السؤالتزوَّجتُ
منذ سنتين، وقد تعرَّفتُ على زوجي عبر الإنترنت، وهو مِن منطقةٍ بعيدة
عني، لم يحدُثْ بيننا سوى مُكالماتٍ عادية معدودة، ومقابلات، وكلها كانتْ
في مَطاعم وكافيهات، ولم يلمسْ حتى يدي، ولم يُفصِحْ لي يومًا بأنه يحبني،
فقط طلب أن يتزوَّجني، وأنا وافقتُ، عَلاقتنا كانت غريبةً جدًّا، زواجٌ
بدون حب، وعن طريق علاقة عادية!أنا موَظَّفة، وزوجي يعرف ذلك، والغريبُ أنه منذ أن عقد عليَّ لم يَقُلْ لي أي كلمة حلوة، ولا أي شيء!بعد
العقد اتَّصل بي، وقال: لو أردتِ العيشَ معي فلا تتدخلي في خروجي وحياتي
الخاصة! صُدِمتُ ولكني لم أستطعْ إنهاء الزواج من أجْل كلماتٍ قالها،
وأكملتُ معه!ومنذ أول يوم في الزواج، لم يقلْ لي أي كلمة حلوة، مثل بقية الأزواج الجدد في ليلة الدُّخْلة!بعد
ذلك توالتْ خيبات أملي؛ إهمال شديدٌ، وبرود أشد، وكأني لستُ أنثى، وكأنه
تزوَّجني غصبًا عنه، مع أنه هو الذي جاء إلى بيتنا، وطلب منى الزواج!المهم
حملتُ، ورَزَقَني الله تعالى منه ولدًا، ومشاكلي معه في زيادة، وخيانته لي
في استمرار، وقد كشفتُ خيانته لي مع أخرى، وواجهتُه بذلك فاعترف، وقال:
إنه سيتوب، ولكنه مستمر في المكالمات والمقابَلات، ومن شدة قهري خرجتُ مع
رجلٍ، وقد رآني زوجي، لكنني أنكرتُ، فسبَّني وأهانني وطرَدَني، وبعدما
ذهبتُ لأهلي جاء يبكي كالطفل ويريدني أن أعودَ؛ لأني كنتُ حاملًا وقتها،
فرجعتُ له، لكن الشك لا يزال بيننا، وللأسف لم يتغيَّر!أنا
أعترف أني أخطأتُ، وقد تبتُ إلى الله، ولكنه الآن يشك فيَّ شكًّا كبيرًا
بعدما رآني، ولكنه يرفض أن يطلقني، ويقول لي: إذا أردتِ الطلاقَ فأَعِيدي
إليَّ مهري، وأنا لا أريد أن أطلِّقك!أنا
الآن حائرة، هل أطلب الطلاق أو لا؟ لأن حياتنا شكٌّ ومشاكل، مع أنه أصلًا
لا يحبُّني، وتزوجني لأني مِن منطقة بعيدة؛ ظنًّا منه أني مغفَّلة وغبيَّة،
وسيستطيع أن يُمارس حياته كما كانتْ قبل الزواج دون إشكال، ولكنه اكتَشَف
العكس!حياتنا
خالية مِن أي حبٍّ، أو عاطفة، أو ثقة، ولكنَّه لا يُريد أن يُطلِّقني
بسلام، يريد أن أردَّ له مهرَه، وأنا لا أستطيع؛ لأنه عذَّبني، وأهانَني،
وآخر شيء يريده مالُه كاملًا، فكيف وقد عاشَرَني وحملتُ منه؟!أنا
بصراحةٍ لا أريد الطلاق مِن أجْلِ ابني، وأيضًا لأني أخاف الفضيحة، وأخاف
مِن عدم الزواج مرة أخرى، فهل تنصحونني بأن أصبر، وأدعو الله أن يهديَه،
وأعود له، فربما ينصلح حاله، أو أطلب الطلاق؛ لأنَّ حياتنا أصبحتْ سيئة؟ انصحوني أرجوكم. الجواببسم الله الموفِّق للصواب
وهو المستعان
أيتها العزيزةُ، أرأيتِ أحدًا عصى الله - تعالى ذكرُه، وتقدَّس اسمُه - ثم سعد بمعصيته؟!
إنَّ مُعاناتك مع زوجِكِ ليستْ
سِوى مغبَّة تلك العلاقة الآثمة، التي سمحتْ لكِ فيها نفسُكِ الأمَّارة
بالسوء أن تخرجي إلى المطاعمِ ومقاهي الإنترنت مع رجلٍ أجنبي، بعيد منكِ في
القرابة، ولا تجمعك به عَلاقة حبٍّ، فيتسع لك العذر فيه، ثم تصفين هذه
العَلاقة بالعادية؟! تعلمين أنها لا توصَف بذلك شرعًا، ولا لغةً، ولا
عرفًا!
وائذني لي في أن أقول لكِ، ما
كان للناس - ولا لأهلك - أن يعفوا عن خيانتكِ لزوجك كتابيًّا أو صوتيًّا،
فكيف لو علموا أنكِ خلوتِ بأجنبي في سيارته؟!
إن لم تتَّقِي الله تعالى في
نفسِكِ، وسُمعة أهلكِ، فلا تأمني سخط الله عليكِ وعلى بيتكِ، فاتقي الله
أنتِ وزوجك، وتوبَا إليه مِن تلك البدايات الآثمة التي ألقتْ بظلالها
المُوحِشة على حياتكما الزوجية؛ ﴿
أَوَلَمْ
يَهْدِ لِلَّذِينَ يَرِثُونَ الْأَرْضَ مِنْ بَعْدِ أَهْلِهَا أَنْ لَوْ
نَشَاءُ أَصَبْنَاهُمْ بِذُنُوبِهِمْ وَنَطْبَعُ عَلَى قُلُوبِهِمْ فَهُمْ
لَا يَسْمَعُونَ ﴾ [الأعراف: 100]، فإن رجعتِ إلى الله تعالى بقلبك
رجوعًا تامًّا، وصدقتِ في توبتك، وعزمتِ على ألَّا تعودي؛ فاطوي صفحة
الماضي، وتخلَّصي مِن كلِّ ما مِن شأنِه أن يذكِّركِ وزوجكِ بتلك المعاصي
من ملابسَ وعطورٍ ونحوها، وتصدَّقي بها، فإنَّ التوبة تجبُّ ما قبلها،
وتمحو كل أثرٍ حالك اللونِ في حياتك، وصنائعُ المعروف تقي مَصارع السوء.
وإن شئتِ أن توفَّقي في حياتك
الزوجية؛ فقدِّمي الخوفَ مِن مقام الله ووعيده، على الخوف مِن أن تحل بك
الفضيحة، أو يثور حولك الذِّكْر القبيح!
واعملي على إعادة بناء جُسور
الثقة بينك وبين زوجك، جاعلةً مِن مُراقبة الله - عز وجل - أساسًا تبتنين
عليه هذه الثقة، ولا تحسبي التشييد سهلًا وسريعًا، فالهدمُ لا يستغرق سوى
بضع سويعات، بينما يستغرق البناءُ زمنًا طويلًا، ويستوجب أفعالًا عظيمةً
لإثبات جديَّة العَلاقة الزوجية، وصِدْق التوبة، كما يستوجب الكثير مِن
الكلمات المطمئنة الفَيْنَة بعد الفَيْنَة، فأَرِي زوجَك مِن نفسِك، ومن
أخلاقِك، وطريقة تعاملِك ما يُثبِت له صلاح أمرِكِ واستقامة حالك! وتخلَّصي
مِن كلِّ ما مِنْ شأنه أن يُثِير شكَّه، أو يهيج غَيرته، خصوصًا تلك
الأمور المتعلِّقة بخروجك من البيت، ومقر عملك، ووسائل الاتصال والتواصل
الإلكتروني.
اجلسي مع زوجِك جلسةَ مصارحة،
وأَبدِي له استعدادَك لانتهاج الطريقة التي يُفَضِّلها في العيش معك،
واستفرغي وُسْعك لإسعاده وإسعاد نفسك كما تفعل الزوجات الصالحات في كل زمان
ومكان، وإذا كان زوجُكِ مِنْ صِنْف الرجال الذين لا يُحسِنون التعبير عن
مشاعرهم؛ فعلِّميه بأقوالك وأفعالك كيف يكون التعبير عن الحب! ولا تبقي في
انتظار أن يتغير حتى تغيِّري مِن نفسك وأسلوبك، بل غيِّري أنت مِن نفسك
إصلاحًا لنفسك، ولا تجعلي حُسن أخلاقك مشروطًا بحُسن أخلاقه، ولا حاله مرآة
لحالك، فإنْ خانك قابلتِ خيانته بخيانة، أو أحْسَن إليكِ أحسنتِ إليه! فما
هذه بأخلاقِ الصالحين والصالحات، ولا هي بأفعال الأزواج الطيبين والطيبات!
ولكنها أخلاق اللئام، وعلائق المنافقين والمنافقات، وقبل كل ذلك تذكَّري
أن هذه هي أعمالك التي ستُعْرَض على الله يوم القيامة!
ومتى أتيحتْ لكما فُرصة السفر
معًا في إجازة قصيرة خارج بلدكما فبنعمة الله، على أن تكونَ غاية هذه
الرحلة بناء عَلاقة جديدة، بقلوب متجدِّدة، ونية صادقة في تكوين أسرة
مسلمة، وعسى الله أن يصلحَ الحال، ويُنعم البال، ويرزقك وزوجك السعادة
والاستقرار، اللهم آمين.
والله - سبحانه وتعالى - أعلم بالصواب، وإليه المرجع والمآب