اسلام ويب
هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.



 
الرئيسيةأحدث الصورالتسجيلدخول

من فقه الدعاء يقول سيدنا عمر بن الخطاب - رضي الله عنه -: "أنا لا أحمل همَّ الإجابة، وإنما أحمل همَّّ الدعاء، فإذا أُلهمت الدعاء كانت الإجابة معه". وهذا فهم عميق أصيل ، فليس كل دعاء مجابًا، فمن الناس من يدعو على الآخرين طالبًا إنزال الأذى بهم ؛ لأنهم ينافسونه في تجارة ، أو لأن رزقهم أوسع منه ، وكل دعاء من هذا القبيل ، مردود على صاحبه لأنه باطل وعدوان على الآخرين. والدعاء مخ العبادة ، وقمة الإيمان ، وسرّ المناجاة بين العبد وربه ، والدعاء سهم من سهام الله ، ودعاء السحر سهام القدر، فإذا انطلق من قلوب ناظرة إلى ربها ، راغبة فيما عنده ، لم يكن لها دون عرش الله مكان. جلس عمر بن الخطاب يومًا على كومة من الرمل ، بعد أن أجهده السعي والطواف على الرعية ، والنظر في مصالح المسلمين ، ثم اتجه إلى الله وقال: "اللهم قد كبرت سني ، ووهنت قوتي ، وفشت رعيتي ، فاقبضني إليك غير مضيع ولا مفتون ، واكتب لي الشهادة في سبيلك ، والموت في بلد رسولك". انظر إلى هذا الدعاء ، أي طلب من الدنيا طلبه عمر، وأي شهوة من شهوات الدنيا في هذا الدعاء ، إنها الهمم العالية ، والنفوس الكبيرة ، لا تتعلق أبدًا بشيء من عرض هذه الحياة ، وصعد هذا الدعاء من قلب رجل يسوس الشرق والغرب ، ويخطب وده الجميع ، حتى قال فيه القائل: يا من رأى عمرًا تكسوه بردته ** والزيت أدم له والكوخ مأواه يهتز كسرى على كرسيه فرقًا ** من بأسه وملوك الروم تخشاه ماذا يرجو عمر من الله في دعائه ؟ إنه يشكو إليه ضعف قوته ، وثقل الواجبات والأعباء ، ويدعو ربه أن يحفظه من الفتن ، والتقصير في حق الأمة ، ثم يتطلع إلى منزلة الشهادة في سبيله ، والموت في بلد رسوله ، فما أجمل هذه الغاية ، وما أعظم هذه العاطفة التي تمتلئ حبًا وحنينًا إلى رسول الله - صل الله عليهلم -: (أن يكون مثواه بجواره). يقول معاذ بن جبل - رضي الله عنه -: "يا بن آدم أنت محتاج إلى نصيبك من الدنيا ، وأنت إلى نصيبك من الآخرة أحوج ، فإن بدأت بنصيبك من الآخرة ، مرّ بنصيبك من الدنيا فانتظمها انتظامًا ، وإن بدأت بنصيبك من الدنيا ، فائت نصيبك من الآخرة ، وأنت من الدنيا على خطر). وروى الترمذي بسنده عن النبي - صل الله عليهلم -: أنه قال: ((من أصبح والآخرة أكبر همه جمع الله له شمله ، وجعل غناه في قلبه ، وأتته الدنيا وهي راغمة ، ومن أصبح والدنيا أكبر همه فرَّق الله عليه ضيعته ، وجعل فقره بين عينيه ولم يأته من الدنيا إلا ما كُتب له)). وأخيرًا .. أرأيت كيف أُلهم عمر الدعاء وكانت الإجابة معه ، وصدق الله العظيم إذ يقول: (وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ فَلْيَسْتَجِيبُوا لِي وَلْيُؤْمِنُوا بِي لَعَلَّهُمْ يَرْشُدُونَ) (186)" (البقرة:186).


 

 كرونولوجيا الأحداث وفقه الاستبصار

اذهب الى الأسفل 
كاتب الموضوعرسالة


avatar


نقــاط : 99290
كرونولوجيا الأحداث وفقه الاستبصار Oooo14
كرونولوجيا الأحداث وفقه الاستبصار User_o10

كرونولوجيا الأحداث وفقه الاستبصار Empty
مُساهمةموضوع: كرونولوجيا الأحداث وفقه الاستبصار   كرونولوجيا الأحداث وفقه الاستبصار Emptyالجمعة 10 مايو 2013 - 4:34

كرونولوجيا الأحداث وفقه الاستبصار



ارتكزت محاور المواجهة التي أشهرتْها الدول المعادية للإسلام والمسلمين على ثلاثة تحديات:

• الحريات.

• الأقليات.

• المرأة[1].


وقصدُهم من ذلك أن يتمتع كلُّ فرد من أفراد الوطن الواحد بالقَدْر نفسه من الحقوق والواجبات على أساس الوطن، لا على أساس الدين؛ بحيث يُفتح الباب للحريات المُطلَقة دون حدود، وللتسوية المُطلقة بين المسلم وغيره، وبين المرأة والرجل، وما علموا أن الحرية الحقيقية لا تتحقق إلا بأن تتقيَّد بالبراءة من العيب والنقص، كما هو معروف في لغة العرب[2].



ولقد استنبتَ هذا التوجُّه الخارجيُّ فُلولاً داخلية، عملت جاهدةً على محاولة "علْمَنة" القِيَم والمفاهيم المغربية الأصيلة، و"لبرلة" ممارسات وسلوكات الأفراد[3].



لقد غاظَهم أن يأتي الدور في الحُكم على جماعة من الذين حملوا رسالةَ التغيير الإيجابي على عواتقهم، ودخلوا بحْر السياسة مع كل أمواجِه المُتلاطِمة، وظُلماته المدلهمَّة، ورُدهاتِه المُخيفة، ودهاليزه الراعبة، فأخذوا يَحيكون المصايد، ويُدبِّرون العقابيل، ويَكيلون تُهَم الرجعية والظلامية والشعبوية، حتى إذا رأوا منهم الجراءة الشُّجاعة في القرارات، والحماسة المطلوبة في محاربة الغشِّ والفساد ونهب المال العام، ومحاولة القضاء على بعض أسباب الضعف والهوان، انتقلوا إلى إثارة الفِتَن بين المواطنين؛ عن طريق إلقاء الشُّبَه، وزرع ألغام الاتهامات والمُزايَدات، وأن المسؤولين هم رجال سياسة، وليسوا "رجال دين"، رافعين شعار حقوق الإنسان والدفاع عن الحريات.



ويُعجبني أن أسوق - هنا - قصة عبدالله بن أُبيٍّ، الذي كان يطمع في الرئاسة قبل مبعث النبي - صلى الله عليه وسلم - فلما رأى ما صار عليه النبيُّ - صلى الله عليه وسلم - من القَبول عند الناس، انقلب إلى مُناوئ يبحث عن النقائص والمثالب، فقد دعاه الرسول - صلى الله عليه وسلم - فقال: "لا تُغبِّروا علينا؛ إن كان ما تقول حقًّا فلا تؤذِنا في مجالسنا، وارجع إلى رَحلِك، فمَن جاءك فاقصص عليه"، فاستدرك سعد بن عبادة - رضي الله عنه - فقال: "اعفُ عنه يا رسول الله واصفح، فوالله لقد أعطاك الله الذي أعطاك، ولقد اصطلَح أهل هذه البُحَيْرَة (المدينة) أن يتوِّجوه فَيُعَصِّبوه بالعصابة، ويجعلوه ملِكًا عليهم، فلما ردَّ الله ذلك بالحق الذي أعطاكه، شَرِق (غصَّ) بذلك"، فعفا عنه النبي - صلى الله عليه وسلم"؛ متَّفق عليه.



ولست - هنا - للدفاع عن تجرِبة إخوانٍ لنا يُريدون التمكين لدين الله، وربط علاقة المُصالحة مع مبادئه، وتحكيم قوانينه؛ فللحقِّ رجاله، وإن كنتُ أعلم أن ما انفسَد طيلة عقود، لا يُمكن أن ينصلح بين عشية وضُحاها، دون أن ننسى أن "السياقات السياسية تختلف بين المُعارضة والحكومة، وبين حزب إسلامي خارِجَ تحمُّل المسؤولية، وبين الحزب ذاته وهو يقوم بتسيير الشأن السياسي للبلاد"[4].



هذه بعض الوقفات مع أحداث توالت نصالاً على نِصال، أنتجت قراراتٍ حازمةً، تُحاول تغيير المألوف، والتأسيس لفهم شرعي، طالما كان مطلبًا شعبيًّا، لم يجد من يتفانى في المُنافحة عنه، والتمكين له.



1- الجمعة 5 أبريل 2012، قرَّرت الحكومة الرفعَ من الرسوم المفروضة على استهلاك "المشروبات الكحولية"، من 10500 درهم للهيكتوليتر، إلى 15 ألف درهم، والرفع من رسوم ما يُسمَّى بـ"الجعة" من 550 درهمًا للهيكتولتر، إلى 900 درهم.



هذا الإجراء وإن لم يمنع الخمر جملةً، ويستأصل شأفتها جذريًّا - كما هو مطلوب شرعًا - فقد حاول التضييق على المروِّجين لها، الذين يعبثون بعقول شبابنا، ويعطِّلون فيهم أداةَ الإبداع، ومحرك النشاط، غير أنه وجد من أصحاب الضمائر الميتة، والقلوب النفعية المصلحية، استنكارًا فظيعًا، ورفضًا أهوجَ مريعًا.



فمنهم من اعتبر هذا التحرُّك مخالفًا للديمقراطية، واعتداءً على حقوق المواطنين وحريتهم في أن يفعلوا ما يشاؤون، وأن المغرب دولة "إسلامية" مُنفتحة على القوانين الوضعية، وليس دولة "دينية" تصدُر عن النصوص الدينية وحدها، وارتفع صوت مُناديهم بضرورة "المطالبة بإلغاء القوانين التي تَعتبر أن الخمر لا يُباع إلا للأجانب، وتبني الموقف القانوني من الخمر في الدول الغربية غير المسلمة".



ومنهم من اعتبر هذا الإجراء تدميرًا للاقتصاد المغربي، وإفراغًا لخزينة الدولة التي تدرُّ عليها الخمور والقمار أكثر من مليار و120 مليون درهم سنويًّا.



ومنهم من اعتبر هذه الزيادة كارثية على السياحة الوطنية، وقالوا: "إن المغاربة يَستهلِكون الجعة بنسبة كبيرة، وهذا القرار ستكون له آثار سلبية على مبيعات الجعة في بلدنا، التي سيَرتفِع ثمنها إلى 80 درهمًا؛ مما يُعجز هُواة الخُمور عن اقتناء مشروبهم المفضَّل".



فيا لَلعجب! كيف يُشفِقون على شُرَّابِ الخمور، ويأسفون على قرار سيُقلِّص من مداخيل الشَّراب الحرام، ولا يخافون على سلامة المواطنين، ولا يأسفون على الجرائم المُنكَرة التي تقع كل يوم بسبب ازدهار إنتاج الخمر الذي يبلغ عندنا ما بين 30 إلى 40 مليون قنينة كل سنة؟! فقد ثبت أن ما بين 85 إلى 90% من المشاجرات والممارسات العنيفة سببُها الخمر، وأن نسبةً عاليةً من حالات العنف ضدَّ المرأة مُرتبطة بالكحول، وأن أول أسباب الإصابة بِداء السيدا يَرجع إلى تناول الخمر، وأن الخمر وراء الزجِّ بقرابة 7 آلاف نزيل في مختلف السجون المغربية خلال سنة واحدة، يُشكِّل الصغار الذين تقلُّ أعمارهم عن 20 سنةً أزيد من 10% منهم، وتُشكِّل النساء قرابة 5%، وأن الخمور مسؤولة عن 151 حادثة سير يوميًّا تَعرفها مختلف مناطق المغرب، تكلِّف خزينة الدولة 14 مليار درهم سنويًّا؛ أي: قرابة 5.5 % من الناتج الداخلي، كما أن الخمور تكلِّف شركات التأمين على السيارات خسائر سنوية تقدَّر بمئات الملايين من السنتيمات.



فهل هذا هو الاقتصاد الذي نخاف عليه؟ أم هي المصالح المادية التي تُجنَى من مبيعات أمِّ الخبائث المنتشرة في 60000 ألف نقطة بيع مرخَّصة، بمداخيل قدِّرت في سنة 2011 بـ 34.5 مليار سنتيم، فضلاً عن مداخيل الإشهارات في المجلات والجرائد، وتَكسِب بعض الأسواق التي تسمَّى بـ"الممتازة" من مداخيل الخمر، دون أن تجد بعضها غضاضة في وضع إشهارات الخمور في صناديق بريد المواطنين من غير استئذان.



أما الاعتداءات البدنية التي تُسبِّبها الخمر من جرائم القتل البشعة، والضرب، والجرح، والشتم، وترويع المارة، وزعزعة أمن الساكنة، فأمرُها لا ينتهي كمًّا ونوعًا، ولو كان أحد هؤلاء الضحايا من أقرباء المُدافِعين عن بيع الخمر، لربما غيَّر رأيه، وعلِم أن السلامة في تحريم ما حرَّمه الله، وتحليل ما أحلَّه الله.



وحسبنا وصيةُ النبي - صلى الله عليه وسلم - لأبي الدرداء: ((لا تَشربِ الخمر؛ فإنها مفتاح كل شرٍّ))؛ صحيح سنن ابن ماجه، وقوله - صلى الله عليه وسلم -: ((اجتنبوا الخمر؛ فإنها أمُّ الخبائث))؛ صحيح سنن النسائي.



2 - ولكَمْ هاجت الأوساط الحقوقيةُ وماجت، عندما صدر قرار آخَر للحكومة، يقضي بمنع إشهار القمار في قنواتنا العمومية، واعتبرتْ إحداها أن ذلك تغيير لهُويَّتها، وكأنها ليست قناة المغاربة الذين يدينون بالإسلام عقيدةً وشريعةً، والذين يُسهِمون بأموالهم في وجودها، وهي لا تعلم أن بإشهارها للقمار تشجِّع المواطنين على العيش على الانتظارية والاتِّكالية، حتى تمَّ تسجيل أكثر من 900 ألف مشاهِد لها في أحد أيام شهر فبراير المنصرم، وأصبح 10% من إخواننا في بلدنا يتعاطون ألعاب الحظ والرهان، التي زادت محلات الترويج لها عن 1200 نُقطة بيع! مع أنه تحت يدنا فتوى لعلماء المملكة صدرت عن المجلس العلمي الأعلى منذ يوليوز 2005، أكَّدوا فيها أن "اللوطو" نوع من القمار الذي هو الميسر، والميسر حرام؛ لقوله تعالى: ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّمَا الْخَمْرُ وَالْمَيْسِرُ وَالْأَنْصَابُ وَالْأَزْلَامُ رِجْسٌ مِنْ عَمَلِ الشَّيْطَانِ فَاجْتَنِبُوهُ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ ﴾ [المائدة: 90].



3- ثم رفعوا شِعار ضرورة حماية ما يُسمَّى بالحرية الجنسية، وأن من بلغ سن الثامنة عشرة صار مسؤولاً عن جسده، يَملِك حرية التصرف فيه كيف يشاء، وبناءً عليه، فلا تثريب على من زنى بامرأة خارج إطار الزوجية، إذا كان ذلك برضاهما؛ فذلك - زعموا - حقٌّ من حقوق الإنسان المتعارَف عليها دوليًّا، يدخل ضمن ما يسمَّى بحق تملُّك الجسد، الذي هو شأن خاص بالفرد، يندرج ضمن الحقوق الفردية التي يَنبغي أن تُصان، ونادى مناديهم: "المطلوب - حاليًّا - هو أن تصير قوانيننا مطابقةً لمجتمعنا وليس للنفاق، أو ما يُقال عنه: إسلامية الدولة في الدستور".



ويرفض أحد أطبائهم المتخصِّص في الصحة الجنسية والنوع الاجتماعي العمل بثنائية "الحلال والحرام"، ويقول: "إن حصْر الجنس الشرعي في إطار الزواج حيفٌ في حقِّ من لا يستطيعون الزواج".



فهم لم يكتفوا بما يجري بيننا من انتهاكات صارخة للآداب العامة، وخدش للحياء، عن طريق ألوان التبرج التي تقصف حياء الغيورين، ونشر الصور المُنافِية للأخلاق، والسماح بترويج المواقع والفضائيات الإباحية، حتى أعلنوها حربًا على طبائع معظم المغاربة، التي تسيجها الأخلاق الإسلامية، والتوجيهات الربانية، وحاولوا تجريء بناتنا وأخواتنا وأمهاتنا على الفاحشة، ولم يجدوا غضاضةً في المناداة بوجوب حذف الفصل 490 من القانون الجنائي، الذي ينص على أن "كل علاقة جنسية بين رجل وامرأة لا تربط بينهما علاقة الزوجية، تكون جريمة فساد، ويعاقَب عليها بالحبس من شهر واحد إلى سنة".



وفي الطرف الآخر من مخطط هذه الحرب، طلعت علينا مسرحية، يتوخى أصحابُها أن تُعرض في مختلف المدن المغربية، عُنوانها البذيء، وأحداثها السخيفة، تدور حول العضو التناسلي للمرأة، تقليدًا للمسرحية العالمية "مونولوج المِهبَل"، التي كتبتها الأمريكية "إيف إنسلر" سنة 1996، وترجمت إلى 46 لغة، فحشدوا لها ما تمجُّه الفِطر السليمة من ألفاظ جنسية، وتعابيرَ قبيحة، وأساليبَ مائعةٍ داعِرة، وحوارات مُسفَّة ماجنة؛ إمعانًا في تمريغ شعور المغاربة في التراب، وكسرًا لكل الحواجز الأخلاقية المعروفة، من غير مُسْكَة خجل، أو مُزعة حِشمة.



يأتي هذا كله، في الوقت الذي كنا ننتظر فيه فنًّا يَرتقي بالمستوى الأخلاقي للناس، ويسمو بالثقافة البانية؛ لتطهير المجتمع من المفاسد، وتحصينه من الرذائل، ومعالجة قضاياه اليومية، التي تُلامِس همومه، وتسرِّي عنه أحزانه، فضلاً عن القضايا الكبرى التي تعني عموم المسلمين.



فهل علِم هؤلاء - هداهم الله - أنه يولد عندنا ما يقارب 80 ألف طفل خارج إطار الزواج سنويًّا، يخضع جلُّهم لعملية إجهاض سرِّي؛ ليبلغ عددهم مليون طفل خلال السنوات العشر الأخيرة، 23 ألفًا منهم في مدينة واحدة، عثر على عدد كبير منهم أمواتًا بين النفايات، أو مختنقين داخل أكياس بلاستيكية؟



وهل علموا أن عددَ من يُسَمَّين بـ"الأمهات العازبات" - عندنا - قد بلغ 27200 عام 2009، وهو ضِعف العدد في السنة التي قبلها، 61% منهن تقل أعمارهن عن 26 سنة، و32% يقل أعمارهن عن 20 سنة، ينجبن كل يوم 135 طفلاً؟
ما كفاكم في الغرب مليونُ طفلٍ
أنتجتْهم خطيئةُ الدخلاءِ
ما كفاكم مليارُ أنثى تنادي
أنقِذونا من وطأةِ الفحشاءِ





ثم أين الغيرة التي تُعتبر إحدى الصفات المتجذرة في الرجل السويِّ، بغضِّ النظر عن دينه؟ فكيف إذا كان مسلمًا، يعلم أن الله تعالى يغار، وأن المؤمن يغار، وأن غيرة الله أن يأتي المؤمنُ ما حرَّمه الله عليه - كما ثبت في الصحيحين -؟! يقول النبي - صلى الله عليه وسلم -: ((يا أمة محمد، والله ما من أحدٍ أغير من الله أن يزني عبدُه، أو تزني أمَتُه))؛ متفق عليه.



ورحم الله ابن القيم الذي قال: "إذا ارتحلت الغيرة من القلب، ترحَّل الدين كله".



ورحم الله الإمام الذهبي الذي قال: "لا خير فيمن لا غيرة له".



4- وضمن هذه الحرية المزعومة، طلعوا علينا بنداء إلغاء قانون منع الإجهاض؛ إمعانًا في إكمال فصول جريمة الزنا والفساد والخيانة الزوجية، فللمرأة أن تتخلَّص من جنينها علنًا، سواء كان متولدًا عن علاقة شرعية أم عن علاقة فساد، مطالبين بإلغاء الفصل 454 من القانون الجنائي المغربي، الذي يقضي بالعقوبة والغرامة لـ"كل امرأة أجهضت نفسها عمدًا، أو حاولت ذلك، أو قبلت أن يُجهضها غيرها، أو رضيتْ باستعمال ما أُرشدت إليه، أو ما أعطي لها لهذا الغرض"، وكأنهم لا يؤرِّقهم وجود 800 عملية إجهاض، تُمارَس عندنا - يوميًّا - معظمها سريٌّ، ومعظمها يُهمُّ نساء غير متزوجات، ويكون هذا الإجهاض مسؤولاً عن موت 13% منهنَّ.



5- وتستمر الأصوات الصارخة بمحادَّة معتقدات المغاربة وثوابتهم، ضمن هذه الحرية المطلقة؛ ليَفسحوا المجال للشواذ جنسيًّا أن يعبِّروا عن مواقفهم الرامية إلى المطالبة بالاعتراف العلنيِّ بوجودهم، وسنِّ قانون يُبيح تزوج الرجال بالرجال، والنساء بالنساء، على غرار بعض الدول الغربية.



وكم كان غريبًا أن تَعترض الحكومة المغربية على استقبال سفينة غربية، محمَّلة بألفين ومائة شاذٍّ وشاذَّة من مختلف أنحاء العالم؟ وكأنها بهذا الإجراء تُصادِم أعظم ثابت من ثوابت المدنية المعاصرة، وهو مبدأ الحرية الفردية، الذي صار له من القداسة ما لم يحظَ به - عندهم - قانون السماء، الذي لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا مِن خَلفه.



بل طالبوا الحكومة المغربية بإلغاء الفصل 489 من القانون الجنائي، الذي يُعاقب بالحبس من ستة أشهر إلى ثلاث سنوات لمن ارتكب فعلاً من أفعال الشُّذوذ الجنسي مع شخص من جنسه، ما لم يَكنْ فعله جريمةً أشد.



تقول إحدى متزعِّمات هذه الحركات "التحرُّرية": "إن الشذوذ الجنسي مسألة أخلاقية أكثر منها قانونية"، وتقول: "التسامح مع الآخَر لا يتمُّ تلقينه للشباب الناشئ، والمساجد ما زالت توظَّف للتقليل من شأنه".



وكان من شأن هذه الدعوات الزائغة أن تشجِّع مثليِّي المغرب على إنشاء جمعية خاصَّة بهم تُدعى "كيف كيف"، تحتفل بما يسمَّى بـ"اليوم العالمي للشواذ"، الذي يوافق 27 يونيو من كل عام، كما أسَّسوا لهم موقعًا على الشبكية، يُطالبون من خلاله بالمساواة بين الشواذِّ جنسيًّا وباقي المواطِنين العاديِّين، في الحقوق الاجتماعية والقانونية.



فكيف نفسِّر - إذًا - وقوع ضحايا الشذوذ بين الفينة والأخرى، والتي قد ترتقي إلى جريمة القتل، كما وقع قبل شهر ونصف - تقريبًا - حين قتَلتْ شابة سحاقية تبلغ من العمر 28 سنةً، عشيقتها ذات 23 سنةً؛ بسبب رغبة هذه في الانفصال عنها، والارتباط بأخرى؟!



ونتساءل بعد ذلك عن التخوُّف من مرض السيدا الذي بدأ يكتسح أوساط الشباب؛ بسبب التصرفات المهووسة بالرغبات الجامِحة، والنزوات المعربدة، يقول النبي - صلى الله عليه وسلم -: ((لم تظهر الفاحشة في قوم حتى يُعلنوا بها، إلا فشا فيهم الطاعونُ والأوجاع التي لم تكن مضتْ في أسلافهم الذين مضَوا))؛ صحيح سنن ابن ماجه.



وحسبنا قولُ الله تعالى - مشنِّعًا على قوم لوط سوءَ عملهم -: ﴿ وَلُوطًا إِذْ قَالَ لِقَوْمِهِ أَتَأْتُونَ الْفَاحِشَةَ مَا سَبَقَكُمْ بِهَا مِنْ أَحَدٍ مِنَ الْعَالَمِينَ * إِنَّكُمْ لَتَأْتُونَ الرِّجَالَ شَهْوَةً مِنْ دُونِ النِّسَاءِ بَلْ أَنْتُمْ قَوْمٌ مُسْرِفُونَ ﴾ [الأعراف: 80، 81].
لو كنتَ حرًّا من سُلالة مُسلِم
ما كنتَ هتَّاكًا لحُرمةِ مُسلمِ



لقد اتَّفق عقلاء الشرق والغرب، أن الحرية الحقيقية هي التي يُحترم فيها حقوقُ الغير، وما عليه عامة الناس، وليس من شأنه أن يُحدث بينهم بلبلةً وفتنةً.



إن دستورنا - الذي صوَّت عليه المغاربة بما يُشبِه الإجماع - ينصُّ على إسلامية الدولة، ويجعل من مبادئه صيانة تلاحم مقومات هُوية الأمة المغربية؛ حيث نجد الفصل 483 من القانون الجنائي ينصُّ على أن "من ارتكب إخلالاً علنيًّا بالحياء، وذلك بالعري المتعمَّد، أو بالبذاءة في الإشارات أو الأفعال، يعاقب بالحبس من شهر واحد إلى سنتَين، وبغرامة من مائة وعشرين إلى خمسمائة درهم".



وحتى القانون الدولي - الذي طالما وجدوا فيه متكأً لمحاربة دين الله - يدعو - أيضًا - إلى احترام الحقوق الأخلاقية للآخَرين؛ فقد جاء في الفقرة الثانية من المادة 18 من الإعلان العالمي لحقوق الإنسان: "حرية الفرد في التعبير عن ديانته أو معتقداته، تخضع للقيود المنصوص عليها في القانون، والتي تستوجبها السلامة العامة، أو النظام العام، أو الصحَّة العامة، أو الأخلاق، أو حقوق الآخَرين وحرياتهم الأساسية".



وأصرح منه ما جاء في المادة 29 من أن:

1- "على كل فرد واجبات إزاء الجماعة...".



2- "لا يخضع أي فرد في ممارسة حقوقه وحرياته إلا للقيود التي يُقرِّرها القانون، مستهدفًا منها - حصرًا - ضمانَ الاعتراف الواجب بحقوق وحريات الآخَرين واحترامها، والوفاء بالعادل من المقتضيات الفضيلة والنظام العام...".

ولذلك رسَخ عند من بحثوا في مفهوم الحرية في الإسلام، أنها لا تحقَّق إلا بثلاثة ضوابط:

• ألا تؤدِّي حرية الفرد إلى تهديد سلامة النظام العام وتقويض أركانه.



• ألا تفوِّت حقوقاً أعظم منها؛ وذلك بالنظر إلى قيمتها في ذاتها ورتبتها ونتائجها.



• ألا تؤدي حريته إلى الإضرار بحرية الآخَرين.



وبدون هذه الضوابط تصير الحرية رديفَ الفوضى، التي أسبغت عليها الفلسفات الغربية الحديثة مسحةً من عمليات التجميل، فسمَّوها بـ"الفوضى الخلاقة"، أو "الفوضى البنَّاءة"، أو "التدمير البناء"؛ تسويغًا للثورات والانقلابات التي تأتي على الأخضر واليابس.



ومن ردود العلماء الوازِنة على هذه الموجة الصادمة، والأفكار الطائشة، وصف الدكتور مصطفى بن حمزة، رئيس المجلس العلمي المحلي لمدينة وجدة، هذه الدعوات بكونها نوعًا من "الطيش والتطرف، الذي لا يقبله المجتمع، فهي مطالب مرفوضة شرعًا وعقلاً ومنطقًا، ولا سنَد واقعيًّا تَرتكِز عليه"، ووصف الدعوة إلى الحرية الجنسية خارج إطار الزواج بأنها "رِدَّة إلى الوراء".



6- وارتقى سقف مطالب الحرية عندهم إلى درجة تبنَّوا فيها أحد بنود الإعلان العالمي لحقوق الإنسان، الذي ينص على الحرية الدينية للأفراد، فقال قائلهم: "من حق أي مغربي أراد، أن يرتدَّ عن الإسلام ويختار دينًا جديدًا؛ لأننا لا نُمارس الوصاية على أحد، والإسلام ليس هو الدين الوحيد الذي يَنبغي أن يُتَّبع".



وقالت الأخرى في تناغم مع القول السابق: "من حق الجميع أن يَعتنق الديانة التي يريد، ومن حقِّه أن يعبر ويُمارس عقائده حسب الديانة التي يختار، كما هناك الحق لأي شخص في ألا يكون له دين أصلاً".



يُقال هذا في بلد ينصُّ دستوره على أن الإسلام هو الدين الرسمي للدولة، استمدادًا من قول الله تعالى: ﴿ وَمَنْ يَبْتَغِ غَيْرَ الْإِسْلَامِ دِينًا فَلَنْ يُقْبَلَ مِنْهُ وَهُوَ فِي الْآخِرَةِ مِنَ الْخَاسِرِينَ ﴾ [آل عمران: 85].



7- وكيف لا يُحاولون التنصُّل من مبادئ هذا الدين، وهم يرون أنه المسؤول عن حرمان المرأة من التساوي الكامل مع الرجل؟



يقول أحدهم: إن "الدين ظلم المرأة حينما لم يسوِّ صراحة بينها وبين الرجل"، ويقول: "إذا لم تكن النصوص القرآنية صريحةً وواضحةً في المساواة بين الرجل والمرأة، فلْنُلقِ بها في مزبلة الأيدولوجية".



عبارات فجَّة، وتصريحات شاردة، وصيحات مَشدوهة، تُريد أن تثير المرأةَ التي أحاطها الإسلامُ بهالة من التقدير والاحترام، وأن تُخرجها من صَونها وعفَّتها، لترتمي في أحضان حرية موهومة، تتربص بها الشهوات، وتتقاذفها النزوات.



ومن جراءتهم على كتاب الله تعالى، أنْ نادوا بتعطيل كل آية تُثبت للرجل فضلاً على المرأة، ومنها التفضيل في الإرث، والتفضيل في الشهادة، وكذلك تعطيلهم آية التعدد، مما بناه الإسلام على أسس يعرفها كل عاقل.



حتى إذا دارت الدائرة عليهم، ووقفوا على تدهور حالة المرأة من خلال هذه الدعوات المكشوفة، ورأوا الحالة المُزرِيَة التي آلتْ إليها المرأة المغربية - حيث صرَّحت الحكومة أن هناك 7 ملايين من الأسر المغربية تعولها النساء، 50% منهن أرامل، و35.3 % منهنَّ يتعرضْن للعُنف - نسبوا ذلك إلى سلطة الرجل، وأنه الوحيد مصدر العنف، ضارِبين أمثلة برجال يشربون الخمر، ويَتجاوَزون حدود الله في معاملة المرأة، ونسوا أن الإسلام الذي حرَّم الخمر، هو الذي حرم الاعتداء على النساء، حتى كان من آخِر وصايا الرسول - صلى الله عليه وسلم -: ((استوصوا بالنساء خيرًا))؛ متفق عليه.



8- ومن آخِر تحليقاتهم، ارتفاع أصوات بعض الشباب الصغار - نسأل الله تعالى لهم الهداية وسلامة البصيرة - تجترئ على شهر رمضان، فلم يَكتفوا باقتراف جريمة هتْكِ حرمته بإفطاره في بيوتهم، حتى خرجوا إلى العلن، يَدعون إلى الإفطار العلنيِّ، ويوزِّعون منشورات لتشجيع الناس على ذلك، وترى أن هذا من باب الحريات الفردية التي لا يحق لأحد التدخُّل فيها، لترفع شعارًا على أحد المواقع الاجتماعية المشهورة يقول: "كلوا واشربوا أينما وحيثما وكيفما تريدون، تحية لكل اللادينيين عبر العالم".
إن كان عندك يا زمانُ بقيَّةٌ
مما يُهان به الكرامُ فهاتِهَا



وعلى الرغم من أنها تصرفات هوجاء، واستفزاز صارخ لمشاعر أزيد من 30 مليونًا من المغاربة، ودعوة لزرْع الفِتنة بين الناس، وتحريض على زعزعة عقيدة المُواطِنين، وضرب للقوانين المعمول بها في هذا الشأن، حيث جاء في الفصل 222 من القانون الجنائي المغربي: "كل مَن عُرف باعتناقه الدين الإسلامي، و تجاهَر بالإفطار في نهار رمضان، في مكان عمومي، دون عذْرٍ شرعي، يُعاقب بالحبس من شهر إلى ستة أشهر وغرامة"، على الرغم من كل ذلك، فقد وجدوا مَن يَسندهم، ويتكلَّم باسمهم في المحافل، وعلى صفحات الجرائد والمجلات، تقول إحدى رائدات حقوق الإنسان عندنا: "هؤلاء الشباب الذين يطالبون بالسماح بالإفطار العلني في رمضان، هذا مطلب نعتبره مطلبًا حُقوقيًّا، يدخل - أيضًا - في إطار الحريات الفردية، ولم ندعمهم فقط في حقِّهم في المطالبة بتغيير القانون وبتغيير الفصل، ولكن - أيضًا - دعمناهم حتى في المطلب في حدِّ ذاته، باعتبار أن الفصل 222 من القانون الجنائي - أيضًا - من القوانين المُجحِفة في مجال الحريات الفردية بشكل عام".



إن التغيير لا يأتي من خلال ردود أفعال حماسية؛ وإنما بالعمل الدؤوب، والصبر على الآخَر؛ قال تعالى: ﴿ وَقُلِ اعْمَلُوا فَسَيَرَى اللَّهُ عَمَلَكُمْ وَرَسُولُهُ وَالْمُؤْمِنُونَ ﴾ [التوبة: 105].



[1] مقال: "تحديات الربيع العربي" - محمد بن شاكر الشريف - مجلة البيان - العدد: 297 - (ص: 14).

[2] نفسه.

[3] مقال: "الإكراه على علمنة المجتمع المغربي وقيمه الإسلامية" - إبراهيم بيدون - مجلة البيان - العدد: 297 - (ص: 86).

[4]- الخبير الاقتصادي الدكتور عبدالواحد الإدريسي، أستاذ الاقتصاد السياسي.


الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
 
كرونولوجيا الأحداث وفقه الاستبصار
الرجوع الى أعلى الصفحة 
صفحة 1 من اصل 1

صلاحيات هذا المنتدى:لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى
اسلام ويب :: ۩✖ Known to the islam ۩✖ :: شبهـات حــول الاسـلام-
انتقل الى: