ وَذُرِّيَّتَهَا مِنَ الشَّيْطَانِ الرَّجِيمِ * فَتَقَبَّلَهَا رَبُّهَا بِقَبُولٍ حَسَنٍ وَأَنْبَتَهَا نَبَاتًا حَسَنًا وَكَفَّلَهَا زَكَرِيَّا كُلَّمَا دَخَلَ عَلَيْهَا زَكَرِيَّا الْمِحْرَابَ وَجَدَ عِنْدَهَا رِزْقًا قَالَ يَا مَرْيَمُ أَنَّى لَكِ هَذَا قَالَتْ هُوَ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَرْزُقُ مَنْ يَشَاءُ بِغَيْرِ حِسَابٍ ﴾ [آل عمران: 35 - 37].



و من دلائل إكرام الله تعالى لها أن الملائكة كانت تأتي إليها لتنبئها بأنها ذات مكانة سامية وقدر عالي المقام لأنها مطهرةٌ عن الرجس والدنس ومصطفاة على نساء العالمين. وطلبت منها الملائكة أن تخضع لربها وتستسلم له وتجتهد في عبادته ﴿ وَإِذْ قَالَتِ الْمَلَائِكَةُ يَا مَرْيَمُ إِنَّ اللَّهَ اصْطَفَاكِ وَطَهَّرَكِ وَاصْطَفَاكِ عَلَى نِسَاءِ الْعَالَمِينَ * يَا مَرْيَمُ اقْنُتِي لِرَبِّكِ وَاسْجُدِي وَارْكَعِي مَعَ الرَّاكِعِينَ ﴾ [آل عمران: 42، 43]. التزمت السيدة مريم بما طلبته منها الملائكة، فكانت عابدة قانتة لربها وحافظة لفرجها ﴿ وَمَرْيَمَ ابْنَتَ عِمْرَانَ الَّتِي أَحْصَنَتْ فَرْجَهَا فَنَفَخْنَا فِيهِ مِن رُّوحِنَا وَصَدَّقَتْ بِكَلِمَاتِ رَبِّهَا وَكُتُبِهِ وَكَانَتْ مِنَ الْقَانِتِينَ ﴾ [التحريم: 12].



قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: «خير نساء العالمين أربع: مريم بنت عمران،و آسية امرأة فرعون، وخديجة بنت خويلد، وفاطمة بنت محمد»[4]



ميلاد عيسى المعجز:

﴿ إِذْ قَالَتِ الْمَلآئِكَةُ يَا مَرْيَمُ إِنَّ اللّهَ يُبَشِّرُكِ بِكَلِمَةٍ مِّنْهُ اسْمُهُ الْمَسِيحُ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ وَجِيهًا فِي الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ وَمِنَ الْمُقَرَّبِينَ * وَيُكَلِّمُ النَّاسَ فِي الْمَهْدِ وَكَهْلًا وَمِنَ الصَّالِحِينَ ﴾ [آل عمران: 46]. بشرت الملائكة مريم بأنه سيكون منها ولد من صفاته أنه ذو مكانة في الدنيا والآخرة، من المقربين، يكلم الناس في المهد والكهولة، وهو من الصالحين.



و في يوم ما كانت مريم بعيدة عن أهلها وقومها فأرسل الله إليها جبريل على هيئة بشر، ففزعت منه وقالت له: إِنِّي أَعُوذُ بِالرَّحْمَن مِنكَ إِن كُنتَ تَقِيًّا. أما إن كنت فاسقًا خبيثًا فأعوذ بالجبار منك. فطمأنها جبريل وأخبرها بأنه ملك أرسله الله ليهب لها ولدا طاهرًا. فما كان من مريم إلا العجب والاستغراب، إذ هي ما تزال بكرًا ولم يمسها رجل قط. فأجابها بأن هذا الأمر سهلٌ على الله الذي إذا قضى أمرًا فإنما يقول له: كن فيكون. وتم الحمل بإذن الله تعالى.[5] يشير القرآن الكريم إلى ذلك بقوله: ﴿ وَاذْكُرْ فِي الْكِتَابِ مَرْيَمَ إِذِ انْتَبَذَتْ مِنْ أَهْلِهَا مَكَانًا شَرْقِيًّا * فَاتَّخَذَتْ مِنْ دُونِهِمْ حِجَابًا فَأَرْسَلْنَا إِلَيْهَا رُوحَنَا فَتَمَثَّلَ لَهَا بَشَرًا سَوِيًّا * قَالَتْ إِنِّي أَعُوذُ بِالرَّحْمَنِ مِنْكَ إِنْ كُنْتَ تَقِيًّا * قَالَ إِنَّمَا أَنَا رَسُولُ رَبِّكِ لِأَهَبَ لَكِ غُلَامًا زَكِيًّا * قَالَتْ أَنَّى يَكُونُ لِي غُلَامٌ وَلَمْ يَمْسَسْنِي بَشَرٌ وَلَمْ أَكُ بَغِيًّا * قَالَ كَذَلِكِ قَالَ رَبُّكِ هُوَ عَلَيَّ هَيِّنٌ وَلِنَجْعَلَهُ آَيَةً لِلنَّاسِ وَرَحْمَةً مِنَّا وَكَانَ أَمْرًا مَقْضِيًّا * فَحَمَلَتْهُ فَانْتَبَذَتْ بِهِ مَكَانًا قَصِيًّا * فَأَجَاءَهَا الْمَخَاضُ إِلَى جِذْعِ النَّخْلَةِ قَالَتْ يَا لَيْتَنِي مِتُّ قَبْلَ هَذَا وَكُنْتُ نَسْيًا مَنْسِيًّا * فَنَادَاهَا[6] مِنْ تَحْتِهَا أَلَّا تَحْزَنِي قَدْ جَعَلَ رَبُّكِ تَحْتَكِ سَرِيًّا * وَهُزِّي إِلَيْكِ بِجِذْعِ النَّخْلَةِ تُسَاقِطْ عَلَيْكِ رُطَبًا جَنِيًّا * فَكُلِي وَاشْرَبِي وَقَرِّي عَيْنًا فَإِمَّا تَرَيِنَّ مِنَ الْبَشَرِ أَحَدًا فَقُولِي إِنِّي نَذَرْتُ لِلرَّحْمَنِ صَوْمًا فَلَنْ أُكَلِّمَ الْيَوْمَ إِنْسِيًّا ﴾ [مريم: 16 - 26].



وقد جاء في إنجيل لوقا(2/1-6) ولد عيسى في بيت لحم[7]، في مَعْلَفٍ للدواب لأن مريم لم تجد منزلًا تأوي إليه[8].



و تحدثنا الآيات الكريمة في سورة مريم عن الأحداث التالية لولادتها عيسى: ﴿ فَأَتَتْ بِهِ قَوْمَهَا تَحْمِلُهُ قَالُوا يَا مَرْيَمُ لَقَدْ جِئْتِ شَيْئًا فَرِيًّا * يَا أُخْتَ هَارُونَ[9] مَا كَانَ أَبُوكِ امْرَأَ سَوْءٍ وَمَا كَانَتْ أُمُّكِ بَغِيًّا * فَأَشَارَتْ إِلَيْهِ قَالُوا كَيْفَ نُكَلِّمُ مَنْ كَانَ فِي الْمَهْدِ صَبِيًّا * قَالَ إِنِّي عَبْدُ اللَّهِ آَتَانِيَ الْكِتَابَ وَجَعَلَنِي نَبِيًّا * وَجَعَلَنِي مُبَارَكًا أَيْنَ مَا كُنْتُ وَأَوْصَانِي بِالصَّلَاةِ وَالزَّكَاةِ مَا دُمْتُ حَيًّا * وَبَرًّا بِوَالِدَتِي وَلَمْ يَجْعَلْنِي جَبَّارًا شَقِيًّا * وَالسَّلَامُ عَلَيَّ يَوْمَ وُلِدْتُ وَيَوْمَ أَمُوتُ وَيَوْمَ أُبْعَثُ حَيًّا ﴾ [مريم: 27 - 33].



ولما بلغ عيسى من العمر ثمانية أيام حملته أمه إلى الهيكل فختن، وسمي بدءا من تلك اللحظة يسوعًا، كما في لوقا(2/21).



نشأته وحياته قبل النبوة:

عاش عيسى وأمه في منطقة وصفها القرآن بأنها مكان مرتفع ذو قرار ومعين ﴿ وَجَعَلْنَا ابْنَ مَرْيَمَ وَأُمَّهُ آيَةً وَآوَيْنَاهُمَا إِلَى رَبْوَةٍ ذَاتِ قَرَارٍ وَمَعِينٍ ﴾ [المؤمنون: 50] اختلف المفسرون في تحديد الربوة: دمشق، أو الرملة في فلسطين، أو بيت المقدس، أو مصر. والسبب في ترك بيت لحم هو أن هيرودس أمرَ بقتل كل طفل في بيت لحم، فأمر يوسف النجار في المنام أن يذهب بالطفل وأمه إلى مصر، فأخذهما إلى هناك وأقاموا فيها إلى أن هلك هيرودس، فأمر يوسف أن يرجع بعيسى وأمه إلى ديارهما لأن اللذين كانوا يطلبون قتله قد هلكوا، فرجع بهما إلى اليهودية وكان عيسى حينئذ قد بلغ من العمر سبع سنين. ولما سمع يوسف أن أرخيلاوس بن هيرودس كان حاكمًا في اليهودية ذهب إلى الجليل لأنه خاف أن يبقى في اليهودية فأخذهم إلى الناصرة، فنما الصبي في النعمة والحكمة أمام الله والناس. ولما بلغ عيسى ثنتي عشرة سنة صعد مع يوسف ومريم إلى أورشليم ليسجد هناك حسب شريعة الرب المكتوبة في كتاب موسى، ولما تمت صلواته انصرفوا بعد أن فقدوا عيسى لأنهم ظنوا أنه عاد إلى الوطن مع أقربائهم. فلما لم يجدوه رجعوا إلى أورشليم يبحثان عنه بين الأقارب والجيران، وفي اليوم الثالث وجدوه في الهيكل وسط العلماء يحاجّهم في أمر الناموس. وقد أعجب الناس بأسئلته وأجوبته قائلين: كيف أوتي مثل هذا العلم وهو حدث ولم يتعلم القراءة؟ فلما رأته مريم عنفته قائلة: يا بني! ماذا فعلت بنا، فقد نشدتك وأبوك ثلاثة أيام ونحن حزينان. أجاب عيسى: ألا تعلمين أن خدمة الرب يجب أن تقدم على الأم والأب. ثم نزل عيسى مع أمه ويوسف إلى الناصرة وكان مطيعًا لهما بتواضع واحترام.[10] وفيما وراء هذا يصمت التاريخ تمامًا عن حياة عيسى الممتدة بين ثنتي عشرة والثلاثين عامًا.



نبوته ودعوته:

لما بلغ عيسى الثلاثين جاء إلى يحيى بن زكريا عليهما السلام واعتمد منه في الأردن، ثم نزل عليه الروح القدس مثل حمامة، ثم بعد ذلك خرج عيسى إلى البرية وصام فيها أربعين يومًا لا يأكل ولا يشرب[11].



كان بنو إسرائيل غارقين في الضلال ومنحرفين عن المنهج الرباني القويم المنزل على موسى. فأرسل الله عيسى إليهم ليردهم إلى الدين الحق. فقام سيدنا عيسى يبلغ قومه أوامر الله ونواهيه وطلب منهم أن يرجعوا إلى صراط الله المستقيم ويخلصوا في عبادتهم لله. وذكر لهم أنه قد أنزل عليه تشريعات جديدة، في بعضها تحليل لما كان حُرّم عليهم في شريعة موسى عليه الصلاة والسلام والرسل من بعده. قال الله تعالى ﴿ وَمُصَدِّقًا لِّمَا بَيْنَ يَدَيَّ مِنَ التَّوْرَاةِ وَلِأُحِلَّ لَكُم بَعْضَ الَّذِي حُرِّمَ عَلَيْكُمْ وَجِئْتُكُم بِآيَةٍ مِّن رَّبِّكُمْ فَاتَّقُواْ اللّهَ وَأَطِيعُونِ * إِنَّ اللّهَ رَبِّي وَرَبُّكُمْ فَاعْبُدُوهُ هَـذَا صِرَاطٌ مُّسْتَقِيمٌ ﴾ [آل عمران: 50-51].



وأيد الله عبده ورسوله عيسى بمعجزات مصداقًا وتأييدا لدعوته، كما سنقف عليها لاحقًا.



رزق الله عيسى، كما هو الشأن مع سائر الأنبياء، فطانة ظاهرة وحجة باهرة في مناقشة الخصوم، فقد جادل الصدوقيين وهم فرقة من اليهود تنكر اليوم الآخر والحساب والعقاب وما إلى ذلك[12]، فأفحمهم بالحجة. كما جادل الرؤساءَ الدينيين اليهود المنحرفين في مفاهيمهم وتطبيقاتهم عن أصول الشريعة الربانية، فحاج عيسى الفريسيين (وهم المنقطعون للعبادة)[13] والكتبة(وهم الوعاظ وكتّاب الشريعة لمن يطلبها) والكهنة( وهم خدمة الهيكل) وكانت حججه دامغة.[14] وكما هو شأن بني إسرائيل مع رسلهم السابقين فقد كذب عيسى أكثرُهم وما آمن معه إلا قليل. وهؤلاء القليل هم المعروفون بالحواريين: أصحاب عيسى وتلاميذه، عدتهم اثنا عشر رجلاً.[15] ﴿ فَلَمَّا أَحَسَّ عِيسَى مِنْهُمُ الْكُفْرَ قَالَ مَنْ أَنصَارِي إِلَى اللّهِ قَالَ الْحَوَارِيُّونَ نَحْنُ أَنصَارُ اللّهِ آمَنَّا بِاللّهِ وَاشْهَدْ بِأَنَّا مُسْلِمُونَ ﴾ [آل عمران: 52].



الإنجيل:

أصل الإنجيل مأخوذ من الكلمة اليونانية Evangelos التي تعني البشارة، ويخبرنا القرآن الكريم أن الله تعالى آتى سيدنا عيسى إنجيلًا فيه هدى ونور (المائدة: 46).



ونعلم على وجه اليقين أن الإنجيل تضمن الأمور الآتية:

• التصديق بالتوراة والموعظة للمتقين (المائدة:46).



• الأحكام والشرائع الربانية. (آل عمران:50-51، المائدة: 47).



• البشارة بالنبي محمد - صلى الله عليه وسلم -، وذِكُرُ بعض صفاته. (الأعراف: 157).



• صفة أصحاب النبي - صلى الله عليه وسلم -. (الفتح:29).



• وكذاك تضمن الحث على الجهاد بالمال والنفس. (التوبة:111)[16].



لكن السؤال الهام هو أين هذا الإنجيل؟ هل فقد أم ما يزال موجودًا؟ هل هناك صلة ما بينه وبين الأناجيل التي بين أيدينا؟ هل وجد أناجيل أخرى؟ فيما يأتي محاولة للإجابة عن هذه الأسئلة وغيرها.

أولًا: الكتاب المقدس يتضمن العهد القديم: كتاب اليهود المقدس الذي يحتوي على 39 سفرًا، يطلق على الأسفار الخمسة الأولى التوراة مجازًا مع أنه لا صلة بينها وبين توراة موسى عليه الصلاة والسلام.[17] والعهد الجديد، وهو قسمان: الأول: الأسفار التاريخية وتتضمن:

1- الأناجيل الأربعة (متى ومرقس ولوقا ويوحنا). وهي تتحدث عن قصة مريم وسيدنا عيسى والأحداث التي مرت عليه منذ الولادة حتى نهاية حياته في الأرض.



2- رسالة أعمال الرسل المنسوبة إلى لوقا صاحب الإنجيل، وفيها كلام حول معلمي المسيحية وخاصة بولس أستاذ لوقا. أما القسم الثاني وهو الأسفار التعليمية فيتضمن إحدى وعشرين رسالة تعنى بالوعظ والإرشاد والتعليم. وقد كتبت جميعًا باليونانية.



ثانيًا: كان هناك أناجيل كثيرة أخذت بها فرق مسيحية وآمنت بصحتها، واستمر الوضع على ما هو عليه إلى أن اختيرت الأناجيل الأربعة الحالية في مؤتمر نيقية[18] عام 325م على أنها الأسفار الوحيدة المعتمدة وألغي ما عداها بل صودر وأحرق لأنها فقط خالفت الآراء التي تبناها المجمع بسيف الإمبراطور قسطنطين.[19] إذن إن اختيار الأسفار الأربعة دون غيرها إنما مردّه لمصالح وأهواء، ولم يكن أبدًا بسبب أنها موثقة أو صحيحة أو ذات سند صحيح متصل بعيسى أو لأن النصارى كلهم أو جلهم قد أقروها. ومن يدري ربما كان من بين الأسفار التي صودرت أو أحرقت إنجيل سيدنا عيسى أو إنجيل آخر يدنو منه.



ثالثًا: أسفار العهد الجديد كافةً كتبت بعد عيسى بزمن، وليس بينها وبين عيسى سند. ومؤلفوها إنما اعتمدوا على الأقاويل ووعلى ذاكرة من حولهم بعد وقوع الأحداث بسنين لأنهم لم يشهدوها بأنفسهم. والسبب الرئيس في فقد السند هو الاضطهاد المرير الذي وقع على المسيحيين منذ رفع عيسى حتى أوائل القرن الرابع الميلادي. كان الاضطهاد يجري على أيدي حكام الإمبراطورية الرومانية (نيرون، تراجان، ديكيوس، دقلديلنوس). فقد ذاق المسيحيون في تلك الفترة جميع ألوان العذاب وأشكاله: قُتل منهم أعداد من الكثرة بمكان، سجن أساقفتهم ورعاتهم، أحرقت كتبهم، هدمت كنائسهم. إلخ وإن جلّ ما تعرضوا له يحمل وزره اليهودُ الخبثاء الذين كادوا لهم كيدًا ومزقوهم شر ممزق. وهذا الاضطهاد قاد إلى فقدان المسيحيين الكثيرَ من كتبهم وجعل ديانتهم نهبًا للضياع والتحريف والأفكار الوثنية الهلنستية[20].


رابعًا: إن أسفار العهد الجديد تقدم تاريخًا ناقصًا ومشوهًا للمسيح عليه السلام، وقد تبيّن للعلماء والباحثين بالأدلة والبراهين وجود أغلاط وأخطاء وتناقضات كثيرة[21]. أضف إلى هذا الاختلافَ الواضح والعميق حول مؤلفي الأسفار ومترجميها وتاريخ كتابتها.[22] وهذا كله إنما يعضد بقوة الإسلامَ في اعتقاد أن كتب العهد الجديد -وكذا القديم - قد حرفت وبدلت وأضيف إليها وحذف منها.[23] ولذلك لا يصح الاعتقاد بأيّ من هذه الكتب على أنها من عند الله.



وإليك عددًا من الكتب المهمة التي تقدم كثرة كاثرة من الأدلة والبراهين التي تثبت أن الكتاب المقدس ما هو في جله إلا صنعة بشرية لا ربانية:

• إظهار الحق: رحمة الله الهندي. دار الجيل: بيروت 1988. وهو كتاب عظيم في موضوعه.



• دراسة الكتب المقدسة في ضوء المعارف الحديثة: موريس بوكاي. دار الأفكار: بيروت. 1991.



• العقائد الوثنية في الديانة النصرانية. محمد طاهر التنير: كراتشي: باكستان 1414هـ. أقام المؤلف مشابهات مهمة جدًا بين نصوص تكاد تكون حرفية حول اعتقادات وثنية قديمة (التثليث، والألوهية، والصلب، والتعميد) وبين النصرانية. وإن العجب ليستولي على القارئ عندما يقف على المقارنة المعقودة بين ما يقوله الهنود الوثنيون عن كرشنة وبوذا وبين ما يقوله المسيحيون عن المسيح، ص 93-121! فالشبه بينهما يكاد يكون في جميع الوجوه حَذْوَ القُذَّةِ بِالقُذِّةِ.



• كتبُ الشيخ أحمد ديدات ومناظراتُه الشهيرة، التي زال فيها ليلُ الشكِّ بصبح اليقين.



• المدخل لدراسة التوراة والعهد القديم. محمد علي البار: دار القلم: دمشق، والدار الشامية: بيروت 1990.



• المسيحية والإسلام والاستشراق: محمد فاروق الزين. دار الفكر ط3 2003.



• ينابيع المسيحية: خواجه أفندي كمال الدين. تعريب إسماعيل حلمي البارودي. منشورات لجنة المحققين: لندن 1991.



• Ancient Pagan and Modern Christian Symbolism. Thomas Inman.2nd ed. (Leeds: Celephaïs Press, 2004).



"الرمزية المسيحية القديمة الوثنية والمعاصرة": توماس إنمان.



• Bible Myths and Their Parallels in Other Religions. T. W. Doane. Fourth Edition,1882.


"أساطير الكتاب المقدس وشبيهاتها في الأديان الأخرى" دوان.



• The Mythmaker: Paul and the Invention of Christianity. Hyam Maccoby. (Barnes & Noble Books 1986).



"صانع الأسطورة: بولس وتلفيق المسيحية". هيام ماكوبي.



• Whose Word is it? The Story Behind Who changed the New Testament and Why. Bart D. Ehrman. (London: The Continuum, 2008).



خامسًا: بناء على ما ذُكر ليس إنجيل عيسى المشار إليه في القرآن الكريم واحدًا من هذه الأسفار الحالية إطلاقًا، لكن لا يمنع أنها فيها بعضًا من تعاليم عيسى وأقواله. فقد وجد بعض العلماء حديثًا أنه كان هناك سفر غير قصصي يسمى "سفر الأقوال" يفترض أنه اشتمل على مجموعة وافية من الأحاديث التي تكلم بها عيسى، واستنبطها العلماء من سفري متى ولوقا ورمزوا إليها بحرف Q (من الألمانية Quelle بمعنى المنبع والمصدر)[24].



البشارة بالنبي محمد - صلى الله عليه وسلم -:

ينص القرآن الكريم على بشارة سيدنا عيسى بالنبي محمد عليهما الصلاة والسلام ﴿ وَإِذْ قَالَ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ يَا بَنِي إِسْرَائِيلَ إِنِّي رَسُولُ اللَّهِ إِلَيْكُم مُّصَدِّقًا لِّمَا بَيْنَ يَدَيَّ مِنَ التَّوْرَاةِ وَمُبَشِّرًا بِرَسُولٍ يَأْتِي مِن بَعْدِي اسْمُهُ أَحْمَدُ فَلَمَّا جَاءهُم بِالْبَيِّنَاتِ قَالُوا هَذَا سِحْرٌ مُّبِينٌ ﴾ [الصف: 6] جاءت البشارة بالنبي بلفظ "أحمد" في إنجيل برنابا[25] أكثر من مرة، وهو من الأناجيل غير المعترف بها عند معظم النصارى[26]. وبلفظ "الفارقليط" في إنجيل يوحنا.[27] والفارقليط مأخوذ من الكلمة اليونانية بارا كلي طوس Paraklētos التي تعني: المعين، الشافع، المعزّي، الوكيل. أو بيركلو طوس التي معناها يدنو من معنى محمد أو أحمد. وقد أتى العلامة رحمة الله الهندي بالأدلة والبراهين على أن الفارقليط-بمعانيها جميعًا- تصدق على النبي محمد - صلى الله عليه وسلم -[28].



مسألة الصلب:

بقي عيسى يجاهر بدعوته ويدل بني إسرائيل على الله ويأمرهم بالاستقامة ويبين فساد طريقهم إلى أن ضاقوا به ذرعًا، فاجتمع عظماء اليهود وأحبارهم فقالوا: إنا نخاف أن يفسد علينا ديننا، ويتبعه الناس، فقال لهم قيافا – رئيس الكهنة: لأن يموت رجل واحد خير من أن يذهب الشعب بأسره، فأجمعوا على قتله، فسعوا به لدى الحاكم الروماني، وزينوا له شكواهم منه، وربما صوروا له دعوة عيسى الدينية بصورةٍ سياسيةٍ تريد تقويض الحكم القائم، وزعموا له أن عيسى يسعى لأن يكون ملكًا على اليهود، وينادي بذلك. وما زالوا بالحاكم حتى حملوه على أن يقرر أن يتخلص من عيسى عليه السلام بقتله وصلبه، على طريقتهم التي كانوا يفعلونها فيمن يحكمون عليه بالقتل[29].



وعلم عيسى عليه السلام بمكر القوم به، وعزم الحاكم على قتله، فاختفى عن أعين الرقباء، حتى لا يعرف أعداؤه من اليهود مكانه فيقبضوا عليه.



قالوا: ودخل المسيح إلى (أورشليم) على حمار، وتلقاه فيها أصحابه، فقال المسيح لهم: إن بعضكم ممن يأكل ويشرب معي يسلمني. وبعد أن أوصى المسيحُ تلاميذه بأمور ذهبوا إلى المكان الذي يجتمعون فيه، وكان يهوذا بن سمعان الأسخريوطي -أحد الحواريين- يعرف ذلك الموضع فلما رأى الشُرَط يطلبون المسيح دلهم على مكانه مقابل دريهمات معدودات جعلوها له قالوا: وكانت ثلاثين درهمًا، فما دخلوا المكان الذي فيه المسيح، ألقى الله شبهه على مَن دلّهم على مكانه من الحورايين وهو (يهوذا الأسخريوطي) فاحتملوا الشبه وصلبوه وقتلوه وهم يظنونه عيسى عليه السلام، ورفع الله سيدنا عيسى إليه[30].



قال الله تعالى في هذا الشأن ﴿ وَقَوْلِهِمْ إِنَّا قَتَلْنَا الْمَسِيحَ عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ رَسُولَ اللَّهِ وَمَا قَتَلُوهُ وَمَا صَلَبُوهُ وَلَكِنْ شُبِّهَ لَهُمْ وَإِنَّ الَّذِينَ اخْتَلَفُوا فِيهِ لَفِي شَكٍّ مِنْهُ مَا لَهُمْ بِهِ مِنْ عِلْمٍ إِلَّا اتِّبَاعَ الظَّنِّ وَمَا قَتَلُوهُ يَقِينًا * بَلْ رَفَعَهُ اللَّهُ إِلَيْهِ وَكَانَ اللَّهُ عَزِيزًا حَكِيمًا * وَإِنْ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ إِلَّا لَيُؤْمِنَنَّ بِهِ قَبْلَ مَوْتِهِ وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ يَكُونُ عَلَيْهِمْ شَهِيدًا ﴾ [النساء: 157 - 159] وجاء في آية أخرى حول رفع عيسى ﴿ إِذْ قَالَ اللّهُ يَا عِيسَى إِنِّي مُتَوَفِّيكَ وَرَافِعُكَ إِلَيَّ وَمُطَهِّرُكَ مِنَ الَّذِينَ كَفَرُواْ ﴾ [آل عمران: 55][31].



ولم أتعرض هنا للتناقضات والإشكالات التي وقعت فيها الأناجيل حول مسالة الصلب، وأنصح بالرجوع بشأنها إلى كتاب الداعية أحمد ديدات "صلب المسيح بين الحقيقة والافتراء"[32] وإلى الفصل المهم الذي عقده المرحوم محمد فاروق الزين في كتابه "المسيحية والإسلام والاستشراق".



معجزات عيسى:

أرسل الله سيدنا عيسى إلى قوم عرفوا بمهارتهم في الطب، فأجرى الله على يديه معجزات باهرات تشاكل نوع مهارة قومه بحسب الصورة ولكن بمستوى لا يستطيع الطب بالغًا ما بلغ أن يصل إليه أو يدانيه:

المعجزة الأولى: أنه يخلق من الطين كهيئة الطير، فينفخ فيه فيكون طيرًا بإذن الله.



المعجزة الثانية: أنه يمسح على الأكمه-من ولد أعمى- فيبرئه بإذن الله.



المعجزة الثالثة: أنه يمسح على الأبرص فيشفيه بإذن الله.



المعجزة الرابعة: أنه يحيي الموتى بإذن الله.



المعجزة الخامسة: أنه ينبئ الناس بما يأكلون وما يدخرون في بيوتهم.



المعجزة السادسة: كفُّ الله بني إسرائيل عنه حين أرادوا قتله، وإلقاء شبهه على من دل على مكانه ثم رفعه إليه.



المعجزة السابعة: طلب الحواريون من سيدنا عيسى أن ينزل عليهم مائدة من السماء ليأكلوا منها ولتطمئن قلوبهم بالإيمان. فدعا عيسى ربه فأنزل عليه المائدة التي طلبوها.



جميع هذه المعجزات نص عليها القرآن الكريم (المائدة: 110-115)



أسماء عيسى وألقابه:

ينسب إلى سيدنا عيسى - في الكتاب المقدس- كثير من الأسماء والألقاب التي في بعضها تناقض لا مرية فيه، مثل: ابن الله، ابن يوسف، ابن الإنسان، نبي، الرب، حمل الله، المخلص، ابن داود، الابن الوحيد، الباب، الإله القادر على كل شيء، صورة الله، قوة الله إلخ [33].



يقول الدكتور محمد فاروق الزين: "لا يمكن تبرير الألقاب الفخمة والمتناقضة والمتطرفة التي نسبوها إلى عيسى المسيح إلا بالعودة إلى فكر مؤلفي الأسفار ومنقّحيها والطريقة التي كتبت وتطورت بها الأسفار، وتطورت النظريات اللاهوتية التي جاء بها بولس في مناخ من الثقافة الهلنستية السائدة، غير أنه من الصعب فهم السبب الذي من أجله تصر الكنيسة بلا كلل على تبرير مثل هذه التناقضات والدفاع عنها"[34].



أما الألقاب التي اقتصر عليها القرآن الكريم فهي: عيسى، ابن مريم، المسيح، رسول الله، كلمة الله، روح الله، عبد الله. ﴿ يَا أَهْلَ الْكِتَابِ لاَ تَغْلُواْ فِي دِينِكُمْ وَلاَ تَقُولُواْ عَلَى اللّهِ إِلاَّ الْحَقِّ إِنَّمَا الْمَسِيحُ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ رَسُولُ اللّهِ وَكَلِمَتُهُ أَلْقَاهَا إِلَى مَرْيَمَ وَرُوحٌ مِّنْهُ فَآمِنُواْ بِاللّهِ وَرُسُلِهِ وَلاَ تَقُولُواْ ثَلاَثَةٌ انتَهُواْ خَيْرًا لَّكُمْ إِنَّمَا اللّهُ إِلَـهٌ وَاحِدٌ سُبْحَانَهُ أَن يَكُونَ لَهُ وَلَدٌ لَّهُ مَا فِي السَّمَاوَات وَمَا فِي الأَرْضِ وَكَفَى بِاللّهِ وَكِيلًا ﴾ [النساء: 171].



نزول عيسى - عليه السلام - في آخر الزمان:

أشراط الساعة الكبرى عشرة، منها هبوط عيسى على الأرض بعد احتجابه عنها أمدًا طويلًا في مكان ما من ملكوت الله تعالى، وهو لا يزال يتمتع بحياته الأولى التي أحياه الله بها إذ كان في الأرض رسولا نبيًا. فيبقى في الأرض فترة من الزمن يحكم بالشريعة الإسلامية ويدعو إليها. وينبغي أن نعلم أن نزوله لا يناقض الاعتقاد في أن النبي محمدًا - صلى الله عليه وسلم - هو خاتم الأنبياء وأن شريعته ناسخة لجميه الشرائع التي خلت. والدليل على نزول عيسى منصوص عليه في القرآن والسنة. أما القرآن فهناك ثلاث آيات تشير إلى نزوله:

1- قوله تعالى: ﴿ وَقَوْلِهِمْ إِنَّا قَتَلْنَا الْمَسِيحَ عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ رَسُولَ اللَّهِ وَمَا قَتَلُوهُ وَمَا صَلَبُوهُ وَلَكِنْ شُبِّهَ لَهُمْ وَإِنَّ الَّذِينَ اخْتَلَفُوا فِيهِ لَفِي شَكٍّ مِنْهُ مَا لَهُمْ بِهِ مِنْ عِلْمٍ إِلَّا اتِّبَاعَ الظَّنِّ وَمَا قَتَلُوهُ يَقِينًا * بَلْ رَفَعَهُ اللَّهُ إِلَيْهِ وَكَانَ اللَّهُ عَزِيزًا حَكِيمًا * وَإِنْ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ إِلَّا لَيُؤْمِنَنَّ بِهِ قَبْلَ مَوْتِهِ وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ يَكُونُ عَلَيْهِمْ شَهِيدًا ﴾ [النساء: 157 - 159] والمعنى: أنه لا يبقى أحد من أهل الكتاب بعد نزول عيسى إلا آمن به قبل موت عيسى. وهو نص في أنه عليه الصلاة والسلام لم يمت بعد.



2- قوله تعالى ﴿ وَإِنَّهُ لَعِلْمٌ لِّلسَّاعَةِ فَلَا تَمْتَرُنَّ بِهَا وَاتَّبِعُونِ هَذَا صِرَاطٌ مُّسْتَقِيمٌ ﴾ [الزخرف: 61]. أي إن عيسى دليل على قيام الساعة وذلك بنزوله من السماء حكَمًا مقسطًا عادلًا. وهناك قراءة أخرى للآية ﴿ وإنَّه لَعَلم للسَّاعَة ﴾ أي إشارة ورمز للساعة.



3- الآية الكريمة ﴿ وَيُكَلِّمُ النَّاسَ فِي الْمَهْدِ وَكَهْلًا وَمِنَ الصَّالِحِينَ ﴾ [آل عمران: 46] ودلالة الآية واضحة لأن عيسى كلم الناس في المهد، وسوف يكلمهم وهو كهل أي بعد نزوله.



أما في السنة فالأحاديث التي أخبرت عن نزول عيسى كثيرة جدًا وقد بلغت درجة التواتر، تجدها مجموعة في كتاب "التصريح بما تواتر في نزول المسيح" للمحدث الشيخ محمد أنور شاه الكشميري الهندي. وإليك بعضًا من هذه الأحاديث التي جمعها: في الصحيحين عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "و الذي نفسي بيده ليوشكن أن بنزل فيكم ابن مريم حكما عدلا، فيكسر الصليب ويقتل الخنزير ويضع الحرب، ويفيض المال حتى لا يقبله أحد، حتى تكون السجدة الواحدة خيرا من الدنيا وما فيها. ثم يقول أبو هريرة: اقرؤوا إن شئتم: ﴿ وَإِنْ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ إِلَّا لَيُؤْمِنَنَّ بِهِ قَبْلَ مَوْتِهِ وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ يَكُونُ عَلَيْهِمْ شَهِيدًا ﴾ [النساء: 159] [35].



و في حديث آخر عن أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: "ليس بيني وبينه نبي، يعني عيسى، وإنه نازل فإذا رأيتموه فاعرفوه: رجل مربوع إلى الحمرة والبياض[36]، بين ممصَّرتين[37]، كأن رأسه يقطر وإن لم يصبه بلل[38]. فيقاتل الناس على الإسلام، فيدق الصليب ويقتل الخنزير ويضع الجزية، ويهلك الله في زمانه الملل كلها إلا الإسلام، ويهلك المسيحَ الدجالَ[39]، فيمكث في الأرض أربعين سنة ثم يتوفى فيصلي عليه المسلمون." [40].



هذه صورة سيدنا عيسى وأمه الطاهرة مريم من وجهة النظر الإسلامية، وهي تختلف إلى حد كبير مع الصورة التي رسمها له النصارى وعلى رأسهم بولس. ويفيدنا الدكتور محمد فاروق الزين أنه منذ زهاء قرنين من الزمن بدأت في الغرب عملية بحث لدراسة الفروق بين عيسى المسيح التاريخي وعيسى بولس الذي آمنت به الكنيسة. وكان الرئيس الأمريكي الثالث توماس جيفرسون من رواد عملية البحث هذه. فقد حاول تطهير الكتاب المقدس من مفهوم مسيح بولس الأسطوري والإبقاء على تعاليم عيسى المسيح التاريخي. وأسفرت البحوث أن هناك فرقًا كبيرًا بين المسيح الأسطوري والتاريخي[41]. ويضيف المؤلف بأنه ظهر توافق لافت للنظر بين نتائج أبحاث الكتاب المقدس الحديثة وبين الرؤية القرآنية لعيسى. وهذا التوافق يمكن أن يؤسس قاعدة هامة لحوار مثمر وفعال بين المسيحيين والمسلمين.



المراجع:

• إظهار الحق: رحمة الله الهندي، دار الجيل- بيروت 1988م.



• التصريح بما تواتر في نزول المسيح: محمد أنور شاه الكشميري الهندي، تحقيق عبد الفتاح أبو غدة، مكتب المطبوعات الإسلامية- حلب ط5 1992م.



• تفسير ابن كثير: دار الخير- دمشق 1990م.



• تفسير القرطبي: دار الفكر-بيروت 1987م.



• صحيح البخاري: دار ابن كثير- دمشق،اليمامة-بيروت 1987م.



• فتح الباري: ابن حجر العسقلاني، دار الريان للتراث- مصر 1987م.



• قاموس الكتاب المقدس: مكتبة المشعل- بيروت، ط6 1981.



• قصص الأنبياء: ابن كثير، دار صادر - بيروت 2003م.



• العقيدة الإسلامية: عبد الرحمن حسن حبنكة الميداني، دار القلم-دمشق، ط6 1992م.



• محاضرات في النصرانية: محمد أبو زهرة، دار الفكر العربي- القاهرة. دون تاريخ.



• مسند أحمد ابن حنبل: تحقيق فئة من الباحثين، مؤسسة الرسالة-دمشق 1993-2001م.



• المسيحية والإسلام الاستشراق: محمد فاروق الزين، دار الفكر- دمشق، ط3 2003م.

[1] يوسف النجار شاب صالح من شباب بني إسرائيل، عمل نجارا في الناصرة، كان خطيب مريم، و بعد أن علم أنها حبلى ارتاب في أمرها و قرر أن يترك خطبتها دون أن يفضحها، لكن عندما تبين حقيقة الأمر أخذ مريم معه إلى بيت لحم للاكتتاب لينقذها من حصائد الألسنة. راجع قاموس الكتاب المقدس ص1118.

[2] قال النبي - صلى الله عليه وسلم -: «ما من بني آدم مولود إلا يمسه الشيطان حين يولد فيستهل صارخا من مسّ الشيطان غير مريم و ابنها ». أخرجه البخاري، رقم 3431، و انظر مسند أحمد، رقم 7182(12/106).

[3] عن عدد من المفسرين: كان يجد عندها فاكهة الصيف في الشتاء، وفاكهة الشتاء في الصيف. تفسير ابن كثير 1/386.

[4] تفسير ابن كثير 1/389 وفيه عدد من الأحاديث المشابهة حول فضل مريم. و الحديث برواية أخرى في مسند أحمد، رقم 640( 2/70)

[5] ذُكر أن جبريل نفخ في جيب درعها فنزلت النفخة إلى فرجها. وقيل غير ذلك. انظر قصص الأنبياء لابن كثير،ص 270. وأما عن مدة الحمل فقد اختلف فيها، فقيل: ساعة، وقيل:تسع ساعات، و رجح ابن كثير مدة الحمل الطبيعي: أي تسعة أشهر.ص271 و الله تعالى أعلم بالصواب.

[6] قيل: ناداها عيسى أو الملك الذي رعى ولادتها.

[7] لا يعرف على وجه الدقة ميلاد سيدنا عيسى، لكن ذكر علماء المسيحية أن ولادته ربما كانت في 25 ديسمبر عام 5 ق م. قاموس الكتاب المقدس 764. و يذكر محمد فاروق الزين أن لوقا يقدم تاريخين متناقضين عن ميلاد عيسى. ففي الإصحاح 1/ 5،26 أن ميلاده كان في عهد هيرود الكبير(مات 4 ق م). وفي الإصحاح2/2-3 كان في وقت الإحصاء السكاني الذي قام به الوالي الروماني كيرينوس على سورية في 6م، أي بعد موت هيرود بعشرة أعوام. المسيحية و الإسلام ص 239.

[8] السبب في سفر مريم إلى هناك هو كما قيل من أن هيرودوس الذي كان ملكاً على اليهودية في تلك الآونة أمر حكام البلاد و عماله أن يسجلوا جميع أفراد الرعية الداخلين في ملكته، و ذلك بناء على أمر قيصري ورد إليه من قيصر أوغسطس. فذهب الجميع ليكتتبوا كلٌ إلى مدينته، فذهب يوسف و خطيبته مريم- التي كانت إذ ذاك حبلى- من الناصرة إلى بيت لحم لتسجيل أسمائهم. فولدت عيسى هناك. راجع إنجيل لوقا(2/1-6).

[9] ذكر المفسرون عدة وجوه في المراد بهارون: منها تشبيهها برجل صالح في زمانها اسمه هارون، وكان هذا منهم على سبيل التهكم حيث ظنوا بها السوء بسبب زناها و هي عزباء. و رأى بعضهم أن قومها شبهوها برجل فاسق اسمه هارون، تعريضا بفسقها و زناها. راجع تفسير القرطبي 1/100.

[10] قصص الأنبياء، للنجار، ص501-502 نقلا عن إنجيل برنابا. و راجع متى(2)، ولوقا (2/39-52).

[11] انظر قاموس الكتاب المقدس ص866، قصص الأنبياء، للنجار ص504.

[12] اقرأ عنهم في قاموس الكتاب المقدس ص539.

[13] اقرأ عنهم في قاموس الكتاب المقدس ص674.

[14] قصص الأنبياء، للنجار ص510- 511 نقلا عن إنجيل برنابا.

[15] قف على أسمائهم في متى(10/1-4).

[16] العقيدة الإسلامية ص478-480.

[17] أعيدت كتابة الأسفار اليهودية و تنقيحها من أربعة مصادر رئيسة: يهوه أي الله تعالى و كان ذلك بين 975-935ق م بعد ثلاثة قرون من وفاة موسى تقريباً. إلوهيم إي الله تعالى أيضاً كتب في السامرة عام 850 ق م تقريباً بعد انقسام إسرائيل إلى مملكتين شمالية و جنوبية. المصدر الثالث المسمى التثنية إي القانون الثاني و ينسب إلى موسى. و الرابع المسمى الأنبياء أو الزبور، كتب خلال القرون الأربعة السابقة لعيسى. المسيحية والإسلام، لمحمد فاروق الزين ص 50.

[18] في تركيا و تسمى الآن إزنيق.

[19] كان السبب العام لانعقاد المؤتمر هو الاختلاف البين بين النصارى في عيسى من حيث ألوهيته أو عدمها، راجع محاضرات في النصرانية ص122.

[20] انظر العقيدة الإسلامية ص 496-497، محاضرات في النصرانية ص29 وما بعد.

[21] قف على أمثلة وافرة في إظهار الحق 1/85.

[22] التفصيل في محاضرات في النصرانية ص 42-54.

[23] ( انظر البقرة: 75 النساء: 46، المائدة: 13،41)و التحريف قسمان: معنوي، و ذلك بتغيير مدلولات الألفاظ و ترجمتها إلى ما يوافق آراءهم, و تحريف لفظي عن طريق التبديل أو الزيادة أو النقصان. و قد وصف القرآن أهل الكتاب من يهود و نصارى بأنهم نسوا حظاً مما ذكروا به (المائدة: 14) و بأنهم يبدون من كتبهم شيئاً ويخفون أشياء (المائدة:15).

[24] المسيحية و الإسلام ص 58 و ثمة شبه إلى حد كبير بين سفر توما- اكتشف عام 1945م في نجع حمادي بمصر- و سفر الأقوال المستل من متى و لوقا. ولعل هذا يدعم الاعتقاد بأنه كان هناك سفر يحتوي على تعاليم عيسى. ص 59.

[25] برنابا من قديسي النصارى و أحد الرسل السبعين الذين قاموا بالدعاية للمسيحية الأولى، و هو حجة عندهم. و إنجيله يتضمن حقائق هامة منها: أن عيسى عبد الله و رسوله، لم يصلب بل رفع إلى السماء، التبشير بمحمد - صلى الله عليه وسلم -. العقيدة الإسلامية ص494-495.

[26] ذكر مؤلفو قاموس الكتاب المقدس ص 172 أن كاتبه مؤلف وضع في القرون الوسطى و انتحل اسم برنابا باطلاً.

[27] الإصحاحان:14- 15 راجع النقل في كتاب إظهار الحق 2/ 236 للمرحوم رحمة الله الهندي.

[28] المرجع السابق 2/239

[29] العقيدة الإسلامية، عبد الرحمن حبنكة ص438

[30] المرجع السابق ص438-439

[31] ينبغي أن يشار هنا أن قوله تعالى مُتَوَفِّيكَ ليس المراد به مميتك، بل: قابضك و رافعك إليّ، فالتوفي معناه أخذ الشيء و قبضه تماماً. و مرادفه الاستيفاء. تقول: استوفيت حقي و توفيته أي قبضته كاملاً. أما الإماتة و هي أخذ الروح فهي نوع من أنواع التوفي الذي يشملها و غيرها. و نص الزمخشري في كتابه أساس البلاغة أن التعبير بالوفاة عن الموت معدود من المجاز. و السبب في انصراف الفهم إلى الوفاة هو كثرة استخدام الناس لفظ التوفي بمعنى الموت. انظر تفسير الشعراوي رحمه الله تعالى وغيره من التفاسير عند هذه الآية، وكذا كتاب التصريح بما تواتر في نزول المسيح للمحدث محمد أنور شاه الكشميري ص 61 و ما بعد.

[32] يمكن تحميل الكتاب من الإنترنت.

[33] انظر قاموس الكتاب المقدس ص 886-888، و المسيحية والإسلام ص179-186

[34] المسيحية والإسلام ص169.

[35] التصريح ص 91-93.

[36] معتدل القامة وهو إلى الطول أقرب. و لونه أقرب إلى الحمرة و البياض.

[37] فيهما صفرة خفيفة.

[38] هذا كناية عن النظافة و النضارة.

[39] ورد في حديث أن عيسى يقتله في بباب لُدّ في فلسطين. انظر التصريح ص 141.

[40] التصريح ص 140.

[41] المسيحية و الإسلام و الاستشراق ص11.


الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
 
عيسى عليه الصلاة والسلام
الرجوع الى أعلى الصفحة 
صفحة 1 من اصل 1

صلاحيات هذا المنتدى:لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى
اسلام ويب :: ۩✖ Known to the islam ۩✖ :: شبهـات حــول الاسـلام-
انتقل الى: