اسلام ويب
هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.



 
الرئيسيةأحدث الصورالتسجيلدخول

من فقه الدعاء يقول سيدنا عمر بن الخطاب - رضي الله عنه -: "أنا لا أحمل همَّ الإجابة، وإنما أحمل همَّّ الدعاء، فإذا أُلهمت الدعاء كانت الإجابة معه". وهذا فهم عميق أصيل ، فليس كل دعاء مجابًا، فمن الناس من يدعو على الآخرين طالبًا إنزال الأذى بهم ؛ لأنهم ينافسونه في تجارة ، أو لأن رزقهم أوسع منه ، وكل دعاء من هذا القبيل ، مردود على صاحبه لأنه باطل وعدوان على الآخرين. والدعاء مخ العبادة ، وقمة الإيمان ، وسرّ المناجاة بين العبد وربه ، والدعاء سهم من سهام الله ، ودعاء السحر سهام القدر، فإذا انطلق من قلوب ناظرة إلى ربها ، راغبة فيما عنده ، لم يكن لها دون عرش الله مكان. جلس عمر بن الخطاب يومًا على كومة من الرمل ، بعد أن أجهده السعي والطواف على الرعية ، والنظر في مصالح المسلمين ، ثم اتجه إلى الله وقال: "اللهم قد كبرت سني ، ووهنت قوتي ، وفشت رعيتي ، فاقبضني إليك غير مضيع ولا مفتون ، واكتب لي الشهادة في سبيلك ، والموت في بلد رسولك". انظر إلى هذا الدعاء ، أي طلب من الدنيا طلبه عمر، وأي شهوة من شهوات الدنيا في هذا الدعاء ، إنها الهمم العالية ، والنفوس الكبيرة ، لا تتعلق أبدًا بشيء من عرض هذه الحياة ، وصعد هذا الدعاء من قلب رجل يسوس الشرق والغرب ، ويخطب وده الجميع ، حتى قال فيه القائل: يا من رأى عمرًا تكسوه بردته ** والزيت أدم له والكوخ مأواه يهتز كسرى على كرسيه فرقًا ** من بأسه وملوك الروم تخشاه ماذا يرجو عمر من الله في دعائه ؟ إنه يشكو إليه ضعف قوته ، وثقل الواجبات والأعباء ، ويدعو ربه أن يحفظه من الفتن ، والتقصير في حق الأمة ، ثم يتطلع إلى منزلة الشهادة في سبيله ، والموت في بلد رسوله ، فما أجمل هذه الغاية ، وما أعظم هذه العاطفة التي تمتلئ حبًا وحنينًا إلى رسول الله - صل الله عليهلم -: (أن يكون مثواه بجواره). يقول معاذ بن جبل - رضي الله عنه -: "يا بن آدم أنت محتاج إلى نصيبك من الدنيا ، وأنت إلى نصيبك من الآخرة أحوج ، فإن بدأت بنصيبك من الآخرة ، مرّ بنصيبك من الدنيا فانتظمها انتظامًا ، وإن بدأت بنصيبك من الدنيا ، فائت نصيبك من الآخرة ، وأنت من الدنيا على خطر). وروى الترمذي بسنده عن النبي - صل الله عليهلم -: أنه قال: ((من أصبح والآخرة أكبر همه جمع الله له شمله ، وجعل غناه في قلبه ، وأتته الدنيا وهي راغمة ، ومن أصبح والدنيا أكبر همه فرَّق الله عليه ضيعته ، وجعل فقره بين عينيه ولم يأته من الدنيا إلا ما كُتب له)). وأخيرًا .. أرأيت كيف أُلهم عمر الدعاء وكانت الإجابة معه ، وصدق الله العظيم إذ يقول: (وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ فَلْيَسْتَجِيبُوا لِي وَلْيُؤْمِنُوا بِي لَعَلَّهُمْ يَرْشُدُونَ) (186)" (البقرة:186).


 

 الجواب عن قصة العتبي المروية في التوسل بالنبي صلى الله عليه وسلم

اذهب الى الأسفل 
كاتب الموضوعرسالة


avatar


نقــاط : 99230
الجواب عن قصة العتبي المروية في التوسل بالنبي صلى الله عليه وسلم Oooo14
الجواب عن قصة العتبي المروية في التوسل بالنبي صلى الله عليه وسلم User_o10

الجواب عن قصة العتبي المروية في التوسل بالنبي صلى الله عليه وسلم Empty
مُساهمةموضوع: الجواب عن قصة العتبي المروية في التوسل بالنبي صلى الله عليه وسلم   الجواب عن قصة العتبي المروية في التوسل بالنبي صلى الله عليه وسلم Emptyالثلاثاء 15 يناير 2013 - 19:23

الجواب عن قصة العتبي المروية في التوسل بالنبي صلى الله عليه وسلم


السؤال :
قرأت مقالاً متعلق بالتوسل وعلى ما يبدو ان كاتبه ساق أدلة ومراجع صحيحة ، ولكني بحاجة إلى صاحب علم يقول لي : ما مدى صحة هذه المقالة وما ورد فيها . هذا نصها: " بسم الله الرحمن الرحيم عقيدة التوسل في ضوء القرآن الكريم . قال تعالى : ( وما أرسلنا من رسول إلا ليُطاع بإذن الله ولو أنهم إذ ظلموا أنفسهم جاءوك فاستغفروا الله واستغفر لهم الرسول لوجدوا الله تواباً رحيماً ) . وقد أكّد بن كثير على هذه العقيدة في تفسيره بقوله : " وقد ذكر جماعة منهم الشيخ أبو منصور الصباغ في كتابه الشامل الحكاية المشهورة عن العتبي قال : كنت جالسا عند قبر النبي صلى الله عليه وسلم فجاء أعرابي فقال : السلام عليك يا رسول الله سمعت الله يقول " ولو أنهم إذ ظلموا أنفسهم جاءوك فاستغفروا الله واستغفر لهم الرسول لوجدوا الله توابا رحيما " وقد جئتك مستغفرا لذنبي مستشفعا بك إلى ربي ثم أنشأ يقول : يا خير من دفنت بالقاع أعظمه فطاب من طيبهن القاع والأكم نفسي الفداء لقبر أنت ساكنه فيه العفاف وفيه الجود والكرم ثم انصرف الأعرابي فغلبتني عيني فرأيت النبي صلى الله عليه وآله وسلم في النوم فقال : يا عتبي الحق الأعرابي فبشره أن الله قد غفر له" وقد قال بن كثير عن هذه الرواية أنها من رواية الجماعة ، وأنها من الحكايات المشهورة ، وكلنا يعلم سلامة عقيدة بن كثير، وما ساقها إلا ليستدل بها على صحة التوسل به صلى الله عليه وسلم " انتهت المقالة .
فما رأيكم في هذا الكلام ؟

الجواب :
الحمد لله
أولا :
تقدم في إجابة السؤال رقم (3297) بيان أنواع التوسل المشروع ، وهي على سبيل الإجمال : التوسل إلى الله بأسمائه وصفاته ، والتوسل بالإيمان والتوحيد ، والتوسل بالعمل الصالح ، كما أن من أنواعه أيضا التوسل إلى الله بدعاء الرجل الصالح .

كما تقدم في إجابة السؤال رقم (114142) بيان أن التوسل بجاه النبي صلى الله عليه وسلم أو بجاه أحد من الصالحين محرم لأنه ذريعة إلى الشرك بالله ووسيلة تفضي إليه .

ثانيا :
ما احتج به بعض المصنفين على مشروعية التوسل البدعي ، من قول الله تعالى : ( وَلَوْ أَنَّهُمْ إِذْ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ جَاءُوكَ فَاسْتَغْفَرُوا اللَّهَ وَاسْتَغْفَرَ لَهُمُ الرَّسُولُ لَوَجَدُوا اللَّهَ تَوَّابًا رَحِيمًا ) وذكر قصة الأعرابي المذكورة في ذلك ، احتجاج غير صحيح ، وقول مردود لما يلي :

أولا : قوله ( وَلَوْ أَنَّهُمْ إِذْ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ جَاءُوكَ ) مختص بحياته صلى الله عليه وسلم لا بعد وفاته ، يدل عليه قوله ( فَاسْتَغْفَرُوا اللَّهَ وَاسْتَغْفَرَ لَهُمُ الرَّسُولُ ) والذين يأتونه بعد وفاته من أين لهم إذا استغفروا الله ، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قد استغفر لهم في قبره ، حتى ينالوا كرامة قوله ( لَوَجَدُوا اللَّهَ تَوَّابًا رَحِيمًا ) بل إن مجيئهم إلى قبره بعد وفاته لهذا الغرض ، ذريعة إلى الاستغاثة به ، واللجوء إليه ، وسؤاله من دون الله – كما يفعل الناس اليوم - وهذا من الشرك بالله تعالى .
قال ابن عبد الهادي رحمه الله :
" ولم يفهم منها أحد من السلف والخلف إلا المجيء إليه في حياته ليستغفر لهم ، وقد ذم تعالى من تخلف عن هذا المجيء إذا ظلم نفسه ، وأخبر أنه من المنافقين ، فقال تعالى : ( وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ تَعَالَوْا يَسْتَغْفِرْ لَكُمْ رَسُولُ اللَّهِ لَوَّوْا رُؤُوسَهُمْ وَرَأَيْتَهُمْ يَصُدُّونَ وَهُم مُّسْتَكْبِرُونَ ) ؛ وكذلك هذه الآية إنما هي في المنافق الذي رضي بحكم كعب بن الأشرف وغيره من الطواغيت ، دون حكم رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فظلم نفسه بهذا أعظم ظلم ، ثم لم يجيء إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم ليستغفر له ، فإن المجيء إليه ليستغفر له توبة وتنصُّل من الذنب ، وهذه كانت عادة الصحابة معه صلى الله عليه وسلم : أن أحدهم متى صدر منه ما يقتضي التوبة ، جاء إليه فقال : يا رسول الله فعلت كذا وكذا ، فاستغفر لي ، وكان هذا فرقاً بينهم وبين المنافقين .
فلما استأثر الله عز وجل بنبيه صلى الله عليه وسلم ونقله من بين أظهرهم إلى دار كرامته لم يكن أحد منهم قط يأتي إلى قبره ويقول يا رسول الله فعلت كذا وكذا فاستغفر لي ، ومن نقل هذا عن أحد منهم فقد جاهر بالكذب والبهت ، أَفَترى عَطَّلَ الصحابة والتابعون ، وهم خير القرون على الإطلاق ، هذا الواجب الذي ذم الله سبحانه من تخلف عنه ، وجعل التخلف عنه من أمارات النفاق ، ووُفِّق له من لا يؤبه له من الناس ، ولا يعد في أهل العلم ؟! وكيف أغفل هذا الأمر أئمة الإسلام وهداة الأنام ، من أهل الحديث والفقه والتفسير ، ومن لهم لسان صدق في الأمة ، فلم يدعوا إليه ولم يحضوا عليه ، ولم يرشدوا إليه ، ولم يفعله أحد منهم البتة .. "
"الصارم المنكي" (ص 425-426) ط الأنصاري . وينظر : "تفسير الطبري" (8 /517) ، "تفسير السعدي" (ص 184) .

ثانيا :
قصة العتبي المذكورة قصة واهية لا يصح سندها ولا يحتج بها ، إنما يحتج بها من يريد صرف الناس عن دينهم وإخراجهم عن شريعة ربهم بحكاية باطلة وقصة واهية .
رواها البيهقي في "الشعب" (6/60/3880) فقال :
أَخْبَرَنَا أَبُو عَلِيٍّ الرُّوذْبَارِيُّ، حَدَّثَنَا عَمْرُو بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ عَمْرِو بْنِ الْحُسَيْنِ بْنِ بَقِيَّةَ، إِمْلَاءً، حَدَّثَنَا شُكْرٌ الْهَرَوِيُّ، حَدَّثَنَا يَزِيدٌ الرَّقَاشِيُّ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ رَوْحِ بْنِ يَزِيدَ الْبَصْرِيِّ، حَدَّثَنِي أَبُو حَرْبٍ الْهِلَالِيُّ، قَالَ: حَجَّ أَعْرَابِيٌّ فَلَمَّا جَاءَ إِلَى بَابِ مَسْجِدِ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَاخَ رَاحِلَتَهُ فَعَقْلَهَا ثُمَّ دَخَلَ الْمَسْجِدَ حَتَّى أَتَى الْقَبْرَ وَوَقَفَ بِحِذَاءِ وَجْهِ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقَالَ:"" بِأَبِي أَنْتَ وَأُمِّي يَا رَسُولَ اللهِ جِئْتُكَ مُثْقَلًا بالذُّنُوبِ وَالْخَطَايَا مُسْتَشْفِعًا بِكَ عَلَى رَبِّكَ لِأَنَّهُ قَالَ فِي مُحْكَمِ كِتَابِهِ {وَلَوْ أَنَّهُمْ إِذْ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ جَاءُوكَ فَاسْتَغْفَرُوا اللهَ وَاسْتَغْفَرَ لَهُمُ الرَّسُولُ لَوَجَدُوا اللهَ تَوَّابًا رَحِيمًا}، وَقَدْ جِئْتُكَ بِأَبِي أَنْتَ وَأُمِّي مُثْقَلًا بالذُّنُوبِ وَالْخَطَايَا أَسْتَشْفِعُ بِكَ عَلَى رَبِّكَ أَنْ يَغْفِرَ لِي ذُنُوبِي وَأَنْ تَشْفَعَ فِيَّ ثُمَّ أَقْبَلَ فِي عَرْضِ النَّاسِ، وَهُوَ يَقُولُ:
[البحر البسيط]
يَا خَيْرَ مَنْ دُفِنَتْ فِي التُّرْبِ أَعْظُمُهُ ... فَطَابَ مِنْ طِيبِهِ الْأَبْقَاعُ وَالْأَكَمُ
نَفْس الْفِدَاءُ بقَبْرٍ أَنْتَ سَاكِنُهُ ... فِيهِ الْعَفَافُ وَفِيهِ الْجُودُ وَالْكَرَمُ
وَفِي غَيْرِ هَذِهِ الرِّوَايَةِ فَطَابَ مِنْ طِيبِهِ الْقِيعَانُ، وَالْأَكَمُ " انتهى .
قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله :
" ولهذا استحب طائفة من متأخري الفقهاء من أصحاب الشافعي وأحمد مثل ذلك ، واحتجوا بهذه الحكاية التي لا يثبت بها حكم شرعي ، لا سيما في مثل هذا الأمر الذي لو كان مشروعا مندوبا : لكان الصحابة والتابعون أعلم به ، وأعمل به من غيرهم ، بل قضاء حاجة مثل هذا الأعرابي وأمثاله لها أسباب قد بسطت في غير هذا الموضع ؛ وليس كل من قضيت حاجته بسبب يقتضي أن يكون السبب مشروعًا مأمورًا به ، فقد كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يُسأل في حياته المسألة فيعطيها ، لا يرد سائلا، وتكون المسألة محرمة في حق السائل " انتهى من "اقتضاء الصراط المستقيم" (1/289) .

وقال الإمام الحافظ أبو محمد بن عبد الهادي رحمه الله :
" وهذه الحكاية التي ذكرها بعضهم يرويها عن العتبي ، بلا إسناد ، وبعضهم يرويها عن محمد بن حرب الهلالي ، وبعضهم يرويها عن محمد بن حرب عن أبي الحسن الزعفراني ، عن الأعرابي ، وقد ذكرها البيهقي في كتاب شعب الإيمان بإسناد مظلم ، عن محمد بن روح بن يزيد بن البصري ، حدثني أبو حرب الهلالي قال: حج أعرابي فلما جاء إلى باب مسجد رسول الله صلى الله عليه وسلم أناخ راحلته فعقلها ، ثم دخل المسجد حتى أتى القبر ، ثم ذكر نحو ما تقدم ، وقد وضع لها بعض الكذابين إسناداً إلى علي بن أبي طالب رضي الله عنه كما سيأتي ذكره .
وفي الجملة : ليست هذه الحكاية المنكورة عن الأعرابي مما يقوم به حجة ، وإسنادها مظلم مختلق ، ولفظها مختلق أيضاً ، ولو كانت ثابتة لم يكن فيها حجة على مطلوب المعترض ، ولا يصلح الاحتجاج بمثل هذه الحكاية ، ولا الاعتماد على مثلها عند أهل العلم وبالله التوفيق" انتهى من "الصارم المنكي في الرد على السبكي" (338) ط الأنصاري .

وقال الشيخ الألباني رحمه الله :
" وهذا إسناد ضعيف مظلم ، لم أعرف أيوب الهلالي ولا من دونه . وأبو يزيد الرقاشي ، أورده الذهبي في " المقتنى في سرد الكنى " ( 2 / 155 ) ولم يسمه ، وأشار إلى أنه لا يعرف بقوله : " حكى شيئا " . وأرى أنه يشير إلى هذه الحكاية .
وهي منكرة ظاهرة النكارة ، وحسبك أنها تعود إلى أعرابي مجهول الهوية ! و قد ذكرها - مع الأسف - الحافظ ابن كثير عند تفسيره لهذه الآية : ( ولو أنهم إذ ظلموا أنفسهم .. ) وتلقفها منه كثير من أهل الأهواء والمبتدعة ، مثل الشيخ الصابوني ، فذكرها برمتها في " مختصره " ! ( 1 / 410 ) وفيها زيادة في آخرها : " ثم انصرف الأعرابي ، فغلبتني عيني ، فرأيت النبي صلى الله عليه وسلم في النوم ، فقال : يا عتبي ! الحق الأعرابي فبشره أن الله قد غفر له " . وهي في " ابن كثير " غير معزوة لأحد من المعروفين من أهل الحديث ، بل علقها على " العتبي " ، وهو غير معروف إلا في هذه الحكاية ، ويمكن أن يكون هو أيوب الهلالي في إسناد البيهقي . وهي حكاية مستنكرة ، بل باطلة ، لمخالفتها الكتاب والسنة ، ولذلك يلهج بها المبتدعة ، لأنها تجيز الاستغاثة بالنبي صلى الله عليه وسلم ، وطلب الشفاعة منه بعد وفاته ، وهذا من أبطل الباطل ، كما هو معلوم ، وقد تولى بيان ذلك شيخ الإسلام ابن تيمية في كتبه وبخاصة في " التوسل والوسيلة " ، وقد تعرض لحكاية العتبي هذه بالإنكار " انتهى .
"السلسلة الصحيحة" (6 /427)

ويقول الشيخ صالح آل الشيخ حفظه الله :
" أقول : أولا : مادام أنها ليست من سنة الرسول صلى الله عليه وسلم ولا فعل خلفائه الراشدين ، وصحابه المكرمين ، ولا من فعل التابعين والقرون المفضلة ، وإنما هي مجرد حكاية عن مجهول ، نقلت بسند ضعيف فكيف يحتج بها في عقيدة التوحيد الذي هو أصل الأصول؟! وكيف يحتج بها وهي تعارض الأحاديث الصحيحة التي نهى فيها عن الغلو في القبور والغلو في الصالحين عموماً ، وعن الغلو في قبره والغلو فيه صلى الله عليه وسلم خصوصاً؟!
وأما من نقلها من العلماء أو استحسنها فليس ذلك بحجة تعارض بها النصوص الصحيحة وتخالف من أجلها عقيدة السلف ، فقد يخفى على بعض العلماء ما هو واضح لغيرهم ، وقد يخطئون في نقلهم ورأيهم وتكون الحجة مع من خالفهم ، وما دمنا قد علمنا طريق الصواب فلا شأن لنا بما قاله فلان أو حكاه فلان ، فليس ديننا مبنياً على الحكايات والمنامات ، وإنما هو مبني على البراهين الصحيحة .
ثانيا : قد تخفى بعض المسائل والمعاني على من خلع الأنداد وتبرأ من الشرك وأهله ، كما قال بعض الصحابة " اجعل لنا ذات أنواط كما لهم ذات أنواط" فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : "الله أكبر إنها السنن قلتم والذي نفسي بيده ما قاله أصحاب موسى ( اجْعَلْ لَنَا إِلَهاً كَمَا لَهُمْ آلِهَةٌ ) ". حديث صحيح.
والحجة في هذا أن هؤلاء الصحابة وإن كانوا حديثي عهد بكفر فهم دخلوا في الدين بلا إله إلا الله، وهي تخلع الأنداد وأصناف الشرك وتوحد المعبود ، فمع ذلك ومع معرفة قائليها الحقة بمعنى لا إله إلا الله ، خفي عليهم بعض المسائل من أفرادها . وإنما الشأن أنه إذا وضح الدليل وأبينت الحجة فيجب الرجوع إليها والتزامها، والجاهل قد يعذر ، كما عذر أولئك الصحابة في قولهم : اجعل لنا ذات أنواط ، وغيرهم من العلماء أولى باحتمال أن يخفى عليهم بعض المسائل ولو في التوحيد والشرك .
ثالثا : كيف يتجاسر أحد أن يعارض نصوص كتاب الله ، وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم بقول حكاه حاكٍ مستحسناً له ، والله سبحانه يقول : ( فَلْيَحْذَرِ الَّذِينَ يُخَالِفُونَ عَنْ أَمْرِهِ أَن تُصِيبَهُمْ فِتْنَةٌ أَوْ يُصِيبَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ ) النور/ 63 .
قال الإمام أحمد : عجبتُ لقومٍ عرفوا الإسناد وصحته يذهبون إلى رأي سفيان ، والله تعالى يقول : ( فَلْيَحْذَرِ الَّذِينَ يُخَالِفُونَ عَنْ أَمْرِهِ أَن تُصِيبَهُمْ فِتْنَةٌ ) ، أتدري ما الفتنة؟ الفتنة: الشرك، لعله إذا رد بعض قوله أن يقع في قلبه شيء من الزيغ فيهلك .
فطاعة رسول الله صلى الله عليه وسلم مقدمة على طاعة كل أحد ، وإن كان خير هذه الأمة أبا بكر وعمر ، كما قال ابن عباس: يوشك أن تنزل عليكم حجارة من السماء أقول : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وتقولون: قال أبو بكر وعمر .
فكيف لو رأى ابن عباس هؤلاء الناس الذين يعارضون السنة الثابتة ، والحجة الواضحة بقول أعرابي في قصة العتبي الضعيفة المنكرة .
إن السنة في قلوب محبيها أعظم وأغلى من تلك الحجج المتهافتة التي يدلي بها صاحب المفاهيم البدعية ، تلك المفاهيم المبنية على المنامات والمنكرات . فاعجب لهذا ، وجرد المتابعة لرسول الله صلى الله عليه وسلم ، وحذارِ ثم حذارِ من أن ترد الأحاديث الصحيحة، وتؤمن بالأخبار الباطلة الواهية ، فيوشك بمن فعل ذلك أن يقع في قلبه فتنة فيهلك .
رابعا :
ما من عالم إلا ويرد عليه في مسائل اختارها : إما عن رأي أو عن ضعف حجة ، وهم معذورون قبل إيضاح المحجة بدلائلها ، ولو تتبع الناس شذوذات المجتهدين ورخصهم لخرجوا عن دين الإسلام إلى دين آخر ، كما قيل: من تتبع الرخص تزندق . ولو أراد مبتغي الفساد والعدول عن الصراط أن يتخذ له من رخصهم سلماً يرتقي به إلى شهواته ، لكان الواجب على الحاكم قمعه وصده وتعزيره ، كما هو مشهور في فقه الأئمة الأربعة وغيرهم .
وما ذكر فقيه أن من أحال لتبرير جرمه على قول عالم عُلِمَ خطؤه فيه ، أنه يقبل منه ولا يؤخذ بالعتاب " انتهى من "هذه مفاهيمنا" (ص 81-83) .
ثالثا :
لا شك أن الحافظ ابن كثير رحمه الله من علماء المسلمين وأئمتهم المعروف عنهم صحة الاعتقاد وسلامة المنهج ، ولكن ذكره للقصة في تفسيره لا يعني احتجاجه بها ، وإنما ذلك من جنس ما يذكره من الإسرائيليات والأخبار المنقطعة التي جرت عادة أهل العلم بنقلها وروايتها لمناسبتها للباب ، دون أن يكون مجرد ذلك دليلا على احتجاجهم بها ، حتى يصرحوا بذلك ؛ فليس صحيحا أنه ما ذكرها إلا ليستدل بها على صحة التوسل .
قال الشيخ صالح آل الشيخ :
" وابن كثير لم يروها ، وإنما قال في "تفسيره" : " ذكر جماعة منهم الشيخ أبو منصور الصباغ في كتابه الشامل الحكاية المشهورة عن العتبي ... " وما هذه برواية ، وإنما هو نقل .
وابن قدامة في "المغني" لم يروها ، وإنما حكاها بصيغة التضعيف (3/557) فقال : " ويروى عن العتبي ... " . وليست هذه رواية ، إنما نقل بصيغة التمريض وهي تفيد التضعيف " انتهى "هذه مفاهيمنا" (ص 80-81) .

والله أعلم .

موقع الإسلام سؤال وجواب

الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
 
الجواب عن قصة العتبي المروية في التوسل بالنبي صلى الله عليه وسلم
الرجوع الى أعلى الصفحة 
صفحة 1 من اصل 1
 مواضيع مماثلة
-
»  لا يستغاث بالنبي صلى الله عليه وسلم
»  بشارات الكتاب المقدس بالنبي محمد صلى الله عليه وسلم
» لماذا يمنع بعض أهل العلم من التوسل بجاه النبي صلى الله عليه وسلم ؟
»  وسواس شيطاني بالنبي صلى عليه وسلم... ماذا أفعل؟
»  التوسل بالنبي - محمد عبد الباعث

صلاحيات هذا المنتدى:لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى
اسلام ويب :: ۩✖ منتدي الاسلاميات العامه ۩✖ :: الدعاء والتضـرع لله :: أدعية لا تصــــح-
انتقل الى: