اسلام ويب
هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.



 
الرئيسيةأحدث الصورالتسجيلدخول

من فقه الدعاء يقول سيدنا عمر بن الخطاب - رضي الله عنه -: "أنا لا أحمل همَّ الإجابة، وإنما أحمل همَّّ الدعاء، فإذا أُلهمت الدعاء كانت الإجابة معه". وهذا فهم عميق أصيل ، فليس كل دعاء مجابًا، فمن الناس من يدعو على الآخرين طالبًا إنزال الأذى بهم ؛ لأنهم ينافسونه في تجارة ، أو لأن رزقهم أوسع منه ، وكل دعاء من هذا القبيل ، مردود على صاحبه لأنه باطل وعدوان على الآخرين. والدعاء مخ العبادة ، وقمة الإيمان ، وسرّ المناجاة بين العبد وربه ، والدعاء سهم من سهام الله ، ودعاء السحر سهام القدر، فإذا انطلق من قلوب ناظرة إلى ربها ، راغبة فيما عنده ، لم يكن لها دون عرش الله مكان. جلس عمر بن الخطاب يومًا على كومة من الرمل ، بعد أن أجهده السعي والطواف على الرعية ، والنظر في مصالح المسلمين ، ثم اتجه إلى الله وقال: "اللهم قد كبرت سني ، ووهنت قوتي ، وفشت رعيتي ، فاقبضني إليك غير مضيع ولا مفتون ، واكتب لي الشهادة في سبيلك ، والموت في بلد رسولك". انظر إلى هذا الدعاء ، أي طلب من الدنيا طلبه عمر، وأي شهوة من شهوات الدنيا في هذا الدعاء ، إنها الهمم العالية ، والنفوس الكبيرة ، لا تتعلق أبدًا بشيء من عرض هذه الحياة ، وصعد هذا الدعاء من قلب رجل يسوس الشرق والغرب ، ويخطب وده الجميع ، حتى قال فيه القائل: يا من رأى عمرًا تكسوه بردته ** والزيت أدم له والكوخ مأواه يهتز كسرى على كرسيه فرقًا ** من بأسه وملوك الروم تخشاه ماذا يرجو عمر من الله في دعائه ؟ إنه يشكو إليه ضعف قوته ، وثقل الواجبات والأعباء ، ويدعو ربه أن يحفظه من الفتن ، والتقصير في حق الأمة ، ثم يتطلع إلى منزلة الشهادة في سبيله ، والموت في بلد رسوله ، فما أجمل هذه الغاية ، وما أعظم هذه العاطفة التي تمتلئ حبًا وحنينًا إلى رسول الله - صل الله عليهلم -: (أن يكون مثواه بجواره). يقول معاذ بن جبل - رضي الله عنه -: "يا بن آدم أنت محتاج إلى نصيبك من الدنيا ، وأنت إلى نصيبك من الآخرة أحوج ، فإن بدأت بنصيبك من الآخرة ، مرّ بنصيبك من الدنيا فانتظمها انتظامًا ، وإن بدأت بنصيبك من الدنيا ، فائت نصيبك من الآخرة ، وأنت من الدنيا على خطر). وروى الترمذي بسنده عن النبي - صل الله عليهلم -: أنه قال: ((من أصبح والآخرة أكبر همه جمع الله له شمله ، وجعل غناه في قلبه ، وأتته الدنيا وهي راغمة ، ومن أصبح والدنيا أكبر همه فرَّق الله عليه ضيعته ، وجعل فقره بين عينيه ولم يأته من الدنيا إلا ما كُتب له)). وأخيرًا .. أرأيت كيف أُلهم عمر الدعاء وكانت الإجابة معه ، وصدق الله العظيم إذ يقول: (وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ فَلْيَسْتَجِيبُوا لِي وَلْيُؤْمِنُوا بِي لَعَلَّهُمْ يَرْشُدُونَ) (186)" (البقرة:186).


 

 حياة المؤمن وحياة غير المؤمن.

اذهب الى الأسفل 
كاتب الموضوعرسالة


avatar


نقــاط : 99310
حياة المؤمن وحياة غير المؤمن. Oooo14
حياة المؤمن وحياة غير المؤمن. User_o10

حياة المؤمن وحياة غير المؤمن. Empty
مُساهمةموضوع: حياة المؤمن وحياة غير المؤمن.   حياة المؤمن وحياة غير المؤمن. Emptyالأحد 10 مارس 2013 - 15:06

خطبة الجمعة
الخطبة 0608 : حياة المؤمن وحياة غير المؤمن.
لفضيلة الدكتور محمد راتب النابلسي بتاريخ: 1997-03-21
بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله نحمده، ونستعين به ونسترشده، ونعوذ به من شرور أنفسنـا وسيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلن تجد له ولياً مرشداً.
وأشهد أن لا إله إلا الله وحده ولا شريك له، إقراراً بربوبيته وإرغامـاً لمن جحد به وكفر.
وأشهد أن سيدنا محمداً صلى الله عليه وسلم رسول الله سيد الخلق والبشر، ما اتصلت عين بنظر أو سمعت أذن بخبر.
اللهم صل وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وأصحابه وعلى ذريته ومن والاه ومن تبعه إلى يوم الدين.
اللهم لا علم لنا إلا ما علمتنا إنك أنت العليم الحكيم، اللهم علمنا ما ينفعنا وانفعنا بما علمتنا وزدنا علمنا، وأرِنا الحــق حقاً وارزقنا اتباعه وأرنا الباطل باطلاً وارزقنا اجتنابه، واجعلنا ممــــن يستمعون القول فيتبعون أحسنه، وأدخلنا برحمتك في عبادك الصالحين.
أيها الإخوة الكرام، يقول عليه الصلاة والسلام في الحديث الصحيح: عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ:

((بَادِرُوا بِالْأَعْمَالِ سَبْعًا هَلْ تَنْتَظِرُونَ إِلَّا فَقْرًا مُنْسِيًا أَوْ غِنًى مُطْغِيًا أَوْ مَرَضًا مُفْسِدًا أَوْ هَرَمًا مُفَنِّدًا أَوْ مَوْتًا مُجْهِزًا أَوِ الدَّجَّالَ فَشَرُّ غَائِبٍ يُنْتَظَرُ أَوِ السَّاعَةَ فَالسَّاعَةُ أَدْهَى وَأَمَرُّ ".))

[أخرجه الترمذي وقال حديث حسن غريب، وأخرجه أحمد]
هذه الدنيا إلى أين ؟..
لو أن الإنسان ـ أيها الإخوة ـ لم يؤمن بالله، لا دين له ولا عقيدة ماغايته من وجوده، ما رسالته في الحياة، لو أن الإنسان أسقط من حسابه الدار الآخرة، إلى أين يتحرك ؟.. ما الهدف الذي يصبوا إليه ؟
إن كانت غايته رضوان الله عزَّ وجل، أصل هذا الدين لم يؤمن به وإن كانت غايته الخلود في الجنَّة، الدار الآخرة من أصلها لم يؤمن بها.
أريد ـ أيها الإخوة ـ في هذه الخطبة، أن أبين لكم الفرق الشاسع والبون الفاضح، بين حياة المؤمن، وحياة غير المؤمن.
قال تعالى:

﴿أَفَمَنْ كَانَ مُؤْمِناً كَمَنْ كَانَ فَاسِقاً لَا يَسْتَوُونَ (18)﴾

[سورة السجدة]

﴿أَفَنَجْعَلُ الْمُسْلِمِينَ كَالْمُجْرِمِينَ (35) مَا لَكُمْ كَيْفَ تَحْكُمُونَ (36) ﴾

[سورة القلم]

﴿أَفَمَنْ وَعَدْنَاهُ وَعْداً حَسَناً فَهُوَ لَاقِيهِ كَمَنْ مَتَّعْنَاهُ مَتَاعَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا ثُمَّ هُوَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ مِنَ الْمُحْضَرِينَ (61) ﴾

[سورة القصص]
لو أن هذا الإنسان الذي شرد عن الله عز وجل، ولم يؤمن بالله، ولم يسعَ إلى الدار الآخرة، كان من النوع الهادئ المسالم، عاش في الحياة الدنيا غافلاً عن نفسه، وعمَّا حوله، عاش حياً كميت، موجوداً كمفقود لا يُحسُّ أحد بحياته، ولا يترك فراغاً بعد مماته.
هذا نوع من الناس شردوا عن الله، ولم يؤمنوا به، ولم يؤمنوا بالدار الآخرة، ولم يسعوا إلى تحقيق رسالة، هم غافلون عن أنفسهم، وعن سرِّ وجودهم، وعن غاية وجودهم، وعن ربهم الذي خلقهم، هؤلاء يعيشون في غفلة شديدة، يعيش حياً كميت، موجوداً كمفقود، لا يحسُّ أحد بحياته، ولا يترك فراغاً بعد مماته، هذا نوع

فذاك الذي إن عاش لم ينتفع به وإن مات لم تبك عليه أقاربه
***
نموذجاً آخر: من الغافلين عن الله، إن كان يغلب على هذا الإنسان الشارد، التائب، الضال، الذي غفل عن ربه وعن الآخرة، إن كان يغلب على نفسه الجانب البهيمي، جرى وراء الشهوات والملذات، يقتحم إلى بلوغها كل حرمة، يسلم من أجلها كل طريق لا حياء يردعه، ولا ضمير يقمعه، ولا عقل يمنعه.

إنما الدنيا طعام وشراب ومدام فإذا فاتك هذا فعلى الدنيا السلام
***
هذا جانب آخر، نموذج بشري آخر، يسعى وراء شهواته، ينغمس في ملذاته الحسية إلى قمة رأسه، ليس فيه شيء يردعه عما يفعل، لا قيمة، ولا هدف، ولا خلق، ولا عقل، ولا ضمير، هذا نموذج آخر نحياه جميعاً، نعيش أولئك الذين يسلكون هذا الطريق.
وهذا الذي شرد عن الله، إن لم يؤمن بالله أصلاً، ولم يؤمن بالدار الآخرة، وكان من النوع العدواني، جعل همَّه العلوِّ في الأرض والاستكبار على الناس، وإظهار القوة، والتحكم بالرقاب، والفخر بلسانه، والاختيال بفعاله..
بنى مجده على أنقاض الناس، بنى حياته على موتهم، بنى سعادته على شقائهم، بنى غناه على إفقارهم.. هذا نوع عدواني.
الإنسان هو الإنسان، أحد الشعراء في الجاهلية يمثل هذا النموذج:

لنا الدنيا و من أمسى عليهـا و نبطش حين نبطش قادرينا
بغاة ظالمين وما ظلمنـــا و لكنا سنبدأ ظالميـــــنا
إذا بلغ الرضيع لنا فطامــاً تخرُّ له الجبابرة ساجدينــا
***
نموذج آخر، إنسان يعيش ليستعلي في الأرض، وإن كان يغلب على مزاج هذا الإنسان الشارد، الجانب الشيطاني، دبرَّ المكائد، وفرق بين الأحبة، ووضع المشكلات للناس، وسمَّم الآبار ليقتل، وعكَّر المياه ليصطاد، وزيَّن الإثم، وأغرى بالفاحشة، وأوقع العداوة والبغضاء فهذا نموذج ثالث.
نموذج مسالم يعيش حياً كميت، نموذج عدواني، نموذج بهيمي نموذج شيطاني، هذه التقسيمات، قسَّمها العلماء من قديم الزمن.
لكنَّ المؤمن إنسان آخر، لابد من أن يكون الفرق بين المؤمن وغير المؤمن صارخاً، واضحاً كالشمس، حياة المؤمن حياة كريمة، حياة المؤمن حياة مقدسة، يسعى لهدف كبير، ينضبط بمنظومة قيم، له مبادئ تحكمه، له قيم يحتكم إليها، له مرجع يرجع إليه، له نموذج يحتذي حذوه، له سنة يتبعها، له عقل يحكمه، له شهوة يضبطها.
أيها الإخوة الكرام: المؤمن إنسان آخر ؛ يعيش لرسالة كبيرة، يعمل لهدف رفيع، يحيى في ظل مثل عليا، يعيش لها ويموت عليها، هدفه القرب من الله عز وجل، والتخلّق بأخلاق الله، والسّعي في مرضاته، وفي سبيل مثله هذا يكبح جماح نفسه، ويقمع طغيان هواه، ويضغط على غرائزه وشهواته احتساباً لله، وإيثاراً لما عنده، وابتغاء مرضاته، قال تعالى:

﴿زُيِّنَ لِلنَّاسِ حُبُّ الشَّهَوَاتِ مِنَ النِّسَاءِ وَالْبَنِينَ وَالْقَنَاطِيرِ الْمُقَنْطَرَةِ مِنَ الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ وَالْخَيْلِ الْمُسَوَّمَةِ وَالْأَنْعَامِ وَالْحَرْثِ ذَلِكَ مَتَاعُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَاللَّهُ عِنْدَهُ حُسْنُ الْمَآَبِ (14) قُلْ أَؤُنَبِّئُكُمْ بِخَيْرٍ مِنْ ذَلِكُمْ لِلَّذِينَ اتَّقَوْا عِنْدَ رَبِّهِمْ جَنَّاتٌ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا وَأَزْوَاجٌ مُطَهَّرَةٌ وَرِضْوَانٌ مِنَ اللَّهِ وَاللَّهُ بَصِيرٌ بِالْعِبَادِ (15) الَّذِينَ يَقُولُونَ رَبَّنَا إِنَّنَا آَمَنَّا فَاغْفِرْ لَنَا ذُنُوبَنَا وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ (16) ﴾

[سورة آل عمران]
من هذه الشهوات التي يسعى الناس إليها، في مقدمة الخطبة قلت: بادروا بالأعمال الصالحة، فماذا ينتظر أحدكم من الدنيا.. ثم ماذا ؟..

((هل تنتظرون إلا فقراً منسياً، أو غنًى مطغياً، أو مرضاً مفسداً، أو هرماً مفنداً، أو موتاً مجهزاً، أو الدجال فشرُّ غائب يُنتظر، أو الساعة والساعة أدهى وأمر ".))
قل أؤنبئكم بخير من ذلك، الشهوات محبّبة، الدنيا خضرة نضرة الفتن قائمة، كل شيء في الدنيا محبّب إلى النفس، لكن الله يخبرنا:

﴿قُلْ أَؤُنَبِّئُكُمْ بِخَيْرٍ مِنْ ذَلِكُمْ لِلَّذِينَ اتَّقَوْا عِنْدَ رَبِّهِمْ جَنَّاتٌ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا وَأَزْوَاجٌ مُطَهَّرَةٌ وَرِضْوَانٌ مِنَ اللَّهِ وَاللَّهُ بَصِيرٌ بِالْعِبَادِ (15) ﴾
من أبرز صفات المؤمن أنه يتخلق بأخلاق الله، فالله سبحانه وتعالى عليم حكيم، والمؤمن يسعى لطلب العلم، وطلب العلم عنده شيء مقدس إنه يقتطع من وقته الثمين، وقتاً لمعرفة الله، يقتطع من وقته الثمين وقتاً لمعرفة منهج الله، يقتطع من وقته الثمين وقتاً لمعرفة سنة رسول الله إنَّ طلب العلم شغله الشاغل.. إذا أردت الدنيا فعليك بالعلم، وإذا أردت الآخرة فعليك بالعلم، وإذا أردتهما معاً فعليك بالعلم..
إن الله عالم يحبُّ كل عالم.
الناس رجلان ؛ عالم ومتعلم، ولا خير في من سواهم.
يتخلّق بأخلاق الله، إن الله رؤوف رحيم، باتِّصاله بالله عز وجل يمتلئ قلبه رحمة وشفقة، وحناناً، إن قلب المؤمن يفيض رحمةً، يفيض شفقة، يفيض رقَّة، فرق كبير بين قلب إنسان شارد كالصَّخر، بل هو أشدُّ قسوة، وبين قلب مؤمن يكاد يلين، من شدَّة رحمته.
إن الله رؤوف رحيم، يتخلَّق بأخلاق الله، فيرحم الخلق، وفي الحديث القدسي:

((" إذا أردتم رحمتي فارحموا خلقي ".))

((" ومن لا يرحم لا يُرحم ".))

﴿أَفَمَنْ شَرَحَ اللَّهُ صَدْرَهُ لِلْإِسْلَامِ فَهُوَ عَلَى نُورٍ مِنْ رَبِّهِ فَوَيْلٌ لِلْقَاسِيَةِ قُلُوبُهُمْ مِنْ ذِكْرِ اللَّهِ أُولَئِكَ فِي ضَلَالٍ مُبِينٍ (22)﴾

[سورة الزمر]
إن الله غني كريم..
والمؤمن يتخلق بأخلاق الله، كريم في عطائه، الدنيا بين يديه وليست في قلبه.
دخل على النبي صلى الله عليه وسلم رجل، سأله لمن هذا الوادي من الغنم، قال هو لك، قال أتهزأ بي، قال لا والله هو لك، قال: أشهد أنك لرسول الله، تعطي عطاء من لا يخشى الفقر.
يجب أن نعلم أن الفرق بين المؤمن وغير المؤمن، ليس هذه الركعات التي يركعها، فرق أساسي في كل شؤون حياته، في تفكيره، في تصوراته، في عقيدته، في قلبه، في قيمه، في منهجه، في سلوكه في بيته، في عمله، في كل نواحي حياته.. لابد من أن يكون المؤمن إذا وازنته بغير المؤمن، لابد من أن يبدو لك البون شاسعاً، والمفارقة حادةً.
إن الله صبور حكيم، والمؤمن يتخلَّق بأخلاق الله، من عامل الناس وصبر على أذاهم، خير ممن لم يخالطهم، ولم يصبر على أذاهم الأنبياء عاشوا بين الناس، ليضعوا أيديهم على جراحاتهم، ليأخذوا بيدهم إلى الله عز وجل، هذا الذي ينعزل، ويهرب، ويتقوقع، ويقول ما لي ومال الناس، وقد ورد في الحديث الصحيح:

((" من لم يهتم بأمر المسلمين فليس منهم ".))

((" اصنع المعروف مع أهله ومع غير أهله، فإن أصبت أهله أصبت أهله، وإن لم تصب أهله فأنت أهله ".))
التخلُّق بأخلاق الله، والسُّمو بالنَّفس إليه، والسعادة بقربه، هو الفرق الشاسع، والبون الواضح، بين حياة المؤمن وحياة غير المؤمن.
غير المؤمن في الوحول، في الشهوات، في الدركات الدنيا، في الجهل الواضح، في أثرة لا تُحتمل، في كبر لا يُطاق، في علو واستعلاء، في غطرسة واستكبار، بينما المؤمن ؛ ليِّن، هيِّن، يألف ويؤلف.
قيل: وبضدِّها تتميز الأشياء، ليس الفرق بين المؤمن هذه الصلاة التي نصليها، الصلاة أحد أعمدة الدين، أما الدين كما قال سيدنا جعفر منظومة خلقية " أمرنا بصدق الحديث، وأداء الأمانة، وصلة الرحم وحسن الجوار، والكفِّ عن المحارم والدِّماء.
الدين خُلق، الدين قِيَم، النبي عليه الصلاة والسلام، ألم يكن أكبر قائد عسكري ؟ ألم يكن أكبر خطيب يفحم الناس ؟ ألم يكن أكبر قاضٍ ؟ ألم يكن مجتهد ؟ ألم يوحى إليه ؟ ومع كل هذه الخصائص الفريدة، التي كان يتمتع بها، حينما أثنى الله عليه، أثنى على خلقه، قال:

﴿وَإِنَّكَ لَعَلى خُلُقٍ عَظِيمٍ (4)﴾

[سورة القلم]
ما الخطر الذي يتهدد الأخلاق اليوم ؟ قال بعض العلماء: إنه متاع الحياة الدنيا، إنها مغريات الحياة الدنيا، إنها زخارف الحياة الدنيا، إنها شهوات الحياة الدنيا، كما قلت قبل قليل في الآية الكريم:

﴿زُيِّنَ لِلنَّاسِ حُبُّ الشَّهَوَاتِ مِنَ النِّسَاءِ وَالْبَنِينَ وَالْقَنَاطِيرِ الْمُقَنْطَرَةِ مِنَ الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ وَالْخَيْلِ الْمُسَوَّمَةِ وَالْأَنْعَامِ وَالْحَرْثِ ذَلِكَ مَتَاعُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَاللَّهُ عِنْدَهُ حُسْنُ الْمَآَبِ (14) قُلْ أَؤُنَبِّئُكُمْ بِخَيْرٍ مِنْ ذَلِكُمْ لِلَّذِينَ اتَّقَوْا عِنْدَ رَبِّهِمْ جَنَّاتٌ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا وَأَزْوَاجٌ مُطَهَّرَةٌ وَرِضْوَانٌ مِنَ اللَّهِ وَاللَّهُ بَصِيرٌ بِالْعِبَادِ (15) الَّذِينَ يَقُولُونَ رَبَّنَا إِنَّنَا آَمَنَّا فَاغْفِرْ لَنَا ذُنُوبَنَا وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ(16)﴾
متاع الحياة الدنيا، هو الذي يهلك الإنسان..
إن البلوغ في حب الدنيا هو رأس كل خطيئة، قال عليه الصلاة والسلام:

((" حب الدنيا رأس كل خطيئة ".))
حبك الشيء يعمي ويصم، كيف يكون القلب مغلفاً ؟ إذا سُدت منافذه الطبيعية، منافذه الطبيعية أن ترى آيات الله، وأن تستمع إلى الحقِّ والذي هو في النار يوم القيامة يقول، لو كنا نسمع أو نعقل ما كنا في أصحاب السَّعير، لابد من أن نصغي إلى الحق.

﴿يَوْمَ يُكْشَفُ عَنْ سَاقٍ وَيُدْعَوْنَ إِلَى السُّجُودِ فَلَا يَسْتَطِيعُونَ (42) خَاشِعَةً أَبْصَارُهُمْ تَرْهَقُهُمْ ذِلَّةٌ وَقَدْ كَانُوا يُدْعَوْنَ إِلَى السُّجُودِ وَهُمْ سَالِمُونَ(43)﴾

[سورة القلم]
إن الغلو في حب الحياة الدنيا، هو رأس كل خطيئة، إن التنافس عليها أساس كل بلية، إن المنافسة من أجل متاعها، وراء كل معصية من أجل الحياة الدنيا، يبيع الإنسان دينه وآخرته بعرض من الدنيا قليل من أجل متاع الحياة الدنيا، التي هي أخطر شيء على الأخلاق يقتل الإنسان أباه أحياناً، من أجل متاع الحياة الدنيا يخون الناس الأمانات من أجل متاع الحياة الدنيا، ينكث الناس بعهودهم، من أجل متاع الحياة الدنيا، يجحد الناس بالحقوق، من أجل متاع الحياة الدنيا، ينسون الواجبات، من أجل متاع الحياة الدنيا، يبغي بعضهم على بعض، من أجل متاع الحياة الدنيا، يعيشون كسباع الغابة، أو أسماك البحر، يأكل قويهم ضعيفهم، يلتهم قويَّهم صغيرهم.
الحياة من دون قيم لا تُعاش، الحياة من دون دين يضبط الناس لا تُعاش، إن القوي يأكل الضعيف، والكبير يلتهم الصغير.
من أجل متاع الحياة الدنيا يغشُّ البائعون في بيعهم، من أجل متاع الحياة الدنيا، يطففون في الوزن، من أجل متاع الحياة الدنيا، يتجبر الكبراء، ويستعلون، من أجل متاع الحياة الدنيا، يجور الأقوياء ويتغطرسون، من أجل متاع الحياة الدنيا، يطغى الأغنياء ويترفون ينافق الضعفاء ويتزلفون، من أجل متاع الحياة الدنيا، يكتم العالم علمه، من أجل متاع الحياة الدنيا، يفتي العالم بغير ما يعلم، قد يفتي بدون علم وقد يفتي بخلاف ما يعلم.
كما قال سيد الأنام:

((" حب الدنيا رأس كل خطيئة ".))
ورد في الحديث الصحيح:

((" من أصبح وأكبر همِّه الدنيا، جعل الله فقره بين عينيه، وشتت عليه شمله، ولم يؤته من الدنيا إلا ما قُدر له، ومن أصبح وأكبر همِّه الآخرة جعل الله غناه في قلبه، وجمع عليه شمله، وأتته الدنيا وهي راغمة ".))
من أجل متاع الحياة الدنيا، يروج الكذب والزور، من أجل متاع الحياة الدنيا تُخفى الحقائق، من أجل متاع الحياة الدنيا، تسُفك الدماء تُستباح الحرمات، تُداس القيم، يُباع الدين والشرف، من أجل امرأة يضيع الإنسان آخرته، " ألا يا رُبَّ شهوة ساعة أورثت حزناً طويلاً ".
" ألا يا رب نفس جائعة عارية في الدنيا، طاعمة ناعمة يوم القيامة ألا يا رب مكرم لنفسه وهو لها مهين، ألا يا رب مهين لنفسه وهو لها مكرم"
من أجل امرأة، من أجل قطعة أرض، من أجل بناء، من أجل منصب، من أجل حظوة، من أجل شهرة، من أجل هم بطن، من أجل هم فرج، من أجل جاه، من أجل مال، تُنتهك الحرمات، وينصرف الإنسان إلى طريق مسدود.
العقل ينبغي أن تفكر في مآل الحياة الدنيا، إذا أردت إنفاذ أمر تدبر عاقبته، كفى بالموت واعظاً يا عمر..
أيها الإخوة الكرام: لابد من ساعة تأمل، لابد من وقفة في زحام الحياة، لابد من ساعة تخلو بها مع نفسك، تفكر في علة وجودك، لماذا أنت في الدنيا ؟..

﴿وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ (56)﴾

[سورة الذاريات]
ما العبادة، كيف أعبد الله ؟.. لابد من جلسة من حين لآخر.. أما هذا الذي يلهث وراء الدنيا، إلى أن يأتيه الموت بغتةً وهو لا يدري خسر خسارةً كبرى، قال تعالى:

﴿قُلْ أَؤُنَبِّئُكُمْ بِخَيْرٍ مِنْ ذَلِكُمْ لِلَّذِينَ اتَّقَوْا عِنْدَ رَبِّهِمْ جَنَّاتٌ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا وَأَزْوَاجٌ مُطَهَّرَةٌ وَرِضْوَانٌ مِنَ اللَّهِ وَاللَّهُ بَصِيرٌ بِالْعِبَادِ (15) ﴾

[سورة آل عمران]
قلت كثيراً: الإنسان عقل يدرك، وقلب يحب، وجسم يأكل ويشرب لابد من أن تعتني بجسمك ؛ لأنه وعاء النفس، ولابد من أن تعتني بقلبك لأنه سرُّ سعادتك، ولابد من أن تغذي عقلك ؛ لأنه الفارق الوحيد بينك وبين المخلوقات، ولابد من ذكر لقلبك، ولابد من طعام يقويك.
حينما ذكرت هذا، ليس قصدي أن أذم الحياة الدنيا، نعم مطيّة المؤمن الحياة الدنيا نعم مطية المؤمن، بالحياة الدنيا تصل إلى الله، بإنفاق المال الحلال ترتقي إلى الله، بضبط الشهوات تسعد بالقرب من الله، أنا حينما أذكر الحياة الدنيا، أذكر أن تغدو أكبر همنا، ومبلغ علمنا ذكرتها لئلا تكون هي كل شيء في حياتنا، ليس بالخبز وحده يحيى الإنسان حب الدنيا، والأمل فيها، جزء من فطرة الإنسان، ولولا ذلك ما عُمِّرت الأرض، ولا ترعرعت شجرة، لكنِّ الخطر، كل الخطر، أن تغدو هذه الحياة القصيرة، أكبر همِّ الناس، ومبلغ علمهم، ومنتهى آمالهم.
عن ابْنِ عُمَرَ قَالَ قَلَّمَا كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهم عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُومُ مِنْ مَجْلِسٍ حَتَّى يَدْعُوَ بِهَؤُلَاءِ الدَّعَوَاتِ لِأَصْحَابِهِ:

((اللَّهُمَّ اقْسِمْ لَنَا مِنْ خَشْيَتِكَ مَا يَحُولُ بَيْنَنَا وَبَيْنَ مَعَاصِيكَ وَمِنْ طَاعَتِكَ مَا تُبَلِّغُنَا بِهِ جَنَّتَكَ وَمِنَ الْيَقِينِ مَا تُهَوِّنُ بِهِ عَلَيْنَا مُصِيبَاتِ الدُّنْيَا وَمَتِّعْنَا بِأَسْمَاعِنَا وَأَبْصَارِنَا وَقُوَّتِنَا مَا أَحْيَيْتَنَا وَاجْعَلْهُ الْوَارِثَ مِنَّا وَاجْعَلْ ثَأْرَنَا عَلَى مَنْ ظَلَمَنَا وَانْصُرْنَا عَلَى مَنْ عَادَانَا وَلَا تَجْعَلْ مُصِيبَتَنَا فِي دِينِنَا وَلَا تَجْعَلِ الدُّنْيَا أَكْبَرَ هَمِّنَا وَلَا مَبْلَغَ عِلْمِنَا وَلَا تُسَلِّطْ عَلَيْنَا مَنْ لَا يَرْحَمُنَا قَالَ أَبو عِيسَى هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ غَرِيبٌ.))

[انفرد به الترمذي]
الإنسان عليه أن يراقب نفسه، حينما يفتح عينيه صباحاً، ما أول خاطر يأتيه، إن كانت الدنيا تتبادر إلى خواطره، فهذه مشكلة، أما إذا كانت طاعة الله، والقرب منه، إذا كان قلقاً على إيمانه، قلقاً على سيره قلقاً على وضعه مع الله عز وجل، فهذه بادرة طيِّبة، لأنه كما قلت قبل قليل:

((" من أصبح وأكبر همِّه الآخرة، جعل الله غناه في قلبه، وجمع عليه شمله، وأتته الدنيا وهي راغمة ".))
أيها الإخوة الكرام: الشهوات رُكِّبت فينا جميعاً، لكنَّ هذه الشهوات، من خلال الإيمان تضبط، أقول لكم ـ أيها الإخوة: ليس في الإسلام حرمان، ولكنه في الإسلام نظام، كل شهوة أودعها الله فينا، جعل لها قناةً نظيفة تسري خلالها، ليس هناك كبت في الإسلام، أية شهوة أودعت فينا لها متنفس طبيعي، لها مصرف طبيعي، لها قناة نظيفة، تجري خلالها، الإيمان وحده ـ أيها الإخوة ـ يعطي القدرة على مقاومة إغراء الدنيا وفتنتها.
إن المؤمن يملك الدنيا ولا تملكه، تمتلئ بها يداه، ولكنْ لا يمتلئ بها قلبه، يعيش في الدنيا بروح المرتحل، " عش في الدنيا كأنك مسافر أو عابر سبيل ".
المؤمن يعلم علم اليقين ؛ أن الدنيا لا تعدل عند الله جناح بعوضة بربِّكم، هل هناك مثل أبلغ من هذا المثل ؟.. بعوضة، ما قيمتها يقتلها الإنسان ولا يشعر بشيء، ما فعل شيئاً، لهوانها، عن سَهل بْنِ سَعْدٍ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّــمَ:

((لَوْ كَانَتِ الدُّنْيَا تَعْدِلُ عِنْدَ اللَّهِ جَنَاحَ بَعُوضَةٍ مَا سَقَى كَافِرًا مِنْهَا شَرْبَةَ مَاءٍ ". ))

[رواه الترمذي وابن ماجة]
المؤمن يعلم علم اليقين، أن الدنيا لا تزن عند الله جناح بعوضة إنها قنطرة عبور إلى الدار الآخرة، ركعتان خاشعتان خير من الدنيا وما فيها.
مرَّ عليه الصلاة والسلام بقبر، فقال:

((" الميت في هذا القبر إلى ركعتين خفيفتين مما تحقرون من تنفلكم خير له من دنياكم كلها "))
ركعتان من ورع خير من ألف ركعة من مخلِّط..
ركعتان في خشوع خير لكم من الدنيا وما فيها..
غدوة وروحة في سبيل الله، خير لك من الدنيا وما فيها..
أن تنطلق من بيتك إلى مجلس علم، أن تنطلق من بيتك لأداء فريضة أن تنطلق من بيتك للإصلاح بين الناس، لخدمة إنسان، لنشر الحق..
موضع قدم في الجنَّة خير لنا من الدنيا وما فيها.
أيها الإخوة الكرام: الله جل جلاله، أعطى الملك لمن يحب ؛ لسيدنا سليمان، وأعطاه لم لا يحب ؛ أعطاه لفرعون، إذاً ليس مقياساً.
أعطى المال لمن يحب ؛ لسيدنا عثمان ابن عفان، ولعبد الرحمن بن عوف رضي الله عنهما، وأعطاهما لمن لا يحب ؛ لقارون، إذاً ليس المال مقياساً.. لكنَّه ماذا أعطى لأنبيائه وأحبابه ؟.. قال تعالى:

﴿وَلَمَّا بَلَغَ أَشُدَّهُ وَاسْتَوَى آَتَيْنَاهُ حُكْماً وَعِلْماً وَكَذَلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ (14)﴾

[سورة القصص]
الاستعلاء على الدنيا لا يعني أن نحرم طيباتها، يعني أن نأخذ منها وسيلة لبلوغ الآخرة، شعار المؤمن في هذا الموضوع، قوله تعالى:

﴿وَابْتَغِ فِيمَا آَتَاكَ اللَّهُ الدَّارَ الْآَخِرَةَ وَلَا تَنْسَ نَصِيبَكَ مِنَ الدُّنْيَا وَأَحْسِنْ كَمَا أَحْسَنَ اللَّهُ إِلَيْكَ وَلَا تَبْغِ الْفَسَادَ فِي الْأَرْضِ إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ الْمُفْسِدِينَ(77) ﴾

[سورة القصص]
يعني إن توظف حظوظك من الدنيا في سبيل الحق، آتاك الله مالاً ينبغي أن تنفقه في سبيل الله، آتاك الله علماً، ينبغي أن تنفقه في سبيل الله، آتاك الله جاهاً، ينبغي أن تنصر به الضعيف، آتاك الله طلاقة لسان، ينبغي أن تنشر الحق، حينما توظِّف حظوظك من الدنيا، في خدمة الحق، انقلبت هذه الحظوظ إلى نعم، وحينما توظِّفها في الباطل انقلبت إلى نقم، أنت بين النعم وبين النقم، المال نفسه، يمكن أن يكون نعمة إذا أنفقته في سبيل الله، والمال نفسه، يمكن أن يغدو أكبر مصيبة إذا أُنفق في سبيل الشيطان.
عود على بدء، يقول عليه الصلاة والسلام:

((" بادروا بالأعمال الصالحة، فماذا ينتظر أحدكم من الدنيا ".))
لو أن الإنسان جعل الدين وراء ظهره، لو أن الإنسان لم يؤمن بخالق الأكوان، ولم يدخل في حسابه الدار الآخرة، عاش لحظته، عاش وقته عاش لشهواته، عاش لملذاته، عاش لمتاع الحياة الدنيا، هذا الإنسان ماذا ينتظره ؟.. كل يوم يستمر كما هو إلى ما شاء الله ؟.. أم لابد من مفاجئة في بعض الأيام ؟..

((" بَادِرُوا بِالْأَعْمَالِ سَبْعًا هَلْ تَنْتَظِرُونَ إِلَّا فَقْرًا مُنْسِيًا أَوْ غِنًى مُطْغِيًا أَوْ مَرَضًا مُفْسِدًا أَوْ هَرَمًا مُفَنِّدًا أَوْ مَوْتًا مُجْهِزًا أَوِ الدَّجَّالَ فَشَرُّ غَائِبٍ يُنْتَظَرُ أَوِ السَّاعَةَ فَالسَّاعَةُ أَدْهَى وَأَمَرُّ ".))

أيها الإخوة الكرام حاسبوا أنفسكم قبل أن تحاسبوا وزنوا أعمالكم قبل أن توزن عليكم واعلموا أن ملك الموت قد تخطانا إلى غيرنا، وتخطى غيرنا إلينا فلنتخذ حذرنا.
أيها الإخوة: دققوا في هذا الكلام، واعلموا أن ملك الموت قد تخطانا إلى غيرنا، وتخطى غيرنا إلينا، يعني لابد في أحد الأيام من أن يقرأ الناس نعيك، لابد في أحد الأيام من أن ندخل المسجد ليُصلى علينا ماذا ينتظر أحدكم من الدنيا ـ أيها الإخوة الكرام ـ الكيس من دان نفسه وعمل لما بعد الموت والعاجز من أتبع نفسه هواها وتمنى على الله الأماني والحمد لله رب العالمين.
الخطبة الثانية:
أيها الإخوة الكرام: وسط الدماغ البشري، غدة صغيرة حجمها كحجم حبة الذرة البيضاء اسمها الغدة الصنوبرية، عالم كبير جداً، في بلد متقدم بالمقياس المادي طبعاً، يقول لطلابه، وأحد طلابه مؤلف كتاب عن هذه الغدة، يقول هذا العالم، إن الغدة الصنوبرية، غدة عديمة الفائدة، لا وظيفة لها ولا نشاط، وليس لها أدنى دور في جسم الإنسان، قال تعالى:

﴿وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ الرُّوحِ قُلِ الرُّوحُ مِنْ أَمْرِ رَبِّي وَمَا أُوتِيتُمْ مِنَ الْعِلْمِ إِلَّا قَلِيلاً (85) ﴾

[سورة الإسراء]
كلام دقيق يلقيه عالم كبير في الطب، في علم التشريح على طلابه ثم اكتُشف، أن هذه الغدة، أول غدة تتكون في الجنين، وآخر غدة تبيح بأسرارها لعلم الطب، بأسرارها لعلم الطب، هذه الغدة تفرز هرموناً، الشيء الذي يدهش ؛ أن هذا الهرمون موجود في كل الكائنات الحية من نبات وحيوان وإنسان، حتى وحيدة الخلية، فيها هذا الهرمون ـ كما قال بعض العلماء ـ تماثل هذا الهرمون في كل الكائنات الحية شيء نادر وعجيب، هذا الهرمون لا يُفرَز إلا بالليل، يقول العلماء عنه اليوم في بحث صدر في عام 1995 إنه من أكثر المواد فعاليةً في جسم الإنسان ؛ يساعد الجسم على مكافحة الجراثيم والفيروسات، يساعد الجسم على النوم المريح، وعلى تحسين نوعية النوم، يساعد الجسم على الإقلال من حدوث أمراض شرايين القلب يخفف من أعراض السفر البعيد الطويل، يزيد في حيوية الكائن الحي وفي قوة عضلاته، يكاد هذا الهرمون يكون العنصر الأول في حيوية الإنسان، وفي صحته وسلامة وظائف أعضائه.
أردت من هذا أن أخبرك، إن هذا الذي يقول: إن الغدة الصنوبرية غدة عديمة الفائدة، لا وظيفة لها ولا نشاط وليس لها أدنى دور في جسم الإنسان.
ما كل شيء نقرؤه صحيح، ما كل شيء نسمعه صحيح، الصحيح هو ما جاء في كتاب الله، هو ما جاء به النبي عليه الصلاة والسلام لأنه لا ينطق عن الهوى إن هو إلا وحيٌ يوحى.
الآن هذه الغدة تُفرز أهم هرموناً في جسم الإنسان، ولو ألغينا هذا الهرمون لكانت حياته جحيماً لا يطاق.
غدة صغيرة بحجم حبة الذرة البيضاء، في وسط الدِّماغ، اسمها الغدة الصنوبرية، هرمونها متواجد في كل الكائنات الحية، حتى في النبات، وحتى في الحيوانات، أو الأحياء وحيدة الخلية.

﴿وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ الرُّوحِ قُلِ الرُّوحُ مِنْ أَمْرِ رَبِّي وَمَا أُوتِيتُمْ مِنَ الْعِلْمِ إِلَّا قَلِيلاً (85) ﴾

[سورة الإسراء]

﴿وَلَا يُحِيطُونَ بِشَيْءٍ مِنْ عِلْمِهِ إِلَّا بِمَا شَاءَ﴾

[سورة البقرة آية 255]
يقول بعض العلماء، لم تبتل بعد أقدامنا ببحر المعرفة، لا يزال العلماء كالأطفال يحبون أمام سر هذا الكون وسر هذا الإنسان.
يقول بعضهم إن ثلاثمائة بحث علمي، جادٍ، عميق، نشر حول هذه الغدة في عام واحد، فالإنسان أحياناً يقلِّل من قيمة الشيء لجهله به أما إذا عرف الحقيقة يجب أن يخر ساجداً لله عزو جل، لأن الله سبحانه وتعالى يقول:

﴿الَّذِي خَلَقَ سَبْعَ سَمَوَاتٍ طِبَاقاً مَا تَرَى فِي خَلْقِ الرَّحْمَنِ مِنْ تَفَاوُتٍ فَارْجِعِ الْبَصَرَ هَلْ تَرَى مِنْ فُطُورٍ (3) ﴾

[سورة الملك]
ليس في الدنيا شيء زائد لا حاجة له ولا فائدة منه.

الدعاء:
اللهم اهدنا فيمن هديت، وعافنا فيمن عافيت، وتولنا فيمن توليت وبارك لنا فيما أعطيت، وقنا واصرف عنا شر ما قضيت، فإنك تقضي بالحق ولا يُقضى عليك، إنه لا يذل من واليت، ولا يعز من عاديت تباركت ربنا وتعاليت، لك الحمد على ما قضيت، نستغفرك ونتوب إليك اللهم هب لنا عملاً صالحاً يقربنا إليك.
اللهم أعطنا ولا تحرمنا، أكرمنا ولا تهنا، آثرنا ولا تؤثر علينا أرضنا وارض عنا، اقسم لنا من خشيتك، ما تحول به بيننا وبين معصيتك ومن طاعتك ما تبلغنا بها جنتك، ومن اليقين ما تهون علينا مصائب الدنيا ومتعنا اللهم بأسماعنا، وأبصارنا، وقوتنا ما أحييتنا، واجعله الوارث منا، واجعل ثأرنا على من ظلمنا، وانصرنا على من عادانا ولا تجعل الدنيا أكبر همنا ولا مبلغ علمنا، ولا تسلط علينا من لا يخافك ولا يرحمنا، مولانا رب العالمين.
اللهم أصلح لنا ديننا الذي هو عصمة أمرنا، ودنيانا التي فيها معاشنا وأصلح لنا آخرتنا التي إليها مردنا، واجعل الحياة زاداً لنا من كل خير واجعل الموت راحة لنا من كل شر، مولانا رب العالمين.
اللهم اكفنا بحلالك عن حرامك، وبطاعتك عن معصيتك، وبفضلك عمن سواك.
اللهم لا تؤمنا مكرك، ولا تهتك عنا سترك، ولا تنسنا ذكرك يا رب العالمين.
اللهم استر عوراتنا، وآمن روعاتنا، وآمنا في أوطاننا، واجعل هذا البلد آمناً سخياً رخياً، وسائر بلاد المسلمين.
اللهم إنا نعوذ بك من الخوف إلا منك، ومن الفقر إلا إليك، ومن الذل إلا لك، نعوذ بك من عضال الداء، ومن شماتة الأعداء، ومن السلب بعد العطاء.
اللهم ما رزقتنا مما نحب فاجعله عوناً لنا فيما تحب، وما زويت عنا ما نحب فاجعله فراغاً لنا فيما تحب.
اللهم صن وجوهنا باليسار، ولا تبذلها بالإقتار، فنسأل شر خلقك ونبتلى بحمد من أعطى وذم من منع، وأنت من فوقهم ولي العطاء وبيدك وحدك خزائن الأرض والسماء.
اللهم كما أقررت أعين أهل الدنيا بدنياهم فأقرر أعيننا من رضوانك يا رب العالمين.
اللهم بفضلك وبرحمتك أعل كلمة الحق والدين، وانصر الإسلام والمسلمين، وأعز المسلمين، وخذ بيد ولاتهم إلى ما تحب وترضى إنك على ما تشاء قدير وبالإجابة جدير.

والحمد لله رب العالمين
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
 
حياة المؤمن وحياة غير المؤمن.
الرجوع الى أعلى الصفحة 
صفحة 1 من اصل 1
 مواضيع مماثلة
-
» خصال المؤمن.
» المؤمن مرآة المؤمن
» الحياء هو خلق المؤمن
» أخلاق المؤمن
» إبحار في قلب المؤمن

صلاحيات هذا المنتدى:لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى
اسلام ويب :: ۩✖ منتدي الاسلاميات العامه ۩✖ :: مقــــالات اســــلاميه :: خطب مقـــرؤه-
انتقل الى: