السؤالالسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.أرجو
أن أجدَ لديكم إجابةً شافيةً عن سؤالي هذا، ويؤسفني أن أقول: إنني
تحرَّشتُ بأختي جنسيًّا، وللأسفِ الشديد تساهَلَتْ هي معي في ذلك، ولكن
لأكونَ صريحًا معكم أن كلَّ تلك الأمور كانتْ مُداعَباتٍ سطحيَّة جدًّا،
ولم يحدثْ أيُّ إيلاج أو ما شابه ذلك! وقد تكرَّر هذا الأمرُ أكثرَ مِن
خمسِ مرَّات في فتراتٍ متقطِّعة، ولكننا توقَّفنا تمامًا بعد مدة، وعقلنا
وأدْرَكْنا أنَّ ما نحن عليه غيٌّ وانحرافٌ وشذوذٌ عن الفطرة السليمة، وقد
اتَّفقنا وأخَذْنا على أنفسِنا عهدًا ألَّا نعودَ لمثْلِ هذه الممارَساتِ،
وتُبْنَا توبةً نَصوحًا، وأظْهَرْنا ندَمَنا على هذه الفعلة الشنيعة،
والحمد لله على ذلك.سؤالي الذي أود طرحه هنا:أنني وأختي
لم نُخبِرْ أحدًا قط مِن العائلة، وخصوصًا والدنا العزيز؛ خشية أن ينهار،
أو تتفكَّك العائلة، مع العلم أننا تركْنَا هذه الأفعال منذ سنين، وأختي
الآن متزوِّجة، ولكني أشعرُ بالندَم الشديد، وأشعر باليأس والإحباط عندما
أسترجع تلك الذكريات الأليمة! مع أنني نادمٌ ومتأسِّف لما حدَث، وأشعر بأني
لستُ كبقيةِ الناسِ، وأنني خنتُ الأمانة، وخدعتُ والديَّ، وخُنْتُ ثقتَهما
بي في المحافظة على عِرْضي وشرفي؛ فهل لكم أن تَرشُدوني لما هو صواب،
والطريق السليم لمعالجة هذه الحالة، وسأكون لكم مِن الشاكرين؟! الجوابأخي العزيز، السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.أسأل
الله تعالى أن يتقبَّل توبتَك، ويغفرَ لك زلَّتك، ويطهِّر سريرتَك
وعلانيتك، وأن يصلحَ قلبك ودينك، ودنياك وآخرتك، وأن يبدِّل سيئاتك إلى
حسنات. أخي التائب، لا شكَّ أن ما
فعلتَه - كما قلتَ - إنما هو غيٌّ وانحرافٌ وشذوذ عن الفطرة السليمة،
ويُعدُّ سلوكًا شنيعًا، وذنبًا عظيمًا، وإثمًا كبيرًا، ولكنه - إن حَسُنتْ
توبتُك - لا يعظم في مقابل عفوِ الله تعالى، وكما قال أبو نواس:
يَا رَبِّ إِنْ عَظُمَتْ ذُنُوبِي كَثْرَةً فَلَقَدْ عَلِمْتُ بِأَنَّ عَفْوَكَ أَعْظَمُ
إِنْ كَانَ لَا يَرْجُوكَ إِلَّا مُحْسِنٌ فَبِمَنْ يَلُوذُ وَيَسْتَجِيرُ المُجْرِمُ
أَدْعُوكَ رَبِّ كَمَا أَمَرْتَ تَضَرُّعًا فَإِذَا رَدَدْتَ يَدِي فَمَنْ ذَا يَرْحَمُ
مَا لِي إِلَيْكَ وَسِيلَةٌ إِلَّا الرَّجَا وَجَمِيلُ عَفْوِكَ ثُمَّ أَنِّي مُسْلِمُ
|
فهنيئًا لك - أخي الحبيب - هذه
التوبة إن تحقَّقتْ فيك شروطها؛ كما قال العلماء في بيان شروط التوبة: (
الندم، والعزْم على عدم العودة، ورد المظْلَمة).
وقال المُناوِي - رحمه الله -:
"شروط التوبة: الإيمان الكامل، والعمل الصالح، ثم سلوك سبيل المهتدين مِن
مُراقبة الله وشهوده، وإدامة الذِّكْر، والإقبال على الله بقلبه وحاله
ودُعائه وإخلاصه؛ فإذا تحقَّقتْ فيك شروطُ التوبة؛ قَبِل الله توبتَك؛ قال
تعالى في كتابه العزيز: ﴿
إِنَّمَا
التَّوْبَةُ عَلَى اللَّهِ لِلَّذِينَ يَعْمَلُونَ السُّوءَ بِجَهَالَةٍ
ثُمَّ يَتُوبُونَ مِنْ قَرِيبٍ فَأُولَئِكَ يَتُوبُ اللَّهُ عَلَيْهِمْ
وَكَانَ اللَّهُ عَلِيمًا حَكِيمًا ﴾[النساء: 17].
وأعتقد أنك - أخي الكريم - قد
ارتكبتَ هذا الفِعْل بجهالةٍ على ما يبدو، وقد هداك الله تعالى للتوبة،
وعَلَتْ نفسُك فوق هذا الفِعل، وأَبَتْ فطرتُك السليمةُ، وعقيدتُك الصحيحةُ
أن تَسْتَمْرِئَه، وعُدْتَ إلى صوابك قبل فواتِ الأوان.
ولكي تتعامل مع هذه التجربة تعامُلًا سليمًا أنصحُك بما يأتي:• لا تُخبِر أحدًا بما حصَل - وخصوصًا أن الله تعالى قد سترَك - بل يَكْفِيك
التوبة الصادقة النصوح، وتذكَّر دائمًا حديثَ النبي - صلى الله عليه وسلم
-: ((كلُّ أمتي معافى إلا المجاهرين، وإن مِن المجاهَرة أن يعملَ العبدُ
بالليلِ عملًا، ثم يُصبِح قد ستره ربُّه، فيقول: يا فلانُ، قد عملتُ
البارحةَ كذا وكذا، وقد بات يسترُه ربُّه، ويُصبِح يكشف سِتْر الله عنه))؛
[متفق عليه].
• أدِّ الفرائضَ، وأكثرْ مِنَ النوافل؛ فسوف يخلق ذلك فيك العزيمةَ والثبات،
وطمأنينة الحاضر وتفاؤُل المستقبل، فلا شكَّ أنَّ كثرةَ الحسنات تَمحُو
السيئات، وتبعثُ الراحة والسكينةَ في نفس المؤمن؛ قال الله تعالى: ﴿
وَأَقِمِ
الصَّلَاةَ طَرَفَيِ النَّهَارِ وَزُلَفًا مِنَ اللَّيْلِ إِنَّ
الْحَسَنَاتِ يُذْهِبْنَ السَّيِّئَاتِ ذَلِكَ ذِكْرَى لِلذَّاكِرِينَ ﴾ [هود: 114].
• تذكَّر دائمًا أن الزمَنَ جزءٌ مِن العلاجِ، فلا تفكِّر في هذا الأمر،
وحاوِل أن تتناساه، وإذا تذكَّرتَه فأَبْدِ ندمَك عليه، وتضرَّع إلى الله
تعالى أن يغفرَه لك.
• تعلَّم
مِن خطَئِك هذا، وادرُسِ الأسبابَ التي أدَّتْ بك إلى هذا الفِعْل، وحاوِل
أن تُجَنِّبَ أولادَك وكلَّ مَن لك سُلطان عليه هذه الأسباب.
• كُنْ قدوةً لمن حولك - حتى أختك - وأعطِ مِن نفسِك مثالًا يُحتَذى في
البُعْد عمَّا حرَّم الله تعالى، وساعتها ستعلمُ أختُك أنك نادمٌ على ما
فعلتَ معها، عملًا لا قولًا، وفعلًا لا لفظًا.
• هناك أمران يجعلانِ الذكريات الأليمة حبيسة في عقلك الباطن:
الأول: أنه ليس هناك ضمانٌ أن الحدَث الأليم لن يتكرَّر، فإذا استطعتَ إقناعَ
عقلك الباطن بأن هذا الحدث لن يتكرَّر، فلن تجد أي صُعوبة في نسيانه.
الأمر الثاني: الذى قد يجعل الذكرياتِ الأليمةَ تبقى هو: الإحساسُ بالذَّنْب.
فإذا استطعتَ أن تتغلَّبَ على هذين الأمرين، فسوف تنسى هذه التجربة - إن شاء الله، أو على الأقل ستخف وطْأتُها عليك عندما تتذكَّرها.
• احذرِ اليأس؛ فإنه أُولَى خطواتِ فقدان الثقة في النفس، وبداية الاستسلام
لوسواسِ الشيطان، والبُعْد عن طريق الهداية، فكلما شعرتَ باليأس افزعْ إلى
الله تعالى، وابْكِ بين يديه، وتحدَّث إليه بما تشعُر، وتذلَّل إليه، وستجد
أنك تتعامل مع ربٍّ كريمٍ، يفرحُ بتوبة عبده؛ كما قال رسول الله - صلى
الله عليه وسلم -: ((للهُ أفرحُ بتوبة عبده من أحدِكم، سقط على بعيرِه، وقد
أضلَّه في أرض فلاةٍ))؛ [رواه البخاري].
وفَّقك الله تعالى لما يحبه ويرضاه، وتقبَّل منك التوبة، وغفر لك الزلَّة