السؤالبسم الله، والصلاة على رسول الله وآله وصحبه أجمعين.السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.أنا
معلِّمة طيِّبة للغاية بشهادة الجميع، ومُتعاوِنةٌ إلى أقصى حدٍّ، غير
متكبِّرة، وأتعامل مع تلامذتي بشكلٍ جيد، مُتسامِحة، لكني في لحظاتٍ أخرى
أتوتر لأتْفَه الأسباب، وأنفعل أمام الجميع، خاصَّة زملائي، وأنسحب باكيةً،
غير قادرة على النوم ولا الأكل.أنا
أحب نظافة القِسْم الذي أدرِّس فيه، إلى درجةٍ أني أنظِّفه بنفسي، ولا
أترك عامِلات النظافة يفعلْنَ ذلك؛ احترامًا لسنهنَّ، كما أني أزيِّن قسمي
بالورود، والجميع يُعجبهم ذلك، إلا مَن يحسون بالغيرة، أو يظنون أني لستُ
في كامل قواي العقلية! إذ كيف أُزَيِّن القسم أو أنظفه لتلاميذ متوحشين!
أتفق معهم في بعض النقاط، لكني أقول لهم: هؤلاءِ بحاجة لأن يتعلَّموا بعض
القِيَم النبيلة؛ لذلك أحاول تشجيعهم على النظافة، وحب العناية بالأشياء
الصغيرة؛ لأن مِن عوامل إدخال السرور على النفس أن يدرسَ التلميذُ في قسمٍ
نظيفٍ، ويتعلم جَمْع القمامة، وليس عيبًا أن أقومَ بذلك أمامهم.حصَل
شِجار بيني وبين أحد المعلمين بسبب نظافة القِسم، فعاتبتُه عتابًا شديدًا،
وقلتُ له: إن كنَّا نريد تربيتَهم فلْنُرَبِّ أنفسنا أولًا! فلم يُعجِبه
الأمر، وضخَّمه وسط الجميع، وألقَوْا باللوم عليَّ، وقالوا لي: إنكِ
أَهَنْتِه، فهل التلفُّظ بعبارة: فلنُرَبِّ أنفسنا أولًا تُضايِق الناس؟!ذهبتُ واعتذرتُ له؛ لأني لا أحِبُّ الخِصام مع أحد، ولا أتحمل العملَ مع شخصٍ قد يغضُّ الطرْفَ عني، ولا يُبادلني السلام.المهم تصالحنا، لكني أخاف أن يتكرَّر الأمرُ؛ لأنه لا أحد قد يتقبل انفعالي؛ فكيف أتمالك نفسي مع أني شديدة الحساسية؟!ساعدوني؛ لأني أفكِّر في الابتعاد عن الجميع؛ حتى أضبطَ نفسي، فالانفعالُ والتسرُّعُ سماتٌ قبيحةٌ، لم أستطع التخلُّص منهما. وجزاكم الله خيرًا. الجوابالأخت
الفاضلة، للأسَف غالبُ شعوبِنا لا يملك في زماننا هذا ثقافةَ المحافَظة
على النظافة العامة، وثقافة العناية بالبيئة، وثقافة الملاحظة والتخطيط
والتطوير.
وقد غاب هذا الموضوعُ مِن
محاضرات وتنبيهات العلماء والدعاة، إلا ما رحِم ربي، وقليلٌ ما هم، وكذلك
عن المناهج المدرسية والتربوية، رغم أن هذه الأمور قد تمَّ مُعالجتها
قديمًا مِن قِبَل علمائنا بكتاباتهم ومدارسهم، ومناهجهم التربوية في عصورٍ
لم تكن التكنولوجيا في هذا المستوى من التطوُّر؛ فكتبوا في الحيوانات،
والنباتات، وأصول الفلاحة والسِّقاية، بل إنَّ بعض المدارس الشرعية كانتْ
تنقل النباتات مِن منطقةٍ لأخرى بعيدة عنها وتسْتَنْبِتها، وتُعَلِّم هذا
لأهل المناطق الأخرى، وأعجب أنَّ بعضَ الآثار الحضارية التي تركوها لم
نستطع الوصول إلى مستواها أو مجاراتها في زماننا هذا؛ فحضارتُنا هي حضارة
الإسمنت والوجبات السريعة!
وأظن أنَّ تفسير مشكلتكِ يكمُن
هنا، أنتِ - ببساطة - تحاولين السير عكس تيار طاغٍ مِن اللا مُبالاة،
والأنانية، والاستجابة فقط للقوة، وصَل إلى كلِّ مفصل في شخصياتنا وحياتنا،
وتتوقَّعين ببساطة أن تسير كما تحبين!
أستاذتي، ما أصعب أن تكوني
منبوذةً، وتُتَّهمي بالجنون وأنت على حقٍّ! لكنْ لكِ في رسول الله - صلى
الله عليه وآله وسلم - قدوةٌ حسَنة؛ فقد اتُّهِم بالجنون، وحُورِب وطُورد،
لكن لا بد مِن قول الحقيقة، وإنَّ مِن الحكمة الترفُّقَ والتدرُّج بقولها،
وخاطبي النَّاس على قدْر عقولهم، وإلا كذَّبوك، وابدَئي بمَن يتقبَّل فكرتك
أوَّلًا، ثم انتقلي إلى غيره، وعليكِ بالصبر؛ فإنَّ الصبرَ مدرسة الأنبياء
- صلوات الله وسلامه عليهم - ولا تتوقَّعي نتائجَ سريعة، وأَعرِضي عن
الجاهلين، وهذا يحتاج أوَّلًا صلةً قوية بالله - عز وجل - ثم الرِّفق، وعدم
الإلحاح؛ فإنَّ مقتلَ الدعوة بالإلحاح، وكان رسولُ الله - صلى الله عليه
وآله وسلم - يتخيَّر الأوقات لتذكيرِ صحابته، وهم خيرُ الناس بعد الأنبياء
والرسل؛ فما بالكِ بأيامنا هذه، وقد انتشر الجهلُ، والصَّلَف، والغرور،
والعناد؟!
أختي الفاضلة، عليكِ بنفسك
أولًا، ومَن اقتنع بفكرتك ثانيًا، وخفِّفي مِنَ المواجَهات؛ فإنها قد تضرُّ
فكرتك أكثر، خاصة أمام مَن لم يتفهمها بعدُ.
جزاكِ الله خيرًا، وأمنياتي لكِ بالتوفيق