اسلام ويب
هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.



 
الرئيسيةأحدث الصورالتسجيلدخول

من فقه الدعاء يقول سيدنا عمر بن الخطاب - رضي الله عنه -: "أنا لا أحمل همَّ الإجابة، وإنما أحمل همَّّ الدعاء، فإذا أُلهمت الدعاء كانت الإجابة معه". وهذا فهم عميق أصيل ، فليس كل دعاء مجابًا، فمن الناس من يدعو على الآخرين طالبًا إنزال الأذى بهم ؛ لأنهم ينافسونه في تجارة ، أو لأن رزقهم أوسع منه ، وكل دعاء من هذا القبيل ، مردود على صاحبه لأنه باطل وعدوان على الآخرين. والدعاء مخ العبادة ، وقمة الإيمان ، وسرّ المناجاة بين العبد وربه ، والدعاء سهم من سهام الله ، ودعاء السحر سهام القدر، فإذا انطلق من قلوب ناظرة إلى ربها ، راغبة فيما عنده ، لم يكن لها دون عرش الله مكان. جلس عمر بن الخطاب يومًا على كومة من الرمل ، بعد أن أجهده السعي والطواف على الرعية ، والنظر في مصالح المسلمين ، ثم اتجه إلى الله وقال: "اللهم قد كبرت سني ، ووهنت قوتي ، وفشت رعيتي ، فاقبضني إليك غير مضيع ولا مفتون ، واكتب لي الشهادة في سبيلك ، والموت في بلد رسولك". انظر إلى هذا الدعاء ، أي طلب من الدنيا طلبه عمر، وأي شهوة من شهوات الدنيا في هذا الدعاء ، إنها الهمم العالية ، والنفوس الكبيرة ، لا تتعلق أبدًا بشيء من عرض هذه الحياة ، وصعد هذا الدعاء من قلب رجل يسوس الشرق والغرب ، ويخطب وده الجميع ، حتى قال فيه القائل: يا من رأى عمرًا تكسوه بردته ** والزيت أدم له والكوخ مأواه يهتز كسرى على كرسيه فرقًا ** من بأسه وملوك الروم تخشاه ماذا يرجو عمر من الله في دعائه ؟ إنه يشكو إليه ضعف قوته ، وثقل الواجبات والأعباء ، ويدعو ربه أن يحفظه من الفتن ، والتقصير في حق الأمة ، ثم يتطلع إلى منزلة الشهادة في سبيله ، والموت في بلد رسوله ، فما أجمل هذه الغاية ، وما أعظم هذه العاطفة التي تمتلئ حبًا وحنينًا إلى رسول الله - صل الله عليهلم -: (أن يكون مثواه بجواره). يقول معاذ بن جبل - رضي الله عنه -: "يا بن آدم أنت محتاج إلى نصيبك من الدنيا ، وأنت إلى نصيبك من الآخرة أحوج ، فإن بدأت بنصيبك من الآخرة ، مرّ بنصيبك من الدنيا فانتظمها انتظامًا ، وإن بدأت بنصيبك من الدنيا ، فائت نصيبك من الآخرة ، وأنت من الدنيا على خطر). وروى الترمذي بسنده عن النبي - صل الله عليهلم -: أنه قال: ((من أصبح والآخرة أكبر همه جمع الله له شمله ، وجعل غناه في قلبه ، وأتته الدنيا وهي راغمة ، ومن أصبح والدنيا أكبر همه فرَّق الله عليه ضيعته ، وجعل فقره بين عينيه ولم يأته من الدنيا إلا ما كُتب له)). وأخيرًا .. أرأيت كيف أُلهم عمر الدعاء وكانت الإجابة معه ، وصدق الله العظيم إذ يقول: (وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ فَلْيَسْتَجِيبُوا لِي وَلْيُؤْمِنُوا بِي لَعَلَّهُمْ يَرْشُدُونَ) (186)" (البقرة:186).


 

  الشعب‎ ‎العضوي المنبوذ‎

اذهب الى الأسفل 
كاتب الموضوعرسالة


avatar


نقــاط : 99225
	الشعب‎ ‎العضوي المنبوذ‎ Oooo14
	الشعب‎ ‎العضوي المنبوذ‎ User_o10

	الشعب‎ ‎العضوي المنبوذ‎ Empty
مُساهمةموضوع: الشعب‎ ‎العضوي المنبوذ‎   	الشعب‎ ‎العضوي المنبوذ‎ Emptyالخميس 13 يونيو 2013 - 7:13


الشعب‎ ‎العضوي المنبوذ‎

Pariah Volk

‎«‎الشعب العضوي المنبوذ» عبارة قمنا بصياغتها‎ ‎للتعبير عن نموذج تفسيري كامن في معظم الكتابات الصهيونية والمعادية ‏لليهود. ويعود‎ ‎هذا النموذج إلى الفكر الألماني الرومانسي الذي طرح فكرة الشعب العضوي (بالألمانية‎: ‎فولك‎ Volk)‎، والتي ترى ‏أن الانتماء القومي ليس مسألة اختيار أو إيمان، وإنما هو‎ ‎رابطة كلية عضوية حتمية تكاد تكون بيولوجية في حتميتها بين الفرد ‏والجماعة التي‎ ‎يتبعها والتربة (الأرض) التي تتواجد عليها هذه الجماعة، ومن هنا الحديث عن التربة‎ ‎والدم. وحسب هذا النموذج، ‏تتسم الأشكال الثقافية والاجتماعية المختلفة التي تسود‎ ‎بين أعضاء هذه الجماعة بأنها هي الأخرى مترابطة ترابطاً عضوياً لا ‏تنفصم عراه،‎ ‎وبأنها فريدة تُعبِّر عن عبقرية الجماعة. ويؤكد نموذج الشعب العضوي الاختلافات بين‎ ‎الجماعات البشرية ‏المختلفة على حساب المساواة بين أعضاء الجنس البشري. ولهذا نجد‎ ‎أنه أفرز مجموعة شعارات ذات طابع عضوي عنصري ‏شبه صوفي، مثل: روح الشعب - أمة واحدة‎ ‎ذات رسالة خالدة ـ المصير القومي الواحد الحتمي والأمة فوق الجميع - المجال ‏الحيوي‎ ‎للشعب. وقد استُخدم هذا النموذج لتبرير التوسع ولاستبعاد الآخرين بل وإبادتهم. كما‎ ‎تَحكَّم في إدراك الإنسان الغربي لكل ‏المجموعات البشرية وضمنهم اليهود، بحيث أصبح‎ ‎هناك شـعب عضوي ألماني وشـعب عضوي إنجليزي وشعب عضوي ‏يهودي، كل منها مترابط ترابطاً‎ ‎عضوياً ويضرب بجذوره في تربته. وقد تَبنَّى الفكر الصهيوني هذا النموذج التفسيري‎ ‎الذي عبَّر ‏عنه مارتن بوبر في كتاباته حيث يجعل من الشعب العضوي ركيزة أساسية لرؤية‎ ‎العالم‎.



ومن مفارقات الأمور أن إحدى خصائص الشعوب العضوية أنها تَنبُذ‎ ‎العناصر الغريبة عنها والتي تُوجَد بين ظهرانيها مثل ‏اليهود. ولهذا كان النموذج‎ ‎الذي أسبغ على اليهود هوية عضوية فريدة، وحوَّلهم من مجرد أقلية دينية أو جماعة‎ ‎دينية إلى كيان ‏مستقل، يأخذ شكل شعب عضوي له صفات ثابتة محددة يضرب بجذوره في‎ ‎فلسطين، هو نفسه الذي جعل منهم مادة بشرية ‏غريبة لم تُشكِّل قط جزءاً من التاريخ‎ ‎الحقيقي للغرب وإنما وقفت دائماً على هامشه. بل إن وجودهم داخل الحضارة الغربية لم‎ ‎يكن دائماً أمراً إيجابياً، ومن ثم فلا مكان لهم في هذه الحضارة، أي أن «الشعب‎ ‎العضوي» تَحوَّل إلى «شعب عضوي منبوذ». ‏وقد أدَّى هذا النموذج إلى الهجوم على‎ ‎خصوصية الشعب العضوي اليهودي وإظهار مدى قبحها وضرورة القضاء عليها، ‏فظهرت الدعاوى‎ ‎المعادية لليهود، كما ظهرت الدعوات إلى دمجهم في المجتمعات الغربية بعد إصلاحهم‎ ‎وتطبيعهم، أي بعد أن ‏يتخلصوا من خصوصيتهم وسماتهم السلبية، بأن يتخلوا عن يهوديتهم،‎ ‎وهذا هو فكر عصر الاستنارة والتنوير‎.



ويمكن القول بأن نموذج الشعب العضوي‎ ‎المنبوذ هو الحلقة التي تربط بين العداء لليهودية والصيغة الصهيونية الأساسية‎ ‎الشاملة. ‏وتنطلق صهيونية غير اليهود من فكرة أن الفولك أو «الشعب العضوي اليهودي‎» ‎لا مكان له حقاً في العالم الغربي (وهذه هي ‏نفسها دعوى أعداء اليهود) ولكن يمكن‎ ‎الاستفادة منه كأداة يمكن توظيفها لصالح الغرب في مشروعاته المختلفة التي أصبح من‎ ‎أهمها، مع مرور الوقت، المشروع الاستيطاني في فلسطين. ويستند نموذج الشعب العضوي‎ ‎المنبوذ إلى عنصرين أساسيين في ‏الحضارة الغربية‎:



‎1 ‎ـ موقف الحضارة الغربية‎ ‎المسيحية من اليهود. ويمكن القول بأن نموذج الشعب العضوي يعود إلى فكرة الشعب‎ ‎الشاهد، أي ‏اليهود بوصفهم أقلية دينية رفضت المسيح، وتقف في ذُلِّها وخضوعها‎ ‎وتَدنِّيها شاهداً على صدق العقيدة المسيحية وعلى عظمة ‏الكنيسة. ولذا، دافعت‎ ‎الكنيسة الكاثوليكية عن بقاء اليهود كجماعة مستقلة وحمتهم ضد الهجمات الشعبية حتى‎ ‎يقوموا بدورهم في ‏الشهادة. ثم تحوَّلت هذه الفكرة إلى العقيدة الاسترجاعية أو‎ ‎الألفية في الفكر البروتستانتي، وهي عقيدة تُحوِّل اليهود إلى أداة من ‏أدوات الخلاص‎ ‎إذ أنه لا يمكن أن يتم الخلاص النهائي إلا بعودة اليهود‎.



‎2 ‎ـ الأمر الآخر‎ ‎الذي يعود إليه نموذج الشعب العضوي المنبوذ هو الدور الذي لعبه اليهود في المجتمع‎ ‎الغربي كجماعة وظيفية ‏وسيطة تشتغل بالتجارة والربا والنشاطات المالية. ويمكن القول‎ ‎بأن الشعب العضوي المنبوذ، في كثير من الأحوال، هو الجماعة ‏الوظيفية التي فَقَدت‎ ‎وظيفتها‎.



ويُلاحَظ أن كلا الأمرين يضع اليهود على هامش التاريخ الغربي لا‎ ‎في صميمه، كما يجعلهم مجرد أداة إما للخلاص النهائي أو ‏للربح‎.



ويمكن القول‎ ‎أيضاً بأن نموذج الشعب العضوي المنبوذ هو تعبير علماني عن فكرة الشعب المختار‎ ‎والشعب المقدَّس (الدينية)، ‏فالشعب المختار شعب مقدَّس، والقداسة تعني الانفصال عن‎ ‎كل الشعوب، فهو شعب عضوي، ولكن إحدى علامات اختياره هي ‏أن كل الشعوب ترفضه، فهو شعب‎ ‎عضوي مقدَّس منبوذ‎.



وقد تداخل العنصران الديني والدنيوي لبعض الوقت. ومع‎ ‎تَزايُد علمنة الحضارة الغربية، فَقدَ النموذج كثيراً من ديباجاته الدينية ‏ليصبح‎ ‎نموذجاً دنيوياً محضاً. ومن هذا المنظور، تم الهجوم على اليهود لا باعتبارهم قتلة‎ ‎المسيح وإنما باعتبارهم شعباً عضوياً ‏بالمعنى العرْقي. كما أن استخدام اليهود‎ ‎كوسيلة أخذ يفقد ديباجاته الدينية تدريجياً، حيث أصبح اليهودي غير مُثقَل بأية قيمة‎ ‎وتَحوَّل إلى أداة محضة‎.



ويمكننا أن نَعُدَّ مارتن لوثر من أوائل المفكرين‎ ‎الذين تعاملوا مع اليهود من منطلق هذا المفهوم في صيغته الدينية، فقد وصف ‏اليهود‎ ‎انطلاقاً من عدائه العميق لهم بأنهم « عبء ثقيل علينا وبلاء وجودنا»، وأشـار إلى‎ ‎أكاذيبهم وطالب بمسـاعدتهم للعـودة إلى ‏أرضهـم في يهـودا « فالتخلص من اليهود هو‎ ‎الهدف الأسمى ». ومن الواضح أن لوثر لم يكن قد أدرك بعد إمكانية الاستفادة منهم‎ ‎وإمكانية نفعهم. ويُعَدُّ الفيلسوف إسبينوزا من أوائل المفكرين الذين بَلْوروا‎ ‎هذا‎ ‎المفهوم في صيغته العلمانية، إذ شن هجوماً شرساً ‏على اليهود وطالب بالقضاء على‎ ‎خصوصيتهم بدمجهم أو عودتهم إلى فلسطين‎.



وشهدت الفترة نفسها ظهور فكرة‎ ‎الاستفادة من «الشعب العضوي المنبوذ» كأداة. فقد دافع كرومويل عن عودة اليهود إلى‎ ‎إنجلترا ‏بسبب نفعهم وإمكانية استخدامهم كجواسيس. وقد بدأت تظهر فائدة اليهود في تلك‎ ‎الفترة كعنصر استيطاني يمكن استخدامه في ‏المشاريع الاستيطانية في سورينام وكايين‎ ‎وكوراساو‎.



ويُعَدُّ نموذج الشعب العضوي المنبوذ حجر الزاوية في فكر‎ ‎الاستنارة، فقد هاجم كلٌّ من فولتير وهولباخ اليهود على أنهم شعب ‏عضوي له صفاته‎ ‎السلبية الخاصة به. وعرَّف الفيلسوف هردر اليهود بأنهم غرس طفيلي في أوربا يلتصق‎ ‎بكل الشعوب ‏الأوربية ويمتص نخاعها. ويُلاحَظ وجود المفهوم نفسه في كتابات فخته الذي‎ ‎أكّد أيضاً الفساد الأخلاقي عند اليهود وأكد أنهم ‏يُكوِّنون دولة داخل الدولة‎. ‎ولذا، عارض منحهم الحقوق المدنية والسياسية، إذ أن ذلك لن يتحقق إلا بأن تُقطَع‎ ‎رؤوسهم ذات ليلة ‏وتُوضَع مكانها رؤوس أخرى لا تحوي فكرة يهودية واحدة. وقد اقترح‎ ‎فخته، ومن قبله فولتير، حلاًّ صهيونياً لمشكلة الشعب ‏العضوي المنبوذ، فقال: "لا‎ ‎يوجد بديل إلا بغزو أرض الميعاد وإرسالهم إليها، لأنهم لو حصلوا على حقوقهم المدنية‎ ‎في أوربا ‏فإنهم سيدوسون على كل المواطنين الآخرين‎".



وقد بدأت تظهر في‎ ‎هذه الفترة فكرة نفع اليهود. وقد عبَّر الكاتب الإنجليزي أديسون، محرر مجلة‎ ‎الإسبكتاتور ، عن هذا الجانب ‏من المفهوم بشكل دقيق للغاية في مقال بتاريخ 27 ديسمبر‎ 1712 ‎قال فيه: « إن اليهود منتشرون في جميع المناطق التجارية في ‏العالم حتى أنهم‎ ‎أصبحوا الأداة التي تتحدث من خلالها الأمم التي تفصل بينها مسافات شاسعة، فهم مثل‎ ‎الأوتاد والمسامير في ‏بناء شامخ. ورغم أنهم بلا قيمة في حد ذاتهم، فإن أهميتهم‎ ‎مطلقة لأنهم يحفظون للهيكل كله تماسكه ». وما يهمه من اليهود كشعب ‏عضوي، إذن، هو‎ ‎كونهم أداة مهمة وحسب. ولذلك فهو لا يَشُنُّ عليهم هجوماً ولا يُشهِّر بهم، فما‎ ‎يهمه هو توظيف هذه الكتلة ‏البشرية. وستتكفل عملية التوظيف هذه بتخليص أوربا منهم‎ ‎بالطرق السلمية، أي أن نموذج الشعب العضوي المنبوذ تَحوُّل ‏تدريجياً ليصبح نموذج‎ ‎الشعب العضوي المنبوذ النافع (وهذا هو جوهر الصهيونية). وقد طُرحت في عصر الاستنارة‎ ‎إشكالية ‏مدى نفع اليهود وإمكانية إصلاحهم حتى يتسنى الاستفادة منهم‎.



وهكذا‎ ‎أصبح نموذج الشعب العضوي المنبوذ نموذجاً تفسيرياً أساسياً في الوجدان العقلي‎ ‎والعاطفي في الغرب بما يؤدي إليه من ‏حلول صهيونية واضحة أو كامنة. وقد أصبح هذا‎ ‎النموذج، مع بداية القرن التاسع عشر، بُعداً أساسياً في الفكر السياسي الغربي ‏تجاه‎ ‎اليهود والشرق. كما تمت مزاوجة المسألة اليهودية (الشعب المنبوذ) بالمسألة الشرقية‎ (‎الدولة العثمانية وتقسيمها) بحيث ‏يمكن حل المسألة الأولى، أي التخلص من اليهود، عن‎ ‎طريق استخدامهم كمادة بشرية في المسألة الثانية. وكان نابليون من أوائل ‏السياسيين‎ ‎الذين توصلوا إلى هذه الصيغة. فهو أول سياسي يدعو اليهود، من حيث هم يهود، إلى‎ ‎الاستيطان في فلسطين، محاولاً ‏الاستفادة منهم كمادة استيطانية في مشروعه‎ ‎الاستعماري. أما على مستوى فرنسا ذاتها، فقد كان الأمر جدُّ مختلف. فقد أصدر‎ ‎نابليون من التشريعات ما قضى عليهم كشعب عضوي، ووضع الخطط التي أدَّت في نهاية‎ ‎الأمر إلى دمجهم في الأمة الفرنسية‎.



ونموذج الشعب العضوي المنبوذ هو ذاته‎ ‎النموذج الرئيسي وراء فكر بول باستيل زعيم حركة الديسمبريين في روسيا، فقد كان ‏يرى‎ ‎أن اليهود « يحافظون دوماً على روابط وثيقة بدرجة لا تُصدَّق، بسبب الدين والسيطرة‎ ‎الحاخامية على أوجه الحياة جميعاً ‏‏»، أي أنهم شعب عضوي. والحل هو « إما تخليص‎ ‎اليهود من خصوصيتهم، واستيعابهم استيعاباً تاماً، أو مساعدتهم على ‏تأسيس دولتهم‎ ‎الخاصة المستقلة في منطقة ما من آسيا الصغرى. ولهذا يجب تعيين نقطة تَجمُّع الشعب‎ ‎اليهودي بمساعدة بعض ‏الجنود. وإذا تَجمَّع في مكان واحد جميع اليهود الروس‎ ‎والبولنديين، فإن عددهم سيبلغ أكثر من مليونين، وبعد أن يجتازوا أوربا ‏التركية‎ ‎فإنهم يستطيعون أن يعبروا إلى تركيا الآسيوية حيث يمكنهم بعد الاستيلاء على أرض‎ ‎كافية لتأسيس دولة يهودية ‏مستقلة». وبهذا، فإن باستيل ينظر إلى اليهود باعتبارهم‎ ‎مادة استيطانية يمكنه استخدامها كوسيلة في الصراع الناشب بين روسيا ‏القيصرية‎ ‎والدولة العثمانية‎.



وقد أصبح النموذج أيضاً بُعداً أساسياً في الفكر‎ ‎الاستعماري الإنجليزي، فنجد أن لورد شافتسبري يتحدث عن اليهود باعتبارهم ‏عنصراً‎ ‎مستقلاً له سماته القومية المستقلة، ولكنه عنصر طفيلي فاسد. وانطلاقاً من هذا، فقد‎ ‎عارض مَنْحَهم الحقوق الدينية، ولكنه ‏بذل جهوداً كبيرة في سبيل اتخاذ الخطوات‎ ‎اللازمة لتوطينهم في فلسطين. وقد تبنَّت وزارة المستعمرات رأيه منذ عام 1840‏‎.



ويستمر هذا الخط ليصل إلى بلفور الذي كان يؤمن إيماناً جازماً بأن اليهود‎ ‎كيان تختلط فيه القومية بالدين. وأنهم كيان غريب على ‏الحضارة الغربية التي لم‎ ‎تسـتطع اسـتيعابهم. وكان بلفور يرى أن اليهـود، بطفيليتهم وعدم انتمائهم، يشـكلون‎ ‎عبئاً على الحضـارة ‏الغربية، فاستصدر عام 1905 من القوانين ما يُوقف مد الهجرة‎ ‎اليهودية إلى إنجلترا. ولكن وزارته وافقت في العام نفسه على ‏مشروع شرق أفريقيا. ثم‎ ‎ساهم بلفور، بعد ذلك، في استصدار الوعد الذي سُمي باسمه. والواقع أن كلا المشروعين‎ ‎يهدف إلى ‏تخليص أوربا من اليهود، وذلك عن طريق الاستفادة منهم في مكان آخر‎.



وفي الفكر الاشتراكي الغربي، ظهر نموذج الشعب العضوي المنبوذ في فكر فورييه‎ ‎وتلاميذه، خصوصاً توسينيل وأدولف إلايزا ‏الذي شبَّه اليهود بالبكتريا القذرة التي‎ ‎تحمل العفن إلى أي مكان تحل فيه. ويُلاحَظ أن الصورة المجازية هنا عضوية، تماماً‎ ‎مثل ‏الشعب العضوي، وهي صورة مجازية استخدمها الزعيم الصهيوني نوردو والزعيم النازي‎ ‎هتلر. وقد تَبنَّى هؤلاء حلاًّ صهيونياً ‏للمسألة اليهودية وطلبوا من اليهود أن‎ ‎يرحلوا إلى "بلادهم‎"!



وحينما ظهرت الصهيونية بين اليهود، كان هناك تَلازُم‎ ‎أيضاً بين نموذج الشعب العضوي المنبوذ وبين الاستيطان الصهيوني. ‏وقد تَقبَّل كثير‎ ‎من الصهاينة هذا النموذج التفسيري وأسسوا عليها نظريتهم الصهيونية، فرددوا أن‎ ‎اليهود طفيليون، كريهون لا ‏أخلاقيون، ويجب تطبيعهم عن طريق تطويعهم من أجل خدمة‎ ‎المشروع الاستعماري الغربي وتوطينهم في فلسطين. وفي أوائل ‏القرن الحالي، كانت‎ ‎الزعامة الصهيونية في ألمانيا تؤكد تَدنِّي اليهود ووضاعتهم وعدم انتمائهم لإسباغ‎ ‎الشرعية والمعقولية على ‏المشروع الصهيوني. ولهذا فقد قَبلت المقولات الأساسية‎ ‎لمعاداة اليهود واستوعبتها في بناء النسق الفكري الصهيوني ذاته. وقد ‏ظهر الفكر‎ ‎النازي في هذه التربة، وهو فكر ينطلق من فكرة أن الشعب العضوي الألماني والشعب‎ ‎العضوي اليهودي المنبوذ يجب ‏ألا يختلطا حتى يحتفظ كلٌّ بهويته العضوية. وقد بيَّن‎ ‎ألفريد روزنبرج، أهم مُنظِّري العقيدة النازية، إبان محاكمته في نورمبرج، ‏أنه‎ ‎تَبنَّى رؤية بوبر حيث أعلن أن اليهود يجب يعودوا إلى أرض آسيا حتى يمكنهم (هناك‎ ‎فقط) العثور على جذور الدم اليهودي‎.



وقد وردت في قوانين نورمبرج الفقرة‎ ‎التالية عن الصهيونية ومبرراتها: "لو كان لليهود [أي الشعب العضوي المنبوذ] دولة‎ ‎خاصة بهـم تضمهـم جميعـاً في وطــن واحـد، لأمكن اعتبار المشكـلة اليهوديــة محلولة‎ ‎حتى بالنسبة إلى اليهود أنفسهم". ومن ثم، ‏فــإن النازيين لم يكونوا ضد المشاريع‎ ‎الاستيطانية الصهيونية التـي تهـدف إلى التخلـص من اليهــود. ولكن، لسوء حظ ألمانيا‎ ‎واليهـود، لم يكن لدى ألمانيا مستعمرات في آسيا وأفريقيا (بعد إجهاض مشروعها‎ ‎الاستعماري على أيدي الدول الاستعمارية ‏الأخرى). وربما، لو وُجدت مثل هذه‎ ‎المستعمرات الألمانية، لقام هتلر بكفاءته المعهودة بنقل فائض أوربا المنبوذ وانتفع‎ ‎منه ومن ‏إمكانياته، بدلاً من إبادته وحرقه. ولكن مجال ألمانيا الحيوي في أوربا كان‎ ‎آهلاً بالسكان، ولذا، لم يكن بوسع هتلر سوى إبادة ‏اليهود بدلاً من نقلهم (حسب منطق‎ ‎أوربا العملي المادي)‏‎.



وقد لاحَظ كثير من المثقفين الألمان اللوثريين أعداء‎ ‎النازية ذلك التَطابُق بين الفكرة الغربية الخاصة بالشعب العضوي ونموذج ‏الشعب‎ ‎العضوي كما عبَّر عنها الصهاينة، وقال ريتشارد كودينهوف كاليرجي، وهو من أكبر‎ ‎مناهضي العنصرية، إن القوميتين ‏اليهودية والنازية حركتان حولتا الدنيا والمادة إلى‎ ‎مقولات ميتافيزيقية، أي إلى دين، وكلتاهما تُضفي صفة نسبية على كل القيم ‏باستثناء‎ ‎القيم العرْقية وعلاقات الدم والتربة، بحيث تختفي جميع المعايير إلا معيارالعرْق‎. ‎ثم أشار كاليرجي إلى أن كلتا الحركتين ‏قبلتا القول بأن ألمانيا لا يمكنها استيعاب‎ ‎اليهود‎.



وقد اختفى نموذج الشعب العضوي المنبوذ إلى حدٍّ كبير من كتابات‎ ‎الصهاينة والمفكرين الغربيين بعد الحرب العالمية الثانية، ‏ولكنه لا يزال النموذج‎ ‎الفعال الكامن في كل الكتابات والمشاريع الصهيونية. وقد ظهرت في الآونة الأخيرة‎ ‎فكرة الشعب المقدَّس ‏بين أعضاء جماعة جوش إيمونيم. وعندهم، كذلك، أن هذا الشعب يعيش‎ ‎وحده ولا يُحسَب بين الأمم، فهو شعب مقدَّس عضوي ‏منبوذ. وتَنبُع أهمية فكرة الشعب‎ ‎العضوي المنبوذ من أنها تُبيِّن العلاقة العضوية الكامنة بين الصهاينة وأعداء‎ ‎اليهود‎.‎

الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
 
الشعب‎ ‎العضوي المنبوذ‎
الرجوع الى أعلى الصفحة 
صفحة 1 من اصل 1
 مواضيع مماثلة
-
»  حصار الشعب والدروس المستفادة منه
» الشعب أراد وأسقط النظام ١٢/ ٢/ ٢٠١١
» مبارك يطلب العفو من الشعب المصري
» الأسباب والأسانيد القانونية لقرار إعادة مجلس الشعب للانعقاد
» ٣ آلاف يتظاهرون أمام مجلسى الشعب والشورى ويطالبون بحلهما ٩/ ٢/ ٢٠١١

صلاحيات هذا المنتدى:لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى
اسلام ويب :: ۩✖ Known to the islam ۩✖ :: قسم الاسلام واليهوديه-
انتقل الى: