اسلام ويب
هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.



 
الرئيسيةأحدث الصورالتسجيلدخول

من فقه الدعاء يقول سيدنا عمر بن الخطاب - رضي الله عنه -: "أنا لا أحمل همَّ الإجابة، وإنما أحمل همَّّ الدعاء، فإذا أُلهمت الدعاء كانت الإجابة معه". وهذا فهم عميق أصيل ، فليس كل دعاء مجابًا، فمن الناس من يدعو على الآخرين طالبًا إنزال الأذى بهم ؛ لأنهم ينافسونه في تجارة ، أو لأن رزقهم أوسع منه ، وكل دعاء من هذا القبيل ، مردود على صاحبه لأنه باطل وعدوان على الآخرين. والدعاء مخ العبادة ، وقمة الإيمان ، وسرّ المناجاة بين العبد وربه ، والدعاء سهم من سهام الله ، ودعاء السحر سهام القدر، فإذا انطلق من قلوب ناظرة إلى ربها ، راغبة فيما عنده ، لم يكن لها دون عرش الله مكان. جلس عمر بن الخطاب يومًا على كومة من الرمل ، بعد أن أجهده السعي والطواف على الرعية ، والنظر في مصالح المسلمين ، ثم اتجه إلى الله وقال: "اللهم قد كبرت سني ، ووهنت قوتي ، وفشت رعيتي ، فاقبضني إليك غير مضيع ولا مفتون ، واكتب لي الشهادة في سبيلك ، والموت في بلد رسولك". انظر إلى هذا الدعاء ، أي طلب من الدنيا طلبه عمر، وأي شهوة من شهوات الدنيا في هذا الدعاء ، إنها الهمم العالية ، والنفوس الكبيرة ، لا تتعلق أبدًا بشيء من عرض هذه الحياة ، وصعد هذا الدعاء من قلب رجل يسوس الشرق والغرب ، ويخطب وده الجميع ، حتى قال فيه القائل: يا من رأى عمرًا تكسوه بردته ** والزيت أدم له والكوخ مأواه يهتز كسرى على كرسيه فرقًا ** من بأسه وملوك الروم تخشاه ماذا يرجو عمر من الله في دعائه ؟ إنه يشكو إليه ضعف قوته ، وثقل الواجبات والأعباء ، ويدعو ربه أن يحفظه من الفتن ، والتقصير في حق الأمة ، ثم يتطلع إلى منزلة الشهادة في سبيله ، والموت في بلد رسوله ، فما أجمل هذه الغاية ، وما أعظم هذه العاطفة التي تمتلئ حبًا وحنينًا إلى رسول الله - صل الله عليهلم -: (أن يكون مثواه بجواره). يقول معاذ بن جبل - رضي الله عنه -: "يا بن آدم أنت محتاج إلى نصيبك من الدنيا ، وأنت إلى نصيبك من الآخرة أحوج ، فإن بدأت بنصيبك من الآخرة ، مرّ بنصيبك من الدنيا فانتظمها انتظامًا ، وإن بدأت بنصيبك من الدنيا ، فائت نصيبك من الآخرة ، وأنت من الدنيا على خطر). وروى الترمذي بسنده عن النبي - صل الله عليهلم -: أنه قال: ((من أصبح والآخرة أكبر همه جمع الله له شمله ، وجعل غناه في قلبه ، وأتته الدنيا وهي راغمة ، ومن أصبح والدنيا أكبر همه فرَّق الله عليه ضيعته ، وجعل فقره بين عينيه ولم يأته من الدنيا إلا ما كُتب له)). وأخيرًا .. أرأيت كيف أُلهم عمر الدعاء وكانت الإجابة معه ، وصدق الله العظيم إذ يقول: (وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ فَلْيَسْتَجِيبُوا لِي وَلْيُؤْمِنُوا بِي لَعَلَّهُمْ يَرْشُدُونَ) (186)" (البقرة:186).


 

 محبة رسول الله صلى الله عليه وسلم وأثرها في عبادة المرء

اذهب الى الأسفل 
كاتب الموضوعرسالة


avatar


نقــاط : 99300
محبة رسول الله صلى الله عليه وسلم وأثرها في عبادة المرء Oooo14
محبة رسول الله صلى الله عليه وسلم وأثرها في عبادة المرء User_o10

محبة رسول الله صلى الله عليه وسلم وأثرها في عبادة المرء Empty
مُساهمةموضوع: محبة رسول الله صلى الله عليه وسلم وأثرها في عبادة المرء   محبة رسول الله صلى الله عليه وسلم وأثرها في عبادة المرء Emptyالثلاثاء 2 يوليو 2013 - 7:54

ملخص الخطبة

1- العلاقة الوثيقة بين المحبة والفعل. 2- أمور ثلاثة تحقق حلاوة الإيمان. 3- المحبة مرهونة بالطاعة. 4- محبة الصحابة للرسول. 5- محبة الرسول ليس كلمة تقال.

الخطبة الأولى

أما بعد: فإن أصدق الحديث كتاب الله، وخير الهدي هدي محمد ، وشر الأمور محدثاتها، وكل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة.

يٰأَيُّهَا ٱلنَّاسُ ٱتَّقُواْ رَبَّكُمُ ٱلَّذِى خَلَقَكُمْ مّن نَّفْسٍ وٰحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالاً كَثِيرًا وَنِسَاء وَٱتَّقُواْ ٱللَّهَ ٱلَّذِى تَسَاءلُونَ بِهِ وَٱلأَرْحَامَ إِنَّ ٱللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا [النساء:1]، يٰأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءامَنُواْ ٱتَّقُواْ ٱللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلاَ تَمُوتُنَّ إِلاَّ وَأَنتُم مُّسْلِمُونَ [آل عمران:102].

عباد الله، إن هذه الأجساد التي نحملها والأعضاء التي تحركها لا يكمن أن نسيرها إلا بحسب مشاعرها، فهي للمشاعر تبع، ولا يمكن أن تعرف محبًا لشيء ولا مبغضًا له إلا بفعله تجاهه وموقفه منه، لا بكلامه وإن كثره وزيَّنه وحلف عليه، ولكن ذلك الفعل والموقف محكوم بمشاعره نحوه، فإن أحبه أقبل عليه أيما إقبال، وإن أبغضه نفر منه كل نفور، وإن لم يجد له في قلبه حبًا ولا بغضًا كان مستويًا عنده قربه وبعده، إن أمكن منه قرب اقترب وإن حال دونه حائل ابتعد، وقس على هذا التفصيل أعظم أمورك وأحقرها، فما أحببته منها فعلته راغبًا ومشتاقا غير متعتع ولا وانٍ، وما كرهته منها تركته غير مهتم ولا مبال مهما كانت دواعيه وأسبابه، وما كان منها غير محبوب ولا مكروه فليس له في قلبك دافع وليس له فيه مانع، فما تزال تجريه كيفما اتفق، إن تيسر فعلته غير محب ولا كاره، وإن تعسر تركته غير مبال ولا نادم.

وما من شك أن أعظم الأمور وأهمها الاستجابة لله ولرسوله وهي ذات وجوه متعددة، من صلاة وزكاة وصيام وذكر وقراءة وترك محرّم، وغير ذلك من أعمال البر، وهو كما قال تعالى: لَّيْسَ ٱلْبِرَّ أَن تُوَلُّواْ وُجُوهَكُمْ قِبَلَ ٱلْمَشْرِقِ وَٱلْمَغْرِبِ وَلَـٰكِنَّ ٱلْبِرَّ مَنْ ءامَنَ بِٱللَّهِ وَٱلْيَوْمِ ٱلاْخِرِ وَٱلْمَلَـئِكَةِ وَٱلْكِتَـٰبِ وَٱلنَّبِيّينَ وَءاتَى ٱلْمَالَ عَلَىٰ حُبّهِ ذَوِى ٱلْقُرْبَىٰ وَٱلْيَتَـٰمَىٰ وَٱلْمَسَـٰكِينَ وَٱبْنَ ٱلسَّبِيلِ وَٱلسَّائِلِينَ وَفِي ٱلرّقَابِ وَأَقَامَ ٱلصَّلَوٰةَ وَءاتَى ٱلزَّكَوٰةَ وَٱلْمُوفُونَ بِعَهْدِهِمْ إِذَا عَـٰهَدُواْ وَٱلصَّابِرِينَ فِى ٱلْبَأْسَاء وٱلضَّرَّاء وَحِينَ ٱلْبَأْسِ أُولَـئِكَ ٱلَّذِينَ صَدَقُوا وَأُولَـئِكَ هُمُ ٱلْمُتَّقُونَ [البقرة:177]، ولكن تلك الأعمال كلها لا يمكن أن تباشرها الأعضاء وتنشط إليها الأجساد إلا بعدما تكون مُحِبة لها حبًا صادقا، ويجعلها في شوق إليها، ورغبة في ممارستها وتلذذ بصنيعها، وراحة بعد الفراغ منها، انظر إلى قول رسول الله : ((ثلاث من كن فيه وجد بهن حلاوة الإيمان: أن يكون الله ورسوله أحب إليه مما سواهما، وأن يحب المرء لا يحبه إلا لله، وأن يكره أن يعود في الكفر بعد إذ نجاه الله منه كما يكره أن يقذف في النار))[1]، إن تلك المرتبة العالية ـ وهي أن يجد المرء حلاوة الإيمان بالله ـ لا بد لها من ثلاثة أمور.

أولها: أن لا يكون شيء مهما عظم أحب إليه من الله ورسوله حتى والده وولده والناس أجمعين كما ثبت عنه حين قال: ((لا يؤمن أحدكم حتى أكون أحب إليه من ولده ووالده والناس أجمعين))[2]، بل حتى نفس المؤمن كما قال عليه الصلاة والسلام لعمر حين قال له: يا رسول الله، إنك أحب إلي من كل أحد إلا نفسي، فقال: ((لا يا عمر حتى نفسك))، فقال عمر : الآن ـ يا رسول الله ـ لأنت أحب إلي من نفسي، فقال : ((الآن يا عمر))، والله يقول: قُلْ إِن كَانَ ءابَاؤُكُمْ وَأَبْنَاؤُكُمْ وَإِخْوٰنُكُمْ وَأَزْوٰجُكُمْ وَعَشِيرَتُكُمْ وَأَمْوٰلٌ ٱقْتَرَفْتُمُوهَا وَتِجَـٰرَةٌ تَخْشَوْنَ كَسَادَهَا وَمَسَـٰكِنُ تَرْضَوْنَهَا أَحَبَّ إِلَيْكُمْ مّنَ ٱللَّهِ وَرَسُولِهِ وَجِهَادٍ فِي سَبِيلِهِ فَتَرَبَّصُواْ حَتَّىٰ يَأْتِىَ ٱللَّهُ بِأَمْرِهِ وَٱللَّهُ لاَ يَهْدِى ٱلْقَوْمَ ٱلْفَـٰسِقِينَ [التوبة:24].

والثانية: أن يحب المرء حبًا صادقا، لا لأنه جلب له نفعًا ولا دفع عنه ضرًا ولا لسبب ولا نسب، ولكنه لا يحبه إلا لله أي لما يرى منه من عبادة وصلاح فيحبه لذلك والله تعالى يقول: ((وجبت محبتي للمتحابين فيّ والمتزاورين فيّ والمتباذلين فيّ))، وفي السبعة الذين يظلهم الله في ظله يوم لا ظل إلا ظله: ((ورجلان تحابا في الله، اجتمعا عليه وتفرقا عليه)).

والثالثة: أن يشعر بأهمية ما هو عليه من الدين والهدى والحق وأن يكره الخروج منه إلى الكفر كما يكره أن يقذف في النار بل أعظم من ذلك، فإن المؤمنين الصادقين عرضوا على النار لتحرقهم أو يتحولوا عن دينهم فاختاروا أن يرموا في النار ولا يرجعوا عن دينهم كما فُعِل بأصحاب الأخدود وغيرهم.

ثم انظر لترى أن تلك الأمور الثلاثة التي يجد المرء بها حلاوة الإيمان ليس فيها عمل بدني، وإنما هي كلها مشاعر في قلب العبد والأمة، فما معك منها؟! غير إن وجود تلك المشاعر ليس بالأمر الهين، بل دونه خرط القتاد وشيب الغراب، إلا لمن منَّ الله به عليه.

ثم إن المقصود من تلك المشاعر هو ما يتبعها من العمل بمقتضاها والاستجابة التامة هو دليل وجودها في قلب العبد أو الأمة، أما الادعاء والكلام المجرد فمركب سهل وكلٌّ يركبه، وكم زعم المنافقون أنهم يحبون الله ورسوله وكم حلفوا على ذلك، ولكن دليل الصدق هو العمل والاتباع كما قال تعالى في آية المحنة التي امتحن بها من يدّعون محبة الله: قُلْ إِن كُنتُمْ تُحِبُّونَ ٱللَّهَ فَٱتَّبِعُونِى يُحْبِبْكُمُ ٱللَّهُ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَٱللَّهُ غَفُورٌ رَّحِيمٌ قُلْ أَطِيعُواْ ٱللَّهَ وَٱلرَّسُولَ فإِن تَوَلَّوْاْ فَإِنَّ ٱللَّهَ لاَ يُحِبُّ ٱلْكَـٰفِرِينَ [آل عمران:31، 32]، وبقدر محبتك لله ورسوله تكون استجابتك ومحبتك لتنفيذ ما أمر به الله أو رسوله ، وما تفريطك في بعض ما أمر به أو رسوله إلا لنقص في محبتك لله ورسوله علمت ذلك أو لم تعلم، فتلك هي الحقيقة دون أدنى نظر إلى ما تدّعيه من المحبة ادّعاءً، فمن أحب الله ورسوله أطاع الله ورسوله، ومن نقصت محبته نقصت طاعته، إن المحب لمن يحب مطيع. فمن أحب الله ورسوله أحب الصلاة؛ لأن الله يحب منه أن يصلي، وأحب الاستغفار؛ لأن الله يحب منه أن يستغفر، وأحب الذكر والقرآن؛ لأن الله يحب منه أن يذكر ويقرأ، ومن أحب الله ورسوله أبغض الزنا؛ لأن الله يبغضه، وأبغض الربا والفحش والمعازف والملاهي وسائر المحرمات؛ لأن هذا عبد محب، فهو ينظر ما يحبه مولاه فيحبه، وما يبغضه مولاه فيبغضه. وهكذا كان السلف الصالح من الصحابة والتابعين ومن تبعهم، لقد كانت محبتهم لرسول الله ضربًا من العجب؛ لأنهم يعلمون ما خصه الله به من الفضائل العظام وما كان عليه من الخلق العظيم.

وحسبك أن تعلم وجهًا واحدًا مما اختصه الله به من الفضائل: انظر إلى اجتماعات الناس الكبرى، حين يجتمعون في مناسباتهم وأعيادهم، وكل يرى في نفسه من الكبراء والوزراء والأمراء والزعماء أنه مهم، وأن حضوره ذو بال، وغيابه خسران على أهل الاحتفال، مع أنه في زمن محدود وجمع معدود، وهنيئا حين ذاك لمن لا يجد هذا في نفسه تواضعًا، ولكن رسول الله في ذلك الموقف العظيم والجمع العميم يوم يجمع الله الأولين والآخرين سيكون الشافع المشفع، حين يقول أولياء الله المصطفون: نفسي نفسي، فيقول عليه الصلاة والسلام: ((أنا لها)). فأي شرف بعد هذا؟! وأي كرامة فوق هذ؟! ومع ذلك ومع أنه أعظم المخلوقين شرفا وأعلاهم منزلة فهو أكثرهم تواضعًا وأشدهم حياءً، حتى كان يصغي الإناء للهرة لتشرب فلا يرفعه حتى تروى، وتستتبعه الأَمَةُ والمسكين فيتبعهما إلى حيث يريدان، وكان لا ينزع يده من يد من سلم عليه حتى يكوه المُسَلّم هو الذي ينزع يده، فانظر كيف جمع الله له المكارم من أطرافها، بأبي هو وأمي صلوات الله وسلامه عليه، ولذا فإن محبته تختلف باختلاف معرفة قدره وخُلُقِه، وقد عرف ذلك صحابته والتابعون فأحبوه أعظم الحب وأصدقه.

وإن الحديث عن محبتهم رسول الله وآحاده ضرب من العجب كما تقدم، وخليق أن يفرد بخطبة خاصة، ولكننا نكتفي بذكر مواقف معدودة لنرى كيف كانت محبتهم لرسول الله :

هذا خبيب بن عدي مصلوبًا على خشبة القتل عند قريش، يقولون له: أتحب أنك سالم في أهلك وأن محمدًا مكانك؟ فيقول: والله، ما أحب أني سالم في أهلي وتصيب محمدًا شوكة. إنه لا يجعل قتله كفاء لقتله، ولكنه يرى موته هو أهون عليه من أن يصاب رسول الله بأدنى أذى حتى الشوكة.

وتلك أم سُلَيْم حين قال عندها رسول الله [3]، فجعلت تسلت العرق عن جنبه الشريف في قارورة معها، فاستيقظ بفعلها فقال: ((ما تصنعين يا أم سليم؟)) قالت: عرقك ـ يا رسول الله ـ نجعله في طيبنا.

ويقول سهيل بن عمرو: لقد دخلت على الملوك وكسرى وقيصر فما رأيت أحدًا يحب أحدًا كحب أصحاب محمدٍ محمدًا.

وقد كان هو يحبهم أيضًا، مُّحَمَّدٌ رَّسُولُ ٱللَّهِ وَٱلَّذِينَ مَعَهُ أَشِدَّاء عَلَى ٱلْكُفَّارِ رُحَمَاء بَيْنَهُمْ تَرَاهُمْ رُكَّعًا سُجَّدًا يَبْتَغُونَ فَضْلاً مّنَ ٱللَّهِ وَرِضْوَانًا سِيمَـٰهُمْ فِى وُجُوهِهِمْ مّنْ أَثَرِ ٱلسُّجُودِ ذَلِكَ مَثَلُهُمْ فِى ٱلتَّوْرَاةِ وَمَثَلُهُمْ فِى ٱلإنجِيلِ كَزَرْعٍ أَخْرَجَ شَطْأَهُ فَازَرَهُ فَٱسْتَغْلَظَ فَٱسْتَوَىٰ عَلَىٰ سُوقِهِ يُعْجِبُ ٱلزُّرَّاعَ لِيَغِيظَ بِهِمُ ٱلْكُفَّارَ وَعَدَ ٱللَّهُ ٱلَّذِينَ ءامَنُواْ وَعَمِلُواْ ٱلصَّـٰلِحَـٰتِ مِنْهُم مَّغْفِرَةً وَأَجْرًا عَظِيمًا [الفتح:29].

بارك الله لي ولكم في القرآن العظيم...

[1] أخرجه البخاري في الإيمان (15)، ومسلم في الإيمان (60).

[2] أخرجه البخاري في الإيمان (13).

[3] أي: نام عندها وقت الظهيرة.



الخطبة الثانية

الحمد لله ذي الفضل المبين، وأشهد أن لا إله إلا الله رب العالمين، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله سيد المرسلين وخير الأولين والآخرين، صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه إلى يوم الدين.

أما بعد: فاتقوا الله عباد الله، واعلموا أن الله أمركم بالصلاة والسلام على رسوله المصطفى فقال جل وعلا: إِنَّ ٱللَّهَ وَمَلَـٰئِكَـتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى ٱلنَّبِىّ يٰأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءامَنُواْ صَلُّواْ عَلَيْهِ وَسَلّمُواْ تَسْلِيمًا [الأحزاب:56]، وقال : ((من صلى عليَّ صلاة واحدة صلى الله عليه بها عشرًا)).

اللهم صلِّ وسلم على عبدك ورسولك نبينا محمد، وارض اللهم عن خلفائه الراشدين الأئمة المهديين، وعن سائر الصحابة أجمعين، وعن التابعين وتابعي التابعين ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين، وعنا معهم برحمتك يا أرحم الراحمين.

عباد الله، إن محبة رسول الله ليست نفلاً يتنفل به المسلم أو المسلمة، ولكنها شرط للإيمان، فلا إيمان للعبد إلا بها كما قال في الصحيح: ((لا يؤمن أحدكم حتى أكون أحب إليه من ولده ووالده والناس أجمعين))[1]، وكلما زادت محبته في قلب عبد كان أتم لإيمانه، حتى يجد بذلك حلاوة الإيمان كما تقدم معنا من قوله عليه الصلاة والسلام: ((ثلاث من كن فيه وجد بهن حلاوة الإيمان)) الحديث[2].

غير أن القلوب غيوب، فلا يعلم ما بها إلا الله تعالى، ولا دليل عليه إلا بالعمل، فمن كان أكثر طاعة لله ورسوله فهو أكثر حبًا لله ولرسوله، حتى يصدق حبه فتكمل استجابته، ومن كان أقل طاعة فهو أقل حبًا، حتى تعدم المحبة فتعدم الاستجابة، وإن قال بلسانه ما قال وحلف على مزاعمه، فإن القول بلا عمل يصدّقه من أبطل الباطل، فكيف بقول يخالفه فعل قائله؟! إياك ثم إياك أن تغرك الأقوال وأنت ترى الأفعال، أمَا قال الحق تبارك وتعالى: وَمِنَ ٱلنَّاسِ مَن يُعْجِبُكَ قَوْلُهُ فِى ٱلْحَيَوٰةِ ٱلدُّنْيَا وَيُشْهِدُ ٱللَّهَ عَلَىٰ مَا فِى قَلْبِهِ وَهُوَ أَلَدُّ ٱلْخِصَامِ [البقرة:204]؟! فما دليل شدة خصومته وعداوته مع أنه قوله معجب؟! الدليل أنه وَإِذَا تَوَلَّىٰ سَعَىٰ فِى ٱلأرْضِ لِيُفْسِدَ فِيهَا وَيُهْلِكَ ٱلْحَرْثَ وَٱلنَّسْلَ وَٱللَّهُ لاَ يُحِبُّ ٱلْفَسَادَ [البقرة:205]. فالدليل على كذب قوله ما تراه من فعله أنه يفسد في الأرض ويهلك الحرث والنسل، بل لا يقبل مجرد كلمة خير تقال له، فإذا قيل له: اتق الله اعتزّ بإثمه وباطله وأصر عليه، فَحَسْبُهُ جَهَنَّمُ وَلَبِئْسَ الْمِهَادُ [البقرة:206].

إن الناس ربما اتفقت أقوالهم في الخير والجمال، ولكن العبرة في الأفعال، وَلَيَعْلَمَنَّ ٱللَّهُ ٱلَّذِينَ ءامَنُواْ وَلَيَعْلَمَنَّ ٱلْمُنَـٰفِقِينَ [العنكبوت:11]، ألم يقل المنافقون: آمنا بالله وبالرسول؟! أوَلم يقولوا: سمعنا وأطعنا؟! أولم يقولوا: نشهد إنك لرسول الله؟! أتظن أن أولئك انتهوا وليس لهم في الناس أمثال؟! أوَتظن أن المنافقين انقطعوا في هذا الزمان؟! وَيِقُولُونَ امَنَّا بِٱللَّهِ وَبِٱلرَّسُولِ وَأَطَعْنَا ثُمَّ يَتَوَلَّىٰ فَرِيقٌ مّنْهُمْ مّن بَعْدِ ذٰلِكَ وَمَا أُوْلَـئِكَ بِٱلْمُؤْمِنِينَ % وَإِذَا دُعُواْ إِلَى ٱللَّهِ وَرَسُولِهِ لِيَحْكُمَ بَيْنَهُمْ إِذَا فَرِيقٌ مّنْهُمْ مُّعْرِضُونَ % وَإِن يَكُنْ لَّهُمُ ٱلْحَقُّ يَأْتُواْ إِلَيْهِ مُذْعِنِينَ % أَفِى قُلُوبِهِمْ مَّرَضٌ أَمِ ٱرْتَابُواْ أَمْ يَخَافُونَ أَن يَحِيفَ ٱللَّهُ عَلَيْهِمْ وَرَسُولُهُ بَلْ أُوْلَـئِكَ هُمُ ٱلظَّـٰلِمُونَ % إِنَّمَا كَانَ قَوْلَ ٱلْمُؤْمِنِينَ إِذَا دُعُواْ إِلَى ٱللَّهِ وَرَسُولِهِ لِيَحْكُمَ بَيْنَهُمْ أَن يَقُولُواْ سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا وَأُوْلَـئِكَ هُمُ ٱلْمُفْلِحُونَ % وَمَن يُطِعِ ٱللَّهَ وَرَسُولَهُ وَيَخْشَ ٱللَّهَ وَيَتَّقْهِ فَأُوْلَـئِكَ هُمُ ٱلْفَائِزُون [النور:47-52]، فأين محبة رسول الله ممن يدعيها بلسانه فإذا دعي إلى الله ورسوله ليحكم بينهم أعرض وتثاقل، وإذا سمع: حي الصلاة حي الفلاح لم يجب بلسانه ولا ببدنه، وإذا قيل له: إن الله حرم هذا من قول أو فعل قال مستنكرا: كل شيء حرام؟! كل شيء حرام؟! لا تريدون أن نتكلم ولا نجلس ولا نفرح؟! فهل ترى ذلك صادقا فيما يدعيه؟! وما دليل صدقه من كذبه؟!

تعصي الإله وأنت تزعم حبه هذا لعمري فِي القياس بديع

لو كان حبك صادقا لأطعته إن المحب لِمن يُحب مطيـع

اللهم ارزقنا حبك وحب من يحبك وحب كل عمل يقربنا إلى حبك.

اللهم أعز الإسلام والمسلمين...

[1] تقدم تخريجه.

[2] تقدم تخريجه.
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
 
محبة رسول الله صلى الله عليه وسلم وأثرها في عبادة المرء
الرجوع الى أعلى الصفحة 
صفحة 1 من اصل 1

صلاحيات هذا المنتدى:لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى
اسلام ويب :: ۩✖ منتدي الاسلاميات العامه ۩✖ :: مقــــالات اســــلاميه :: خطب مقـــرؤه-
انتقل الى: