اسلام ويب
هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.



 
الرئيسيةأحدث الصورالتسجيلدخول

من فقه الدعاء يقول سيدنا عمر بن الخطاب - رضي الله عنه -: "أنا لا أحمل همَّ الإجابة، وإنما أحمل همَّّ الدعاء، فإذا أُلهمت الدعاء كانت الإجابة معه". وهذا فهم عميق أصيل ، فليس كل دعاء مجابًا، فمن الناس من يدعو على الآخرين طالبًا إنزال الأذى بهم ؛ لأنهم ينافسونه في تجارة ، أو لأن رزقهم أوسع منه ، وكل دعاء من هذا القبيل ، مردود على صاحبه لأنه باطل وعدوان على الآخرين. والدعاء مخ العبادة ، وقمة الإيمان ، وسرّ المناجاة بين العبد وربه ، والدعاء سهم من سهام الله ، ودعاء السحر سهام القدر، فإذا انطلق من قلوب ناظرة إلى ربها ، راغبة فيما عنده ، لم يكن لها دون عرش الله مكان. جلس عمر بن الخطاب يومًا على كومة من الرمل ، بعد أن أجهده السعي والطواف على الرعية ، والنظر في مصالح المسلمين ، ثم اتجه إلى الله وقال: "اللهم قد كبرت سني ، ووهنت قوتي ، وفشت رعيتي ، فاقبضني إليك غير مضيع ولا مفتون ، واكتب لي الشهادة في سبيلك ، والموت في بلد رسولك". انظر إلى هذا الدعاء ، أي طلب من الدنيا طلبه عمر، وأي شهوة من شهوات الدنيا في هذا الدعاء ، إنها الهمم العالية ، والنفوس الكبيرة ، لا تتعلق أبدًا بشيء من عرض هذه الحياة ، وصعد هذا الدعاء من قلب رجل يسوس الشرق والغرب ، ويخطب وده الجميع ، حتى قال فيه القائل: يا من رأى عمرًا تكسوه بردته ** والزيت أدم له والكوخ مأواه يهتز كسرى على كرسيه فرقًا ** من بأسه وملوك الروم تخشاه ماذا يرجو عمر من الله في دعائه ؟ إنه يشكو إليه ضعف قوته ، وثقل الواجبات والأعباء ، ويدعو ربه أن يحفظه من الفتن ، والتقصير في حق الأمة ، ثم يتطلع إلى منزلة الشهادة في سبيله ، والموت في بلد رسوله ، فما أجمل هذه الغاية ، وما أعظم هذه العاطفة التي تمتلئ حبًا وحنينًا إلى رسول الله - صل الله عليهلم -: (أن يكون مثواه بجواره). يقول معاذ بن جبل - رضي الله عنه -: "يا بن آدم أنت محتاج إلى نصيبك من الدنيا ، وأنت إلى نصيبك من الآخرة أحوج ، فإن بدأت بنصيبك من الآخرة ، مرّ بنصيبك من الدنيا فانتظمها انتظامًا ، وإن بدأت بنصيبك من الدنيا ، فائت نصيبك من الآخرة ، وأنت من الدنيا على خطر). وروى الترمذي بسنده عن النبي - صل الله عليهلم -: أنه قال: ((من أصبح والآخرة أكبر همه جمع الله له شمله ، وجعل غناه في قلبه ، وأتته الدنيا وهي راغمة ، ومن أصبح والدنيا أكبر همه فرَّق الله عليه ضيعته ، وجعل فقره بين عينيه ولم يأته من الدنيا إلا ما كُتب له)). وأخيرًا .. أرأيت كيف أُلهم عمر الدعاء وكانت الإجابة معه ، وصدق الله العظيم إذ يقول: (وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ فَلْيَسْتَجِيبُوا لِي وَلْيُؤْمِنُوا بِي لَعَلَّهُمْ يَرْشُدُونَ) (186)" (البقرة:186).


 

  أحكام الصيام

اذهب الى الأسفل 
كاتب الموضوعرسالة


avatar


نقــاط : 99350
 أحكام الصيام Oooo14
 أحكام الصيام User_o10

 أحكام الصيام Empty
مُساهمةموضوع: أحكام الصيام    أحكام الصيام Emptyالخميس 2 مايو 2013 - 4:50

الحمد لله ربِّ العالمين، والصلاة والسلام على إمام المرسلين، وعلى آله وأصحابه أجمعين.


عباد الله، إنَّ ربَّنا - سبحانه - شرَع لنا صيام رمضان، وجعَلَه أحدَ أركان الإسلام، فكان لزامًا على كل مسلم أن يتعلَّم من الأحكام ما يتعلَّق بالصيام؛ حتى يعبدَ الله - تعالى - على بصيرة، وليؤدي الواجب عليه عن عِلمٍ ومعرفة، وفَرْقٌ بين مَن يتعبَّد الله - تعالى - عن علْمٍ وإدراك، فيتَّبع النبي - صلَّى الله عليه وسلَّم - أحسنَ اتِّباع، وبين مَن يبني عبادته على مشاهدة الناس، وما يتناقله العوام أو يدعونه.


وقد قرَّر أهل العلم أنه يجب على المكلَّف تعلُّم ما تَصِحُّ به عبادته، ومَن يُرِد الله به خيرًا، يُفَقِّهه في الدين.


وإليكم أيها الأحباب جملةً من أهمِّ مسائل الصيام التي لا غِنى للمسلم عنها.


فلو سُئِلتَ يا عبد الله عن معنى الصيام، فقل: إنه الامتناع عن المفطرات من طلوع الفجر الثاني حتى غروب الشمس، بنيَّة التعبُّد لله - تعالى - فوقتُ الصيام والإمساك يبدأ من طلوع الفجر وهو وقت دخول صلاة الفجر، والعِبرة بدخول الوقت، لا برفْع الأذان، فلو بكَّر المؤذِّن أو تأخَّر في الأذان، فلا عِبرة بذلك في الصيام، وكذلك غروب الشمس، وفي الصحيحين عن عبدالله بن أبي أوْفَى - رضي الله عنه - قَال: كنَّا مع رسول الله - صلَّى الله عليه وسلَّم - في سفرٍ في شهر رمضان، فلَمَّا غابت الشمس، قال: ((يا فلان، انزِلْ، فَاجْدَحْ لنا؛ أي: اخلِط الماء بالسَّويق؛ لنفْطرَ))، قال: يا رسول الله، إن عليك نهارًا، قال: ((انزِلْ فاجْدَح لنا))، قال: فنَزَل، فجَدَحَ، فأتاه به، فشَرِب النبي - صلَّى الله عليه وسلَّم - ثم قال بيده: ((إذا غابت الشمس من ها هنا، وجاء الليل من ها هنا، فقد أفطَرَ الصائم)).


وحقيقة الصيام: الامتناع عن تناول المفطرات خلال وقت الصيام، فمَن تناوَل شيئًا من المفطرات عامدًا ذاكرًا لصومه، لَم يصحَّ صيامه، أمَّا الناسي فلا شيء عليه، وصيامه صحيح؛ أخرج البخاري عن أبي هريرة - رضي الله عنه - قال: قال النبي - صلَّى الله عليه وسلَّم -: ((مَن أكَل ناسيًا وهو صائم، فليتمَّ صومه، فإنما أطعَمَه الله وسَقاه)).


وعلى المسلم أن ينوي بهذا الصيام أداءَ الواجب والتقرُّب إلى الله - تعالى - لأنَّ الأعمال بالنيَّات، فمَن صام بلا نيَّة أو نوى الحِمْيَة والتخفيف، أو تقليد الناس فحسب، لَم يصحَّ صيامه، وتكون النيَّة في الليل؛ لقوله - صلَّى الله عليه وسلَّم -: ((مَن لَم يُبيِّت الصيام قبل طلوع الفجر، فلا صيام له))، وهو في صحيح الجامع.


وليست النيَّة - كما يفعل البعض - أنْ يقول بلسانه نويتُ أنْ أصوم، أو أن أُصلي كذا وكذا، فهذا لَم يَثبت عن النبي - صلَّى الله عليه وسلَّم - ولا عن أحدٍ من الأئمة والسلف؛ لأن النيَّة مكانها القلب، فقيامُك للسحور مثلاً من أجْل الصوم يعتبر نيَّة.


والسحور من آداب الصوم التي ينبغي أن يحافظ عليها الصائم؛ اقتداءً بالنبي - صلَّى الله عليه وسلَّم - الذي قال: ((تَسَحَّروا؛ فإن في السحور بركة))؛ متفق عليه.



وعن أبي سعيد الخدري - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صلَّى الله عليه وسلَّم -:

((السحور كلُّه بركة، فلا تَدَعوه، ولو أن يَجرعَ أحدُكم جرعةً من ماء؛ فإنَّ الله - عزَّ وجلَّ - وملائكته يصلون على المتسحِّرين))؛ رواه أحمد، وحَسَّنه الألباني.


معاشر المسلمين، أمَّاعن دخول رمضان، فإنه يدخل ويجبُ الصوم بأحد أمرين؛ إمَّا برؤية هلال شهر رمضان، أو بإكمال شهر شعبان ثلاثين يومًا، ولا عِبرة بالحساب الفلكي - كما قرَّره أهلالعلم - لقول النبي - صلَّى الله عليه وسلَّم -: ((صوموا لرؤيته، وأفْطِروا لرؤيته، فإن غُبِّي عليكم، فأكملوا عِدَّة شعبان ثلاثين))؛ رواه البخاري، ومسلم.


ثم إنَّ الواجب موافقة أهل البلد بالصيام؛ لقوله - صلَّى الله عليه وسلَّم -: ((الصوم يوم تصومون، والفِطر يوم تفطرون، والأضحى يوم تضحون))؛ الصحيحة.


واعلموا عباد الله أنه يجبُ الصيام على مَن توفَّرت فيه هذه الشروط الستة:

وأوَّلها: أن يكون مسلمًا، فلا تُقْبَل عبادة من كافر.


والشرط الثاني: العقل؛ للحديث المعروف عن ابن عباس - رضي الله عنهما - أنَّ رسول الله - صلَّى الله عليه وسلَّم - قال: ((رُفِع القلم عن ثلاثة: عن المجنون المغلوب على عقْله حتى يُفيق، وعن النائم حتى يَستيقظ، وعن الصبي حتى يَحتلم))؛ أخرجه أبو داود وغيره.


فالمجنون لا يصحُّ صيامه، أمَّا مَن أغمى عليه في جميع النهار، فلا يصحُّ صيامه، ويلزمُه القضاء، أمَّا مَن أُغْمِي عليه جزءًا من النهار، فصومُه صحيح، شريطة ألاَّ يتناوَلَ مُفطرًا.


والشرط الثالث: البلوغ، فلا يجب الصيام على الصغير حتى يبلغ؛ للحديث السابق، ولكن ينبغي لوَلِي الصغير أن يأمرَه بالصيام عند استطاعته إيَّاه؛ تمرينًا له على الطاعة، ويتأكَّد ذلك عند اقتراب البلوغ؛ كما عمل الصحابة - رضي الله عنهم - بهذا الأدب.


الشرط الرابع: القدرة على الصيام؛ لأنَّ الله - تعالى - لا يكلِّف نفسًا إلا وُسعها، أمَّا العاجز عن الصيام، فلا يجب عليه، فإن كان عجزُه مستمرًّا، كالكبير والمريض الذي لا يؤمَّل شفاؤه، فمَن هذه حاله، لا يجب عليه الصيام ولا القضاء، ولكن يجب عليه أن يطعمَ عن كلِّ يومٍ مسكينًا، ومقدار الإطعام كيلو ونصف الكيلو من البُرِّ أو الأرز أو غيرهما من الطعام، وإن شاء صنَع طعامًا ودعا إليه من المساكين بعددِ الأيام التي أفْطَرَها؛ كما فعلَه أنس - رضي الله عنه -عندما كَبُر وعجَزَ.


وإن كان العجز عن الصيام عجزًا طارئًا، كالمريض الذي يؤمَّل شفاؤه، فهذا يُباح له الفطرُ، ويجب عليه القضاء، ومثله المرأة الحامل والمرضع، إذا شقَّ عليهما الصوم.


والشرط الخامس لوجوب الصيام: الإقامة؛ فالمسافر لا يجب عليه الصيام، وله الفطر ثم القضاء، وإن صام حالَ سفره، أجْزَأَه ولا شيء عليه، والسفر المبيح للفطر ما عدَّه الناس في عُرْفهم سَفَرًا.


والشرط السادس: خاص بالنساء، وهو السلامة من الموانع، ويُقْصد بذلك الحيْض والنِّفاس، فالحائض والنُّفَساء يَحْرُم عليهما الصيام ويجب القضاء.


هذه أيها الأحبة شُرُوط وجُوب الصيام، فمتى اجتمعتْ كلُّها، وجَبَ الصوم.


أما مُبطلات الصيام ومفسداته التي يجب العلم بها أولاً، والحذر منها ثانيًا خلال وقت النهار من رمضان، فهي كالآتي:

أولاً: الجِماع، وهو أعظمها إثمًا وأغلظها تَبِعة، فمَن جامَعَ نهارًا، بطَلَ صومه مُطلقًا، فإن كان في شهر رمضان ولَم يكن مسافرًا، وجَبَ عليه كفَّارة مُغَلظة، وقضاء ذلك اليوم، والكفارة: عِتْق رقبة مؤمنة، فإن لَم يجدْ، وجَبَ عليه صيام شهرين متتابعين لا يقطعهما بفِطْرٍ، فإن لَم يستطعْ، أطعَمَ ستين مسكينًا.


ثانيًا: الأكل والشرب، وحقيقته إيصال الطعام أو الشراب إلى الجوف، عن طريق الفم أو الأنف، أيًّا كان نوع المأكول والمشروب.


ثالثًا: ما كان بمعنى الأكل والشرب، مثل: حقْن الدم والإبر المغذية؛ لأنها تقوم مقامَ الأكل والشرب، ويستغني الجسم بها، أمَّا استعمال دواء "الربو" الذي يؤخَذ عن طريق الاستنشاق، فإنه لا يُفطر، كما يجوز التقطير في العين والأُذن والاكتحال، ولو وَجَد لها طعمًا في حلقه؛ لأنها ليستْ مَنفذًا إلى الجوف، وليستْ في معنى المفطرات على الصحيح من أقوال أهل العِلم.


رابعًا: إنزال المني باختياره من غير جِماع؛ سواء كان بسبب التقبيل أو اللمس أو الاستمناء، أمَّا الإنزال بالاحتلام من النائم، فلا يُفسِد الصوم؛ لأنه ليس باختياره، ولا يُفسِد الصوم خروجُ المَذْي وحْدَه بأيِّ سببٍ كان على الصحيح.


خامسًا: التقيُّؤ عمْدًا، فمَن تعمَّد استفراغ ما في معدته، فقد بطَل صومه؛ لقوله - صلَّى الله عليه وسلَّم -: ((مَن ذرَعه القيء، فلا قضاء عليه؛ أي: مَن غلبَه القيء، فلا شيء عليه، وصيامه صحيح، ومَن استقاء؛ أي: مَن تعمَّد إخراجَ القيء، فعليه القضاء))؛ أخرجه أبو داود والترمذي.


سادسًا: خروج دَمِ الحيْض والنِّفاس؛ لقوله - صلَّى الله عليه وسلَّم -: ((أليس إذا حاضتْ، لَم تُصَلِّ ولَم تَصُم)).


فهذه أيها المؤمنون مُبطلات الصيام والمفطرات التي تُناقضه، فالواجب على كل صائم اجتنابُها؛ طاعة لله - تعالى - وتعبُّدًا له.


وهناك مسائل مهمة يَجدر التنبيه إليها وبيانها:

المسألة الأولى: أن مَن أفطَر في رمضان لعُذرٍ، ثم مات قبل أن يتمكَّن من القضاء، فلا قضاء عليه ولا كفَّارة؛ لأنه لَم يصدر منه تفريطٌ، كما لو مَرِض في رمضان وأفطَر، ثم استمرَّ به المرض حتى توفِّي من مرضِه، أمَّا مَن تمكَّن من القضاء ولَم يقضِ، فيُسَن لوَلِيِّه أو أحد أقاربه أن يصوم عنه؛ لَمَا ثبَت في الصحيحين عنه - صلَّى الله عليه وسلَّم -: ((مَن مات وعليه صيام، صام عنه وَلِيُّه))، وهذا عام في كل صيام واجب؛ سواء كان نذْرًا أو فرْضًا، على الصحيح من كلام العلماء.


والمسألة الثانية: لو دخَل وقت الفجر والمسلم على جَنابة، فإنَّ صومه صحيح، وليس من شرط الصيام الطهارة من الحَدَث الأكبر أو الأصغر، ولكن تجبُ المبادَرَة إلى الاغتسال؛ ليصلي الفجر مع جماعة المسلمين في المسجد.


والمسألة الثالثة: مَن فعَل شيئًا من المفطرات ناسيًا أو مكرهًا، أو جاهلاً بالحُكم أو بالوقت، فلا شيء عليه؛ لعموم قوله - تعالى -: ﴿ رَبَّنَا لَا تُؤَاخِذْنَا إِنْ نَسِينَا أَوْ أَخْطَأْنَا ﴾ [البقرة: 286].


ولَمَا ثبَت في الصحيحين عنه - صلَّى الله عليه وسلَّم -: ((مَن نَسِي وهو صائم، فأكَل أو شرِبَ، فليتمَّ صومَه؛ فإنما أطعمَه الله وسقاه)).


أما الجهل بالوقت، فمثاله: أن يأكل وهو يظنُّ أن الشمس قد غربتْ، وحلَّ الفِطر، ثم يتبيَّن له أنَّ الوقت ما زال نهارًا، فلا شيء على هذا؛ لَما روى البخاري عن أسماء بنت أبي بكر - رضي الله عنهما - أنهم أفطروا على عهْد رسول الله - صلَّى الله عليه وسلَّم - يوم غَيْمٍ، ثم طلعت الشمس، ولَم تذكُر القضاء، ولكن يجب التثبُّت والاحتياط في غروب الشمس؛ لأن الأصل بقاء النهار، أمَّا لو أفْطَر لمجرَّد الشك في غروب الشمس، ولَم يتبيَّن ذلك بشيء من العلامات المعروفة، ثم تبيَّن أنَّ الوقت ما زال نهارًا، فيجب عليه القضاء؛ لأنه مُفرِّط؛ إذ لا يُسَوغ للصائم أن يُفْطِر؛ حتى يتأكَّد من انتهاء وقت الصيام، أو يغلب على ظنِّه ذلك، فمَن الخطأ مثلاً الفطر بمجرد إخبار صبي صغير دون تأكُّدٍ من الوقت، وكان شيخنا الألباني - رحمه الله - يجلس في شُرْفة منزله المطِلَّة في "عمان"، فإن تبيَّن له غروب الشمس من مغربها، وإقبال الليل من جهة المشرق، بادَرَ بالإفطار؛ تطبيقًا للسُّنة في تعجيل الفطر؛ إذ قال النبي - صلَّى الله عليه وسلَّم -: ((لا يزال الناس بخير ما عجَّلوا الفطر))؛ متفق عليه.


والسُّنة الإفطار على تمرات، ويَجعلهنَّ وِتْرًا، فإن لَم يجد أفطَر على الماء، وكان النبي - صلَّى الله عليه وسلَّم - إذا أفطَر قال: ((ذهَب الظمأ وابتلَّت العروق، وثبَتَ الأجر - إن شاء الله))؛ رواه أبو داود، وحسَّنه الألباني.


أيها الإخوة المسلمون:

وفي رمضان تتنوَّع العبادات التي يتقرَّب بها عباد الله إلى ربِّهم - تعالى - ومن تلك العبادات صلاة الليل؛ ففي صحيح مسلم أنه - صلَّى الله عليه وسلَّم - سُئِل: أي الصلاة أفضل بعد المكتوبة؟ وأي الصيام أفضل بعد شهر رمضان؟ فقال: ((أفضل الصلاة بعد الصلاة المكتوبة الصلاة في جوف الليل، وأفضل الصيام بعد شهر رمضان، صيام شهر الله المحرَّم)).


وأخرج الترمذي بسندٍ حسن أنَّ رسول الله - صلَّى الله عليه وسلَّم - كان يُرغِّب في قيام رمضان من غير أن يأمرَهم بعزيمة، ويقول: ((مَن قام رمضان إيمانًا واحتسابًا، غُفِر له ما تقدَّم من ذنبه))، والحديث أيضًا في الصحيحين، عن عائشة قالت: "ما كان رسول الله - صلَّى الله عليه وسلَّم - يزيد في رمضان ولا في غيره على إحدى عشرة ركعة، يُصلي أربعًا، فلا تسأل عن حُسنهن َّوطولِهنَّ، ثم يُصلي أربعًا، فلا تسأل عن حُسْنهنَّ وطولهنَّ، ثم يُصلي ثلاثًا"؛ رواه البخاري ومسلم.


وأخرج البخاري أيضًا عن عُروة أنَّ عائشة أخبرتْه أنَّ رسول الله - صلَّى الله عليه وسلَّم - كان يصلي إحدى عشرة ركعة، كانتْ تلك صلاته تَعني بالليل، فيسجد السجدة من ذلك قدْرَ ما يقرأ أحدُكم خمسين آية قبل أن يرفَعَ رأْسَه، ويركع ركعتين قبل صلاة الفجر، ثم يضطجع على شِقِّه الأيمن، حتى يأتيه المؤذِّن للصلاة".


نخلص من هذا أيها الإخوة أنَّ قيام الليل بالصلاة عملٌ جليلٌ، ويتأكَّد في ليالي رمضان، وأن قيام ليالي رمضان إيمانًا بالله واحتسابًا للأجْر من الله؛ كفارةٌ لِمَا سلَفَ من الذنوب وإن كَثُرتْ، والسُّنة الاقتصار على العدد الذي صلاه النبي - صلَّى الله عليه وسلَّم - وهو إحدى عشرة ركعة مع الوِتْر، كما ورَد عن عائشة - رضي الله عنها - ولكن نلاحظ أن صلاته - صلَّى الله عليه وسلَّم - كانتْ طويلة، يكفي أن سجْدَته - صلَّى الله عليه وسلَّم - كانتْ بقَدْر قراءة خمسين آية، فالذي لا يجوز أنْ يعمِدَ الإمام إلى العَجَلة في الصلاة - حيث لا يُدرك مَن وراءه أداء الواجبات والأركان؛ من قيام وركوع وسجود وغير ذلك - من أجْل أن يُصَلي عشرين ركعة أو نحوها.


قال الحافظ ابن حجر في الفتْح: "وأمَّا ما رواه ابن أبي شيبة من حديث ابن عباس: (كان رسول الله - صلَّى الله عليه وسلَّم - يُصلي في رمضان عشرين ركعة والوِتْر)، فإسناده ضعيف، وقد عارَضَه حديث عائشة الذي في الصحيحين، مع كونها أعلم بحال النبي - صلَّى الله عليه وسلَّم - ليلاً من غيرها".


ومن الخطأ أيضًا العجلة في تلاوة القرآن؛ سواء كان في القيام أو في غيره؛ حيث تصِلُ حدَّ الهَذْرَمة التي لا يُفهَم فيها ما يقرؤه الإمام، والهدف من وراء ذلك ختْمُ القرآن الكريم في رمضان، والذي يجب العلم به أن تدبُّر القرآن وتَفَهُّمه مُقدَّم على خَتْمه بعجلة ودون تأمُّلٍ وتدبُّرٍ؛ ﴿ كِتَابٌ أَنْزَلْنَاهُ إِلَيْكَ مُبَارَكٌ لِيَدَّبَّرُوا آيَاتِهِ وَلِيَتَذَكَّرَ أُولُو الْأَلْبَابِ ﴾ [ص: 29].


وقد كان هذا هَدْي النبي- صلَّى الله عليه وسلَّم - وصحابته، رضوان الله عليهم أجمعين.


أخيرًا معشر المسلمين الأحبَّة، لئن كان عباد الله الصالحون يفرحون بقدوم رمضان؛ لمضاعفة العمل الصالح، واستغلال الموسم بما ينفع عند الله، فإن هناك صِنفًا من الناس يعدون لرمضان ألوانًا من الفِتن والمغريات عبر القنوات الفضائيَّة والشاشات المحليَّة، ولا ينقضي العجب من أُناس ينتسبون إلى الإسلام، وتَراهم يلوِّثون أجواءَ رمضان بالعَفَن الفني والتمثيليَّات الهابطة، وتتبارَى القنوات الفضائية في استقطاب المشاهدين عبر العروض المغْرِية المثيرة للشهوات والمؤجِّجة للفتنة، ويا له من عارٍ حين تُسْتغلُّ هذه المناسبة الإسلامية الغالية والموسم الكريم بمثل هذه التُّرَّهات والمغْرِيات التي تَسلُب الألباب، وتؤثِّر في أفراد المجتمع المسلم، ولا سيَّما الشباب والفتيات الذين يبقون أسْرَى هذه القنوات والمشاهد التي تملأ عقولَهم بالرذيل من الكلام والفعال، وتقضي على القِيَم والأخلاق، وتُحارب كلَّ أصيل؛ من خُلق وتربية، وعادات اجتماعية حميدة، نشأتْ عليها أجيالُنا، وتربَّى عليها شبابُنا.


ولكن أين دَوْر المعلمين والمربِّين، والدُّعاة والناصحين في هذه المعضلة؟ وأين المحاضن التربوية التي تُؤوي شبابنا، وتَغرس فيهم تعظيمَ رمضان، وتربِّيهم بما يُحقق لهم معانيَ التقوى المنشودة من وراء الصيام وتشريعه؟ ﴿ كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ ﴾ [البقرة: 183].


وما لَم نتدارك ناشئتنا، ونقف معهم في مواجهة هذه الحملات الإعلاميَّة المسعورة اللاهثة وراء الشهوات والفتنة، فإننا نخشى أن يأتي اليوم الذي نرى فيه أبناءَنا مُنساقين خلف هذه الفتن والمغريات، ولا نملِك حيالهم حولاً ولا طولاً، وإنَّ هذا الأمر لجَللٌ، ولا تكفي فيه الجهود الفرديَّة والمحاولات الشخصية، بل إننا لفي حاجة ماسة إلى استنفار كلِّ ما لَدَينا من الجهود والإمكانات، كل بحَسبه وكل وما أعطَاه الله - تعالى - من القُدرة والولاية؛ ((كلكم راعٍِ ومسؤول عن رعيَّته)).


نسأل الله - جلَّتْ قُدرته - أن يُجَنِّبنا ويُجَنِّب مجتمعنا وبلاد المسلمين كلَّ شرٍّ وأذِيَّة، ونسأله - سبحانه - أن يحفظَ شبابنا وفتياتنا من كلِّ سوء، ومِن دُعاة الرذيلة والفجور، الذين أخبرنا ربُّنا عنهم، فقال: ﴿ وَاللَّهُ يُرِيدُ أَنْ يَتُوبَ عَلَيْكُمْ وَيُرِيدُ الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ الشَّهَوَاتِ أَنْ تَمِيلُوا مَيْلًا عَظِيمًا ﴾ [النساء: 27].


اللهم صلِّ وسلِّم وبارِكْ على عبدك ورسولك سيدنا ونبيِّنا، وإمامنا وقُدوتنا محمد بن عبدالله، وعلى آل بيته الطيِّبين الطاهرين، وأزواجه أُمهات المؤمنين، وأصحابه والتابعين، ومَن تَبِعهم بإحسان إلى يوم الدين، وعنَّا معهم بفضْلك ومنِّك وكَرَمك، يا أرحم الراحمين.



وتقبَّل الله منَّا ومنكم صالِحَ العمل، والحمد لله ربِّ العالمين.


الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
 
أحكام الصيام
الرجوع الى أعلى الصفحة 
صفحة 1 من اصل 1
 مواضيع مماثلة
-
»  أحكام وجوب الصيام ومفسداته
» مشروعية الصيام
»  حقيقة الصيام
»  من حكم وفوائد الصيام
» الصيام والأدوية

صلاحيات هذا المنتدى:لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى
اسلام ويب :: ۩✖ منتدي الاسلاميات العامه ۩✖ :: مقــــالات اســــلاميه :: خطب مقـــرؤه-
انتقل الى: