اسلام ويب
هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.



 
الرئيسيةأحدث الصورالتسجيلدخول

من فقه الدعاء يقول سيدنا عمر بن الخطاب - رضي الله عنه -: "أنا لا أحمل همَّ الإجابة، وإنما أحمل همَّّ الدعاء، فإذا أُلهمت الدعاء كانت الإجابة معه". وهذا فهم عميق أصيل ، فليس كل دعاء مجابًا، فمن الناس من يدعو على الآخرين طالبًا إنزال الأذى بهم ؛ لأنهم ينافسونه في تجارة ، أو لأن رزقهم أوسع منه ، وكل دعاء من هذا القبيل ، مردود على صاحبه لأنه باطل وعدوان على الآخرين. والدعاء مخ العبادة ، وقمة الإيمان ، وسرّ المناجاة بين العبد وربه ، والدعاء سهم من سهام الله ، ودعاء السحر سهام القدر، فإذا انطلق من قلوب ناظرة إلى ربها ، راغبة فيما عنده ، لم يكن لها دون عرش الله مكان. جلس عمر بن الخطاب يومًا على كومة من الرمل ، بعد أن أجهده السعي والطواف على الرعية ، والنظر في مصالح المسلمين ، ثم اتجه إلى الله وقال: "اللهم قد كبرت سني ، ووهنت قوتي ، وفشت رعيتي ، فاقبضني إليك غير مضيع ولا مفتون ، واكتب لي الشهادة في سبيلك ، والموت في بلد رسولك". انظر إلى هذا الدعاء ، أي طلب من الدنيا طلبه عمر، وأي شهوة من شهوات الدنيا في هذا الدعاء ، إنها الهمم العالية ، والنفوس الكبيرة ، لا تتعلق أبدًا بشيء من عرض هذه الحياة ، وصعد هذا الدعاء من قلب رجل يسوس الشرق والغرب ، ويخطب وده الجميع ، حتى قال فيه القائل: يا من رأى عمرًا تكسوه بردته ** والزيت أدم له والكوخ مأواه يهتز كسرى على كرسيه فرقًا ** من بأسه وملوك الروم تخشاه ماذا يرجو عمر من الله في دعائه ؟ إنه يشكو إليه ضعف قوته ، وثقل الواجبات والأعباء ، ويدعو ربه أن يحفظه من الفتن ، والتقصير في حق الأمة ، ثم يتطلع إلى منزلة الشهادة في سبيله ، والموت في بلد رسوله ، فما أجمل هذه الغاية ، وما أعظم هذه العاطفة التي تمتلئ حبًا وحنينًا إلى رسول الله - صل الله عليهلم -: (أن يكون مثواه بجواره). يقول معاذ بن جبل - رضي الله عنه -: "يا بن آدم أنت محتاج إلى نصيبك من الدنيا ، وأنت إلى نصيبك من الآخرة أحوج ، فإن بدأت بنصيبك من الآخرة ، مرّ بنصيبك من الدنيا فانتظمها انتظامًا ، وإن بدأت بنصيبك من الدنيا ، فائت نصيبك من الآخرة ، وأنت من الدنيا على خطر). وروى الترمذي بسنده عن النبي - صل الله عليهلم -: أنه قال: ((من أصبح والآخرة أكبر همه جمع الله له شمله ، وجعل غناه في قلبه ، وأتته الدنيا وهي راغمة ، ومن أصبح والدنيا أكبر همه فرَّق الله عليه ضيعته ، وجعل فقره بين عينيه ولم يأته من الدنيا إلا ما كُتب له)). وأخيرًا .. أرأيت كيف أُلهم عمر الدعاء وكانت الإجابة معه ، وصدق الله العظيم إذ يقول: (وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ فَلْيَسْتَجِيبُوا لِي وَلْيُؤْمِنُوا بِي لَعَلَّهُمْ يَرْشُدُونَ) (186)" (البقرة:186).


 

  الآثار الواردة في منـزلة الیهود ونعم الله عليهم

اذهب الى الأسفل 
كاتب الموضوعرسالة


avatar


نقــاط : 99310
	الآثار الواردة في منـزلة الیهود ونعم الله عليهم Oooo14
	الآثار الواردة في منـزلة الیهود ونعم الله عليهم User_o10

	الآثار الواردة في منـزلة الیهود ونعم الله عليهم Empty
مُساهمةموضوع: الآثار الواردة في منـزلة الیهود ونعم الله عليهم   	الآثار الواردة في منـزلة الیهود ونعم الله عليهم Emptyالأربعاء 12 يونيو 2013 - 20:31


الآثار الواردة في منـزلة الیهود ونعم الله عليهم

المطلب الأول:تفضيلهم على العالمين:

الآثـــــار:

قوله تعالى: {وَأَنِّي فَضَّلْتُكُمْ عَلَى الْعَالَمِينَ = 47 } [سورة البقرة 2/47]

727 - حدثنا به محمد بن عبد الأعلى الصنعاني قال: حدثنا محمد بن ثور عن معمر وحدثنا الحسن بن يحيى قال: حدثنا عبد الرزاق قال: أخبرنا معمر عن قتادة: {وَأَنِّي فَضَّلْتُكُمْ عَلَى الْعَالَمِينَ} قال: فضلهم على عالم ذلك الزمان.‏([1])

728- حدثني المثنى قال: حدثنا آدم قال: حدثنا أبو جعفر عن الربيع عن أبي العالية: {وَأَنِّي فَضَّلْتُكُمْ عَلَى الْعَالَمِينَ} قال: بما أعطوا من الملك والرسل والكتب على عالم من كان في ذلك الزمان فإن لكل زمان عالماً.‏ ([2])

729- حدثنا القاسم قال: حدثنا الحسين قال: حدثني حجاج عن ابن جريج قال: قال مجاهد في قوله: {وَأَنِّي فَضَّلْتُكُمْ عَلَى الْعَالَمِينَ} قال: على من هم بين ظهرانيه. ([3])

730- وحدثني يونس بن عبد الأعلى قال: أخبرنا ابن وهب قال: سألت ابن زيد عن قول الله: {وَأَنِّي فَضَّلْتُكُمْ عَلَى الْعَالَمِينَ = 47 } قال: عالم أهل ذلك الزمان. وقرأ قول الله: {وَلَقَدْ اخْتَرْنَاهُمْ عَلَى عِلْمٍ عَلَى الْعَالَمِينَ = 32 } [سورة الدخان 44/32] قال: هذه لمن أطاعه واتبع أمره وقد كان فيهم القردة وهم أبغض خلقه إليه وقال لهذه الأمة: {كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنْ الْمُنكَرِ وَتُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَلَوْ آمَنَ أَهْلُ الْكِتَابِ لَكَانَ خَيْراً لَهُمْ مِنْهُمْ الْمُؤْمِنُونَ وَأَكْثَرُهُمْ الْفَاسِقُونَ = 110 } [سورة آل عمران 3/110] قال: هذه لمن أطاع الله واتبع أمره واجتنب محارمه. ([4])

قوله تعالى: { وَآتَاكُمْ مَا لَمْ يُؤْتِ أَحَداً مِنْ الْعَالَمِينَ = 20 } [سورة المائدة 5/20]

9083 - حدثنا سفيان بن وكيع قال: ثنا أبي عن سفيان عن رجل عن مجاهد: {وَآتَاكُمْ مَا لَمْ يُؤْتِ أَحَداً مِنْ الْعَالَمِينَ = 20 } قال: المن والسلوى والحجر والغمام. ([5])

حدثني محمد بن عمرو قال: ثنا أبو عاصم قال: ثنا عيسى عن ابن أبي نجيح عن مجاهد: {وَآتَاكُمْ مَا لَمْ يُؤْتِ أَحَداً مِنْ الْعَالَمِينَ = 20 } يعني أهل ذلك الزمان المن والسلوى والحجر والغمام.‏ ([6])

قولـه تعالى: {وَلَقَدْ اخْتَرْنَاهُمْ عَلَى عِلْمٍ عَلَى الْعَالَمِينَ = 32 } [سورة الدخان 44/32]

24083- حدثنا بشر قال: ثنا يزيد قال: ثنا سعيد عن قتادة {وَلَقَدْ اخْتَرْنَاهُمْ عَلَى عِلْمٍ عَلَى الْعَالَمِينَ = 32 } أي اختيروا على أهل زمانهم ذلك ولكل زمان عالم. ([7])

قولـه تعالى: {أَخَذَ الأَلْوَاحَ وَفِي نُسْخَتِهَا هُدًى وَرَحْمَةٌ لِلَّذِينَ هُمْ لِرَبِّهِمْ يَرْهَبُونَ = 154 } [سورة الأعراف 7/154]

11752 - حدثنا بشر بن معاذ قال: ثنا يزيد قال: ثنا سعيد عن قتادة قوله: {أَخَذَ الأَلْوَاحَ وَفِي نُسْخَتِهَا هُدًى وَرَحْمَةٌ لِلَّذِينَ هُمْ لِرَبِّهِمْ يَرْهَبُونَ = 154 } قال: رب إني أجد في الألواح أمة خير أمة أخرجت للناس يأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر فاجعلهم أمتي! قال: تلك أمة أحمد. قال: رب إني أجد في الألواح أمة هم الآخرون السابقون: أي آخرون في الخلق سابقون في دخول الجنة رب اجعلهم أمتي! قال: تلك أمة أحمد. قال: رب إني أجد في الألواح أمة أناجيلهم في صدورهم يقرؤونها وكان من قبلهم يقرؤون كتابهم نظراً حتى إذا رفعوها لم يحفظوا شيئاً ولم يعرفوه - قال قتادة: وإن الله أعطاكم أيتها الأمة من الحفظ شيئاً لم يعطه أحداً من الأمم - قال: رب اجعلهم أمتي! قال: تلك أمة أحمد. قال: رب إني أجد في الألواح أمة يؤمنون بالكتاب الأول وبالكتاب الآخر ويقاتلون فصول الضلالة حتى يقاتلوا الأعور الكذاب فاجعلهم أمتي! قال: تلك أمة أحمد. قال: رب إني أجد في الألواح أمة صدقاتهم يأكلونها في بطونهم ثم يؤجرون عليها وكان من قبلهم من الأمم إذا تصدق بصدقة فقبلت منه بعث الله عليها ناراً فأكلتها، وإن ردت عليه تركت تأكلها الطير والسباع، قال: وإن الله أخذ صدقاتكم من غنيكم لفقيركم قال: رب اجعلهم أمتي! قال: تلك أمة أحمد. قال: رب إني أجد في الألواح أمة إذا هم أحدهم بحسنة ثم لم يعملها كتبت لـه حسنة فإن عملها كتبت لـه عشر أمثالها إلى سبعمائة رب اجعلهم أمتي! قال: تلك أمة أحمد. قال: رب إني أجد في الألواح أمة إذا هم أحدهم بسيئة لم تكتب عليه حتى يعملها فإذا عملها كتبت عليه سيئة واحدة فاجعلهم أمتي! قال: تلك أمة أحمد. قال: رب إني أجد في الألواح أمة هم المستجيبون والمستجاب لهم فاجعلهم أمتي! قال: تلك أمة أحمد. قال: رب إني أجد في الألواح أمة هم المشفعون والمشفوع لهم فاجعلهم أمتي! قال: تلك أمة أحمد. قال: وذكر لنا أن نبي الله موسى عليه السلام نبذ الألواح وقال: اللهم اجعلني من أمة أحمد! قال: فأعطي نبي الله موسى عليه السلام ثنتين لم يعطهما نبي قال الله: {يَا مُوسَى إِنِّي اصْطَفَيْتُكَ عَلَى النَّاسِ بِرِسَالاتِي وَبِكَلامِي فَخُذْ مَا آتَيْتُكَ وَكُنْ مِنْ الشَّاكِرِينَ = 144 } [سورة الأعراف 7/144] قال: فرضي نبي الله. ثم أعطي الثانية: {وَمِنْ قَوْمِ مُوسَى أُمَّةٌ يَهْدُونَ بِالْحَقِّ وَبِهِ يَعْدِلُونَ = 159 } [سورة الأعراف 7/159] قال: فرضي نبي الله عليه السلام كل الرضا.([8])



الدراســــة:

يذكر الله تبارك وتعالى لبني إسرائيل ما منّ به على أسلافهم يوم أطاعوا أمره واتبعوا نبيه، وأن هذا مآلهم لو اتبعوا محمداً صلى الله عليه وسلم ، وقد فضلهم بالتوحيد والطاعة على أهل زمانهم، وهو المراد بهذه الآيات كما صرح بهذا جمع من السلف، كمجاهد وأبي العالية و قتادة كما في الآثار السابقة.

وليس في هذه الآيات حجة لمن أراد تنـزيلها على اليهود في كل الأزمان لما يلي:

1- روى بهز بن حكيم عن أبيه عن جده قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: ((ألا إنكم وفيتم سبعين أمة" قال يعقوب في حديثه: "أنتم آخرها". وقال الحسن: "أنتم خيرها وأكرمها على الله)) .([9])

قال الطبري رحمه الله : "فقد أنبأ هذا الخبر عن النبي صلى الله عليه وسلم أن بني إسرائيل لم يكونوا مفضلين على أمة محمد عليه الصلاة والسلام وأن معنى قوله: {وَفَضَّلْنَاهُمْ عَلَى الْعَالَمِينَ} وقوله: {وَأَنِّي فَضَّلْتُكُمْ عَلَى الْعَالَمِينَ} ما بينا من تأويله.

وقد قال الطبري في أول الآيات: "ويعني بقوله {وَأَنِّي فَضَّلْتُكُمْ عَلَى الْعَالَمِينَ} أني فضلت أسلافكم، فنسب نعمه على آبائهم وأسلافهم إلى أنها نعم منه عليهم؛ إذ كانت مآثر الآباء مآثر للأبناء، والنعم عند الآباء نعماً عند الأبناء؛ لكون الأبناء من الآباء، وأخرج جل ذكره قوله: {وَأَنِّي فَضَّلْتُكُمْ عَلَى الْعَالَمِينَ} مخرج العموم وهو يريد به خصوصاً؛ لأن المعنى وأني فضلتكم على عالم من كنتم بين ظهريه وفي زمانه." ([10])

2- ولقولـه تعالى: {كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِوَتُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَلَوْ آمَنَ أَهْلُ الْكِتَابِ لَكَانَ خَيْراً لَهُمْ مِنْهُمُ الْمُؤْمِنُونَ وَأَكْثَرُهُمُ الْفَاسِقُونَ} [سورة آل عمران 3/110] ، فقولـه {وَلَوْ آمَنَ أَهْلُ الْكِتَابِ لَكَانَ خَيْراً لَّهُم} يعلن أنهم غيرمقصودين بالتفضيل المطلق، بل هي دعوة لهم للتفضيل بدخولهم لهذا الدين، وهكذا يدور التفضيل مع التوحيد، فيوم أن كانوا موحدين وغيرهم مشرك فضلوا، ولماّّ جاءهم الحق وتركوه صاروا المغضوب عليهم.

وقد بين الرسول صلى الله عليه وسلم هذه المسألة فقال: ((إنما مثلكم واليهود والنصارى كرجل استعمل عمالاً فقال: من يعمل لي إلى نصف النهار على قيراط قيراط، فعملت اليهود على قيراط قيراط، ثم عملت النصارى على قيراط قيراط، ثم أنتم الذين تعملون من صلاة العصر إلى مغرب الشمس على قيراطين قيراطين، فغضبت اليهود والنصارى وقالوا: نحن أكثر عملاً وأقل عطاء، قال: هل ظلمتكم من حقكم شيئاً؟ قالوا: لا، فقال: فذلك فضلي أوتيه من أشاء.)) ([11])

منطلق اليهود في دعواهم:

ينطلق اليهود في نظرتهم لغيرهم من الأمم - وخاصة المسلمين - من خلال أمرين هما:

1 - الادعاء بالاصطفاء والاختيار والتفضيل لهم من الله - تبارك وتعالى - وتبعاً لذلك فهم يقولون بالأمر الثاني.

2 - أحقيتهم في أرض فلسطين باعتبارها الأرض التي وُعد بها آباؤهم من قبل (إبراهيم - إسحاق - يعقوب عليهم السلام ).

ولكي تتضح صورة موقف العهد القديم من الأمم الأخرى كان لابد من مناقشة هذين الأمرين:

أولاً: الإدعاء بالاصطفاء والتفضيل :

ينظر اليهود إلى أنفسهم باعتبارهم مختارون ومفضلون على الناس جميعا،ً وأن هذا التفضيل جاء بناءً على اختيار واصطفاء من الله - تبارك وتعالى - ورد ذلك في نصوص العهد القديم كثيراً، ومن أمثلته ماجاء في سفر الخروج : "والآن إن امتثلتم أوامري وحفظتم عهدي، فإنكم تكونون لي خاصة من جميع الشعوب، لأن جميع الأرض لي، وأنتم تكونون لي مملكة أحبار وشعباً مقدساً"([12]).

وأيضاً ماورد في سفر التثنية : "لأنك شعب مقدس للرب إلهك، وإياك اصطفى الرب إلهك أن تكون لـه أمة خاصة من جميع الأمم التي على وجه الأرض." ([13])

وجاء فيه أيضاً: "لأنك شعب مقدس للرب إلهك وقد اصطفاك الرب لتكون لـه شعباً خاصاً على جميع الشعوب التي على وجه الأرض." ([14])

الرد علي هذا الإدعاء :

أثبتت نصوص التوراة - كما مرَّ سابقاً - أفضلية بني إسرائيل على غيرهم وعند مناقشة هذا الأمر فإنه لابد من ورود بعض التساؤلات مثل:

· هل حقاً فُضِّل بني إسرائيل على غيرهم؟

· وإذا كان الأمر كذلك فمتى كان هذا التفضيل؟ وهل يصح أن يُطلق أمره بدون ضوابط؟ وماهي هذه الضوابط ؟

· ثم هل التزم بها اليهود لتصح مقالتهم بأنهم شعب الله المختار؟

الحقيقة أن نصوص القرآن الكريم أثبتت أن بني إسرائيل فضلوا على غيرهم من الناس، وقد ورد ذلك في القرآن الكريم يقول - تعالى - في سورة البقرة: {يَابَنِي إِسْرَائِيلَ اذْكُرُوا نِعْمَتِيَ الَّتِي أَنْعَمْتُ عَلَيْكُمْ وَأَنِّي فَضَّلْتُكُمْ عَلَى الْعَالَمِينَ} [سورة البقرة 2/47] وفي سورة البقرة أيضاً جاء قولـه -تعالى- {يَابَنِي إِسْرَائِيلَ اذْكُرُوا نِعْمَتِيَ الَّتِي أَنْعَمْتُ عَلَيْكُمْ وَأَنِّي فَضَّلْتُكُمْ عَلَى الْعَالَمِينَ} [سورة البقرة 2/122] وفي سورة الأعراف أيضاً: {قَالَ أَغَيْرَ اللَّهِ أَبْغِيكُمْ إِلَهًا وَهُوَ فَضَّلَكُمْ عَلَى الْعَالَمِينَ} [سورة الأعراف 7/140] وفي سورة الجاثية: {وَلَقَدْ آتَيْنَا بَنِي إِسْرَائِيلَ الْكِتَابَ وَالْحُكْمَ وَالنُّبُوَّةَ وَرَزَقْنَاهُمْ مِنَ الطَّيِّبَاتِ وَفَضَّلْنَاهُمْ عَلَى الْعَالَمِينَن} [سورة الجاثية 45/16] .

ففي الآيات السابقة أثبت القرآن الكريم مسألة تفضيل بني إسرائيل على العالمين، بل إن الله تعالى أنعم عليهم بأن جعل منهم أنبياء وملوكاً، وآتاهم مالم يؤت أحداً من العالمين، يقول تعالى: {وَإِذْ قَالَ مُوسَى لِقَوْمِهِ يَاقَوْمِ اذْكُرُوا نِعْمَةَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ جَعَلَ فِيكُمْ أَنْبِيَاءَ وَجَعَلَكُمْ مُلُوكًا وَآتَاكُمْ مَا لَمْ يُؤْتِ أَحَدًا مِنَ الْعَالَمِينَ} [سورة المائدة 5/20] ([15]).

إذن قضية التفضيل صحيحة ومسلم بها بنص القرآن الكريم، لكن متى كان بنو إسرائيل يتميزون عن غيرهم؟ الواقع أن ذلك الأمر كان حين لم يكن على وجه الأرض مؤمن سواهم، فقد كانت الأرض -على وقتهم- تعج بالوثنية وعبادة غير الله -تعالى- خاصة في مصر التي كان يسكنها بنو إسرائيل قبل خروجهم منها على يد نبي الله الكريم موسى - عليه السلام -، فقد كانوا الفئة المؤمنة الموحدة بالله -تعالى-، وكانوا أيضاً الأمة المستضعفة التي تعاني من فرعون وظلمه - كما أخبر بذلك القرآن الكريم-، وتبعاً لإيمانهم والتزامهم بما شرع الله -تعالى- كان تفضيلهم، ومع هذا فإن إطلاق أمر الاصطفاء والاختيار بدون قيود أو شروط أمر لايصح؛ إذ أن لهذا الاختيار والتفضيل شروط لم يلتزم بها بنو إسرائيل، فالله -تبارك وتعالى- فضلهم بشرط الإيمان به -سبحانه وتعالى-، والالتزام بما شرعه لهم وأوصاهم به، فبتحقيق هذين الأمرين يكون لبني إسرائيل الفضل على غيرهم في ذلك الوقت، والذي عليه واقع بني إسرائيل بعد ذلك أنهم لم يلتزموا بما أمرهم به الله -تبارك وتعالى-، بل نقضوا ماعاهدوا الله عليه، وأول مانقضوا -الوصايا العشر- التي أوصاهم بها -سبحانه-، فقد ورد في التوراة: "لاتقتل لاتزن لاتسرق لاتشهد على قريبك شهادة زور لاتشته بيت قريبك لاتشته امرأة قريبك ولا عبده ولا أمته ولا ثوره ولا حماره ولا شيئاً مما لقريبك." ([16]) وأيضاً: "لا تقتل لا تزن لا تسرق لا تشهد على صاحبك شهادة زور لا تشته زوجة صاحبك ولا تشته بيته ولا حقله ولا عبده ولا أمته ولا ثوره ولا حماره ولا شيئاً مما لصاحبك." ([17])

فالأساس الذي شرعه الله -تبارك وتعالى- من أن تفضيلهم لم يكن إلا بسبب إيمانهم وتقواهم، فمتى ماتركوا ذلك انتقض حقهم في التفضيل والاختيار، فالميزان في ذلك هو: الالتزام بالإيمان بالله -تعالى- وحده لاشريك لـه، والقيام بما شرع، وأداء ما أمر به. وهكذا كان تفضيل الله لهم لأنهم آمنوا حيناً ببعض الأنبياء، وعرفوا نور التوحيد في الوقت الذي كانت فيه معظم الشعوب مُعرضة عن عبادة الله، فلم يكن اختيار الله لهم بسبب العنصر أو العرق أو النوع أو اللون أو غير ذلك من أباطيلهم، وإنما كان تكليفاً لبني إسرائيل، واختياراً وابتلاءً أيشكرون أم يكفرون، ولهذا قرن القرآن الكريم بين آيات الاختيار والاختبار معاً فقال: {وَلَقَدِ اخْتَرْنَاهُمْ عَلَى عِلْمٍ عَلَى الْعَالَمِينَ = 32 وَآتَيْنَاهُمْ مِنَ الآيَاتِ مَا فِيهِ بَلاءٌ مُبِينٌ = 33 } [سورة الدخان 44/32-33] والبلاء هو الاختبار والله قد يختبر عباده بالنعم، كما يختبرهم بالنقم، ولكن اليهود سقطوا في امتحانهم، فلم يشكروا نعمة اختيار الله لهم، وإنما انحرفوا عن منهج الله، وحرفوا كتبه، وكذبوا رسله، وهنا غضب الله عليهم ولعنهم وعدد مساوئهم وكفرهم، {لُعِنَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ بَنِي إِسْرَائِيلَ عَلَى لِسَانِ دَاوُدَ وَعِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ ذَلِكَ بِمَا عَصَوْا وَكَانُوا يَعْتَدُونَ = 78 كَانُوا لا يَتَنَاهَوْنَ عَنْ مُنْكَرٍ فَعَلُوهُ لَبِئْسَ مَا كَانُوا يَفْعَلُونَ = 79 } [سورة المائدة 5/78-79] كما يناقشهم القرآن في دعواهم مناقشة منطقية فيقول: {قُلْ يَاأَيُّهَا الَّذِينَ هَادُوا إِنْ زَعَمْتُمْ أَنَّكُمْ أَوْلِيَاءُ لِلَّهِ مِنْ دُونِ النَّاسِ فَتَمَنَّوُا الْمَوْتَ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ = 6 وَلا يَتَمَنَّوْنَهُ أَبَدًا بِمَا قَدَّمَتْ أَيْدِيهِمْ وَاللَّهُ عَلِيمٌ بِالظَّالِمِينَ = 7 } [سورة الجمعة 62/6-7] فاليهود يدّعون أن الله قد أفردهم بولايته وحبه واختياره، ولكن القرآن يصف كلامهم بأنه مجرد زعم باطل، ومع ذلك يطلب منهم أن يتمنوا الموت لكي يسارعوا إلى لقاء الله الذي يحبهم إن كانوا صادقين، بل يعقب في صراحة ووضوح بأن واحداً منهم لن يتمنى الموت لأنهم يعلمون أنهم كاذبون في دعواهم. ([18])

إذن يتضح من ذلك أن مسألة التفضيل حقيقة - ولكن ليس على إطلاقها- إنما لها شروطها التي لم يلتزم بها بنو إسرائيل فمن الشروط: الإيمان بالله -تبارك وتعالى-، فمن آمن بالله والتزم سواءٌ من بني إسرائيل أم من غيرهم فله الفضل على غيره، فأساس التفاضل إنما هو عبادة الله -تعالى-، فأكرم الناس أتقاهم كما أخبر عن ذلك القرآن الكريم، يقول -تبارك وتعالى-: {إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ} [سورة الحجرات 49/13]

وعلى هذا تكون أمة الإسلام هي خير أمة أخرجت للناس، يقول تعالى: {كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ} [سورة آل عمران 3/110] وهي خيرية ليست على إطلاقها أيضاً وإنما باستيفاء شروطها، وهي: {تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَتُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ} [سورة آل عمران 3/110].

يقول ابن كثير رحمه الله : " فمن اتصف من هذه الأمة بهذه الصفات دخل معهم في هذا الثناء عليهم والمدح، كما قال قتادة: ((بلغنا أن عمر بن الخطاب _ في حجة حجها رأى من الناس سرعة، فقرأ هذه الآية {كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ} ثم قال: من سره أن يكون من تلك الأمة فليؤد شرط الله فيها.)) ([19]).

ثم إن نص التوراة يؤكد على هذه الشروط فقد جاء فيه: "والآن إن امتثلتم أوامري وحفظتم عهدي ..." ([20]). وهو مايدل حقيقة على أن التفضيل هو بسبب الامتثال لشرع الله -تعالى- وأوامره لا لشيء آخر.

ووردت أيضاً نصوص أخرى تدل على هذا المعنى منها: "وإن نسيت الرب إلهك، واتبعت آلهة غريبة وعبدتها، وسجدت لها، فأنا شاهد عليكم اليوم بأنكم تهلكون هلاكاً كالأمم التي أبادها الرب من أمامكم، تهلكون لأجل أنكم لم تسمعوا لصوت الرب إلهكم"([21]). وأيضاً: "انظروا إني تالٍ عليكم اليوم بركة ولعنة: البركة إن سمعتم لوصايا الرب إلهكم، وزغتم عن الطريق التي أنا سانُّها لكم اليوم إلى اتباع آلهة غريبة لم تعرفوها" ([22]). فهذان النصان يدلان على أن امتثال الأوامر بعبادة الله وطاعته هو الركيزة الأساسية للتفضيل وأنه متى ما حاد هؤلاء عن ذلك انتقضت دعواهم بالتفضيل على العالمين فنصوصهم -من كتبهم- شاهدة عليهم.([23])

----------------------------------------------------

([1]) تفسير الطبري ( 1 / 264 ) - تفسير الطبري ( 1 / 265 ) - تفسير الدر المنثور ( 1 / 165 ) صححه في التفسير الصحيح (3/262)

([2]) تفسير الطبري ( 1 / 264 ) - تفسير ابن أبي حاتم ( 1 / 104 ) - تفسير الدر المنثور ( 1 / 165 ) - تفسير ابن كثير ( 1 / 89 ) حسن إسناده الحافظ في الفتح (6/366).

([3]) تفسير الطبري ( 1 / 265 ) صححه في التفسير الصحيح (3/122)

([4]) تفسير الطبري ( 1 / 265 )

([5]) تفسير الطبري ( 6 / 170 ) - تفسير الدر المنثور ( 3 / 47 ) - تفسير القرطبي ( 6 / 124 )

([6]) تفسير الطبري ( 6 / 170 )

([7]) تفسير الطبري ( 25 / 127 ) - تفسير ابن كثير ( 4 / 144 ) حسنه في التفسير الصحيح (4/318)

([8]) تفسير الطبري ( 9 / 65 ) حسنه في التفسير الصحيح (1/223)

([9]) رواه أحمد حديث رقم 20037 ج5/ص3 والبيهقي في سننه ج9/ص5 والدارمي ج2/ص404 وحسن إسناده شعيب الأرناؤط.

([10]) تفسير الطبري ج:1 ص:264-265

([11]) صحيح البخاري2/792

([12]) سفر الخروج 19 : 5 - 6 .

([13]) سفر تثنية 7 : 6 .

([14]) سفر تثتثنية 14 : 2 .

([15]) سورة المائدة، آية 20 .

([16]) سفر الخروج 20 : 13 - 17 .

([17]) تث 5 : 17 - 21.

([18]) انظر: العقيدة اليهودية، وخطرها على الإنسانية، 355-356 .

([19]) نفسير ابن كثير، 1/516 .

([20]) سفر الخروج 19 : 5 .

([21]) سفر التثنية 8 : 19-20 .

([22]) سفر التثنية 11 : 26-28.

([23]) لو أن باحثاً جمع آيات القرآن الكريم عن اليهود، واستخلص منها ما تدل عليه من مثالبهم ومساوئ أخلاقهم وأفعالهم، والتواء طبيعتهم، لجمع ـ أو كاد ـ جميع خصال السوء، واخلاق الرذيلة. فكيف يتبجحون مع هذا بأن القرآن يقصد امتيازهم على جميع من سواهم من الأمم، وكيف يستمسكون بما يفهمون من ظاهر آية أو آيتين وقد تحالفت آيات القرآن التي نزلت فيهم على غير ما فهموا؟ والخلاصة أن القرآن حسين قرر أنهم فضلوا على العالمين، وأنهم أوتوا مالم يؤت أحد من العالمين، انما ساق ذلك في معرض الامتنان عليهم بالنعم واثبات أنهم يجحدونها ويكفرون بها، فهو الزام منطقي بلومهم، حيث أو ثروا وأوتوا النعم فكفروا وتولوا واستغنى الله! ( محمود شلتوت-تفسير القرآن ص241)
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
 
الآثار الواردة في منـزلة الیهود ونعم الله عليهم
الرجوع الى أعلى الصفحة 
صفحة 1 من اصل 1
 مواضيع مماثلة
-
»  الآثار الواردة في شرك الیهود بالله
» الآثار الواردة في تسمية الیهود
»  الآثار الواردة في إيمان بعض الیهود بالله
»  الآثار الواردة في اتباع الیهود الهوى
»  الآثار الواردة في موقف الیهود من التوراة

صلاحيات هذا المنتدى:لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى
اسلام ويب :: ۩✖ Known to the islam ۩✖ :: قسم الاسلام واليهوديه-
انتقل الى: