اسلام ويب
هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.



 
الرئيسيةأحدث الصورالتسجيلدخول

من فقه الدعاء يقول سيدنا عمر بن الخطاب - رضي الله عنه -: "أنا لا أحمل همَّ الإجابة، وإنما أحمل همَّّ الدعاء، فإذا أُلهمت الدعاء كانت الإجابة معه". وهذا فهم عميق أصيل ، فليس كل دعاء مجابًا، فمن الناس من يدعو على الآخرين طالبًا إنزال الأذى بهم ؛ لأنهم ينافسونه في تجارة ، أو لأن رزقهم أوسع منه ، وكل دعاء من هذا القبيل ، مردود على صاحبه لأنه باطل وعدوان على الآخرين. والدعاء مخ العبادة ، وقمة الإيمان ، وسرّ المناجاة بين العبد وربه ، والدعاء سهم من سهام الله ، ودعاء السحر سهام القدر، فإذا انطلق من قلوب ناظرة إلى ربها ، راغبة فيما عنده ، لم يكن لها دون عرش الله مكان. جلس عمر بن الخطاب يومًا على كومة من الرمل ، بعد أن أجهده السعي والطواف على الرعية ، والنظر في مصالح المسلمين ، ثم اتجه إلى الله وقال: "اللهم قد كبرت سني ، ووهنت قوتي ، وفشت رعيتي ، فاقبضني إليك غير مضيع ولا مفتون ، واكتب لي الشهادة في سبيلك ، والموت في بلد رسولك". انظر إلى هذا الدعاء ، أي طلب من الدنيا طلبه عمر، وأي شهوة من شهوات الدنيا في هذا الدعاء ، إنها الهمم العالية ، والنفوس الكبيرة ، لا تتعلق أبدًا بشيء من عرض هذه الحياة ، وصعد هذا الدعاء من قلب رجل يسوس الشرق والغرب ، ويخطب وده الجميع ، حتى قال فيه القائل: يا من رأى عمرًا تكسوه بردته ** والزيت أدم له والكوخ مأواه يهتز كسرى على كرسيه فرقًا ** من بأسه وملوك الروم تخشاه ماذا يرجو عمر من الله في دعائه ؟ إنه يشكو إليه ضعف قوته ، وثقل الواجبات والأعباء ، ويدعو ربه أن يحفظه من الفتن ، والتقصير في حق الأمة ، ثم يتطلع إلى منزلة الشهادة في سبيله ، والموت في بلد رسوله ، فما أجمل هذه الغاية ، وما أعظم هذه العاطفة التي تمتلئ حبًا وحنينًا إلى رسول الله - صل الله عليهلم -: (أن يكون مثواه بجواره). يقول معاذ بن جبل - رضي الله عنه -: "يا بن آدم أنت محتاج إلى نصيبك من الدنيا ، وأنت إلى نصيبك من الآخرة أحوج ، فإن بدأت بنصيبك من الآخرة ، مرّ بنصيبك من الدنيا فانتظمها انتظامًا ، وإن بدأت بنصيبك من الدنيا ، فائت نصيبك من الآخرة ، وأنت من الدنيا على خطر). وروى الترمذي بسنده عن النبي - صل الله عليهلم -: أنه قال: ((من أصبح والآخرة أكبر همه جمع الله له شمله ، وجعل غناه في قلبه ، وأتته الدنيا وهي راغمة ، ومن أصبح والدنيا أكبر همه فرَّق الله عليه ضيعته ، وجعل فقره بين عينيه ولم يأته من الدنيا إلا ما كُتب له)). وأخيرًا .. أرأيت كيف أُلهم عمر الدعاء وكانت الإجابة معه ، وصدق الله العظيم إذ يقول: (وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ فَلْيَسْتَجِيبُوا لِي وَلْيُؤْمِنُوا بِي لَعَلَّهُمْ يَرْشُدُونَ) (186)" (البقرة:186).


 

 شبهة (القرآن المكي يشتمل على لغو من الكلام)

اذهب الى الأسفل 
كاتب الموضوعرسالة


avatar


نقــاط : 99290
شبهة (القرآن المكي يشتمل على لغو من الكلام) Oooo14
شبهة (القرآن المكي يشتمل على لغو من الكلام) User_o10

شبهة (القرآن المكي يشتمل على لغو من الكلام) Empty
مُساهمةموضوع: شبهة (القرآن المكي يشتمل على لغو من الكلام)   شبهة (القرآن المكي يشتمل على لغو من الكلام) Emptyالسبت 10 نوفمبر 2012 - 9:29

شبهة (القرآن المكي يشتمل على لغو من الكلام)
الشبهة


إن القرآن المكي اشتمل على لغو من الكلام في كثير من فواتح السور مثل: ألم وألر، والمر، والمص، وكهيعص، وطه، ويس، وص، وق، ون، وحم، وبذلك فإن القرآن لا يصلح أن يكون هدى وبياناً، ورحمة للناس، لأن اللغو لا يمكن أن يكون هدى، وبياناً.

ودليل شبهتهم: أن معاني أحرف التهجي هذه لا يفهم معناها حتى من قبل الراسخين في العلم.

فالتلفظ بها، والخطاب بها، والبدء بها في بداية السور القرآنية لا معنى له، وهي تحصيل حاصل، وهي كعدمها من حيث معناها، ومفهومها.

وأيضاً يزعم أصحاب هذه الشبهة كدليل لها: أن مثل هذه الألفاظ، والتعابير، والأحرف هي من اليهود، أخذها محمد صلى الله عليه وسلم من كتبتهم الذين كانوا يكتبون له القرآن ليستدل بها على انقطاع الكلام، واستئناف آخر. ويفسرون معناها: بأنه أوعز إليّ محمد، أو أمرني محمد. وهم يشيرون بذلك إلى براءتهم من الإيمان بها، والاعتقاد والتصديق بما يأمرهم محمد بكتابته .. أي يكتبون له هذه الأحرف، ويتبرأون من الإيمان، أو تصديقها. ويبررون تفاسيرهم لأحرف التهجي هذه بقول بعضهم: إن الحروف العربية المفتتح بها أوائل بعض السور إما أن يكون قصد منها التعمية، أو التحويل، أو إظهار القرآن في مظهر عميق مخيف، أو هي رمز للتمييز بين المصاحف المختلفة ثم ألحقها بمرور الزمن بالقرآن فصارت قرآناً.

الرد على الشبهة


إن خير رد على هذه الشبهة هو ما قام به أستاذنا، وشيخنا العلامة المرحوم محمد عبدالعظيم الزرقاني حيث أفاض وأجاد رداً، وتفنيداً وبالأدلة المستفيضة، والمقنعة نستعين بها، وننقلها كما وردت في كتابه: ((مناهل العرفان في علوم القرآن)) ـ الجزء الأول من ص 226- 236، فبدأ بقوله:

"وننقض هذه الشبهة بأمور:

(أولها) أنه لم يكن للرسول صلى الله عليه وسلم كَتَبة من اليهود أبداً. وها هو التاريخ حاكم عدل لا يرحم، ولا يحابي. فليسألوه إن كانوا صادقين.

(ثانيها) أنه لا دليل لهم أيضاً على أن فواتح هذه السور تستعمل في تلك المعاني التي زعموها، وهي (أوعَزَ إليَّ محمد) أو (أمرني محمد)، لا عند اليهود، ولا عند غيرهم في أية لغة من لغات البشر.

(ثالثها) أن اليهود لم يعرف عنهم الطعن في القرآن بمثل هذا. ولو كان هذا مطعناً عندهم لكانوا أول الناس جهراً به، وتوجيهاً له، لأنهم كانوا أشد الناس عداوة للنبي صلى الله عليه وسلم ، والمسلمين، يتمنون أن يجدوا في القرآن مغمزاً من أي نوع يكون، ليهدموا به دعوة الإسلام. كيف، وهم يكفرون به حسداً من عند أنفسهم من بعدما تبين لهم الحق؟!

(رابعها) أن اشتمال القرآن على كلمات غير ظاهرة المعنى لا ينافي وصف القرآن بأنه بيان للناس، وهدى، ورحمة، فإن هذه الأوصاف يكفي في تحققها ثبوتها للقرآن باعتبار جملته، ومجموعه، لا باعتبار تفصيله، وعمومه الشامل لكل لفظ فيه. ولا ريب أن الكثرة الغامرة في القرآن كلها بيان للتعاليم الإلهية، وهداية للخلق إلى الحق، ورحمة للعالم من وراء تقرير أصول السعادة في الدنيا والآخرة.

وهذا الجواب مبني على أحد رأيين للعلماء في فواتح تلك السور، وهو أن المعنى المقصود غير معلوم لنا، بل هو من الأسرار التي استأثر الله بعلمها، ولم يطلع عليها أحد من خلقه. وذلك لحكمة من حكمه تعالى السامية، وهي ابتلاؤه سبحانه، وتمحيصه لعباده، حتى يميز الخبيث من الطيب، وصادق الإيمان من المنافق، بعد أن أقام لهم أعلام بيانه، ودلائل هدايته، وشواهد رحمته، في غير تلك الفواتح من كتابه، بين آيات، وسور كثيرة، لا تعتبر الفواتح في جانبها إلا قطرة من بحر، أو غيضاً من فيض.

فأما الذين آمنوا فيعلمون أن هذه الفواتح حق من عند ربهم، ولو لم يفهموا معناها، ولم يدركوا مغزاها، ثقة منهم بأنها صادرة من لدن حكيم عليم، عمَت حكمته ما خفي، وما ظهر من معاني كتابه، ووسع علمه كل شيء عرفه الخلق أو لم يعرفوه من أسرار تنزيله. (ولا يحيطون بشيء من علمه إلا بما شاء) سورة البقرة/ آية 255.

(فأما الذين في قلوبهم زيغ فيتبعون ما تشابه منه ابتغاء الفتنة وابتغاء تأويله وما يعلم تأويله إلا الله) سورة آل عمران/ آية 7.

ونظير ذلك: أن تكون أستاذاً معلماً، وتريد أن تقف على مدى انتباه تلاميذك، ومبلغ ثقتهم فيك، وفي علمك بعد أن زودتهم منك بدراسات واسعة، وتعاليم واضحة، فإنك تختبرهم في بعض الأوقات بكلمات فيها شيء من الألغاز، والخفاء، ليظهر الذكي من الغبي، والواثق بك الوامق لك، من المتشكك فيك المتردد في علمك، وفضلك.

فأما الواثق فيك فيعرف أن تلك الألغاز، والمعميات، صدرت عن علم منك بها، وإن لم يعلم هو تفسيرها، ويعرف أن لك حكمة في إيرادها على هذه الصورة من الخفاء، وهي الاختبار، والابتلاء. وأما المتشكك فيك، فيقول: ماذا أراد بهذا؟ وكيف ساغ له أن يورده، وما مبلغ العلم الذي فيه؟ ثم ينسى تلك المعارف الواسعة الواضحة التي زودته بها من قبل ذلك، وكلها من أعلام العلم، وآيات الفضل.

ولا يفوتنك في هذا المقام أن تعرف أن ابتلاء الله لعباده ليس المراد منه أن يعلم سبحانه ما كان جاهلاً منهم ((حاشاه حاشاه)). فقد وسعَ كل شيء علماً. إنما المقصود منه إظهار مكنونات الخلق، وإقامة الحجج عليهم من أنفسهم، فلا يتهمون الله في عدله، وجزائه، إذا جعل من الناس أهلاً لثوابه، وآخرين لعقابه. (ولا يظلم ربك أحداً) سورة الكهف/ آية 49.

(الرأي الثاني في فواتح السور) أن لها معنى مقصوداً معلوماً. قالوا: لأن القرآن كتاب هداية، والهداية لا تتحقق إلا بفهم المعنى، خصوصاً أننا أُمرنا بتدبر القرآن، والاستنباط منه، وهذا لا يكون إلا إذا فهم المعنى أيضاً.

غير أن أصحاب هذا الرأي تشعبت أقوالهم في بيان هذا المعنى المقصود بفواتح تلك السور. فذهب بعضهم إلى أن فاتحة كل سورة اسم للسورة التي افتتحت بها، واستدلوا بآثار تفيد ذلك، منها ما روي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: ((يس قلب القرآن)) وقوله: ((مَن قرأ السجدة، حفظ إلى أن يصبح)). ومنها اشتهار بعض السور بالتسمية بها. ثم إن ورودها في فواتح سور مختلفة بلفظ واحد، ينافي كونها أسماء للسور. بل شأنها في ذلك شأن الأعلام المشتركة اشتراكاً لفظياً كلفظ محمد المسمى به أشخاص كثيرون. فيضم إلى اسم كل منهم ما يميز مسماه عن غيره، فيقال: محمد المصري، ومحمد الشامي مثلاً. وكذلك فواتح السور يقال فيها: ((الم البقرة، وآلم آل عمران، وحم السجدة)) وهلم جرا.

وبعضهم ذهب إلى أنها أسماء للحروف الهجائية التي وضعت بإزائها. وهؤلاء منهم من قال: إن المقصود من ذلك هو إفهام المخاطبين أن الذي سيتلى عليهم من الكلام الذي عجزوا عن معارضته، والإتيان بمثله، إنما تركب من مثل هذه الحروف التي في الفواتح، وهي معروفة لهم، يتخاطبون بما يدور عليها، ولا يخرج عنها.

ومنهم مَن قال: إن المقصود منها هو الدلالة على انتهاء سورة، والشروع في أخرى.

ومنهم مَن قال: إن المقصود منها القسم بها لإظهار شرفها وفضلها، إذ هي مبنى كتبه المنزلة.

ومنهم مَن قال: إن المقصود منها بيان نبوة محمد صلى الله عليه وسلم من ناحية أنه ينطق بأسامي الحروف مع أنه أمي لم يقرأ، ولم يكتب. والمعروف أن النطق بأسامي الحروف من شأن القارئ وحده، لا سبيل للأمي إلى معرفتها، ولا النطق بها، فإتيانه بها، وترديده لها، دليل مادي أمامهم على أنه لا يأتي بهذا القرآن من تلقاء نفسه، إنما يتلقاهُ من لدن حكيم عليم.

ومنهم مَن قال: إن المقصود منها هو تنبيه السامعين، وإيقاظهم، وذلك أن قرع السمع في أول الكلام بما يعني النفوس فهمه أو بالأمر الغريب، دافع لها أن تصغي، وتتيقظ، وتتأمل، وتزداد إقبالاً: فهي كوسائل التشويق التي تعرض في مقدمة الدرس على منهج التربية الحديثة في التعليم.

ومنهم مَن قال: إن المقصود منها سياسة النفوس المعرضة عن القرآن. واستدراجها إلى الاستماع إليه. والمعروف أن أعداء الإسلام في صدر الدعوة كان يقول بعضهم لبعض: (لا تسمعوا لهذا القرآن والغوا فيه لعلكم تغلبون). فلما أُنزلت السور المبدوءة بحروف الهجاء، وقرع أسماعهم ما لم يألفوا، التفتوا، وإذا هم أمامَ آيات بينات استهوت قلوبهم، واستمالت عقولهم، فآمن مَن أراد الله هدايته، وشارفَ الإيمانَ مَن شاء الله تأخيره، وقامت الحجة في وجه الطغاة المكابرين، وأخذت عليه الطرقُ فلا عذر لهم في الدنيا، ولا يوم الدين.

وقال العلامة المرحوم الشيخ طنطاوي جوهري في تفسيره لسورة آل عمران ما نصه:
"إعلم أن القرآن كتاب سماوي. والكتب السماوية تصرح تارةً، وترمزُ أخرى.

والرمز، والإشارة من المقاصد السامية، والمعاني، والمغازي الشريفة. وقديماً كان ذلك في أهل الديانات، ألم تر إلى اليهود الذين كانوا منتشرين في المدينة، وفي بلاد الشرق أيام النبوة كيف كانوا يصطلحون فيما بينهم على أعداد الجمل المعروفة اليوم في الحروف العربية؟ فيجعلون الألف بواحد، والباء بإثنين، والجيم بثلاثة، والدال بأربعة، وهكذا مارين على الحروف الأبجدية، إلى الياء بعشرة، والكاف بعشرين، وهكذا إلى القاف بمائة، والراء بمائتين، وهكذا إلى الغين بألف، كما ستراه في هذا المقام.

كذلك ترى أن النصارى في إسكندرية، ومصر، وبلاد الروم، وفي سوريا، قد اتخذوا الحروف رموزاً دينية معروفة فيما بينهم أيام نزول القرآن. وكانت اللغة اليونانية هي اللغة الرسمية في مصر. وكانوا يرمزون بلفظ ((إكسيس)) لهذه الجملة: ((يسوغ المسيح بن الله الملخص)) فالألف من إكسيس هي الحرف الأول من لفظ ((إيسوس)) يسوغ. والكاف منها هي الحرف الأول من ((كرستوس)) المسيح. والسين منها هي حرف الثاء التي تبدل منها في النطق في لفظ ((ثبو)) الله. والياء منها تدل على ((إيوث)) ابن. والسين الثانية منها تشير إلى ((ثوتير)) المخلص. ومجموع هذه الكلمات: يسوع المسيح ابن الله المخلص. ولفظ ((إكسيس) اتفق أنه يدل على معنى سمكة، فأصبحت السمكة عند هؤلاء رمزاً لإلههم.

فانظر كيف انتقلوا من الأسماء إلى الرمز بالحرف، ومن الرمز بالحرف إلى الرمز بحيوان دلَّت عليه الحروف. قال الحبر الإنجليزي ((صموئيل موننج)): ((إنه كان يوجد كثيراً في قبور رومة صور أسماك صغيرة مصنوعة من الخشب، والعظم,وكان كل مسيحي يحمل سمكة إشارة للتعارف فيما بينهم)).

فإذا كان ذلك من طبائع الأمم التي أحاطت بالبلاد العربية، وتغلغلت فيها، ونزل القرآن لجميع الناس من عرب، وعجم، كان لابد أن يكون على منهج يلذه الأمم، ويكون فيه ما يألفون. وستجد أنه لا نسبة بين الرموز التي في أوائل السور، وبين الجمل عند اليهود، ورموز النصارى، إلا كالنسبة بين علم الرجل العاقل، والصبي، أو بين علم العلماء، وعلم العامة. وبهذا تبين لك أن اليهود، والنصارى كان لهم رموز، وكانت رموز اليهود هي حروف الجمل.

قال ابن عباس رضي الله عنه: مر أبو ياسر بن أخطب برسول الله صلى الله عليه وسلم ، وهو يتلو سورة البقرة: (الم. ذلك الكتاب لا ريب فيه هدى للمتقين) ثم أتى أخوه حيي بن أخطب، وكعب بن الأشرف، فسألوه عن (الم) وقالوا: ننشدك الله الذي لا إله ألا هو أحق أنها أتتك من السماء؟ فقال النبي صلى الله عليه وسلم : نعم. كذلك نزلت. فقال حيي: إن كنت صادقاً إني لأعلم أجل هذه الأمة من السنين. ثم قالوا: كيف ندخل في دين رجل دلّت هذه الحروف بحساب الجمل على أن منتهى أجل أمته إحدى وسبعون سنة، فضحك النبي صلى الله عليه وسلم . فقال حيي: فهل غير هذا؟ فقال:
نعم (المص). فقال حيي: هذا أكثر من الأول: هذا مائة وإحدى وستون سنة.

فهل غير هذا؟ قال: نعم (الر) فقال حيي: هذا أكثر من الأولى والثانية، فنحن نشهد إن كنت صادقاً ما ملكت أمتك إلا مائتين وإحدى وثلاثين سنة. فهل غير هذا؟ فقال:

نعم (المر), قال حيي: فنحن نشهد أنا من الذين لا يؤمنون، ولا ندري بأي أقوالك نأخذ. فقال أبو ياسر: أما أنا فأشهد على أن أنبياءنا قد أخبرونا عن ملك هذه الأمة، ولم يبينوا أنها كم تكون؟ فإن كان محمد صادقاً فيما يقول، إني لأراه سيجتمع له هذا كله. فقام اليهود، وقالوا اشتبه علينا أمرك كله فلا نردي أبالقليل نأخذ أم بالكثير؟

فبهذا تعرف أيها الذكيّ أن الجمل كانت للتعارف عند اليهود، وهو نوع من الرموز الحرفية، فكانت هذه الحروف لابد من نزولها في القرآن، ليأخذ الناس في فهمها كل مذهب، ويتصرف الفكر فيها.
ولأقتصر لك مما قرأته على ثلاث طرائق فيما ترمز إليه هذه الحروف:

(الطريقة الأولى): أن تكون هذه الحروف مقتطعات من أسماء الله، كما روي عن ابن عباس رضي الله عنه أنه قال: الألف آلاء الله، واللام لطفه، والميم ملكه. وعنه أن (الر) و (حم)، و (ن) مجموعها الرحمن. وعنه أن (الم) معناه أنا الله أعلم، ونحو ذلك في سائر الفواتح. وعنه أن الألف من الله، واللام من جبريل، والميم من محمد.

أي القرآن منزل من الله بلسان جبريل على محمد (عليهما الصلاة والسلام) أقول: إنما أراد ابن عباس بذلك أن تكون الحروف مذكرة بالله عزوجل في أكثر الأحوال، وذكر الله أجل شيء. ويرجع الأمر إلى أنها أسماء مرموز لها بالحروف كما تقدم عن الأمم السالفة من النصارى في إسكندرية، ورومة. ولكن لابد أن يكون هناك ما هو أعلى، وأجلّ.

(الطريقة الثانية): أن هذه الحروف من أعجب المعجزات، والدلالات على صدق النبي صلى الله عليه وسلم . وهذا مما ترضاه النفوس. ألا ترى أن حروف الهجاء لا ينطق بها إلا من تعلم القراءة. وهذا النبي الأمي صلى الله عليه وسلم قد نطق بها. والذي في أول السور أربعة عشر حرفاً منها، وهي كلها ثمانية وعشرون حرفاً إن لم تعد الألف حرفاً برأسه، فالأربعة عشر نصفها. وقد جاءت في تسع وعشرين سورة، وهي عدد الحروف الهجائية إذا عدت فيها الألف. وقد جاءت من الحروف المهموسة العشرة وهي: ((فحثه شخص سكت)) بنصفها، هي الحاء، والهاء، والصاد، والسين، والكاف.

ومعلوم أن الحروف إما مهموسة ـ أي يضعف الاعتماد عليها ـ وهي ما تقدم، وإما مجهورة، وهي ثمانية عشر، نصفها ـ وهو تسعة ـ ذكرت في فواتح السور، ويجمعها ((لن يقطع أمر)).

والحروف الشديدة ثمانية، وهي ((أجدت طبقك)) أربعة منها في الفواتح، وهي ((أقطك)).

والحروف المطبقة أربعة: الصاد، والضاد، والطاء، والظاء، وفي الفواتح نصفها: الصاد، والطاء.

وبقية الحروف ـ وهي أربعة وعشرون حرفاً ـ تسمى منفتحة، نصفها، وهو إثنا عشر في الفواتح المذكورة.

فانظر كيف أتى في هذه الفواتح بنصف الحروف الهجائية، إن لم تعدّ الألف، وجعلها في تسع وعشرين سورة عدد الحروف، وفيها الألف؟ وكَيف أتى بنصف المهموسة، ونصف المهجورة. ونصف الشديدة، ونصف الرخوة، ونصف المطبقة، ونصف المنفتحة؟!!

وإني موقن أن المتعلم لو طلب منه أن يأتي بهذه الحروف منصفة على هذا الوجه ما استطاع إلى ذلك سبيلاً، فإنه إن راعى نصف الحروف المطبقة، فكيف يراعي الحروف الشديدة؟! وكيف يراعي نصف المجهورة في نفس العدد؟!.

إن ذلك دلائل على صدق صاحب الدعوة صلى الله عليه وسلم . ففائدة هذا الوجه أهم من الوجه الأول، فالأول فائدته تذكير الإنسان بأسماء الله تعالى. وأما الوجه الثاني ففيه إعجاز للعقول، وحيرة. فيقال: كيف تنصف الحروف الهجائية، وتنصف أنواعها من مهموسة، وشديدة الخ. وهذه الأنواع لم يدرسها أحد في العالم أيام النبوة. ثم لما ظهرت تلك الدراسات، وافقت تلك الحروف بأنصافها!

إن ذلك ليعطي العقول مثلاً من الغرابة الدالة على أن هذا لا يقدر عليه المتعلمون فإذاً هو من الوحي. وهذا الوجه على قوته يفضله ما بعده.

(الطريقة الثالثة): أن الله تعالى خلق العالم منظماً محكماً، متناسقاً متناسباً. والكتاب السماوي إذا جاء مطابقاً لنظامه، موافقاً لإبداعه، سائراً على منهاجه، دلّ ذلك على أنه من عنده. وإذا جاء الكتاب السماوي مخالفاً لنهجه، منافراً لفعله، منحرفاً عن سننه كان ذلك الكتاب مصطنعاً، مفتعلاً، منقولاً، مكذوباً، {ولو كان من عند غير الله لوجدوا فيه اختلافاً كثيراً} (النساء: 82).

وهذا الكتاب سيبقى إلى آخر الزمان. ولغته ستبقى معه إلى آخر الأجيال. إن اللغات متغيرة، وليس في العالم لغة تبقى غير متغيرة إلا التي حافظ عليها دين. وهل غير اللغة العربية حافظ عليها دين؟.

هذا ـ ولا يخفى عليك أن ذاك الرأي الثاني في فواتح السور أبلغ في نقض الشبهة من الرأي الأول، لأنه ينفي ما زعموه من أساس الاتهام، وهو أنه ليس لهذه الفواتح معنى مفهوم، ويقرر أن معانيها مفهومة على ما تبين في تلك الوجوه السابقة. وإذا كان بعض الناس لا يفهم تلك المعاني، فليس ذلك عيباً في القرآن إنما هو عيب في استعداد بعض أفراد الإنسان. وكتاب الله خوطب به الخواص كما خوطب به العام، فلا بد أن يكون فيه ألفاظ لا يفهمها إلا الخاصة دون العامة.

وعلى كلا هذين الرأيين يتضح لك أن اشتمال القرآن على هذه الألفاظ، ليس من قبيل اشتماله على لغو الكلام، أو إظهار القرآن بمظهر عميق مخيف، ولا يفهم منه أنها رموز للمصاحف ألحقها مرور الزمن بالقرآن، إلى غير ذلك من الهذيان. بل ثبوت هذه الفواتح لا يقدح في كون القرآن من عند الله، سواء أفادت معنى ظاهراً أم لم تفد على ما بيّناه من حكمة الله البالغة في إيرادها. والله هو الحكيم العليم.

=============
المصدر: موقع الموسوعة الإسلامية .
الكاتب : د / غازي عناية .
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
 
شبهة (القرآن المكي يشتمل على لغو من الكلام)
الرجوع الى أعلى الصفحة 
صفحة 1 من اصل 1

صلاحيات هذا المنتدى:لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى
اسلام ويب :: ۩✖ Known to the islam ۩✖ :: شبهـات حــول الاسـلام-
انتقل الى: