السؤالالسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.أنا
شابٌّ أدرسُ في منطقةٍ بعيدةٍ عن مسكني، اتخذتُ بيتًا قُرب مكان دراستي،
يسكن معي فيه شابٌّ ارتحتُ له كثيرًا؛ فهو ذو خُلُقٍ ودِين، محافظٌ على
الصلوات، والصيام، وقراءة القرآن، والأذكار، وغير ذلك، إلا أنه يبدو دائمًا
حزينًا غامضًا في كثيرٍ مِنَ الأحيان، لا يحب أن أعرف ما وجهتُه إذا خرج،
ويغضب إذا عرفتُ أو سألتُه!في
أحد الأيام احتاجني لحلِّ مشكلةٍ في حاسوبه؛ وأثناء حلِّ مشكلة الحاسوب،
وجدتُه يبحث في المواقع عن مواضيع: (علاج الشذوذ الجنسي)، ولم أكن أعلم ما
الشذوذ الجنسي؟دفعني
الفضول فقمتُ بالبحث عن مواضيع تخص هذا الأمر، وقمتُ بالبحث في حاسوبه -
بدون علمه - علَّني أجد شيئًا يعرِّفني هُوِيَّة هذا الشخص، لكني لم أجد
شيئًا في حاسوبه، فدفعني الفضول أكثر بأن أقوم باستعادة جميع الملفات
القديمة المحذوفة عنده، وقمتُ بتنصيب برنامج مُراقبة وكشف "الباسورد" على
حاسوبه، وبعد حصولي على "باسورد بريده" فتحتُه، وعلمتُ مِن الأرشيف أنه كان
يُمارس الجنس عن طريق الإنترنت؛ فصُدِمتُ ولم أصدقْ! وبعد التأكد ندمتُ
أشد الندم؛ لأني تركتُه يعيش معي.جمعتُ كلَّ ما حصلتُ عليه مِن معلوماتٍ في مجلد خاصٍّ، وأخفيته في حاسوبي، حاولتُ أن أخبره بالموضوع، لكني لم أتمكَّن.عرَف
بالأمر وأني علمتُ ما يفعل، فترك لي رسالة مفادها: أنَّ هذا الفعل مِنَ
الشيطان، وهو يحاول تركه، والموضوع يخصه، وعاتبني أني اطَّلعت على
خصوصياته.قمتُ
بتغيير "باسورد" بريدِه، وطلبتُ مقابلته، وأخبرته أني لنْ أعطيه
"الباسورد" إلا بعد مقابلته، وبالفعل قابلتُه وأخبرتُه أن الموضوع سيبقى
سرًّا، ولن أكشفه لأحدٍ، وأخبرتُه بأنه لا داعي لهذا الشيء؛ فكم من مؤمنٍ
قد أغواه الشيطان، وأن بابَ التوبة مفتوحٌ، والله - سبحانه وتعالى - يغفر
الذنوب.أحسستُ
أنه ارتاح واطمأنَّ لذلك، وتحدَّثنا كثيرًا حول هذا الأمر، فتبيَّن لي أنه
منذ فترة طويلة وهو يُعالَج، وأنه في نهايات العلاج تقريبًا، فقدَّمتُ له
النصائح، ونصحتُه بالزواج.أحسستُ
أنَّ ثقته أصبحتْ معدومةً؛ فهو يخشى منِّي دائمًا، مع العلم أني أُعامِلُه
بشكلٍ حسَنٍ، ولم أُبْدِ له أي سوء، وفي الوقت نفسه أنا لا أصدِّقه
نهائيًّا؛ إذ كذب عليَّ مرات كثيرة، فلا أصدق أي كلام يقوله.السؤال:1- هل أخطأت في حقِّه عندما اطلعتُ على خصوصياته؟2- هل كان مِنَ الخطأ أن جعلته يعرف أني عرفت بأمره؟3- هل ما يعمله مِن العبادات حقيقيَّة خالصة لله؟ أو فيها رياء؟4- كيف أستطيع أن أساعده؟ وكيف أجعله يثق بي؟5- كيف أجعل نفسي أصدق كلامه وألا أشك فيه؟ الجواببسم الله الرحمن الرحيم
ابني الكريم، السلام عليكم ورحمة الله تعالى وبركاته.يسعدنا انضمامك إلينا ، ونشكر لك ذلك؛ سائلين الله تعالى أن يُسَدِّدنا في تقديم ما ينفعك وينفع جميع المستشيرين.
كما أودُّ أن أحيي حرصك على
صديقك ووفاءك له، وهو أمرٌ إيجابيٌّ يُحْسَب لك، رغم إخفاقك في اختيار
السبُل السليمة للتعبير عن ذلك؛ فالأسلوبُ الذي اتخذته للتحقق من سلوكيات
صديقك لم يكنْ مُوَفَّقًا أبدًا، فإن كان الله تعالى قد نهانا أن (نسأل!)
عن أشياء لا تعنينا، وأبدى لنا أن معرفتها ستسوءنا، فما بالك بنتائج
(التجسُّس) على خصوصيات غيرنا، ولا سيما مَن ائتمننا عليها؟!
واعلم - يا بني - أنَّ هذا الرد
ليس ردًّا على سؤالك الأول فقط، بل هو أيضًا توضيحٌ لسبب انعدام ثقة صديقك
بك، فخِبْرتُه معك جعلت التزامك الديني والخلقي محض شك وتوجس في نفسه،
بسبب اتباعك أسلوبًا لا ينْسَجِم مع توقُّعاته عنك، وزاد من ذلك إصرارك على
تغيير "الباسورد" الخاص به ومساومتك له به لتعلمَ بيته؛ فإن حسن نيتك في
هذا الأمر ونُبْل وسمو هدفك لا يكفي أمامه لتبرير ما قُمت به، ومن هنا يأتي
رد سؤالك الآخر عن صدق دين صديقك، فصدق النيات لا يعلمها إلا اللهُ تعالى،
وأن أي مسلم معرَّض لتناقُضات بين سلوكه وعقيدته، بسبب الصراع بين الضمير
وبين اتباع الأهواء والشهوات، ولكن هذه الحالة تنتهي بالرجوع عن تلك
التناقضات، والتوبة من المعاصي، وهو ما يعيده إلى الاتزان النفسي والفكري
والسلوكي، كما أن حسن الظن بالآخرين مِنَ السمات التي لا بد أن يتسمَ بها
المسلمُ، وهي أيضًا من أسباب ارتياح النفس وبناء العلاقات الجيدة.
ولأن ما حدث قد حدث، فما عليك
الآن إلا التفكير مليًّا فيما صدر عنك مع صديقك، وقيامك بمراجعة ذاتية
لكلِّ ذلك؛ لتتعرفَ بنفسك على تلك الأخطاء، وتعزم على تركها، مع تحري
السبُل الصائبة لدعوة الناس إلى الصالحات، وأمرهم بترك المنكرات، ولا يوجد
في ذلك أنجع من التأمل في نهج الرسول - عليه الصلاة والسلام - وأصحابه
الكرام، الذين جعلهم الله تعالى سببًا في نَشْر قِيَم الإسلام إلى العالم
أجمع، وتغيير أفكارهم وسلوكياتهم السلبية.
كما أنصحك بفَتْح حوارٍ صريحٍ
مع صديقك تُقِر فيه له بخطَئِك في عدم اتباع الأسلوب السليم للتعبير له عن
حرصك عليه، وعلى تطبيق شرع الله تعالى.
ثم اتخِذ مِن هذا الاعتذار
مدْخلًا لتُوَضِّح له أنَّ كل ابن آدم خطاء، وأن خير الخطائين التوابون؛
لتعلنَ أمامه أنك ستعزم على ترْكِ هذا الأسلوب الخاطئ، وبأنك تأمل في أن
يساعدك على هذا التغيير بالتذكير وغيره، فإن ذلك سيعطيه شعورًا بأنك تؤمن
حقًّا بماتقوله، وبأنك تحترمه وتُقَدِّره؛ بدليل أنك تطلب منه أن يساعدك
على تجاوز أخطائك أنت أيضًا.
ولكي تنجحَ في الوصول إلى هذا
الهدف، لا بد لك أولًا أن تقتنعَ أنت شخصيًّا بما تقوله له؛ ليكونَ حديثك
معه نابعًا مِن قلبك، فيشعر بصِدق معانيه وعندها سيقع تأثيره في نفسه -
بإذن الله تعالى .
وأخيرًا، أختم بالدعاء إلى الله تعالى أن يمنَّ عليك وعلى صديقك بالصلاح، وأن ينفع بكما، وسنسعد بسماع أخبارك الطيبة مجددًا.