اسلام ويب
هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.



 
الرئيسيةأحدث الصورالتسجيلدخول

من فقه الدعاء يقول سيدنا عمر بن الخطاب - رضي الله عنه -: "أنا لا أحمل همَّ الإجابة، وإنما أحمل همَّّ الدعاء، فإذا أُلهمت الدعاء كانت الإجابة معه". وهذا فهم عميق أصيل ، فليس كل دعاء مجابًا، فمن الناس من يدعو على الآخرين طالبًا إنزال الأذى بهم ؛ لأنهم ينافسونه في تجارة ، أو لأن رزقهم أوسع منه ، وكل دعاء من هذا القبيل ، مردود على صاحبه لأنه باطل وعدوان على الآخرين. والدعاء مخ العبادة ، وقمة الإيمان ، وسرّ المناجاة بين العبد وربه ، والدعاء سهم من سهام الله ، ودعاء السحر سهام القدر، فإذا انطلق من قلوب ناظرة إلى ربها ، راغبة فيما عنده ، لم يكن لها دون عرش الله مكان. جلس عمر بن الخطاب يومًا على كومة من الرمل ، بعد أن أجهده السعي والطواف على الرعية ، والنظر في مصالح المسلمين ، ثم اتجه إلى الله وقال: "اللهم قد كبرت سني ، ووهنت قوتي ، وفشت رعيتي ، فاقبضني إليك غير مضيع ولا مفتون ، واكتب لي الشهادة في سبيلك ، والموت في بلد رسولك". انظر إلى هذا الدعاء ، أي طلب من الدنيا طلبه عمر، وأي شهوة من شهوات الدنيا في هذا الدعاء ، إنها الهمم العالية ، والنفوس الكبيرة ، لا تتعلق أبدًا بشيء من عرض هذه الحياة ، وصعد هذا الدعاء من قلب رجل يسوس الشرق والغرب ، ويخطب وده الجميع ، حتى قال فيه القائل: يا من رأى عمرًا تكسوه بردته ** والزيت أدم له والكوخ مأواه يهتز كسرى على كرسيه فرقًا ** من بأسه وملوك الروم تخشاه ماذا يرجو عمر من الله في دعائه ؟ إنه يشكو إليه ضعف قوته ، وثقل الواجبات والأعباء ، ويدعو ربه أن يحفظه من الفتن ، والتقصير في حق الأمة ، ثم يتطلع إلى منزلة الشهادة في سبيله ، والموت في بلد رسوله ، فما أجمل هذه الغاية ، وما أعظم هذه العاطفة التي تمتلئ حبًا وحنينًا إلى رسول الله - صل الله عليهلم -: (أن يكون مثواه بجواره). يقول معاذ بن جبل - رضي الله عنه -: "يا بن آدم أنت محتاج إلى نصيبك من الدنيا ، وأنت إلى نصيبك من الآخرة أحوج ، فإن بدأت بنصيبك من الآخرة ، مرّ بنصيبك من الدنيا فانتظمها انتظامًا ، وإن بدأت بنصيبك من الدنيا ، فائت نصيبك من الآخرة ، وأنت من الدنيا على خطر). وروى الترمذي بسنده عن النبي - صل الله عليهلم -: أنه قال: ((من أصبح والآخرة أكبر همه جمع الله له شمله ، وجعل غناه في قلبه ، وأتته الدنيا وهي راغمة ، ومن أصبح والدنيا أكبر همه فرَّق الله عليه ضيعته ، وجعل فقره بين عينيه ولم يأته من الدنيا إلا ما كُتب له)). وأخيرًا .. أرأيت كيف أُلهم عمر الدعاء وكانت الإجابة معه ، وصدق الله العظيم إذ يقول: (وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ فَلْيَسْتَجِيبُوا لِي وَلْيُؤْمِنُوا بِي لَعَلَّهُمْ يَرْشُدُونَ) (186)" (البقرة:186).


 

  غزوة بدر

اذهب الى الأسفل 
كاتب الموضوعرسالة


avatar


نقــاط : 99315
 غزوة بدر Oooo14
 غزوة بدر User_o10

 غزوة بدر Empty
مُساهمةموضوع: غزوة بدر    غزوة بدر Emptyالخميس 6 يونيو 2013 - 15:43

ويقطع دابر الكافرين

الحمد لله العزيز الحكيم؛ ينصر المستضعفين، ويقصم المستكبرين، وهو على كل شيء قدير {وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ رُسُلًا إِلَى قَوْمِهِمْ فَجَاءُوهُمْ بالبَيِّنَاتِ فَانْتَقَمْنَا مِنَ الَّذِينَ أَجْرَمُوا وَكَانَ حَقًّا عَلَيْنَا نَصْرُ المُؤْمِنِينَ} [الرُّوم:47] نحمده على ما هدانا، ونشكره على ما أعطانا، ونسأله أن يثبتنا على الحق إلى أن نلقاه، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، كبير في حكمه وملكه، عظيم في أسمائه وصفاته، حكيم في تقديره وأفعاله {إِنِ الحُكْمُ إِلَّا لله يَقُصُّ الحَقَّ وَهُوَ خَيْرُ الفَاصِلِينَ} [الأنعام:57] وأشهد أن محمدا عبد الله ورسوله، وصفيه وخليله؛ لم يزل يوم بدر منطرحا على ربه، رافعا يديه إلى السماء يدعو، حتى جاءته البشرى بالنصر المبين، والقضاء على صناديد المشركين، صلى الله وسلم وبارك عليه وعلى آله وأصحابه وأزواجه وأتباعه إلى يوم الدين.

أما بعد: فاتقوا الله تعالى وأطيعوه، واستثمروا ما بقي من شهركم؛ فبالأمس بدأتموه، وها أنتم تأخذون من نصفه الآخر، وقريبا يفارقكم بما استودعتم فيه من أعمالكم، فاعملوا اليوم صالحا تجدوا خيرا في غدكم {فَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْرًا يَرَهُ * وَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ شَرًّا يَرَهُ} [الزَّلزلة:8].

أيها الناس: من سنة الله تعالى في المكذبين من عباده أن يرغبهم ويرهبهم، ويمهلهم ويملي لهم، ويحذرهم عقابه، ويخوفهم بآياته، ويرسل لهم النذر تلو النذر، ويفتح عليهم أبواب النعم استدراجا لهم؛ حتى إذا استوجبوا العقاب؛ قطع دابرهم، واستأصل شأفتهم، وأباد خضراءهم {فَلَمَّا نَسُوا مَا ذُكِّرُوا بِهِ فَتَحْنَا عَلَيْهِمْ أَبْوَابَ كُلِّ شَيْءٍ حَتَّى إِذَا فَرِحُوا بِمَا أُوتُوا أَخَذْنَاهُمْ بَغْتَةً فَإِذَا هُمْ مُبْلِسُونَ * فَقُطِعَ دَابِرُ القَوْمِ الَّذِينَ ظَلَمُوا وَالحَمْدُ لله رَبِّ العَالَمِينَ} [الأنعام:45].

وسرت سنة الله تعالى على المكذبين للرسل عليهم السلام في شتى الأزمان والأمم؛ فهذه عاد لما كذبت هودا عليه السلام قطع الله تعالى دابرهم، وأنجى هودا والمؤمنين معه {فَأَنْجَيْنَاهُ وَالَّذِينَ مَعَهُ بِرَحْمَةٍ مِنَّا وَقَطَعْنَا دَابِرَ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآَيَاتِنَا وَمَا كَانُوا مُؤْمِنِينَ} [الأعراف:72].
وقضى عز وجل في قوم لوط عليه السلام لما كذبوه وأتوا الفواحش بقطع دابرهم {وَقَضَيْنَا إِلَيْهِ ذَلِكَ الأَمْرَ أَنَّ دَابِرَ هَؤُلَاءِ مَقْطُوعٌ مُصْبِحِينَ} [الحجر:66].

وذكَّر الله تعالى المكذبين لخاتم رسله محمد عليه الصلاة والسلام بعاقبة المكذبين قبلهم، وحذرهم من سلوك مسلكهم؛ لئلا يقطع دابرهم كما قطع دابر من كانوا قبلهم {أَلَمْ يَرَوْا كَمْ أَهْلَكْنَا مِنْ قَبْلِهِمْ مِنْ قَرْنٍ مَكَّنَّاهُمْ فِي الأَرْضِ مَا لَمْ نُمَكِّنْ لَكُمْ وَأَرْسَلْنَا السَّمَاءَ عَلَيْهِمْ مِدْرَارًا وَجَعَلْنَا الأَنْهَارَ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهِمْ فَأَهْلَكْنَاهُمْ بِذُنُوبِهِمْ وَأَنْشَأْنَا مِنْ بَعْدِهِمْ قَرْنًا آَخَرِينَ} [الأنعام:6].

غير أن من كُتب عليهم الشقاء لا بد أن يدركوه، ويأتوا أسبابه، ولا ينفكوا عن عمل أهله حتى ترديهم شقوتهم، ومن كتب الله تعالى نجاتهم أدركتهم رحمته سبحانه، وأسعفتهم هدايته، وقد وقع ذلك كما قدره الله تعالى وقضاه في غزوة بدر الكبرى التي كانت في رمضان من السنة الثانية للهجرة؛ إذ سارت جحافل الشرك، وجند الباطل، تجر أذيلها بطرا ورئاء الناس، من مكة إلى المدينة لتنقذ قوافلها من محمد عليه الصلاة والسلام وصحبه رضي الله عنهم، وتضربهم أقبيتها بالقرب من مدينتهم؛ تحديا لهم، واستعادة لهيبة تضعضعت بكلمة التوحيد، وكاد اللقاء أن لا يتم بنجاة القافلة من قبضة المسلمين، ولكن الله تعالى قد قضى -وهو الحكم العدل- بقطع دابر آئمة الشرك، وصناديد مكة {وَإِذْ يَعِدُكُمُ اللهُ إِحْدَى الطَّائِفَتَيْنِ أَنَّهَا لَكُمْ وَتَوَدُّونَ أَنَّ غَيْرَ ذَاتِ الشَّوْكَةِ تَكُونُ لَكُمْ وَيُرِيدُ اللهُ أَنْ يُحِقَّ الحَقَّ بِكَلِمَاتِهِ وَيَقْطَعَ دَابِرَ الكَافِرِينَ} [الأنفال:7].

لقد قضى الله تعالى في المشركين قضاءه، فلا بدّ أن ينفذ فيهم حكمه، وأن يقع عليهم مراده، فكان اللقاء على غير ميعاد، وبلغ المسلمون أرض المعركة قبل المشركين، وكان النبي عليه الصلاة والسلام يشير إلى مصارع المشركين في الأرض، روى أنس رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم لما نزل بدرا قال: (هذا مَصْرَعُ فُلَانٍ، قال: وَيَضَعُ يَدَهُ على الأرض هاهنا وهاهنا قال: فما مَاطَ أَحَدُهُمْ عن مَوْضِعِ يَدِ رسول الله صلى الله عليه وسلم) رواه مسلم. وقال عمر رضي الله عنه: (إِنَّ رَسُولَ الله صلى الله عليه وسلم كان يُرِينَا مَصَارِعَ أَهْلِ بَدْرٍ بِالْأَمْسِ يقول: هذا مَصْرَعُ فُلَانٍ غَدًا إن شَاءَ الله، قال عُمَرُ: فَوَالَّذِي بَعَثَهُ بِالْحَقِّ ما أخطؤا الْحُدُودَ التي حَدَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم)رواه مسلم.

والتقى الجمعان، وتقابل الصفان، وكان في المشركين من يشير عليهم بأن يرجعوا، ولكن كبرياء أبي جهل تأبى ذلك، فما زال بهم حتى عزموا على الحرب، ووقفوا لها، وخرج المبارزون منهم للمبارزة، ووقع أمر الله تعالى، وتحقق وعده بقطع دابرهم {وَيُرِيدُ اللهُ أَنْ يُحِقَّ الحَقَّ بِكَلِمَاتِهِ وَيَقْطَعَ دَابِرَ الكَافِرِينَ} [الأنفال:7].

فقتل سبعون منهم، وأُسر سبعون، وكان في القتلى جملة كبيرة من سادة قريش وكبارهم، وصناديد الكفر وشجعانهم، أخذت منهم سيوف الحق حظها، وارتوت أرض بدر بدمائهم، ودارت دائرة السوء على أعداء الله تعالى، وانتصرت الفئة المؤمنة المستضعفة، ونال المعذبون ممن كانوا يُعَذِّبُونهم على الإيمان في رمضاء مكة، وانتصر الله تعالى لهم منهم، وأَبْصَرَ بِلَالٌ أُمَيَّةَ بن خَلَفٍ -وقد كان يعذبه بمكة- فقال: أُمَيَّةُ بنُ خَلَفٍ! لَا نَجَوْتُ إن نَجَا أُمَيَّةُ، وأعانه عليه فَرِيقٌ من الْأَنْصَارِ فَتَخَلَّلُوهُ بِسُّيُوفِهم حتى قَتَلُوهُ) وقصة قتله في صحيح البخاري.

وكان أمية صديقا لسعد بن معاذ رضي الله عنه، فإذا ذهب سعد إلى مكة نزل عند أمية، وإذا ذهب أمية إلى المدينة نزل عند سعد، وذات مرة خرج سعد معتمرا فأجاره أمية وضيَّفه، وأخبره سعد رضي الله عنه أن النبي عليه الصلاة والسلام قد أخبر بمقتله، فقال: (بِمَكَّةَ؟ قال: لَا أَدْرِي، فَفَزِعَ لِذَلِكَ أُمَيَّةُ فَزَعًا شَدِيدًا فأخبر أهله بذلك وقال: والله لَا أَخْرُجُ من مَكَّةَ) ولكن الشقي سيدركه شقاؤه ولو احترز، وأمر الله تعالى أمضى من عزمه ويمينه، ورفقةُ السوء لن تزال به حتى تورده حتفه.

(فلما كان يَوْمُ بَدْرٍ اسْتَنْفَرَ أبو جَهْلٍ الناس، قال: أَدْرِكُوا عِيرَكُمْ, فَكَرِهَ أُمَيَّةُ أَنْ يَخْرُجَ، فَأَتَاهُ أبو جَهْلٍ فقال: يا أَبَا صَفْوَانَ، إِنَّكَ مَتَى ما يَرَاكَ الناس قد تَخَلَّفْتَ وَأَنْتَ سَيِّدُ أَهْلِ الْوَادِي تَخَلَّفُوا مَعَكَ فلم يَزَلْ بِهِ أبو جَهْلٍ حتى قال: أَمَّا إِذْ غَلَبْتَنِي فو الله لَأَشْتَرِيَنَّ أَجْوَدَ بَعِيرٍ بِمَكَّةَ ثُمَّ قال أُمَيَّةُ: يا أُمَّ صَفْوَانَ جَهِّزِينِي، فقالت له: يا أَبَا صَفْوَانَ، وقد نَسِيتَ ما قال لك أَخُوكَ الْيَثْرِبِيُّ؟ قال: لَا، ما أُرِيدُ أَنْ أَجُوزَ مَعَهُمْ إلا قَرِيبًا، فلما خَرَجَ أُمَيَّةُ أَخَذَ لَا يَنْزِلُ مَنْزِلًا إلا عَقَلَ بَعِيرَهُ فلم يَزَلْ بِذَلِكَ حتى قَتَلَهُ الله عز وجل بِبَدْرٍ)رواه البخاري.
لقد قُتِل في بدر رؤساءُ الكفر، وأئمةُ الشرك، وقَطَع الله تعالى دابرهم، وشفى صدور المؤمنين منهم، وكانت نهايتهم في الدنيا شرَّ نهاية، وعذابُ الآخرة أشد وأبقى.

عن عائشة رضي الله عنها قالت: (أَمَرَ رسول الله صلى الله عليه وسلم بالْقَتْلَى أن يُطْرَحُوا في الْقَلِيبِ فَطُرِحُوا فيه إلا ما كان من أُمَيَّةَ بنِ خَلَفٍ فإنه انْتَفَخَ في دِرْعِهِ فَمَلأَهَا فَذَهَبُوا يُحَرِّكُوهُ فَتَزَايَلَ، فَأَقَرُّوهُ وَأَلْقَوْا عليه ما غيبه مِنَ التُّرَابِ وَالْحِجَارَةِ، فلما أَلْقَاهُمْ في الْقَلِيبِ وَقَفَ عليهم رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: يا أَهْلَ الْقَلِيبِ، هل وَجَدْتُمْ ما وَعَدَ رَبُّكُمْ حَقًّا فإني قد وَجَدْتُ ما وعدني ربي حَقًّا، فقال له: أَصْحَابُهُ، يا رَسُولَ الله أَتُكَلِّمُ قَوْماً مَوْتَى، فقال لهم: لقد عَلِمُوا أن ما وَعَدْتُهُمْ حَقٌّ)رواه أحمد.

وفي رواية أنه عليه الصلاة والسلام قال لهم: (جَزَاكُمُ الله شَرًّا من قَوْمِ نبي ما كان أَسْوَأَ الطَّرْدِ وَأَشَدَّ التَّكْذِيبِ)

وفي رواية للبخاري من حديث أنس رضي الله عنه: (فَجَعَلَﷺ يُنَادِيهِمْ بِأَسْمَائِهِمْ وَأَسْمَاءِ آبَائِهِمْ يا فُلَانُ بن فُلَانٍ وَيَا فُلَانُ بن فُلَانٍ أَيَسُرُّكُمْ أَنَّكُمْ أَطَعْتُمْ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فإنَّا قد وَجَدْنَا ما وَعَدَنَا رَبُّنَا حَقًّا فَهَلْ وَجَدْتُمْ ما وَعَدَ رَبُّكُمْ حَقًّا).

وفي رواية لمسلم: (فَنَادَاهُمْ عليه الصلاة والسلام فقال: يا أَبَا جَهْلِ بن هِشَامٍ يا أُمَيَّةَ بنَ خَلَفٍ يا عُتْبَةَ بن رَبِيعَةَ يا شَيْبَةَ بن رَبِيعَةَ، أَلَيْسَ قد وَجَدْتُمْ ما وَعَدَ رَبُّكُمْ حَقًّا فَإِنِّي قد وَجَدْتُ ما وَعَدَنِي رَبِّي حَقًّا).
وفي السيرة النبوية أنه عليه السلام قال لهم: (بئس عشيرة النبي كنتم لنبيكم: كذبتموني وصدَّقَني الناس، وأخرجتموني وآواني الناس وقاتلتموني ونصرني الناس فبئس عشيرة النبي كنتم لنبيكم)

هكذا كانت نهاية أئمة الكفر، وكذلك يقطع الله تعالى دابر كل مستكبر جبار، كما قطع سبحانه دابر قوم نوح وقوم هود وقوم صالح وقوم لوط وقوم شعيب وفرعون وهامان وقارون، وحَقَّ في كفار مكة قول الله تعالى {أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ بَدَّلُوا نِعْمَةَ الله كُفْرًا وَأَحَلُّوا قَوْمَهُمْ دَارَ البَوَارِ * جَهَنَّمَ يَصْلَوْنَهَا وَبِئْسَ القَرَارُ} [إبراهيم:29].
قال عمرو بن دينار رحمه الله تعالى:هم كفار قريش، ومحمدٌ النعمة ودار البوار النار يوم بدر.

فالحمد لله الذي أمكن من أعدائه، ونصر أولياءه {إِنَّ الَّذِينَ يُحَادُّونَ اللهَ وَرَسُولَهُ كُبِتُوا كَمَا كُبِتَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ وَقَدْ أَنْزَلْنَا آَيَاتٍ بَيِّنَاتٍ وَلِلْكَافِرِينَ عَذَابٌ مُهِينٌ} [المجادلة:5] {إِنَّ الَّذِينَ يُحَادُّونَ اللهَ وَرَسُولَهُ أُولَئِكَ فِي الأَذَلِّينَ * كَتَبَ اللهُ لَأَغْلِبَنَّ أَنَا وَرُسُلِي إِنَّ اللهَ قَوِيٌّ عَزِيزٌ} [المجادلة:21]. بارك الله لي ولكم في القرآن العظيم.....


الخطبة الثانية
الحمد لله حمدا طيبا كثيرا مباركا فيه كما أمر، والشكر له على نعمه فقد تأذن بالزيادة لمن شكر، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله، صلى الله وسلم وبارك عليه وعلى آله وأصحابه ومن اهتدى بهداهم إلى يوم الدين.

أما بعد: فاتقوا الله تعالى وأطيعوه، واثبتوا على دينكم حتى تلقوا ربكم {وَاعْبُدْ رَبَّكَ حَتَّى يَأْتِيَكَ اليَقِينُ} [الحجر:99].

أيها المسلمون: أهل الخير ينفعون إخوانهم، ويأخذون بأيديهم إلى مراقي العز والسعادة، وأهل الشر يردون أقرانهم، ويكونون سببا في هلاك أصحابهم، ولا يدلونهم إلا على ما يضرهم، وظهر ذلك جليا في غزوة بدر حين أغرى أبو جهل صاحبه أمية بن خلف بالخروج مع يقينه أنه مقتول لا محالة، فما زال به أبو جهل حتى أخرجه إلى القتل والنار.
وفي زمننا هذا رأينا فراعنة الدول المستكبرة يجرون معهم إلى القتل والهزيمة والنار من يوافقهم من أرباب الدول الأخرى ليغرقوهم في مستنقعات الدم والدمار والإثم والعار في العراق والصومال وأفغانستان، فمتى يتعظ الطغاة؟ ومتى يعتبر الأتباع؟ وهلَّا كان لهم فيمن مضوا من طغاة التاريخ عظة وعبرة؟!

هذا؛ ومن تأمل مصارع المشركين في بدر عَلِمَ أن لله تعالى الحكمةَ البالغة فيهم؛ فما كان والله بينهم وبين السعادة الأبدية، والنعيم المقيم الذي لا يحول ولا يزول إلا أن يُؤمنوا، ولو آمنوا -وهم سادة مكة وأشراف قريش- لسادوا الناس كما ساد أبو بكر وعمر وعثمان وعلي وسائر الأشراف من قريش رضي الله عنهم، ولكانت هذه عاجلَ بشراهم في الدنيا مع ما يُدَّخر لهم في الآخرة، ولكنْ من حُجِب قلبه عما ينفعه فلن تنفعه الذكرى، ولن تُجْدِي فيه المواعظ، ولو جاءته النذر، وأبصر الآيات {مَنْ يُضْلِلِ اللهُ فَلَا هَادِيَ لَهُ وَيَذَرُهُمْ فِي طُغْيَانِهِمْ يَعْمَهُونَ} [الأعراف:186].

ومن عجيب تقدير الله تعالى في عباده أن أبناءً لهؤلاء الصناديد من قريش وإخوانا وأقرانا وأصحابا حضروا بدرا على الشرك، ولكنهم لم يُقتلوا، وبقي منهم على الشرك من بقي سنوات عدة، ولكنهم مكتوبون في اللوح المحفوظ من أهل الهداية والسعادة ولو رَفَعُوا سيوفهم على المؤمنين في بدر وأحد والخندق وغيرها، ومن كُتب سعيدا فلن تستمر معه شقوته، ولن يبقى على كفره، ولن يموت إلا مؤمنا، فما أعظمَ مقاديرَ الله تعالى في خلقه، وما أحكم قضاءه سبحانه في عباده {قُلْ فَللهِ الحُجَّةُ البَالِغَةُ فَلَوْ شَاءَ لَهَدَاكُمْ أَجْمَعِينَ} [الأنعام:149]

كان من أولئك النفر حكيمُ قريش وسيدها حكيم بن حزام رضي الله عنه، الذي رأى الموت في بدر وهو في صف المشركين، ولكن رحمة الله تعالى شملته فنجا وأسلم وحسن إسلامه، وكان سيدا في الإسلام كما كان سيدا في الجاهليه، وكان إذا حلف بيمين قال: لا والذي نجاني يوم بدر.

وكان منهم ابنُ فرعون هذه الأمة عكرمة بن أبي جهل رضي الله عنه، قُتِل أبوه على الشرك في بدر، ونجَّى الله تعالى عكرمة رضي الله عنه لخير أراده به، فأسلم بعد الفتح وحسن إسلامه، وكان رضي الله عنه إذا اجْتَهَدَ في الْيَمِينِ قال: وَالَّذِي نَجَّانِي يوم بَدْرٍ.

وإذا كانت الهداية من الله تعالى وليست لأحد من خلقه فحري بالمؤمن أن يلهج بدعائه دائما وأبدا أن يهديه ويثبته، كيف؟ وهو يقرأ في كل ركعة {اهْدِنَا الصِّرَاطَ المُسْتَقِيمَ * صِرَاطَ الَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ غَيْرِ المَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ وَلَا الضَّالِّينَ} [الفاتحة:7].

ومن أعظم أسباب الهداية والثبات عليها: قراءةُ القرآن وتدبره، والعمل بما فيه، والمحافظة على الفرائض مع الإكثار من النوافل؛ فإن ذلك سببُ هداية القلوب وصلاحها وثباتها على الحق وإن كثرت الملهيات والصوارف، وقويت الضغوط والمضايقات.

وعن قريب تحلُّ بكم -يا عباد الله- عشرُ ليال مباركات، هي خير الليالي وأكثرها بركة، جعل الله تعالى فيها ليلة القدر خير من ألف شهر، وكان النبي عليه الصلاة والسلام يعتكف العشر كلَّها التماسا لهذه الليلة المباركة، ويجتهد في العشر تحريا لها؛ كما روت عَائِشَةُ رضي الله عنها قالتSadكان النبي صلى الله عليه وسلم إذا دخل الْعَشْرُ شَدَّ مِئْزَرَهُ وَأَحْيَا لَيْلَهُ وَأَيْقَظَ أَهْلَهُ) رواه الشيخان، وقالت رضي الله عنها: (كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يَجْتَهِدُ في الْعَشْرِ الْأَوَاخِرِ مالا يَجْتَهِدُ في غَيْرِهِ) رواه مسلم.

فشمروا عن سواعد الجِدِّ في ليالي العشر المباركات، وسابقوا إلى الخيرات فيها، ونافسوا أهل الآخرة عليها، ولا يغلبنكم عليها غالب؛ فإن السعيد من شغلها بطاعة الله تعالى، وأدرك ليلة القدر وهو قانت لله تعالى قائما وراكعا وساجدا، قارئا باكيا متضرعا، والخاسر من ضيعها فيما لا طائل منه.

أروا الله تعالى من أنفسكم خيرا في عشركم تجدوا خيرا في الدنيا والآخرة، ومن أدركها منا فلعله لا يدركها من قابل، فكم وُسِّدَ في القبور من أناس أدركوها في الأعوام الماضية، فخذوا من مصيرهم عبرة لأنفسكم، واعملوا لما عليه قد قَدِمُوا.

وصلوا وسلموا على نبيكم.....


الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
 
غزوة بدر
الرجوع الى أعلى الصفحة 
صفحة 1 من اصل 1
 مواضيع مماثلة
-
»  غزوة أحد
» دروس من غزوة تبوك
» غزوة بني النضير
»  غزوة بني المصطلق
» غزوة تبوك

صلاحيات هذا المنتدى:لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى
اسلام ويب :: ۩✖ منتدي الاسلاميات العامه ۩✖ :: مقــــالات اســــلاميه :: خطب مقـــرؤه-
انتقل الى: