اسلام ويب
هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.



 
الرئيسيةأحدث الصورالتسجيلدخول

من فقه الدعاء يقول سيدنا عمر بن الخطاب - رضي الله عنه -: "أنا لا أحمل همَّ الإجابة، وإنما أحمل همَّّ الدعاء، فإذا أُلهمت الدعاء كانت الإجابة معه". وهذا فهم عميق أصيل ، فليس كل دعاء مجابًا، فمن الناس من يدعو على الآخرين طالبًا إنزال الأذى بهم ؛ لأنهم ينافسونه في تجارة ، أو لأن رزقهم أوسع منه ، وكل دعاء من هذا القبيل ، مردود على صاحبه لأنه باطل وعدوان على الآخرين. والدعاء مخ العبادة ، وقمة الإيمان ، وسرّ المناجاة بين العبد وربه ، والدعاء سهم من سهام الله ، ودعاء السحر سهام القدر، فإذا انطلق من قلوب ناظرة إلى ربها ، راغبة فيما عنده ، لم يكن لها دون عرش الله مكان. جلس عمر بن الخطاب يومًا على كومة من الرمل ، بعد أن أجهده السعي والطواف على الرعية ، والنظر في مصالح المسلمين ، ثم اتجه إلى الله وقال: "اللهم قد كبرت سني ، ووهنت قوتي ، وفشت رعيتي ، فاقبضني إليك غير مضيع ولا مفتون ، واكتب لي الشهادة في سبيلك ، والموت في بلد رسولك". انظر إلى هذا الدعاء ، أي طلب من الدنيا طلبه عمر، وأي شهوة من شهوات الدنيا في هذا الدعاء ، إنها الهمم العالية ، والنفوس الكبيرة ، لا تتعلق أبدًا بشيء من عرض هذه الحياة ، وصعد هذا الدعاء من قلب رجل يسوس الشرق والغرب ، ويخطب وده الجميع ، حتى قال فيه القائل: يا من رأى عمرًا تكسوه بردته ** والزيت أدم له والكوخ مأواه يهتز كسرى على كرسيه فرقًا ** من بأسه وملوك الروم تخشاه ماذا يرجو عمر من الله في دعائه ؟ إنه يشكو إليه ضعف قوته ، وثقل الواجبات والأعباء ، ويدعو ربه أن يحفظه من الفتن ، والتقصير في حق الأمة ، ثم يتطلع إلى منزلة الشهادة في سبيله ، والموت في بلد رسوله ، فما أجمل هذه الغاية ، وما أعظم هذه العاطفة التي تمتلئ حبًا وحنينًا إلى رسول الله - صل الله عليهلم -: (أن يكون مثواه بجواره). يقول معاذ بن جبل - رضي الله عنه -: "يا بن آدم أنت محتاج إلى نصيبك من الدنيا ، وأنت إلى نصيبك من الآخرة أحوج ، فإن بدأت بنصيبك من الآخرة ، مرّ بنصيبك من الدنيا فانتظمها انتظامًا ، وإن بدأت بنصيبك من الدنيا ، فائت نصيبك من الآخرة ، وأنت من الدنيا على خطر). وروى الترمذي بسنده عن النبي - صل الله عليهلم -: أنه قال: ((من أصبح والآخرة أكبر همه جمع الله له شمله ، وجعل غناه في قلبه ، وأتته الدنيا وهي راغمة ، ومن أصبح والدنيا أكبر همه فرَّق الله عليه ضيعته ، وجعل فقره بين عينيه ولم يأته من الدنيا إلا ما كُتب له)). وأخيرًا .. أرأيت كيف أُلهم عمر الدعاء وكانت الإجابة معه ، وصدق الله العظيم إذ يقول: (وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ فَلْيَسْتَجِيبُوا لِي وَلْيُؤْمِنُوا بِي لَعَلَّهُمْ يَرْشُدُونَ) (186)" (البقرة:186).


 

  غرّر بي، أريد الرجوع

اذهب الى الأسفل 
كاتب الموضوعرسالة


avatar


نقــاط : 99380
 غرّر بي، أريد الرجوع Oooo14
 غرّر بي، أريد الرجوع User_o10

 غرّر بي، أريد الرجوع Empty
مُساهمةموضوع: غرّر بي، أريد الرجوع    غرّر بي، أريد الرجوع Emptyالأربعاء 24 أبريل 2013 - 14:48


السؤال

سلام الله عليكم ورحمته وبركاته.

أودِعُ بين يَدي شيوخنا الأفاضل قصَّتي التي لم تنتهِ بعدُ، راجية من الله أن أهْتَدي إلى طريق الحقِّ من جديد، وأغتسل من ذنوبي على أيديكم، أنا فتاة في الـ21 من عمري، نشأتُ في ظلِّ أسرة مُفَكَّكة، حياة صعبة جدًّا، والحمد لله كان أبي - رحمه الله - مُصاب بمرضٍ نفْسي، وأُمي كانتْ تزيد الأمورَ سوءًا بعدم رضاها، كان يَنْقُصني في شخصيَّتي الكثير، لكنِّي - وبحمد الله - اهتديتُ إلى مركز تحفيظ القرآن؛ مما جعلَني إنسانة مُلتزمة أحفظُ أجزاءً من القرآن، وأشارك بمسابقات على مستوى عالٍ، والكلُّ كان يُناديني بالمثقَّفة الهادئة العاقلة، لكنَّني لم أكن اجتماعيَّة قطُّ، دائمًا وحدي؛ في المدرسة، في المركز، دائمًا وحيدة مُنعزلة إلاَّ ما ندر.



دخلتُ الجامعة وكنتُ أكرهها؛ لِمَا فيها من اختلاطٍ وفِسق، وعلاقات غير مؤدَّبة بين الطلاب والطالبات، ولم يكنْ يَخطر ببالي أنَّني سأصبحُ مثلهم، ذات يومٍ اتَّصل بي شخصٌ لا أعرف رقمَه، قال لي: مَن أنت؟ قلتُ - بكل عفويَّة وعدم انتباه -: أنا فلانة، مَن يتكلَّم؟ وهنا عرَفَ اسمي، قال: إنَّه مُخطئ في الرقْم، وبَقِي يُكرِّر هذا الأمر أسابيع، عرفتُ أنَّه يريد أن يتسلَّى، صِرْتُ أهدِّده، لكنَّه دائمًا كان يردُّ بكلِّ لبَاقة وهدوء، لم أكترثْ في البداية، وبقيتُ أصدُّه 9 شهور، لكنَّ رسائله وأسلوبه الجميل، وإحساسه الصادق في التعرُّف عَلَي والارتباط الشرعي جعَلا نفْسي تحبُّ رَنَّته، تحبُّ كلامَه ورسائله، أدركتُ أنَّني بدأتُ أميلُ لأنْ أحادثَه، كسرتُ خَطِّي، وبعد شهر قالتْ لي نفْسي: إنَّه إنسانٌ صادق، ومن الواضح أنَّه يعرفُني جيِّدًا، ويراقبني دون أنْ أعلم - هكذا قال لي - فلا حرَجَ أنْ أُفْسِح له الطريقَ؛ ليتقدَّم لخِطبتي، اتَّصلتُ به، وقلتُ له: أنا فلانة، فرِح بي كثيرًا، تعارفنا وتحابَبنَا كثيرًا، ووعَدَني بالزواج، ولكنَّ والديه عارَضَا؛ بسبب الفروق الاجتماعيَّة بين العائلتين، وبسبب مَرض والدي، ولأسبابٍ أخرى، بَقِي يُقنعهم شهورًا وأنا أزداد حبًّا له - كلُّ ذلك عَبْر الهاتف، لم نتقابل قطُّ، إلاَّ بالصور -أصبحتُ أحبُّه كثيرًا، شعرتُ أنَّه أجملُ شيءٍ في حياتي، وأقربُ إنسان إلى قلبي، إذا ابتعدَ عنِّي نصف نهار، أقضي ذلك اليوم في البكاء والحُرقة، مضتْ 6 شهور على هذه الحال، فقرَّرْنا أنْ نُنهي الموضوع بأسرع وقتٍ؛ إمَّا بالوفاق، وإما بالفِراق، شاوَرَ أهْلَه، وردَّ عليّ بالجوابَ، قال: إنَّ موافقتَهم مستحيلة، لم أُفَاجَأ إطلاقًا، ولكنَّه صَدَمَني وأردف قائلاً: وأنا أيضَّا لستُ مُقتنعًا كثيرًا، رُبَّما لو كنتِ كذلك، لأقنعتُهم، صَدَمني كثيرًا، وأيقنتُ أنَّه لا يحبُّني، ولكنَّ قلبي لا يحبُّ شيئًا مثلَه حتى الآن، فارقتُه يومين ولم أصبرْ عنه، هو أيضًا لم يكنْ يستطيع وقْتها أنْ يفارقَني، أذلَّني حبِّي له أيَّما إذلال، جعلَني أذهبُ إلى بيته، وأطلب منه أن يخرجَ، كان يراني ويَبكي لحالي، ولكنَّه لم يخرجْ، ذهبتُ إلى جامعته وقاعة امتحانه، رآني وبَكَى لحالي، ولكنَّني لم أره، أو رُبَّما رأيتُه ولم أعرفْه، قضيتُ 6 شهور أخرى وأنا أبكي حزنًا لفِراقه، وهو يُشفق عَلَي، ويَبكي لحالي، ولا أنسى أبدًا وقْفَتَه بجانبي عند وفاة والدي، كان كلامُه خيرَ عزاء، كان حنونًا جدًّا، يخاف ويَغَار عليّ، ولكنَّه لم يكنْ يُحبُّني، قرَّر أهْلُه أنْ يزوِّجوه ابنة عمِّه، لم يكنْ يُريدها، لكنَّه كان راضيًا، جعلَها تكلِّمني ذاتَ يومٍ، وقال لي على مَسمعها: هذه خطيبتي، أنت ماذا تريدين؟! لكنَّني رغم كل هذا لم أستطعْ أنْ أفارقَه، غاب عنِّي يومين لا يكلِّمني، ثم كلَّمني بعدَها بلهجة سيِّئة جدًّا، لم أفعلْ له شيئًا، كنتُ أرقَّ عليه من النسمة، خاطَبَني غاضبًا بألاَّ أكلِّمَه بعد اليوم، فخِطبتُه غدًا، شتَمَني بشكلٍ سيِّئ جدًّا، وشعرتُ أنَّه غريبٌ عنِّي، وهدَّدني إذا اتصلتُ به ثانية!



افترقْنا وبي جُرحٌ كبير منه، ولا أقوى على فِراقه، تدهورتْ صِحَّتي كثيرًا، أعاني كثيرًا، وأتمنَّى في كلِّ لحظة أنْ يُكلِّمَني، وأحيانًا أشعرُ أنَّني أكرهه، وأتوق إلى العودة إلى ربِّي والتوبة، أريد أنْ أتوبَ.



آسفة للإطالة، لكنَّني اختصرتُ الكثير مما أعاني، أتوق لمغفرة من ربِّي، وأريد أنْ أنساه، وأريدُ أنْ أكرهه.



خذوا بيدي إلى طريق الحقِّ، جزاكم الله خيرًا.
الجواب

وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته:


مِمَّا أَضَرَّ بِأَهْلِ الْعِشْقِ أَنَّهُمُ
هَوَوا وَمَا عَرَفُوا الدُّنْيَا وَمَا فَطِنُوا
تَفْنَى عُيونُهُمُ دَمْعًا وَأَنْفُسُهُمْ
فِي إِثْرِ كُلِّ قَبِيحٍ وَجْهُهُ حَسَنُ



تألَّمتُ كثيرًا لِمَا ذكرتِ؛ لأنَّ هذا حال الكثير من فتياتنا مِمَّن يَقَعْنَ فرائسَ سهلة المنال لذئاب لا تَعرف الرحمة، ولا تَخْشى الله, أرادَ أن يتسلَّى ويُثْبتَ لنفسه أنَّه قادرٌ على الإطاحة بكِ, فلم ييئسْ، ولم يتوانَ عن تَكرار المحاولة مرة بعد مرة, لمدة تسعة أشهر يتحمَّل الصدَّ، ويتقبَّل الإهانة في سبيل الحصول على لذَّته الحقيرة، وهي رؤية مَن صدَّته ونَهَرته تتعذَّب وتكتوي بنارٍ لم يعرفْها قلبُه, ولم تذقْها نفسُه؛ لأنَّه لم يحبَّ أصْلاً، ولم يُبادلكِ من المشاعر شيئًا, وفي الحقيقة لم أره صادقًا معكِ إلاَّ في قوله: "وأنا أيضًا لستُ مُقتنعًا كثيرًا, رُبَّما لو كنتِ كذلك لأقنعتُهم".



يقول بعضُ الكُتَّاب: "لأنْ يكون لي هدفٌ نبيل أدُبُّ إليه دبيبَ النملة حتى أدركَه, خير من أن يكونَ لي جناحُ نَسْرٍ أطيرُ بهما مِن هدفٍ خسيس إلى هدف أخس", وما أراه إلا قد جمَعَ بين خِسَّة الهدف ودبيبِ النمل!!



أتساءل: كم من فتاة غرَّها هذا الشاب الذكي، حتى رآها تبكيه، واستمتع بقلبها يعتصر ألَمًا وحُزنًا عليه, وهو لا يلوي عليها؟!



تقولين: "كان يَبكي لحالي"، كيف علمتِ ذلك وأنتِ لم تَريه يا عزيزتي؟! أم أنَّ قلبَك كان يعتقد يَقينًا أنَّه يُفتَرَض بِمَن يحبُّ أنْ يفعلَ ذلك؟! أم أنَّه تجسيدٌ للمَثَل العربي القائل: الهوى شريكُ العَمَى؟!



عزيزتي, ليس من السهل التخلُّص من آثار علاقة تدرَّجتْ إلى قلبك لمدة تسعة أشهر، ثم استمرَّتْ أكثر من ستة أشهر أُخَر، ولن يتحقَّق الخلاصُ في خلال يوم أو يومين.



لعلَّكِ فهمتِ الآن أنَّ ما تحتاجين إليه هو الصبر مع المثابرة، سأعلِّق على بعض ما ورَدَ في رسالتك على عُجالة، ثم نناقِش كيفيَّة الخلاص بأمر الله تعالى.



قولكِ: "لكنَّ رسائله وأسلوبه الجميل، وإحساسه الصادق في التعرُّف عليّ والارتباط الشرعي جعَلا نفْسي تحبُّ رَنَّته, تحبُّ كلامَه ورسائله"، ما أسرع تأثُّر الفتاة بحلو الأحاديث الخاوية!



رسائله وأسلوبه الجميل.. نعم.



أمَّا إحساسه الصادق، فلعلَّكِ تُدركين الآن أنَّه ليس كذلك!



قولكِ: "شعرتُ أنَّه أجملُ شيءٍ في حياتي، وأقربُ إنسانٍ إلى قلبي".



هذا منطقي وطبيعي جدًّا، ولا يدلُّ - كما تعتقدين - على صِدْق المحبَّة أو أنَّه حبٌّ حقيقي لا يُمكن أنْ يزول, وإنَّما هو فقط من مُنطلق:


أَتَانِي هَوَاهَا قَبْلَ أنْ أَعْرِفَ الْهَوَى
فَصَادَفَ قَلْبًا خَالِيًا فَتَمَكَّنَا



قولكِ: "خاطَبَني غاضبًا بألا أكلِّمَه بعد اليوم، فخِطبتُه غدًا، شتَمَني بشكلٍ سيِّئ جدًّا، وشعرتُ أنَّه غريبٌ عنِّي، وهدَّدني إذا اتصلتُ عليه ثانية...".



النفوس جُبلتْ على حُبِّ مَن يُحسن إليها, ويأبَى الشيطان إلا أنْ يُزيِّن للعُشَّاق هذه المذلَّة؛ حتى يظنُّوها لذَّة، ولا يستشعرون حقيقة الحبِّ من دونها!!



أيُّ مَنطقٍ هذا؟!



أين عِزَّة النفْس وصيانة الكَرَامة؟!



تأمَّلي خبثَ الشيطان ومَكره, كيف يُزيِّن لكِ هذه المحبَّة بعد أن تجمَّعتْ كلُّ مُقومات فنائها وانهيارها؟!



لعلاج هذه الآفة والتخلُّص منها أنصحكِ بالآتي:

1- لا خيرَ لهذه النفْس إلا بالرجوع إلى خالقها وبارئها ومُصوِّرها, ومَن هو أعلم بها وبحالها, إنَّ امتلاء القلبِ بمحبَّة الله يجعلُ للقلب حصنًا حصينًا، وسَدًّا منيعًا في وجْه كلِّ فِتنة وبَليَّة تريد أن تَفتكَ به؛ يقول ابن القَيِّم في "الجواب الكافي": "وإذا بَعُد القلبُ من الله، طَرَقَتْه الآفاتُ من كلِّ ناحية، فإن الشيطان يتولاَّه ولا يدع أذًى يُمكنه إيصالُه إليه إلاَّ أوْصَلَه", ويقول في كتاب "إغاثة اللهفان من مكايد الشيطان": "فإن كلَّ مَحبَّة زاحمتْ محبَّة الله ورسوله؛ بحيث تُضعفها وتنقصها، فهي مذمومة, وإن أعانتْ على محبَّة الله ورسوله، وكانتْ من أسباب قوَّتها، فهي محمودة".



فانظري كيف كانتْ تلك المحبَّة, وكيف فعلتْ بكِ, وعوِّضي قلبك ما حُرِمَه مِن مَحبَّة الله والقُرب منه, وأكْثري من ذِكْر الله والتقرُّب إليه بالعبادات وتلاوة القرآن, والدعاء أن يُغنيكِ عن خَلْقه ويَعصمكِ من الفِتن، ويُعينك على نفسكِ الضعيفة.



2- غيِّري نَمَطَ حياتكِ، واشغلي كلَّ دقيقة مِن وقتكِ فيما يعود عليكِ بالنفْع, فلديك الكثيرُ من المجالات لتحقِّقي النجاحَ فيها، وتُثبتي جَدَارتك ومَهارتك, عُودي إلى دار التحفيظ - إنْ كنتِ قد انقطعتِ عنها - واختلطي بالصحبة الصالحة، وواظبي على حضور الدروس النافعة، وتفاعَلي مع أخَوَاتكِ، وانغمسي معهنَّ في صالح الأعمال، وأبدعي في تنسيق جداول للمراجعة والمدارسة، وغَيِّري من نفْسك بأن تُصبحي أكثرَ اجتماعيَّة ومُخالطة للناس، وحثًّا على فِعْل الخيرات, فالنفْس لو بقيتْ وحيدة, لن تَملك إلا استرجاعَ الذكريات المؤْلِمة, والعيشَ بين جُدرانها السوداء، والبكاء على أطلالها المهدَّمَة, أما لو خرجتْ من حالة اليأس والأسى، وشاركتِ الناس همومَهم وأفراحهم, فسَرعان ما تَنسى جراحَها, وتتغلَّب على آلامها.



3- لا تظنِّي أنَّ السعادة في مُرافقة مَن أحببتِ, والتعاسة والشقاء في خُسرانه, فالله - الذي يعلم مِن نفسكِ ما لا تعلمين - قد اختار لك الأصلحَ، ونجَّاكِ من هذا العذاب, وقد ورَدَ في الحديث: ((عَجَبًا لأمر المؤمن؛ إنَّ أمرَه كلَّه خير, وليس ذاك لأحد إلاَّ للمؤمن، إنْ أصابتْه سرَّاء شكر، فكان خيرًا له، وإنْ أصابتْه ضرَّاء صبَرَ، فكان خيرًا له))؛ رواه مسلم.



فاسْعَدي وقَرِّي عينًا، واستشعري نعمة الله عليكِ وحِفْظه لكِ, ولا تَندبي حظَّكِ، وتبكي حالكِ, فالسعادة الحقيقية في رضا الله, وليست في مُجاورة مَن أحببتِ من الناس, وكم من قصة حُبٍّ خُتمتْ بالزواج ثم كان انهيار الأسرة التي بُنيت على معصية الله, وبدأتْ بسلسلة من الأخطاء والمعاصي!



4- يقول ابن القَيِّم في كتاب "زاد المعاد في هَدْي خير العباد": "وإنْ كان لا سبيلَ للعاشق إلى وِصال مَعشوقه؛ قدرًا أو شرعًا، أو هو مُمتنع عليه من الجِهتين، وهو الداء العُضال، فمِن علاجه إشعارُ نفسِه اليأسَ منه، فإنَّ النفسَ متى يئستْ من الشيء، استراحتْ منه، ولم تلتفتْ إليه، فإنْ لم يزلْ مرضُ العِشْق مع اليأس، فقد انحرفَ الطبعُ انحرافًا شديدًا، فينتقل إلى علاج آخرَ، وهو علاج عقْلِه بأنْ يعلمَ بأنَّ تعلُّقَ القلب بما لا مَطمع فى حصوله نوعٌ من الجنون، وصاحبه بمنزلة مَن يَعْشق الشمس، ورُوحه مُتعلقة بالصعود إليها، والدوَران معها فى فَلَكها، وهذا مَعدود عند جميع العقلاء فى زُمرة المجانين!!".



وكما يقول ابن الرومي:


أَغْوَى الْهَوَى كُلَّ ذِي عَقْلٍ فَلَسْتَ تَرَى
إِلاَّ صَحِيحًا لَهُ حَالاَتُ مَجْنُونِ



5- تجنَّبي كلَّ ما قد يُثير الشجون، ويُعيد الهموم، ويَزيد الغموم, فابْتعدي عن الأشعار والقَصص التي تتحدَّث عن المحبَّة, وقاطعي التلفاز, وتخلَّصي من كلِّ ذِكْرى أليمة، كرسالة أو صورة، أو غيرها مِمَّا قد يُذَكِّرك به, وأعْلِني بَدءَ حياة جديدة تختلف تمامًا عن حياتكِ السابقة، وحاوِلي التقرُّب إلى والدتك بعد وفاة والدكِ - رحمه الله - وكذلك إخْوَتك، وساعدي هذه الأسرة الْمُفَكَّكة على لَمِّ الشَّمْل، وتوحيد القلوب وتآلفِها, وساعدي أخَواتكِ أو إخْوَانك على التسلُّح بعلاقات أُسريَّة طيبة تحميهم من الوقوع في مِثْل ما وقعتِ فيه.



6- ردِّدي كلامَ الله، وتدبَّري آياته، واكتبي بعضَ هذه الآيات؛ لتكون رفيقة لك وقت اشتداد الْمِحْنة، وتكالُب الهموم؛ فقصة يوسف - عليه السلام - فيها من العِبَر ما يُثبِّت الجنان، ويقوِّي العزيمة, وهناك الكثير من الآيات التي جعلَ الله فيها الشفاءَ لِمِثْل هذه الحالات؛ ﴿ قُلْ بِفَضْلِ اللَّهِ وَبِرَحْمَتِهِ فَبِذَلِكَ فَلْيَفْرَحُوا هُوَ خَيْرٌ مِمَّا يَجْمَعُونَ} ﴾ [يونس: 58], ﴿ وَأَمَّا مَنْ خَافَ مَقَامَ رَبِّهِ وَنَهَى النَّفْسَ عَنِ الْهَوَى * فَإِنَّ الْجَنَّةَ هِيَ الْمَأْوَى} ﴾ [النازعات: 40 - 41], ﴿ إِنَّ الَّذِينَ اتَّقَوْا إِذَا مَسَّهُمْ طَائِفٌ مِنَ الشَّيْطَانِ تَذَكَّرُوا فَإِذَا هُمْ مُبْصِرُونَ ﴾ [الأعراف: 201].



7- يقول المتنبي:


لَوْ فَكَّرَ الْعَاشِقُ فِي مُنْتَهَى
حُسْنِ الَّذِي يَسْبِيهِ لَمْ يَسْبِهِ



فتذكُّر عيوبِ المعشوق مِن خير ما يُعين على بُغْضه والتخلُّص من مَحبَّته, وقد أخبرَ بعضُ العُشَّاق بنجاح هذا العلاج معهم واستفادتهم منه, وكان بعضُ الصالحين يقول: "إذا أعجبتْ أحدَكم امرأةٌ، فليتذكَّر مناتنها".



يقول الشيخ المنجد - حَفِظه الله -: "هذا التذكُّر للمناتن يُساعد على التخلُّص مِن عِشق هذه المرأة، ونفْس القضية بالنسبة للمرأة مع الرجل، فتتذكَّر مناتنه؛ لأنَّ كلَّ مَخلوق من البشر فيه مَناتن, وتذكُّرها يُعين على الخلاص من هذه المشكلة".



وأختمُ حديثي معكِ بمقولة رائعة لعلَّها ليستْ غريبة بالنسبة لكِ: "أشعرُ أنَّني أكرهه".



أريد منكِ أن تكتبي هذا الشعور فورَ إحساسكِ به في وَرقة, وكلَّما شعرتِ, كَرِّريه على الورقة، وطالعيها كلَّ يومٍ، ستجدين لذلك تأثيرًا طيِّبًا - إن شاء الله.



وفَّقكِ الله وحَفِظكِ مِن كلِّ سوءٍ، وننتظر عودتكِ بقلبٍ أقْوَى، ونفْسٍ أطْهَر، وتذكَّري أنَّ بابَ التوبة مَفتوح, فسارِعي قبل أن يُحال دون الولوج؛ فعن أبي هريرة - رضي الله عنه - أن رسول الله - صلى الله عليه و سلم - قال: ((ينزلُ ربُّنا - تبارك وتعالى - كلَّ ليلة إلى السماء الدنيا حين يَبقى ثُلثُ الليل الآخر، يقول: مَن يدعوني فأستجيبَ له؟ مَن يسألني فأعطيَه؟ مَن يستغفرني فأغفر له؟))؛ مُتفق عليه.


الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
 
غرّر بي، أريد الرجوع
الرجوع الى أعلى الصفحة 
صفحة 1 من اصل 1
 مواضيع مماثلة
-
»  الرجوع فى الهبة
» ذكر الرجوع من السفر
» الدعاء عند الرجوع من السفر
» الدعاء عند الرجوع من السفر
» الرجوع عن الطلاق المعلق

صلاحيات هذا المنتدى:لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى
اسلام ويب :: ۩✖ المكتبه الاسلاميه والفتاوي الشرعيه ۩✖ :: فتــــاوي واسئله :: احكـــــام الاســره-
انتقل الى: