اسلام ويب
هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.



 
الرئيسيةأحدث الصورالتسجيلدخول

من فقه الدعاء يقول سيدنا عمر بن الخطاب - رضي الله عنه -: "أنا لا أحمل همَّ الإجابة، وإنما أحمل همَّّ الدعاء، فإذا أُلهمت الدعاء كانت الإجابة معه". وهذا فهم عميق أصيل ، فليس كل دعاء مجابًا، فمن الناس من يدعو على الآخرين طالبًا إنزال الأذى بهم ؛ لأنهم ينافسونه في تجارة ، أو لأن رزقهم أوسع منه ، وكل دعاء من هذا القبيل ، مردود على صاحبه لأنه باطل وعدوان على الآخرين. والدعاء مخ العبادة ، وقمة الإيمان ، وسرّ المناجاة بين العبد وربه ، والدعاء سهم من سهام الله ، ودعاء السحر سهام القدر، فإذا انطلق من قلوب ناظرة إلى ربها ، راغبة فيما عنده ، لم يكن لها دون عرش الله مكان. جلس عمر بن الخطاب يومًا على كومة من الرمل ، بعد أن أجهده السعي والطواف على الرعية ، والنظر في مصالح المسلمين ، ثم اتجه إلى الله وقال: "اللهم قد كبرت سني ، ووهنت قوتي ، وفشت رعيتي ، فاقبضني إليك غير مضيع ولا مفتون ، واكتب لي الشهادة في سبيلك ، والموت في بلد رسولك". انظر إلى هذا الدعاء ، أي طلب من الدنيا طلبه عمر، وأي شهوة من شهوات الدنيا في هذا الدعاء ، إنها الهمم العالية ، والنفوس الكبيرة ، لا تتعلق أبدًا بشيء من عرض هذه الحياة ، وصعد هذا الدعاء من قلب رجل يسوس الشرق والغرب ، ويخطب وده الجميع ، حتى قال فيه القائل: يا من رأى عمرًا تكسوه بردته ** والزيت أدم له والكوخ مأواه يهتز كسرى على كرسيه فرقًا ** من بأسه وملوك الروم تخشاه ماذا يرجو عمر من الله في دعائه ؟ إنه يشكو إليه ضعف قوته ، وثقل الواجبات والأعباء ، ويدعو ربه أن يحفظه من الفتن ، والتقصير في حق الأمة ، ثم يتطلع إلى منزلة الشهادة في سبيله ، والموت في بلد رسوله ، فما أجمل هذه الغاية ، وما أعظم هذه العاطفة التي تمتلئ حبًا وحنينًا إلى رسول الله - صل الله عليهلم -: (أن يكون مثواه بجواره). يقول معاذ بن جبل - رضي الله عنه -: "يا بن آدم أنت محتاج إلى نصيبك من الدنيا ، وأنت إلى نصيبك من الآخرة أحوج ، فإن بدأت بنصيبك من الآخرة ، مرّ بنصيبك من الدنيا فانتظمها انتظامًا ، وإن بدأت بنصيبك من الدنيا ، فائت نصيبك من الآخرة ، وأنت من الدنيا على خطر). وروى الترمذي بسنده عن النبي - صل الله عليهلم -: أنه قال: ((من أصبح والآخرة أكبر همه جمع الله له شمله ، وجعل غناه في قلبه ، وأتته الدنيا وهي راغمة ، ومن أصبح والدنيا أكبر همه فرَّق الله عليه ضيعته ، وجعل فقره بين عينيه ولم يأته من الدنيا إلا ما كُتب له)). وأخيرًا .. أرأيت كيف أُلهم عمر الدعاء وكانت الإجابة معه ، وصدق الله العظيم إذ يقول: (وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ فَلْيَسْتَجِيبُوا لِي وَلْيُؤْمِنُوا بِي لَعَلَّهُمْ يَرْشُدُونَ) (186)" (البقرة:186).


 

 الاندمـــــــاج‎

اذهب الى الأسفل 
كاتب الموضوعرسالة


avatar


نقــاط : 99225
الاندمـــــــاج‎ Oooo14
الاندمـــــــاج‎ User_o10

الاندمـــــــاج‎ Empty
مُساهمةموضوع: الاندمـــــــاج‎   الاندمـــــــاج‎ Emptyالخميس 13 يونيو 2013 - 7:15


الاندمـــــــاج‎

Assimilation

‎«‎الاندماج» هو تَبنِّي‎ ‎أعضاء الأقليات عادات الشعوب التي يعيشون في كنفها، وكذلك تراثها الحضاري من مأكل‎ ‎وملبس وطرق ‏تفكير ولغة، بحيث لا يختلفون في كثير من الوجوه عن بقية أعضاء المجتمع‎. ‎والاندماج عكس الانعزال، وهو مختلف عن ‏الانصهار (أي الذوبان الكامل في المجتمع‎ ‎المضيف أو مجتمع الأغلبية واختفاء أي شكل من أشكال الخصوصية). وأعضاء ‏الجماعات‎ ‎اليهودية، باندماجهم في محيطهم الحضاري وانصهارهم أحياناً أو بانعزالهم عنه أحياناً‎ ‎أخرى، لا يختلفـون عن بقـية ‏أعضـاء الأقليات والجماعات الإثنية، أو عن بقية البشر‎.



ولا يوجد قانون واحد يحكم ظاهرة اندماج أعضاء الجماعات اليهودية وانصهارهم‎ ‎أو انعزالهم، وبالتالي لا يمكن القول بأن ‏اليهود يميلون بطبيعتهم إلى الانعزال عمن‎ ‎حولهم. كما لا يمكن الأخذ بعكس ذلك، كأن نقول إن اليهود يميلون بطبيعتهم إلى‎ ‎الاندماج فيمن حولهم، وهكذا. ففي غياب حركيات تاريخية اجتماعية يهودية مستقلة، لابد‎ ‎من العودة إلى أُطر مرجعية مختلفة، ‏ومن ثم فإن من الضروري دراسة كل حالة على حدة‎ ‎بالإشارة إلى مرجعيتها التاريخية والثقافية غير اليهودية. ومع هذا، ‏سنحاول أن نصل‎ ‎في المداخل التالية إلى بعض التعميمات الفضفاضة بمقارنة الحالات المختلفة ومقارنة‎ ‎أوضاع الجماعات ‏اليهودية بجماعات وأقليات أخرى‎.



الاندمـــــــاج‎ ‎البنيـــوي‎

Structural Assimilation

‎«‎الاندماج البنيوي» هو الاندماج النابع‎ ‎من حركيات المجتمع وبنيته وظروفه الموضوعية، هذا في مقابل «الدمج المدني» وهو ‏إعطاء‎ ‎اليهود حقوقهم الدينية والسياسية والمدنية من خلال تشريعات وقوانين تصدرها الدولة‎ ‎وتشرف مؤسساتها على تنفيذها. ‏وينطبق هذا الاندماج المدني على معظم يهود العالم‎ ‎الغربي، أي أغلبية يهود العالم‎.



وتتم عمـلية الدمـج المدني على مسـتوى‎ ‎البنية الشـكلية السطحية، ولذا فهي لا تضرب بجذورها في الواقع المتعين، ومن ثم فهي‎ ‎مهددة بالاختفاء في أية لحظة. وقد حدث شيء مماثل في ألمانيا في ثلاثينيات هذا‎ ‎القرن. فأعضاء الجماعة اليهودية كانوا قد ‏حققوا درجات عالية من الاندماج المدني،‎ ‎بعد أن حصلوا على حقوقهم السياسية والدينية كافة، وبعد أن أُتيح لهم مختلف الوظائف‎ ‎وفتحت المؤسسات التعليمية أبوابها لهم. وقد تم ذلك بمقتضى القانون. ولكن حين وصل‎ ‎النظام النازي إلى الحكم، فقدوا كل هذه ‏الحقوق بسبب بنية المجتمع الألماني وعلاقة‎ ‎أعضاء الجماعة اليهودية بها، والتي أدت في نهاية الأمر، إلى وصول النازيين إلى ‏سدة‎ ‎الحكم‎.



ويمكن القول بأن آليات الدمج والعزل ليست مسألة ذاتية أو إرادية‎ ‎تماماً، وإنما مسألة لصيقة ببنية المجتمع، ومن ثم فهي قد ‏تتجاوز رغبة المؤسسة‎ ‎الحاكمة في دمج الأقلية أو عزلها، بل وتتجاوز موقف أعضاء الأقلية من عمليتي الدمج‎ ‎والعزل. فمن ‏المعروف أن الدولة الروسية القيصرية كانت راغبة تماماً في دمج اليهود،‎ ‎لأن هذا كان يخدم مصلحتها ويتفق مع رؤيتها. وبالفعل ‏أصدرت الدولة الروسية العديد من‎ ‎القوانين لحث اليهود على الاندماج. ولكن كانت هناك عناصر عديدة ذات طابع بنيوي تعوق‎ ‎عملية الدمج المدني مثل تَخلُّف وفساد البيروقراطية الروسية التي كانت تشرف على‎ ‎عملية الدمج. كما أن تَخلُّف أعضاء ‏الجماعات اليهودية لم يساعد كثيراً على عملية‎ ‎الدمج‎.



ولنضرب مثلاً آخر من كوبا. حينما استولت قوات كاسترو على الحكم،‎ ‎كانت الحكومة الثورية الجديدة متعاطفة تماماً مع أعضاء ‏الجماعة اليهودية، وأصدرت‎ ‎التشريعات اللازمة لمنحهم حقوقهم السياسـية والمدنية ولتهيئة الجـو اللازم لممارسـة‎ ‎الشـعائر ‏الدينية اليهودية. ولكن على المستوى البنيوي كان الاقتصاد الاشتراكي يضطر‎ ‎الحكومة لتأميم العديد من المصانع التي كان يمتلكها ‏أعضاء الجماعة اليهودية‎ ‎والاستيلاء على رؤوس أموالهم وتصفية كثير من الوظائف التي كانوا يشغلونها (فهم‎ ‎كانوا مرتبطين ‏بالاقتصاد القديم والمصالح الأمريكية). كل هذا يعني في واقع الأمر أن‎ ‎بنية المجتمع نفسها كانت تلفظهم، رغم كل المحاولات ‏المخلصة من جانب الحكومة الثورية‎ ‎أن تحافظ عليهم وتستفيد من خبراتهم‎.



وقد يكون من المفيد أن نتناول بعض‎ ‎آليات الاندماج والانعزال البنيويين فيما يلي‎:



‎1 - ‎يُلاحَظ حينما يتحـول‎ ‎أعضـاء الجـماعة الدينية إلى جماعة وظيفية، أي حينما يضطلعون بوظائف تتطلب نوعاً من‎ ‎الحياد ‏والانفصال عن المجتمع، أنهم يحققون أقل درجات الاندماج، إذ أن عُزلَتهم تصبح‎ ‎أمراً وظيفياً مطلوباً. ومثال ذلك، الجماعة ‏اليهودية في جزيرة إلفنتاين في مصر (قرب‎ ‎أسوان) والتي كانت تشكِّل جماعة وظيفية قتالية ابتداءً من عصر بسمتيك الثاني ‏‏(594‏‎ - 588 ‎ق.م)، وكذلك الجماعات اليهودية في الغرب والتي عمل بعض أعضائها أقنان بلاط في‎ ‎العصور الوسطى، وكذلك ‏يهود الأرندا في بولندا ابتداءً من القرن الخامس عشر حتى‎ ‎القرن التاسع عشر. وحينما يترك اليهود هذه الوظيفة، فإن الأسباب ‏الداعية إلى عزلتهم‎ ‎تنتفي ويبدأ أعضاء الجماعة في الاندماج في المجتمع بل والانصهار فيه، تماماً كما‎ ‎حدث في حالة يهود ‏الصين في مدينة كايفنج. ويمكن النظر إلى انخراط بعض يهود اليديشية‎ (‎من يهود شرق أوربا) في صفوف الطبقة العاملة ‏والوسطى داخل منطقة الاستيطان في روسيا‎ ‎في أواخر القرن التاسع عشر، أو تَحوُّل المهاجرين منهم في الولايات المتحدة إلى‎ ‎عمال ومهنيين وتجار في القرن العشرين، بوصفه تعبيراً عن هذه العملية التي يتحوَّل‎ ‎من خلالها أعضاء الجماعة الوظيفية ‏الوسيطة المنعزلة والتي توجد في مسام المجتمع إلى‎ ‎طبقة وسطى أو عاملة توجد في صلبه‎.



‎2 - ‎يبدو أن أعضاء الجماعات اليهودية‎ ‎حينما ينخرطون في صفوف المهن الحرة، فيعملون كأطباء ومحامين ومديرين وموظفين ‏كبار،‎ ‎تصبح معدلات الاندماج بينهم عالية للغاية شريطة وجود ظروف معينة أهمها ألا تكون‎ ‎المهنة مقصورة عليهم، وألا يعمل ‏بها أعداد كبيرة من أعضاء الجـماعة اليهـودية، وإلا‎ ‎تَحـوَّلوا إلى جـماعة وسيطة. فحينما تضم مهنة ما أعداداً كبيرة من أعضاء ‏الأغلبية،‎ ‎فإن الانتماء إلى المهنة والاستفادة بشبكة الاتصال التي يتم تَبادُل أسرار المهنة‎ ‎من خلالها سيتطلب التخلي عن كل ‏خصوصية قومية. وهذا ما حدث في الصين في كايفنج، حين‎ ‎انخرط اليهود في سلك طبقة الماندرين من كبار الموظفين من خلال ‏الامتحان الإمبراطوري‎ ‎في منتصف القـرن السابع عشر، فاندمجــوا فيهم وأصبحـوا صينيين تماماً. ونحن نرى أن‎ ‎ما يحدث ‏للجماعات اليهودية في الولايات المتحدة والاتحاد السوفيتي (سابقاً) هو من‎ ‎هذا القبيل. فأبناء العمال اليهود وأعضاء الطبقة ‏الوسطى يدخلون الجامعات بنسبة‎ ‎عالية ويتحولون إلى مهنيين وعلماء، وهنا فإن ولاءهم ينصرف إلى أعمالهم وبالتالي إلى‎ ‎جماعتهم الجديدة. كما أنهم جزءٌ لا يتجزأ من المجتمع في ثقافته ولغته، الأمر الذي‎ ‎يشجع اليهود على الاندماج الثقافي‎.



‎3 - ‎يُلاحَظ أنه إذا ظهرت الخصوصية،‎ ‎وظهر التَميُّز والتمايز على المسـتويات الدينية والاقتصادية والثقافية، تصبح درجة‎ ‎العزلة عالية للغاية، إذ تدعم العزلة الاقتصادية العزلة الدينية التي تقوم بدورها‎ ‎بإضفاء القداسة على العزلة الاقتصادية. وربما كان ‏وضع يهود الأرندا في أوكرانيا‎ ‎مثلاً متبلوراً يُجسِّد هذه الصورة، حيث كانوا يمثلون الإقطاع الاستيطاني البولندي‎ ‎في أوكرانيا، ‏ويعملون بالأمور المالية والتجارية في وسط زراعي فلاحي، ويتحدثون‎ ‎اليديشية والبولندية في وسط يتحدث الأوكرانية. كما ‏كانوا يهوداً يمثلون نخبة‎ ‎كاثوليكية في وسط أرثوذكسي، بل ويرتدون أزياء مختلفة عن تلك التي يرتديها الفلاحون،‎ ‎ويقصون ‏شعورهم بطريقة متميِّزة في شكل لحية وسوالف، وبالتالي لم تكن تربطهم علاقات‎ ‎قوية بالمجتمعات التي يعيشون بين ظهرانيها. ‏والصينيون، في جنوب آسيا، مَثَل آخر‎ ‎لهذا. وهذا يختلف عن تَميُّز الأقلية وتمايزهم على مستوى واحد فقط كما في حالة‎ ‎الأقلية ‏القبطية في مصر، فالتميز ديني وحسب (وحتى على هذا المستوى توجد أرضية‎ ‎مشتركة عريضة)، أما على المستويات الثقافية ‏والاقتصادية فهم جزء لا يتجزأ من‎ ‎التشكيل الحضاري العربي الإسلامي في مصر (يتحدثون العربية ولا يختلفون عن بقية‎ ‎أعضاء المجتمع في مأكلهم أو ملبسهم أو مشربهم‎).



‎4 - ‎يزداد مستوى العزلة‎ ‎والخصوصية إن كان هناك وطن أصلي يتبعه أعضاء الأقلية ويشكل النقطة المرجعية‎ ‎النهائية لهم ‏يستمدون منه هويتهم ورؤيتهم لأنفسهم. وربما كان الصينيون في جنوب شرق‎ ‎آسيا مثلاً جيداً لذلك، فالصين هي دائماً وطنهم ‏الأصلي ونقطة جذب حضارية ضخمة لها‎ ‎ثقلها ووزنها بالنسبة إليهم. وتزداد معدلات الاندماج باختفاء مثل هذا المركز، إذ‎ ‎يستمد أعضاء الأقلية رؤيتهم لأنفسهم من المجتمع الذي يوجدون فيه أياً كانت درجة‎ ‎انعزالهم عنه. وغياب مثل هذا المركز يعني ‏أيضاً غياب معايير مركزية دينية أو‎ ‎ثقافية، وهو ما يعني أن كل أقلية لابد أن تتطور بحسب المعايير المحلية. وهذا ما حدث‎ ‎للجماعات اليهودية في كل أنحاء العالم، فرغم انفصالهم النسبي عن الأغلبية، فقد‎ ‎استمدوا هويتهم المسـتقلة منها (بسـبب غـياب ‏ثقافة يهـودية عـالمية ومركز يهودي‎ ‎واحد)، ومن ثم حققوا معدلات عالية من الاندماج (رغم استقلاليتهم‎ ‎الظاهرة‎)





‎5 - ‎من الواضح أن ثمة علاقة بين معدلات الاندماج وحجم الجماعات‎ ‎اليهودية. فالجماعات الصغيرة تميل نحو الاندماج بسرعة ‏على عكس الكتل البشرية‎ ‎الكبيرة، ومن هنا فإن تَركُّز أعداد كبيرة من أعضاء الجماعة اليهودية أو غيرها في‎ ‎منطقة سكنية واحدة ‏يساعدها على العزلة ويؤكد خصوصيتها، إذ يُمكِّنها من ممارسة معظم‎ ‎الأنشطة الحياتية داخل نطاق الجماعة ومن خلال ‏أعضائها، أما إذا خَفَّت الكثافة‎ ‎السكانية فإن معدلات الاندماج تتزايد. كما أن صغر حجم الجماعة يجعلها غير قادرة على‎ ‎المساهمة في صياغة الأفكار التي تسود المجتمع، ولهذا فإنها تَتبنَّى الأفكار‎ ‎السائدة وتستبطنها تماماً. وربما كانت منطقة ‏الاستيطان في روسيا (ثم الاتحاد‎ ‎السوفيتي)، بكثافتها البشرية اليهودية، هي أكثر المناطق التي ساعدت على انتشار‎ ‎الخصوصية ‏اليهودية الشرق أوربية اليديشية، حتى أن بعض مثقفي هذه الجماعة اليهودية‎ ‎كانوا يتحدثون عن قومية يهودية شرق أوربية ‏يديشية. ولكن، بعد الثورة البلشفية في‎ ‎الاتحاد السوفيتي، فُتحت أمام اليهود أبواب الحراك الاجتماعي وسُمح لهم بترك منطقة‎ ‎الاستيطان. وقد ساهم هذا في نزوح اليهود وتَناثُرهم وزيادة معدلات الاندماج بينهم‎. ‎والواقع أن انخراط أعضاء الجماعة في سلك ‏المهنيين يساعد على هذه العملية إذ أن‎ ‎المهني يحاول أن يغتنم الفرص أينما وجدها، فيترك المنطقة ذات الكثافة السكانية‎ ‎اليهودية ‏وينتقل إلى مناطق نائية تجعل حفاظه على خصوصيته كعضو في الجماعة اليهودية‎ ‎أمراً صعباً بالنسبة له‎.



‎6 - ‎يُلاحَظ أن يهود العالم يوجدون الآن في مناطق‎ ‎حضرية كبيرة مثل نيويورك. ويُلاحَظ أن ذلك يشجع على الاندماج، ذلك لأن ‏هذه المناطق‎ ‎غير مقصورة على أعضاء الجماعة اليهودية، وهنا فإنهم يجدون أنفسهم في محيط ثقافي غير‎ ‎يهودي يضطرهم إلى ‏التعامل معه بشكل دائم ويومي والتكيف معه في نهاية الأمر، خصوصاً‎ ‎إذا كانوا لا يعيشون داخل جيتوات مقصورة عليهم، ومن ‏الواضح أن نشوء مثل هذه‎ ‎الجيتوات في المدن الكبيرة الحديثة أمر صعب‎.



‎7 - ‎تتزايد معدلات الاندماج في‎ ‎وجود نظم ديموقراطية تمنح اليهود حقوقهم السياسية والمدنية، وهو المناخ الذي يعيش‎ ‎فيه معظم ‏يهود العالم الغربي، أي أغلبية يهود العالم‎.

‎ ‎يُلاحَظ تزايد‎ ‎معدلات الاندماج مع وجود دولة قومية قوية ذات مؤسسات مركزية تُيسِّر عملية دمج كل‎ ‎المواطنين، مثل: نظام ‏تعليمي قوي، ونظام شرطة بوسعه أن يكبح جماح المتطرفين من‎ ‎أعضاء الأقلية والأغلبية، ونظام إعلامي يعمل على نشر ‏الصورة القومية المطروحة. كما‎ ‎تَخْلق مثل هذه المؤسسات القومية المركزية فرصاً اقتصادية متزايدة يستطيع أعضاء‎ ‎الأقلية أن ‏يحققوا من خلالها شيئاً من طموحاتهم. وبدون هذه المؤسسات، تظل الصورة‎ ‎القومية مجرد فكرة وطموح عام‎.



‎8 - ‎يبدو أن العلاقات الاجتماعية كلما ازدادت‎ ‎قوة بين أعضاء الأغلبية قلَّت احتمالات الاندماج. بينما تتزايد فرص الاندماج‎ ‎بالنسبة لأعضاء الأقليات مع تَفكُّك النسيج المجتمعي واختفاء المعايير المركزية‎.



‎9 - ‎يؤدي وجود أقليات دينية أو إثنية أخرى في المجتمع إلى تزايد معدلات‎ ‎الاندماج في بعض الحالات، إذ أن عضو الأقلية لا ‏يصبح شيئاً فريداً مُحاصَراً وإنما‎ ‎يصبح عضواً في مجتمع ذي سلطة مركزية واحدة وأطراف متعددة. ولكن الوضع نفسه قد ‏يؤدي‎ ‎إلى تزايُد الخصوصية. فمع وجود أقليات عديدة، تَضعُف سلطة المركز وتستمر الأطراف في‎ ‎تطوير خصوصياتها ‏المختلفة وفي إضفاء نوع من الشرعية على فكرة الخصوصية‎.



هذه‎ ‎بعض التعميمات التي يجب التعامل معها بحذر شديد، ويجب ألا يركن الباحث لها وإنما أن‎ ‎ينظر لها باعتبارها مؤشرات ‏عامة، قد تكون مضللة في ظروف معينة. ولذا ينبغي عليه أن‎ ‎يطرح أسئلة محددة، يحاول من خلال الإجابة عليها أن يصل إلى ‏المنحنى الخاص للظاهرة‎. ‎ولذا بدلاً من أن يتحدث عن " المهاجرين اليهود " بشكل عام، عليه أن يسأل عن نوعية‎ ‎المهاجرين ‏اليهود الذين يصلون إلى المجتمع (مستواهم الاقتصادي - مستواهم التعليمي‎ - ‎مرحلتهم العمرية... إلخ). وبدلاً من أن يتحدث عن ‏المجتمع المضيف بشكل مطلق عليه أن‎ ‎يتعامل مع هذا المجتمع في خصوصيته (درجة تقدُّمه - مدى احتياجه لخبرات معينة - ‏نظام‎ ‎الحكم فيه... إلخ‎).



ويمكن أن نضرب مثلاً لذلك باليهود السفارد الذين هاجروا‎ ‎إلى فرنسا في القرن السابع عشر بعد طردهم من إسبانيا. وكانت ‏عملية اندماجهم سريعة‎ ‎بسبب صغر حجم الجماعة اليهودية، ولأنهم كانوا ذوي خبرة بالشئون المالية المتقدمة‎ ‎التي كان المجتمع ‏يحتاج إليها، كما أن لهجة اللادينو التي كانوا يتحدثونها كانت‎ ‎لهجة إسبانية غير بعيدة عن الفرنسية. ومن ناحية أخرى، لم يكن ‏السفارد مختلفين‎ ‎كثيراً عن الفرنسيين في ردائهم وعاداتهم الثقافية. ويختلف هذا تماماً عن حالة‎ ‎اليهود الإشكناز الذين استوطنوا ‏فرنسا وغيرها من بلاد أوربا في القرن التاسع عشر،‎ ‎فقد جاءوا من بولندا وكانوا يتحدثون اليديشية، كما أنهم كانوا يشتغلون ‏بأعمال الربا‎ ‎والرهونات وتجارة التجزئة وكانوا مختلفين عن الفرنسيين في ردائهم وعاداتهم‎ ‎الثقافية، وكان مستواهم الحضاري ‏بالنسبة للمجتمع الفرنسي مُتدنياً. وهو ما جعل‎ ‎عملية دمجهم طويلة وصعبة ومُعقَّدة‎.



وقد استخدمنا هنا معيارين: واحد‎ ‎اقتصادي (درجة الثراء) والآخر حضاري (التقدم والتخلف)، كما استخدمنا معياراً يتصل‎ ‎بالمجتمع المضيف (مدى حاجته للوافدين). إذا طبقنا هذه المعايير المركبة على ظاهرة‎ ‎مماثلة، فإنها قد تأتي بنتائج مختلفة تماماً. ‏فقد تم توطين بعض أعضاء الجماعة‎ ‎اليهودية في بولندا (مع التجار الألمان) لتشجيع التجارة. وكان يهود ألمانيا يتمتعون‎ ‎بمستوى ‏حضاري أكثر تركيباً بالقياس للوسط الفلاحي البولندي ثم الأوكراني، وهنا نجد‎ ‎أن التقدم الحضاري قد أدى إلى الانعزال، فاحتفظ ‏المهاجرون اليهود الألمان بلغتهم‎ ‎التي تطورت وأصبحت اليديشية. وقد جاء اليهود بناء على حاجة المجتمع لهم، وبدعوة‎ ‎منه، ‏وهو أمر يُفتَرض فيه أن يؤدي إلى اندماجهم، ولكن العكس قد حدث، لأن الدعوة لم‎ ‎تأت من المجتمع ككل وإنما من النخبة الحاكمة ‏التي أرادت أن تستخدم العنصر اليهودي‎ ‎في تطوير البلاد من الناحية التجارية، كما أنها استخدمته فيما بعد في استغلال‎ ‎الفلاحين ‏وفي قمع البورجوازية، الأمر أدى إلى عزلة شبه كاملة لأعضاء الجماعة‎ ‎اليهودية‎.



ومن المتصوَّر عقلياً أن يؤدي الاندماج إلى تقليل حدة التوتر‎ ‎ضد أعضاء الجماعات اليهودية، وهو ما يحدث بالفعل في معظم ‏الأحيان، كما هو الحال في‎ ‎الولايات المتحدة وإنجلترا. ولكن من الثابت أيضاً أن اندماج أعضاء الجماعة اليهودية‎ ‎وتحرُّكهم من ‏مسام المجتمع إلى مركزه وتواجـدهم فيها بأعـداد كـبيرة قد يثير الحقد‎ ‎ضدهم. كما أن غياب الحدود والإشارات المميِّزة قد يؤدي ‏إلى تصاعُد معدل التوتر بين‎ ‎أعضاء الجماعة اليهودية وأعضاء الأغلبية، إذ تظهر الرغبة في تأكيد الحدود (بين‎ ‎أعضاء الأقلية ‏والأغلبية)، ثم تظهر النماذج التفسيرية العنصرية التي تتحدث عن‎ ‎المؤامرة اليهودية الخفية، وعن تغلغل اليهود في كل مناحي ‏الحياة وتَخفِّيهم وتآمرهم‎ ‎ضد المجتمع. ومن هنا كان النازيون يناصبون اليهود الاندماجيين العداء بسبب عدم‎ ‎وضوحهم، بينما ‏كانوا يتعاونون مع الصهاينة لأنهم يقبلون هوية يهودية متميِّزة‎ ‎وواضحة ومستقلة غير مندمجة في المجتمع. ولهذا، ساهم ‏النازيون في إحياء الثقافة‎ ‎العبرية وشجعوا النشاط الصهيوني. وإذا كان نظام الحكم شمولياً، وأصيب الاقتصاد‎ ‎بكساد وزادت ‏معدلات البطالة، فقد يتحول الهمس العنصري إلى مُخطَّط للطرد والإبادة‎ (‎كما حَدَث في ألمانيا النازية)‏‎.



ويتصور معظم الباحثين أن تصاعُد معدلات‎ ‎العلمنة في المجتمع يزيد روح التسـامح تجـاه أعضاء الأقليات، ومن ثم تتزايد ‏معدلات‎ ‎دمجهم. وهو افتراض سليم في بعض الأحيان، ولكن هناك أمثلة تدل على أن العكس قد يحدث‎. ‎فمع تصاعُد معدلات ‏العلمنة في الغرب في النصف الثاني من القرن التاسع عشر، ظهرت‎ ‎موجة من العنصرية، تستند إلى محاولة تعريف الإنسان من ‏خلال عنصر مادي كامن فيه (حجم‎ ‎جمجمته - لون جلده - لون شعره) وهو ما أدى إلى ظهور النظريات العنصرية الغربية التي‎ ‎خلقت التربة الخصبة للحركات الشمولية والفاشية التي قامت بعزل اليهود والحرب ضد‎ ‎دمجهم‎.



العــــزلة اللفظيـــة والاندمــــاج البنيــــوي‎

Verbal Isolation and Structural Assimilation

‎«‎العزلة اللفظية» هي أن يدَّعي أعضاء‎ ‎الجماعة اليهودية أن لهم هوية متميِّزة، مختلفة بشـكل جـوهري عن الهوية السائدة في‎ ‎المجتمع، في الوقت الذي تتآكل فيه هويتهم وتنتهي عزلتهم من خلال عمليات الدمج‎ ‎البنيوي. ولعل الولايات المتحدة أفضل مثل ‏لذلك في الوقـت الحاضر. فرغم أن النبرة‎ ‎الإثنية اليهودية عالية للغاية، إلا أن الهوية اليهودية آخذة في التآكل وأكبر دليل‎ ‎على هذا ‏معدلات الزواج المُختلَط العالية التي تزيد في بعض الولايات عن 60% من‎ ‎مجموع الزيجات اليهودية. ولذا لا يكف الصهاينة ‏عن التحذير من الاندماج، باعتباره‎ ‎أكثر خطورة على اليهود من الإبادة النازية (الهولوكوست)‏‎.



ويركن معظم‎ ‎الدارسين العرب إلى اقتباس ادعاءات اليهود عن هويتهم باعتبارها حقائق، ثم يدرسون‎ ‎واقع الجماعات اليهودية في ‏إطار هذا الادعاء، ويبدأون في مراكمة الشواهد على صدقه،‎ ‎متجاهلين كماً هائلاً من المعلومات يدل على العكس. ومن الثابت ‏تاريخياً أن الجماعات‎ ‎اليهودية في الولايات المتحدة حققت أسرع معدلات الاندماج بالمقارنة بمعدلات اندماج‎ ‎الأقليات المهاجرة ‏الأخرى‎.

الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
 
الاندمـــــــاج‎
الرجوع الى أعلى الصفحة 
صفحة 1 من اصل 1

صلاحيات هذا المنتدى:لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى
اسلام ويب :: ۩✖ Known to the islam ۩✖ :: قسم الاسلام واليهوديه-
انتقل الى: