اسلام ويب
هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.



 
الرئيسيةأحدث الصورالتسجيلدخول

من فقه الدعاء يقول سيدنا عمر بن الخطاب - رضي الله عنه -: "أنا لا أحمل همَّ الإجابة، وإنما أحمل همَّّ الدعاء، فإذا أُلهمت الدعاء كانت الإجابة معه". وهذا فهم عميق أصيل ، فليس كل دعاء مجابًا، فمن الناس من يدعو على الآخرين طالبًا إنزال الأذى بهم ؛ لأنهم ينافسونه في تجارة ، أو لأن رزقهم أوسع منه ، وكل دعاء من هذا القبيل ، مردود على صاحبه لأنه باطل وعدوان على الآخرين. والدعاء مخ العبادة ، وقمة الإيمان ، وسرّ المناجاة بين العبد وربه ، والدعاء سهم من سهام الله ، ودعاء السحر سهام القدر، فإذا انطلق من قلوب ناظرة إلى ربها ، راغبة فيما عنده ، لم يكن لها دون عرش الله مكان. جلس عمر بن الخطاب يومًا على كومة من الرمل ، بعد أن أجهده السعي والطواف على الرعية ، والنظر في مصالح المسلمين ، ثم اتجه إلى الله وقال: "اللهم قد كبرت سني ، ووهنت قوتي ، وفشت رعيتي ، فاقبضني إليك غير مضيع ولا مفتون ، واكتب لي الشهادة في سبيلك ، والموت في بلد رسولك". انظر إلى هذا الدعاء ، أي طلب من الدنيا طلبه عمر، وأي شهوة من شهوات الدنيا في هذا الدعاء ، إنها الهمم العالية ، والنفوس الكبيرة ، لا تتعلق أبدًا بشيء من عرض هذه الحياة ، وصعد هذا الدعاء من قلب رجل يسوس الشرق والغرب ، ويخطب وده الجميع ، حتى قال فيه القائل: يا من رأى عمرًا تكسوه بردته ** والزيت أدم له والكوخ مأواه يهتز كسرى على كرسيه فرقًا ** من بأسه وملوك الروم تخشاه ماذا يرجو عمر من الله في دعائه ؟ إنه يشكو إليه ضعف قوته ، وثقل الواجبات والأعباء ، ويدعو ربه أن يحفظه من الفتن ، والتقصير في حق الأمة ، ثم يتطلع إلى منزلة الشهادة في سبيله ، والموت في بلد رسوله ، فما أجمل هذه الغاية ، وما أعظم هذه العاطفة التي تمتلئ حبًا وحنينًا إلى رسول الله - صل الله عليهلم -: (أن يكون مثواه بجواره). يقول معاذ بن جبل - رضي الله عنه -: "يا بن آدم أنت محتاج إلى نصيبك من الدنيا ، وأنت إلى نصيبك من الآخرة أحوج ، فإن بدأت بنصيبك من الآخرة ، مرّ بنصيبك من الدنيا فانتظمها انتظامًا ، وإن بدأت بنصيبك من الدنيا ، فائت نصيبك من الآخرة ، وأنت من الدنيا على خطر). وروى الترمذي بسنده عن النبي - صل الله عليهلم -: أنه قال: ((من أصبح والآخرة أكبر همه جمع الله له شمله ، وجعل غناه في قلبه ، وأتته الدنيا وهي راغمة ، ومن أصبح والدنيا أكبر همه فرَّق الله عليه ضيعته ، وجعل فقره بين عينيه ولم يأته من الدنيا إلا ما كُتب له)). وأخيرًا .. أرأيت كيف أُلهم عمر الدعاء وكانت الإجابة معه ، وصدق الله العظيم إذ يقول: (وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ فَلْيَسْتَجِيبُوا لِي وَلْيُؤْمِنُوا بِي لَعَلَّهُمْ يَرْشُدُونَ) (186)" (البقرة:186).


 

 عاشوراء يوم النصر العظيم

اذهب الى الأسفل 
كاتب الموضوعرسالة


avatar


نقــاط : 99310
عاشوراء يوم النصر العظيم Oooo14
عاشوراء يوم النصر العظيم User_o10

عاشوراء يوم النصر العظيم Empty
مُساهمةموضوع: عاشوراء يوم النصر العظيم   عاشوراء يوم النصر العظيم Emptyالجمعة 15 نوفمبر 2013 - 18:43

عاشوراء يوم النصر العظيم
الكاتب: مدير الموقع

د.عبد العزيز بن فوزان بن صالح الفوزان

الصراع بين الحق والباطل وبين أولياء الرحمن وأولياء الشيطان قديم قدم البشرية ذاتها، ولا يزال مستعراً مشبوباً إلى قيام الساعة، وهذه سنة الله في خلقه، وهي مقتضى حكمته ورحمته، قال الله عز وجل: (( الَّذِينَ آمَنُوا يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَالَّذِينَ كَفَرُوا يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ الطَّاغُوتِ فَقَاتِلُوا أَوْلِيَاءَ الشَّيْطَانِ إِنَّ كَيْدَ الشَّيْطَانِ كَانَ ضَعِيفًا ))[النساء:76].

وقال تعالى: (( ذَلِكَ وَلَوْ يَشَاءُ اللَّهُ لانتَصَرَ مِنْهُمْ وَلَكِنْ لِيَبْلُوَ بَعْضَكُمْ بِبَعْضٍ ))[محمد:4].

فالله تعالى قادر على أن يهلك الظالمين في لحظة، ويأخذهم على حين غرة، ولكنه ابتلى بهم عباده المؤمنين؛ ليكشف معادنهم، ويمتحن صدقهم وصبرهم، وجهادهم وبذلهم، فبالابتلاء يتميز المؤمن الصادق من الدعي المنافق, ويتبين المجاهد العامل من القاعد الخامل.

ولقد قصَّ الله لنا فصولاً كثيرة من هذا الصراع بين المؤمنين والكافرين، ومن هذه القصص العظيمة: قصة موسى عليه الصلاة والسلام مع فرعون مصر في عهده، التي تكرر ذكرها في القرآن فيما يقارب ثلاثين موضعاً، وهي أكثر القَصص القرآني تكراراً؛ وذلك لمشابهتها لما كان يعانيه الرسول صلى الله عليه وسلم من صناديد قريش وفراعين هذه الأمة, ولما فيها من التسلية والتأسية له وللمؤمنين، حينما يشتد عليهم أذى الكفار والمنافقين، ولما اشتملت عليه من العظات البالغة، والدروس والحكم الباهرة، والحجج والآيات القاطعة.

وتبدأ قصة موسى مع فرعون منذ أن كان موسى حملاً في بطن أمه، فقد قيل لفرعون: إن مولوداً من بني إسرائيل سيولد، وسيكون على يديه هلاكك وزوال ملكك.

وإسرائيل هو يعقوب بن إسحاق بن إبراهيم عليهم الصلاة والسلام، وقد نزح إسرائيل وأولاده من الشام إلى مصر في عهد يوسف بن يعقوب عليهما السلام، وكان عددهم آنذاك ثمانين شخصاً، ثم لم يزل عددهم ينمو ونسلهم يتكاثر حتى بلغوا في عهد فرعون الطاغية ستمائة ألف إنسان.

وعندما أخبر فرعون أن زوال ملكه سيكون على يد غلام من بني إسرائيل أصدر أوامره بقتل أبنائهم واستحياء نسائهم، حذراً من وجود هذا الغلام -ولن يغني حذر من قدر- (( وَاللَّهُ غَالِبٌ عَلَى أَمْرِهِ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لا يَعْلَمُونَ ))[يوسف:21] واحترز فرعون كل الاحتراز ألا يوجد هذا الغلام، حتى جعل رجالاً وقابلات يدورون على النساء الحوامل، ويعلمون ميقات وضعهن، فلا تلد امرأة ذكراً إلا ذبحه من ساعته.

وكان هارون عليه السلام قد ولد قبل بدء هذه المحنة، فأنجاه الله من كيد فرعون، وأما موسى عليه السلام فإنه لما حملت به أمه حرصت على إخفاء حملها خوفاً عليه من القتل، وكان خوفها عليه يزداد مع مرور الأيام وقرب وقت المخاض، ولما وضعته ذكراً ضاقت به ذرعاً، وضاقت عليها الأرض بما رحبت، وركبها من الهم والخوف ما لا يعلمه إلا الله، وكان خوفها عليه أضعاف أضعاف فرحها بقدومه، ولكن الله جلّ وعلا ألهمها بما يثبت به فؤادها، كما قال تعالى: (( وَأَوْحَيْنَا إِلَى أُمِّ مُوسَى أَنْ أَرْضِعِيهِ فَإِذَا خِفْتِ عَلَيْهِ فَأَلْقِيهِ فِي الْيَمِّ وَلا تَخَافِي وَلا تَحْزَنِي إِنَّا رَادُّوهُ إِلَيْكِ وَجَاعِلُوهُ مِنَ الْمُرْسَلِينَ ))[القصص:7].

فاستجابت أم موسى لهذا الإلهام، وصنعت لابنها صندوقاً، وألقته في نهر النيل، حيث كانت دارها مجاورة له، ألقته في النهر وكأنما ألقت معه عقلها وقلبها، فأصبح صدرها خالياً من الطمأنينة، خالياً من الراحة والاستقرار، ولولا أن الله ربط على قلبها بالإيمان، وشد عزمها باليقين، لكشفت السر وأفسدت التدبير (( وَأَصْبَحَ فُؤَادُ أُمِّ مُوسَى فَارِغًا إِنْ كَادَتْ لَتُبْدِي بِهِ لَوْلا أَنْ رَبَطْنَا عَلَى قَلْبِهَا لِتَكُونَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ ))[القصص:10].

ويمضي الموج بالوليد الضعيف داخل الصندوق، يحفه الله بعنايته، ويكلؤه بحفظه ورعايته، حتى بلغ قصر فرعون، فالتقطه آل فرعون، ولما فتحوا التابوت وجدوا فيه ذلك الغلام الضعيف. ولكن رب الأرباب، ومالك القلوب والألباب، يلقي في قلب آسية زوجة فرعون فيضاً من الرحمة والرأفة والحنان، على هذا الطفل الرضيع: (( وَقَالَتِ امْرَأَةُ فِرْعَوْنَ قُرَّةُ عَيْنٍ لِي وَلَكَ لا تَقْتُلُوهُ عَسَى أَنْ يَنفَعَنَا أَوْ نَتَّخِذَهُ وَلَدًا وَهُمْ لا يَشْعُرُونَ ))[القصص:9].

وكانت آسية عاقراً لا تلد، وقوله تعالى: (( وَهُمْ لا يَشْعُرُونَ ))[القصص:9] أي: كدناهم هذا الكيد، وجعلناهم يلتقطون موسى ليكون لهم عدواً وحزناً وهم لا يشعرون، وقد أنالها الله ما رجت منه من النفع والخير, فهداها الله بسببه، وجعلها من أهل جواره وجنته.

ولكن هذا الطفل المحفوف بعناية الله يفاجئوهم بأنه لا يقبل ثدي امرأة ليرضع، فحاروا في أمره، واجتهدوا في تغذيته بكل ممكن، وهو لا يزداد إلا رفضاً واستعصاء، ولا يزيدهم إلا عنتاً وحيرة، وبينما هم كذلك، إذ بأخته تقبل عليهم، وكانت أمها قد أمرتها بأن تتابع أخاها وهو في الصندوق، وأن تقفو أثره، لتعلم مستقره، وتستطلع خبره: (( وَقَالَتْ لِأُخْتِهِ قُصِّيهِ فَبَصُرَتْ بِهِ عَنْ جُنُبٍ وَهُمْ لا يَشْعُرُونَ * وَحَرَّمْنَا عَلَيْهِ الْمَرَاضِعَ مِنْ قَبْلُ فَقَالَتْ هَلْ أَدُلُّكُمْ عَلَى أَهْلِ بَيْتٍ يَكْفُلُونَهُ لَكُمْ وَهُمْ لَهُ نَاصِحُونَ ))[القصص:11-12]، ففرحوا بذلك فرحاً شديداً، وذهبوا معها إلى منزلهم، فلما رأته أمه ما كادت تصدق عينيها، فأخذته وضمته إلى صدرها وألقمته ثديها، فأخذ يرضع بنهم شديد، وهم في غاية الدهشة والسرور، وهكذا يأبى الله عزّ وجل إلا أن يحمل آل فرعون هذا الوليد إلى أمه التي خافت عليه منهم، ثم يعطوها مع ذلك أجرة إرضاعها له، ويتعهدوا وليدها بالتربية والرعاية، قال الله تعالى: (( فَرَدَدْنَاهُ إِلَى أُمِّهِ كَيْ تَقَرَّ عَيْنُهَا وَلا تَحْزَنَ وَلِتَعْلَمَ أَنَّ وَعْدَ اللَّهِ حَقٌّ وَلَكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لا يَعْلَمُونَ ))[القصص:13].

وما زالت الأيام تمضي، والأعوام تترى، وكبر موسى وبلغ أشده، وآتاه الله حكماً وعلماً، فصار يأمر وينهى، ويقول فيسمع، ويشفع فيشفع، ولا غرو فهو ابن فرعون بالتبني، وهو ربيبه وواحد من أهل بيته، قال الله تعالى: (( وَلَمَّا بَلَغَ أَشُدَّهُ آتَيْنَاهُ حُكْمًا وَعِلْمًا وَكَذَلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ ))[يوسف:22]. وبعد حين وقع في محنة عظيمة، حيث قتل رجلاً من قوم فرعون ما كان يريد قتله، وتخوف من الطلب، ففر هارباً إلى أرض مدين، ولبث فيهم عشر سنين، تزوج في أثنائها، ثم عاد إلى أرض مصر مع أهله، وفي الطريق إليها أكرمه الله برسالته، وأوحى إليه بوحيه، وكلمه كفاحاً من غير واسطة ولا ترجمان، وأرسله إلى فرعون بالآيات القاطعات والسلطان المبين، ولكن فرعون عاند وكابر، (( فَكَذَّبَ وَعَصَى * ثُمَّ أَدْبَرَ يَسْعَى * فَحَشَرَ فَنَادَى * فَقَالَ أَنَا رَبُّكُمُ الأَعْلَى ))[النازعات:21-24] وادّعى أن ما جاء به موسى سحر، وأن عنده من السحر ما يبطله، وجمع السحرة من جميع أنحاء مملكته، فألقوا ما عندهم من السحر، (( فَلَمَّا أَلْقَوْا قَالَ مُوسَى مَا جِئْتُمْ بِهِ السِّحْرُ إِنَّ اللَّهَ سَيُبْطِلُهُ إِنَّ اللَّهَ لا يُصْلِحُ عَمَلَ الْمُفْسِدِينَ * وَيُحِقُّ اللَّهُ الْحَقَّ بِكَلِمَاتِهِ وَلَوْ كَرِهَ الْمُجْرِمُونَ ))[يونس:81-82].

(( فَأَلْقَى مُوسَى عَصَاهُ فَإِذَا هِيَ تَلْقَفُ مَا يَأْفِكُونَ ))[الشعراء:45]، (( فَوَقَعَ الْحَقُّ وَبَطَلَ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ * فَغُلِبُوا هُنَالِكَ وَانقَلَبُوا صَاغِرِينَ ))[الأعراف:118-119] ، (( وَأُلْقِيَ السَّحَرَةُ سَاجِدِينَ * قَالُوا آمَنَّا بِرَبِّ الْعَالَمِينَ * رَبِّ مُوسَى وَهَارُونَ ))[الأعراف:120-122].

ولما انقطعت حجة فرعون، وخاب كيده، وانكشف باطله وزيفه، لجأ إلى القوة والبطش، والتعذيب والتنكيل، والملاحقة والتشريد، وإرهاب الناس بالنار والحديد، إنه منطق الطغيان العاتي، كلما أعوزته الحجة، وخذله البرهان، وخاف أن يظهر الحق، ويتمكن أهله وروّاده.

ثم أرسل الله عز وجل على فرعون وقومه آيات عجيبة وعقوبات متنوعة: من الطوفان، والجراد، والقمل، والضفادع، والدم، (( وَمَا يَعْلَمُ جُنُودَ رَبِّكَ إِلَّا هُوَ وَمَا هِيَ إِلَّا ذِكْرَى لِلْبَشَرِ ))[المدثر:31] ، ولكنها والعياذ بالله لم تزدهم إلا عناداً واستكباراً، وظلماً وعدواناً، يقول الله تعالى: (( فَأَرْسَلْنَا عَلَيْهِمُ الطُّوفَانَ وَالْجَرَادَ وَالْقُمَّلَ وَالضَّفَادِعَ وَالدَّمَ آيَاتٍ مُفَصَّلاتٍ فَاسْتَكْبَرُوا وَكَانُوا قَوْمًا مُجْرِمِينَ ))[الأعراف:133].

ولما تمادى فرعون في طغيانه وإيذائه لموسى ومن معه، أوحى الله إلى موسى أن يخرج بالمسلمين من أرض مصر ليلاً، فخرجوا قاصدين بلاد الشام.

فلما علم فرعون بخروجهم جمع جيشه، وجنّد جنوده من شتّى أنحاء مملكته ليلحقهم ويمحقهم في زعمه: (( فَأَرْسَلَ فِرْعَوْنُ فِي الْمَدَائِنِ حَاشِرِينَ * إِنَّ هَؤُلاءِ لَشِرْذِمَةٌ قَلِيلُونَ * وَإِنَّهُمْ لَنَا لَغَائِظُونَ * وَإِنَّا لَجَمِيعٌ حَاذِرُونَ ))[الشعراء:53-56].

فخرج فرعون وجنوده في أثرهم، حتى أدركهم عند البحر الأحمر، (( فَلَمَّا تَرَاءَى الْجَمْعَانِ قَالَ أَصْحَابُ مُوسَى إِنَّا لَمُدْرَكُونَ ))[الشعراء:61] فالبحر أمامهم، والعدو خلفهم!! فأجابهم موسى بلسان المؤمن الواثق بأن الله معه ولن يضيعه، وقال لهم بكل ثقة وثبات: (( كَلَّا إِنَّ مَعِيَ رَبِّي سَيَهْدِينِ ))[الشعراء:62]، فأوحى الله إليه أن اضرب بعصاك البحر، فضربه وهو يتلاطم بأمواجه، فانفلق بإذن الله اثني عشر طريقاً يابساً، وصار هذا الماء السيال، وتلك الأمواج العاتيات، كأطواد الجبال الراسيات، فانحدروا فيه مسرعين مستبشرين، ودخل فرعون وجنوده في أثرهم لاهثين سادرين، فلما جاوزه موسى وقومه، وتكاملوا خارجين، وتكامل فرعون وقومه داخلين، أطبقه الله عليهم وأغرقهم أجمعين: (( وَلَقَدْ أَوْحَيْنَا إِلَى مُوسَى أَنْ أَسْرِ بِعِبَادِي فَاضْرِبْ لَهُمْ طَرِيقًا فِي الْبَحْرِ يَبَسًا لا تَخَافُ دَرَكًا وَلا تَخْشَى * فَأَتْبَعَهُمْ فِرْعَوْنُ بِجُنُودِهِ فَغَشِيَهُمْ مِنَ الْيَمِّ مَا غَشِيَهُمْ * وَأَضَلَّ فِرْعَوْنُ قَوْمَهُ وَمَا هَدَى ))[طه:77-79].

وهذا هو مصير أعداء الله في كل حين، وتلك هي عاقبة المكذبين الضالين، وما ربك بظلام للعبيد، يقول الله تعالى: (( فَكُلًّا أَخَذْنَا بِذَنْبِهِ فَمِنْهُمْ مَنْ أَرْسَلْنَا عَلَيْهِ حَاصِبًا وَمِنْهُمْ مَنْ أَخَذَتْهُ الصَّيْحَةُ وَمِنْهُمْ مَنْ خَسَفْنَا بِهِ الأَرْضَ وَمِنْهُمْ مَنْ أَغْرَقْنَا وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيَظْلِمَهُمْ وَلَكِنْ كَانُوا أَنْفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ ))[العنكبوت:40].

ويستفاد من هذه القصة أيضاً: أن العاقبة للمتقين، والنصر حليفهم، متى ما تمسكوا بدينهم، واستنزلوا النصر من ربهم: (( وَمَا النَّصْرُ إِلَّا مِنْ عِنْدِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ ))[الأنفال:10]، (( إِنَّا لَنَنصُرُ رُسُلَنَا وَالَّذِينَ آمَنُوا فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَيَوْمَ يَقُومُ الأَشْهَادُ * يَوْمَ لا يَنفَعُ الظَّالِمِينَ مَعْذِرَتُهُمْ وَلَهُمُ اللَّعْنَةُ وَلَهُمْ سُوءُ الدَّارِ ))[غافر:51-52].

ويستفاد منها كذلك: أن الباطل مهما انتفخ وانتفش، وتجبّر وتغطرس، وظن أنه لا يمكن لأحد أن ينازعه، أو يردّ كيده وباطله، أو يهزم جنده وجحافله؛ فإن مصيره إلى الهلاك، وعاقبته هي الذلة والهوان، فهذا فرعون الطاغية بلغ به التكبر والغرور أن يدّعي الألوهية، وأن يعلن للناس بكل جرأة وصفاقة: (( مَا عَلِمْتُ لَكُمْ مِنْ إِلَهٍ غَيْرِي ))[القصص:38]، وأن يقول بملء فيه من غير حياء ولا مواربة: (( أَنَا رَبُّكُمُ الأَعْلَى ))[النازعات:24]، ثم يفتخر بقوته وسلطانه فيقول: (( يَا قَوْمِ أَلَيْسَ لِي مُلْكُ مِصْرَ وَهَذِهِ الأَنْهَارُ تَجْرِي مِنْ تَحْتِي أَفَلا تُبْصِرُونَ ))[الزخرف:51] ثم يحتقر موسى عليه السلام وهو النبي الصالح والداعية الناصح فيقول: (( أَمْ أَنَا خَيْرٌ مِنْ هَذَا الَّذِي هُوَ مَهِينٌ وَلا يَكَادُ يُبِينُ ))[الزخرف:52]، ولكنه حين حلّ به العذاب لم يغن عنه ملكه وسلطانه، ولا جنده وأعوانه، ولا تبجحه وادعاؤه: (( فَأَخَذَهُ اللَّهُ نَكَالَ الآخِرَةِ وَالأُولَى * إِنَّ فِي ذَلِكَ لَعِبْرَةً لِمَنْ يَخْشَى ))[النازعات:25-26].

فيا ترى متى وقع هذا الحدث العظيم، وتحقق هذا النصر المبين؟!! لقد كان ذلك في اليوم العاشر من هذا الشهر الكريم: شهر الله المحرم. فقد روى البخاري ومسلم عن عبد الله بن عباس رضي الله عنهما قال: { قدم رسول الله -صلى الله عليه وسلم المدينة فرأى اليهود تصوم عاشوراء، فقال: ما هذا اليوم الذي تصومونه؟ قالوا: هذا يوم عظيم، أنجى الله فيه موسى وقومه، وغرَّق فرعون وقومه، فصامه موسى شكراً فنحن نصومه، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: فنحن أحق وأولى بموسى منكم، فصامه رسول الله صلى الله عليه وسلم وأمر بصيامه }.

وقد كان صيام يوم عاشوراء واجباً قبل أن يفرض صيام رمضان، فلما فرض صيام رمضان أصبح صيام عاشوراء سنة مؤكدة، تقول حفصة رضي الله عنها: { أربع لم يكن رسول الله صلى الله عليه وسلم يدعهن: صيام عاشوراء، والعشر، وثلاثة أيام من كل شهر، وركعتان قبل الفجر }([1]).

وسئل ابن عباس رضي الله عنهما عن صيام عاشوراء؛ فقال: { ما علمت أن رسول الله صلى الله عليه وسلم صام يوماً يطلب فضله على الأيام إلا هذا اليوم }([2]). وبين النبي عليه الصلاة والسلام أن صيام هذا اليوم يكفر ذنوب سنة كاملة فقال: { صيام عاشوراء أحتسب على الله أن يكفر السنة التي قبله }([3]).

وروى مسلم أيضاً عن ابن عباس قال: { حين صام رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم عاشوراء وأمر بصيامه، قالوا: يا رسول الله! إنه يوم تعظمه اليهود والنصارى؟ فقال: فإذا كان العام القابل إن شاء الله صمت التاسع. فلم يأت العام المقبل حتى توفي رسول الله صلى الله عليه وسلم }.

وفي صحيح مسلم أيضاً: { خالفوا اليهود، صوموا يوماً قبله أو يوماً بعده }.

قال ابن القيم: (فمراتب صومه ثلاثة: أكملها: أن يصام قبله يوم وبعده يوم، ويلي ذلك: أن يصام التاسع والعاشر، وعليه أكثر الأحاديث، ويلي ذلك: إفراد العاشر وحده بالصوم) أ.هـ

وبناءً عليه، فإن إفراد العاشر وحده بالصوم جائز، وبه يحصل الأجر المذكور في تلك الأحاديث، والأكمل صيام التاسع والعاشر، أو العاشر والحادي عشر، حتى تحصل المخالفة لأهل الكتاب. وإن صمت يوماً قبله ويوماً بعده فهذا أحسن وأتم، حتى تستيقن صيام اليوم العاشر، خصوصاً إذا كان مشكوكاً في وقت دخول الشهر، ولأن السُّنة صيام ثلاثة أيام من كل شهر، كما أن الصيام في شهر محرم له خصوصية ومزية على ما سواه، فقد روى الإمام مسلم عن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: { أفضل الصيام بعد رمضان شهر الله المحرم، وأفضل الصلاة بعد الفريضة صلاة الليل }.

وإن وافق عاشوراء يوم الجمعة أو السبت فلا بأس بالصيام فيهما أو في أحدهما؛ لأن المنهي عنه هو إفراد الجمعة أو السبت بالصيام، لأجل أنه الجمعة أو السبت، أما إذا كان للصيام فيهما سبب شرعي يقتضيه، كيوم عاشوراء، أو يوم عرفة، ونحوهما فلا نهي حينئذ، ويشبه ذلك الصلاة في أوقات النهي إذا كان لها سبب شرعي.

ومن المفارقات العجيبة: ما حصل في هذا اليوم المبارك أيضاً من قتل سيد شباب أهل الجنة الحسين بن علي بن أبي طالب رضي الله عنه وعن أبيه وأمه وآل بيته، حيث قتل في فتنة عظيمة بين فئتين من المسلمين، وهي فتنة طهّر الله منها أيدينا فلا نخوض فيها بألسنتنا. ولكن الذي ينبغي التنبيه إليه هو أن ما يفعله بعض الشيعة في هذا اليوم من البكاء والنواح على قتل الحسين رضي الله عنه، وما يقومون به من تعذيب أنفسهم، وإسالة الدماء من وجوههم وصدورهم وظهورهم، والتقرب إلى الله بضرب أبدانهم بالسلاسل والسكاكين، ولطم خدودهم، ونتف شعورهم، ليس من الإسلام في شيء، وهو من البدع المحدثة، والمنكرات الظاهرة، ومن كبائر الذنوب التي تبرأ رسول الله صلى الله عليه وسلم من مرتكبيها، فقال: { ليس منا من ضرب الخدود، وشق الجيوب، ودعا بدعوى الجاهلية }([4]).

وعن أبي موسى رضي الله عنه { أن رسول الله صلى الله عليه وسلم برئ من الصالقة والحالقة والشاقة }([5]).

والصالقة: هي التي ترفع صوتها بالنياحة والندب، والحالقة: هي التي تحلق رأسها عند المصيبة، والشاقة: هي التي تشق ثوبها. فكل عمل يدل على الجزع والتسخط وعدم الرضا بقدر الله فإنه محرم، ويضاف إلى ذلك ما في هذه الأعمال البدعية المؤذية للأبدان من حماقة وسفاهة، وتشويه لصورة الإسلام، وتنفير لغير المسلمين من الدخول فيه، وقد رأينا بعض وسائل الإعلام العالمية المعادية، تحرص على نشر هذه الأعمال البدعية بالصوت والصورة، زاعمة بأن هذا هو الإسلام، وهذا ما يفعله المسلمون في هذا اليوم من كل عام!!

وأشنع من هذا ما يفعله بعض هؤلاء المبتدعة من لعن للصحابة الأبرار، وإعلان للبراءة منهم، وهذا لعمر الله من أعظم الضلال وأنكر المنكرات.

ويقابل هؤلاء فرقة أخرى، ناصبوا الحسين رضي الله عنه العداوة والبغضاء، فيتخذون هذا اليوم عيداً، ويظهرون فيه الفرح والسرور، ويلبسون الجديد، ويتبادلون الهدايا، ويصنعون أطعمة غير معتادة، وهذا كله من البدع المحدثة، والضلالات المنكرة، والبدعة لا تعالج بالبدعة، والخطأ لا يصحح بالخطأ.

قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله: (وقوم يستحبون الاكتحال والاغتسال، والتوسعة على العيال، واتخاذ أطعمة غير معتادة، وأصلها من المتعصبين بالباطل على الحسين رضي الله عنه، وكل بدعة ضلالة، ولم يستحب ذلك أحد من الأئمة الأربعة ولا غيرهم. ولا عند من استحب ذلك حجة شرعية، بل المستحب يوم عاشوراء الصيام عند جمهور أهل العلم) أ.هـ

فاتق الله أيها المسلم، وعليك بالسنة والجماعة، فإن يد الله مع الجماعة، ومن شذّ شذّ في النار، ولتعلم بأن منهج أهل السنة في الصحابة الكرام من آل البيت وغيرهم هو اعتقاد عدالتهم جميعاً، وأنهم أفضل هذه الأمة بعد رسولها صلى الله عليه وسلم، ولهذا اختارهم الله تعالى لصحبته ونصرته، وتبليغ هديه وسنته، ويدينون لله عز وجل بمحبتهم كلهم، والترضي عن جميعهم، ويسكتون عما شجر بينهم، وحصل لهم من الفتن والمحن، ويعتقدون أنهم جميعاً مجتهدون مريدون للحق، فمن أصاب منهم فله أجران، ومن أخطأ فله أجر واحد وخطؤه مغفور. وأن أخطاءهم مهما عظمت فإنها مغمورة في بحور حسناتهم، التي من أعظمها صحبتهم لرسول الله صلى الله عليه وسلم وجهادهم معه، رضي الله عنهم أجمعين، وجمعنا بهم في جنات النعيم. وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين.


([1]) رواه أحمد، والنسائي، وصححه الألباني.

([2]) متفق عليه.

([3]) رواه مسلم.

([4]) متفق عليه.

([5]) متفق عليه.
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
 
عاشوراء يوم النصر العظيم
الرجوع الى أعلى الصفحة 
صفحة 1 من اصل 1
 مواضيع مماثلة
-
»  النصر
» سورة النصر
»  أسباب النصر
» سورة النصر
» من معاني النصر

صلاحيات هذا المنتدى:لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى
اسلام ويب :: ۩✖ Known to the islam ۩✖ :: قسم الحـــوار الشيعــــي :: الشيعه عقائد وحقائق-
انتقل الى: