اسلام ويب
هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.



 
الرئيسيةأحدث الصورالتسجيلدخول

من فقه الدعاء يقول سيدنا عمر بن الخطاب - رضي الله عنه -: "أنا لا أحمل همَّ الإجابة، وإنما أحمل همَّّ الدعاء، فإذا أُلهمت الدعاء كانت الإجابة معه". وهذا فهم عميق أصيل ، فليس كل دعاء مجابًا، فمن الناس من يدعو على الآخرين طالبًا إنزال الأذى بهم ؛ لأنهم ينافسونه في تجارة ، أو لأن رزقهم أوسع منه ، وكل دعاء من هذا القبيل ، مردود على صاحبه لأنه باطل وعدوان على الآخرين. والدعاء مخ العبادة ، وقمة الإيمان ، وسرّ المناجاة بين العبد وربه ، والدعاء سهم من سهام الله ، ودعاء السحر سهام القدر، فإذا انطلق من قلوب ناظرة إلى ربها ، راغبة فيما عنده ، لم يكن لها دون عرش الله مكان. جلس عمر بن الخطاب يومًا على كومة من الرمل ، بعد أن أجهده السعي والطواف على الرعية ، والنظر في مصالح المسلمين ، ثم اتجه إلى الله وقال: "اللهم قد كبرت سني ، ووهنت قوتي ، وفشت رعيتي ، فاقبضني إليك غير مضيع ولا مفتون ، واكتب لي الشهادة في سبيلك ، والموت في بلد رسولك". انظر إلى هذا الدعاء ، أي طلب من الدنيا طلبه عمر، وأي شهوة من شهوات الدنيا في هذا الدعاء ، إنها الهمم العالية ، والنفوس الكبيرة ، لا تتعلق أبدًا بشيء من عرض هذه الحياة ، وصعد هذا الدعاء من قلب رجل يسوس الشرق والغرب ، ويخطب وده الجميع ، حتى قال فيه القائل: يا من رأى عمرًا تكسوه بردته ** والزيت أدم له والكوخ مأواه يهتز كسرى على كرسيه فرقًا ** من بأسه وملوك الروم تخشاه ماذا يرجو عمر من الله في دعائه ؟ إنه يشكو إليه ضعف قوته ، وثقل الواجبات والأعباء ، ويدعو ربه أن يحفظه من الفتن ، والتقصير في حق الأمة ، ثم يتطلع إلى منزلة الشهادة في سبيله ، والموت في بلد رسوله ، فما أجمل هذه الغاية ، وما أعظم هذه العاطفة التي تمتلئ حبًا وحنينًا إلى رسول الله - صل الله عليهلم -: (أن يكون مثواه بجواره). يقول معاذ بن جبل - رضي الله عنه -: "يا بن آدم أنت محتاج إلى نصيبك من الدنيا ، وأنت إلى نصيبك من الآخرة أحوج ، فإن بدأت بنصيبك من الآخرة ، مرّ بنصيبك من الدنيا فانتظمها انتظامًا ، وإن بدأت بنصيبك من الدنيا ، فائت نصيبك من الآخرة ، وأنت من الدنيا على خطر). وروى الترمذي بسنده عن النبي - صل الله عليهلم -: أنه قال: ((من أصبح والآخرة أكبر همه جمع الله له شمله ، وجعل غناه في قلبه ، وأتته الدنيا وهي راغمة ، ومن أصبح والدنيا أكبر همه فرَّق الله عليه ضيعته ، وجعل فقره بين عينيه ولم يأته من الدنيا إلا ما كُتب له)). وأخيرًا .. أرأيت كيف أُلهم عمر الدعاء وكانت الإجابة معه ، وصدق الله العظيم إذ يقول: (وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ فَلْيَسْتَجِيبُوا لِي وَلْيُؤْمِنُوا بِي لَعَلَّهُمْ يَرْشُدُونَ) (186)" (البقرة:186).


 

 قراءة في كتاب: الحداثة في التداول الثقافي العربي الإسلامي للدكتور سعيد شبار

اذهب الى الأسفل 
كاتب الموضوعرسالة


avatar


نقــاط : 99210
قراءة في كتاب: الحداثة في التداول الثقافي العربي الإسلامي للدكتور سعيد شبار Oooo14
قراءة في كتاب: الحداثة في التداول الثقافي العربي الإسلامي للدكتور سعيد شبار User_o10

قراءة في كتاب: الحداثة في التداول الثقافي العربي الإسلامي للدكتور سعيد شبار Empty
مُساهمةموضوع: قراءة في كتاب: الحداثة في التداول الثقافي العربي الإسلامي للدكتور سعيد شبار   قراءة في كتاب: الحداثة في التداول الثقافي العربي الإسلامي للدكتور سعيد شبار Emptyالجمعة 10 مايو 2013 - 3:53

قراءة في كتاب: الحداثة في التداول الثقافي العربي الإسلامي للدكتور سعيد شبار





شارك في القراءة: درجة برباق.




على سبيل التقديم:

الحداثة وما أدراك ما الحداثة؟

مصطلح سُئِل عنه مدادًا مدرارًا، وقتِل بحثًا، لقد أثار ضجَّة كبيرة في العالم العربي؛ بين مؤيِّد لهذا المصطلح، ومعارض له، تيَّار السلفية وتيار الحداثة، كلٌّ يدافع عن أُطروحته بما أُوتي من بَسطة في العلم، وكلا الفريقين يبحث عن مثالب الآخر، حتى كأن هذا المصطلح لم يوجَد له أثرٌ في الثقافة العربية.



من هنا أتت فكرة هذا البحث الذي سنحاول فيه تسليط الضوء على كتاب: "الحداثة في التداول الثقافي العربي الإسلامي"، الصادر عن منشورات الزمن بالمغرب، عدد للدكتور سعيد شبار، والذي قام فيه بمقاربة لهذا المفهوم؛ سواء في المجتمع العربي، أو الغربي، كما حاوَل إخراج هذا المفهوم من جلبابه الرديء الذي يتمسَّك به المضادون للحداثة على نحو إيجابي، لا يعادي الدين ولا الحداثة، فما هي مضامين هذا الكتاب؟ وما الخلاصة التي يمكن أن نَستشفها منه؟


للإجابة عن الأسئلة التي طرَحناها، فإننا انطَلقنا في مقالتنا بتمهيد اختَرنا له عنوانَ: "على سبيل التقديم"، وسنُثنِّي عليه بقراءة في تقديم الدكتور عبدالمجيد الصغير، لننتقل بعدها إلى أهم مضامين فصول الكتاب الثلاثة، عاكفين على تمهيد الدكتور سعيد شبار، مُذيِّلينها بخاتمة جامعة لأبرز ما تَمَّ التطرُّق إليه في ثنايا قراءتنا.



1- قراءة في تقديم الدكتور عبدالمجيد الصغير:

يشير د. الصغير منذ البداية إلى الفوضى التي تشهدها المصطلحات، ولا سيما في عصرنا، ومن بين هذه المصطلحات: مصطلح الحداثة، الذي أثار جدالاً واسعًا داخل البيئة العربية، ومرَد ذلك حسب الكاتب إلى فِقدان العرب لمناعة المقاومة للغرب المارد؛ مما أفرَز لنا مجتمعًا استهلاكيًّا.



أشار أيضًا إلى التعامل التعسُّفي للعديد من المنظِّرين للحداثة العربية مع هذا المصطلح، كما لفَت انتباهنا إلى عدم استقراره في تداوله الغربي؛ إذ صار هذا المصطلح يتعرَّض للانتقادات داخل بيئته الأصيلة؛ نظرًا لِما له من إفرازات سلبية، إضافة إلى ما سلَف، وحذَّر من القِيَم التي تنطوي عليها هذه الحداثة من قِيَم العولمة، وبُغية مواجهة القِيَم هاته يجب القيام بنقدين: نقد للذات، ونقد لهذه الحداثة.



ويعبِّر د. الصغير عن رفضه للحداثة الحاليَّة بوصفه لها بالحداثوية؛ نظرًا لأنها تلغي وتنفي كل النماذج والتجارب الإنسانية الأخرى، كيف لا وهي تنضوي تحت لواء العولمة؛ سواء على المستوى الأخلاقي والفكري، والاقتصادي والسياسي؟ مما يجعل الحداثة -على حد تعبيره- حليفةَ الاستبداد.



مُبديًا إشفاقه على موقف الفكر العربي المعاصر، الذي ربَط مصير العالم الإسلامي بتقمُّص الحداثة الغربية بمكوِّناتها السلبية والإيجابية، ورأى فيها نهجًا محمودًا، وقدرًا محتومًا، ولهذه الأسباب وفي غياب تبريرات منطقية، وطغيان أحكام كليَّة وتقريرية، لا يحسنون غير الدعوة إلى "الهدم" و"القطع"، وتوسُّلهم بنفاق سياسي لا تَخفى على المحلِّلين أساليبُه البراغماتية، وأغراضه المحدودة.



2- قراءة في مضامين الكتاب:

فصل المؤلف كتابه ثلاثة فصول، نُوردها في العوارض الآتية:

الفصل الأول: المصطلح والمفهوم في اللغة والشرع والاصطلاح.



الفصل الثاني: الحداثة في التداول الثقافي والعربي الإسلامي: جدل الاتصال والانفصال.



الفصل الثالث: الحداثة في الفكر العربي الإسلامي المعاصر بين اتجاهي الإطراء والنقد.



استهلَّ الدكتور سعيد شبار كتابه بتوطئة شخَّص فيها المرض الذي يعاني منه العقل العربي المعاصر، وقد وسَمه بالأزمة الفكرية؛ مما جعل الأوطان دون دفاعات فكرية وجمارك معرفية، كما عاب تهميش المجتمعات للثقافة، واختزال دورها الحيوي في التلاقح و"الانفتاح" و"التثاقف"، واعتبرها شأنها شأن تحقيق الأمن الاقتصادي والسياسي والعسكري في مجتمع معيَّن، فالكِيان الثقافي هو الكيان المغذي لباقي الكيانات الآنفة الذِّكر، ونظرًا لغياب الأمن الثقافي في مجتمعنا، غزَتْنا مجموعةٌ من المفاهيم الغربية رغم توافُرنا على مفاهيم أصيلة ذاتية، وكتمثيل لذلك يستشهد الكاتب بمصطلح "الحداثة"، والذي ليس غريبًا عن المجتمع واللغة العربيَّيْن، قبل أن يُفسح المجال للمضمون الغربي، الذي هيمَن أخيرًا وأمسى مرجعًا تعريفيًّا بحكم غلبته في التداول والاستعمال؛ إذ غدا أيديولوجية العصر في الفكر العربي المعاصر، بما يحمله من "قِيَم" ومبادئ "تصوُّرية"، يرجع معظمها إلى الفلسفة العلمانية، ويَعزو الكاتب تلقُّف الفكر العربي المعاصر لهذا المصطلح بهذا الفَهم إلى طموحه القوي ونزعته الحادة نحو عالم أفضل، ولكن العائق هنا هو أن الحداثة في الغرب تعبيرٌ عن واقع تحقَّق فعلاً، أما في العالم العربي، فتعبير عن رغبة وتطلُّع وحُلم موجود ومُرتَقب.



انتقل الكاتب إلى التأريخ لمفهوم "الحداثة"، من خلال النظر في الأصول الشرعية والاصطلاحات المتقدمة الكلامية والفقهية؛ وذلك بغية الإجابة عن سؤال نرى أنه إنكاري، مَفاده: هل مصطلح "الحداثة" هذا غريب عن الثقافة العربية الإسلامية هذه الغرابة كلها، لدرجة أنه لا يذكر إلا منتميًا إلى الحقل الثقافي الغربي، ومحمَّلاً بمضامينه، أم أن له أصولاً وجذورًا فيها قبل أن يَرِد عليها بأصول وجذور أخرى؟


سؤال تفرَّد بالإجابة عنه الفصل الأول من الكتاب، والذي أبرز من خلاله الدكتور سعيد شبار عدم غرابة هذا المصطلح عن الواقع العربي، من خلال استشهاده بأمثلة من مادة "حدث"؛ (معجم لسان العرب؛ لابن منظور)، وكذلك بعض التضمينات الفلسفية والكلامية، وتُجمع أغلب المعاجم على أن لفظة حديث تشير إلى نوع من "القطع" مع الماضي والقديم، فهذا المفهوم يدور حول عقارب الساعة ويطوي الزمن دومًا إلى الأمام.



ونجرِّد فيما يلي بعض معاني هذا المفهوم في العوارض أسفله:

• حداثة السن: كناية عن الشباب وأوَّل العُمر.



• الحديث: الجديد من الأشياء.



• المُحدَث: ما أُوجِد بعد أن لم يكن.



• مُحدثات الأمور: المخالفة.



خلَص الكاتب إلى أن المُحدث والمبتدع، ليسا دائمًا قبيحين ولا شرًّا، ولا مذمومًا؛ وذلك بناءً على مجموعة من الأحاديث وشروحات العلماء، كما أنه ليس دائمًا نقيضًا للقديم ومقابلاً له، وبتعبير آخر ليس انقطاعًا عنه؛ وإنما استمرار له وتواصُل معه.



انتهى الكاتب في ذيل الفصل الأول إلى أن طمْس معالم التحديث الإيجابية مردُّها إلى عاملين أساسيين:

• ارتباط المصطلح بحقبة تاريخية تدخل في حقبة وعيد الحديث النبوي لأهل البدع والأهواء البعيدين عن الشرع، وكذا ما طغى على الحكم والسياسة الشرعية من انحرافات أمْلتْها الأغراضُ والأهواء.



• غلبة الاصطلاح الكلامي والفلسفي على اللفظ، إضافة إلى انسحاب هذا المفهوم من المفاهيم التي حملها تاريخيًّا؛ ليُفسح المجال لمضامين أخرى تنتمي إلى ثقافة أخرى، وبالتحديد الثقافة الغربية، فما المقصود بهذا المصطلح في الثقافة الغربية؟


يقرُّ الكاتب في البَدء بصعوبة تتبُّع ميلاد ونشأة الحداثة في الفكر الغربي؛ نظرًا لتنوُّع المدارس والاتجاهات في نظرتها، وكذا اختلاف المصطلحات والمضامين لديها، فالحداثة سلاح ذو حدَّين تَجاذَبته مجموعة من الاتجاهات، التي يرى البعض منها أنها من الزمن الحالي والراهن، فهي بنت لحْظتها، أما البعض الآخر، فيرى أن الحداثة قديمة قِدَم الإنسان، أو بالأحرى في أعماق القرون البائدة، إلا أن هناك تيَّارًا توفيقيًّا يتوسَّط الاتجاهين، فلفظة "حديث" كما أشار إليها الناقد يورغان هابرماس، قديمةٌ تعود إلى القرن الخامس الميلادي، فقد جاءت كنتيجة انتقال من القديم إلى الجديد.



هذا المصطلح الذي بلَغ أوْجَ الصراع بفعْل تلك المواجهة العنيفة بين المحدثين والقدامى، فالقرنان السابع عشر والثامن عشر عرَفا تغييرًا جذريًّا؛ إذ تَمَّ وضع أُسس فلسفية وسياسية للحداثة، فهي لم تكن تعبيرًا عن أنماط للحياة، بقدر ما كانت تعبيرًا عن تنفيذ للمشروع الحضاري البورجوازي الليبرالي، وبالتالي هناك تعاريفُ للحداثة أخذت طابعًا تجريديًّا، ابتعدَت عن كل ما هو فلسفي وسياسي، نحت منحى الشمول والاستيعاب والانفتاح؛ لتغزو المجالات كلها، وبالرغم من الانتشار الواسع للحداثة، فإنه ما يزال الغموض والإبهام يلتصقان به، فهو لا يُسلم بقُدسية الأشياء ولا يقبلها بمسمَّياتها؛ وإنما يسعى دائمًا إلى تحديد المعاني المناسبة له والتي تخدمه، فهو يرفض كل تعريف وتحديد، بل أكثر من ذلك، فقد جرَّد المجتمع من مقومات ثرائه وأبعاده الإنسانية، وحوَّله إلى مجتمع ذي بُعد واحدٍ، قائمٍ على مجموعة من المواصفات، وكأنه مجتمع بلا معارضة، يسوده مجال سياسي منغلق على ذاته، رغم تطوُّر أنظمة المراقبة به؛ (الأساس التكنولوجي الذي انْبَنت عليه الحياة الحديثة، هو ذاته عصب العملية الرقابية، وصارت الحكومات في المجتمعات الصناعية تسيِّر المجتمع في شكل كتلة آليَّة متوزِّعة قطعها على شبكة إنتاجية واسعة)، ص (40).



إلا أنه لا ينفي أنَّ ما قامت به الحداثة لا يُمكن الخروج منه، بل هناك إمكانية كبرى للتغيير باستعمال عقلانية نقدية؛ من أجْل تأسيس مجتمع إنساني حرٍّ.



يوكد الكاتب أن ما بعد الحداثة سيولِّد انفجارًا لا محالة لكل الحدود والفوارق، ويمهِّد لانتهاء كل ما هو حقيقي وقطعي، فهو نهاية للمراجع الكبرى، ونهاية لكل ما هو اجتماعي، وبالتالي إعلان عن نهاية للإنسان الذي نشأ في كنَف مفهوم العلوم الإنسانية، فالإنسان العربي كان دائمًا باحثًا عن الحرية والخروج من مجتمعه الذي عانى النكسات والهزائم المتتالية.



وأمام هذا الوضع الراهن، كان لا بدَّ له من البحث عن البديل، فلم يجد أمامه سوى ذلك الغرب المتقدم المُزدهر، الذي يعيش تحت رحمة الحداثة، وهذه الأخيرة لم تتوانَ عن تنفيذ مشروعها الرامي إلى إلغاء كل الروابط الدينية التي تربط الإنسانَ العربي بالله وبمقدَّساته الدينية، فأعطَت الألوية لمملكة العقل البشري.



إن الحداثوية تعمل في طيَّاتها أيديولوجيات مختلفة، على رأسها موت الذات قبل كلِّ شيء، وإبراز العقل المفكر والمدبِّر للكون، فهو المصدر الوحيد للتفكير والسير بالعالم إلى مسار التطور وغزو المجهول، ومرَدُّ ذلك عند "آلان تورين" إلى مجموعة من المعايير الرامية إلى أن الإنسان هو سيد الكون، والمُخوَّل المطلق بالتصرُّف في إمكاناته الطبيعية وباقي الموجودات، كما أن العقل هو أداة الإنسان الوحيدة لإدراك محيطه، والكشف عن مجاهيل الطبيعة بما فيها الكِيان الإنساني، فتاريخ الإنسانية تقدُّمي ووحيد الاتجاه، كما أن المجتمع الغربي هو الحلقة الأكثر تطوُّرًا في أنماط الاجتماع البشري، وأن هذا التطوُّر يستوعب جوانب الحياة كافة، فالطريق إلى الحداثة هو الطريق إلى الغرب، وبالتالي التخلي التام عن ميراث الأمة القِيَمي، وتصوُّراتها الثقافية والدينية والأخلاقية.



وننتقل إلى الفصل الأخير من الكتاب بطرْح السؤال الآتي: كيف نظر المفكرون العرب إلى الحداثة في الفكر العربي الإسلامي المعاصر؟


انقسم المفكرون العرب في نظرتهم للحداثة إلى رأيين: اتجاه إطرائي، وآخر نقدي، ومن ممثلي التيار الأول محمد أركون، الذي دعا إلى الانخراط في هذه الحداثة دون أي رجوع إلى الوراء؛ وذلك تحت مبرِّر التسامح، كما أشار إلى أن الإسلام كان يمثِّل حداثة إبَّان مجيئه، أما الآن، فقد صار تراثًا لا غير، ويُشير أيضًا إلى عجز اللغة العربية؛ نظرًا لارتباطها بالدين، عكس اللغة الأوروبية المعلمنة، وإضافة إلى ما سلَف يميِّز أركون بين مصطلحين: الحداثة والتحديث، فالأول: يعني موقف الروح أمام المشكلة المُعرَّفة، أما الثاني، فهو مجرد إدخال آخر المخترعات الأوروبية الاستهلاكية، وإجراء تحديث شكلي أو خارجي، لا يُرافقه أي تغيير جذري في موقف المسلم للكون والعالم.



وانتقل الكاتب إلى استحضار كاتب آخر يسير على منوال أركون؛ حيث يرى "حنا عبود" أن الحداثة فعل كوني وشمولي، وعندما يكون هذا الفعل محليًّا، نطلق عليه تجديدًا أو جديدًا، وقسَّمها إلى قسمين:

الحداثة الزراعية التي ظهرت في اليونان، والحداثة الصناعية التي ظهرت في أوروبا، ومن هذا يستخلص أن الكاتب يَعتبر المدينة عنصرًا ضروريًّا في ظهور الحداثة، وقد ذهب إلى القول بأن العالم ريف وأوروبا مدينة.



أما الاتجاه الثاني، فيرى أنه من الواجب الرجوع إلى الذات عِوَضًا عن الاحتماء بالغرب؛ نظرًا لاختلاف البيئة المُشكِّلة للحداثة عندهم عن بيئتنا، كما انتقدوا أيضًا ازدواجيَّة الولاء، ويرى طه عبدالرحمن أن هذه الحداثة قامت على أصلين اثنين، يقضيان بقطْع الصِّلة مع صِنفين من الاعتبارات التي يأخذ بها كل متديِّن، ويقول الأصل الأول: إنه "لا أخلاق في العلم"، أما الأصل الثاني، فيُسلِّم بأنه "لا غيب في العقل"، كما خلَص الدكتور طه عبدالرحمن إلى أن الحداثة تعيش "أزمة صدقٍ" و"أزمة قصدٍ"؛ ومرَد ذلك إلى فصل العالم عن الأخلاق والعقل والغيب، كما استحضر الكاتب أيضًا موقف الدكتور محمد عابد الجابري الذي انتقد الحداثة الأوروبية تحديدًا، التي اتَّخذت من عصر الأنوار منطلقًا لها؛ حيث عاب عليها استغلال الشعوب، وتحوُّل الاستعمار إلى إمبريالية، ويُصرِّح بأن طريق الحداثة عند العرب بحاجة إلى الانتظام النقدي، وبهذا تعني الحداثة -قبل كل شيء- حداثةَ المنهج وحداثة الرؤية.



خاتمة:

سعى الدكتور شبار في مؤلفه إلى تبيان أن مفهوم الحداثة ليس غريبًا كل هذه الغرابة التي يُشان بها في الأوساط العربية، وإنما ارتباطه بالجانب الديني لدى السواد الأعظم، جعَله يحمل حمولة سلبيَّة، ومن هذا المنطلق -وبتبصُّر- حاوَل الكاتب تأكيد العكس، فلهذا المفهوم إيجابيَّاته، فليس بعيدًا كل هذه المسافة عن محيطنا قبل أن نستوردَه في لباسه الغربي، وقد تلقَّفه الفكر العربي بنَهمٍ؛ لنَزعته الحادة نحو عالم أفضل، كما حاوَل الكاتب مقاربة المفهوم في بيئته الغربية؛ فمنهم مَن اعتبر المفهوم ضاربًا في جذور التاريخ، ومنهم من اختار الوسطية، ومن ثَمَّ انقسَم المفكرون العرب في تبني هذا المفهوم إلى تيارين: تيار إطرائي يُبجِّل القِيم والحضارة الغربية، ويدعو إلى اقتفاء آثارهم، وتيار ثانٍ يقف موقف المراجعة والنقد للأُطروحات الغربية الخالصة.



وصفوة القول: إن د. شبار حاوَل وبكل أنَاةٍ رصْد هذا المفهوم داخل السرب وخارجه، ومن ثَمَّ يُمكننا الخلوص إلى أننا نعيش أزمة مفاهيم؛ لافتقادنا لجمارك ثقافية على حدِّ تعبير الكاتب، كما لا يمكن اعتبار أي شيء قادم من الغرب شرًّا مهدِّدًا لكِياننا، أو شيئًا إيجابيًّا لا مَحيد عنه؛ أي: إنه للحداثة سلبيَّاتها وإيجابيَّاتها.


الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
 
قراءة في كتاب: الحداثة في التداول الثقافي العربي الإسلامي للدكتور سعيد شبار
الرجوع الى أعلى الصفحة 
صفحة 1 من اصل 1
 مواضيع مماثلة
-
» قراءة في "الفكر العربي" لمحمد أركون
» كتاب لا تحزن للدكتور عائض القرنى
» [كتاب جنة الدنيا للدكتور: عبدالعزيز الفايز]
» كتاب ماذا يريد الشيعة من العالم الإسلامي!
» الغارة على العالم الإسلامي كتاب الكتروني رائع .

صلاحيات هذا المنتدى:لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى
اسلام ويب :: ۩✖ Known to the islam ۩✖ :: شبهـات حــول الاسـلام-
انتقل الى: