اسلام ويب
هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.



 
الرئيسيةأحدث الصورالتسجيلدخول

من فقه الدعاء يقول سيدنا عمر بن الخطاب - رضي الله عنه -: "أنا لا أحمل همَّ الإجابة، وإنما أحمل همَّّ الدعاء، فإذا أُلهمت الدعاء كانت الإجابة معه". وهذا فهم عميق أصيل ، فليس كل دعاء مجابًا، فمن الناس من يدعو على الآخرين طالبًا إنزال الأذى بهم ؛ لأنهم ينافسونه في تجارة ، أو لأن رزقهم أوسع منه ، وكل دعاء من هذا القبيل ، مردود على صاحبه لأنه باطل وعدوان على الآخرين. والدعاء مخ العبادة ، وقمة الإيمان ، وسرّ المناجاة بين العبد وربه ، والدعاء سهم من سهام الله ، ودعاء السحر سهام القدر، فإذا انطلق من قلوب ناظرة إلى ربها ، راغبة فيما عنده ، لم يكن لها دون عرش الله مكان. جلس عمر بن الخطاب يومًا على كومة من الرمل ، بعد أن أجهده السعي والطواف على الرعية ، والنظر في مصالح المسلمين ، ثم اتجه إلى الله وقال: "اللهم قد كبرت سني ، ووهنت قوتي ، وفشت رعيتي ، فاقبضني إليك غير مضيع ولا مفتون ، واكتب لي الشهادة في سبيلك ، والموت في بلد رسولك". انظر إلى هذا الدعاء ، أي طلب من الدنيا طلبه عمر، وأي شهوة من شهوات الدنيا في هذا الدعاء ، إنها الهمم العالية ، والنفوس الكبيرة ، لا تتعلق أبدًا بشيء من عرض هذه الحياة ، وصعد هذا الدعاء من قلب رجل يسوس الشرق والغرب ، ويخطب وده الجميع ، حتى قال فيه القائل: يا من رأى عمرًا تكسوه بردته ** والزيت أدم له والكوخ مأواه يهتز كسرى على كرسيه فرقًا ** من بأسه وملوك الروم تخشاه ماذا يرجو عمر من الله في دعائه ؟ إنه يشكو إليه ضعف قوته ، وثقل الواجبات والأعباء ، ويدعو ربه أن يحفظه من الفتن ، والتقصير في حق الأمة ، ثم يتطلع إلى منزلة الشهادة في سبيله ، والموت في بلد رسوله ، فما أجمل هذه الغاية ، وما أعظم هذه العاطفة التي تمتلئ حبًا وحنينًا إلى رسول الله - صل الله عليهلم -: (أن يكون مثواه بجواره). يقول معاذ بن جبل - رضي الله عنه -: "يا بن آدم أنت محتاج إلى نصيبك من الدنيا ، وأنت إلى نصيبك من الآخرة أحوج ، فإن بدأت بنصيبك من الآخرة ، مرّ بنصيبك من الدنيا فانتظمها انتظامًا ، وإن بدأت بنصيبك من الدنيا ، فائت نصيبك من الآخرة ، وأنت من الدنيا على خطر). وروى الترمذي بسنده عن النبي - صل الله عليهلم -: أنه قال: ((من أصبح والآخرة أكبر همه جمع الله له شمله ، وجعل غناه في قلبه ، وأتته الدنيا وهي راغمة ، ومن أصبح والدنيا أكبر همه فرَّق الله عليه ضيعته ، وجعل فقره بين عينيه ولم يأته من الدنيا إلا ما كُتب له)). وأخيرًا .. أرأيت كيف أُلهم عمر الدعاء وكانت الإجابة معه ، وصدق الله العظيم إذ يقول: (وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ فَلْيَسْتَجِيبُوا لِي وَلْيُؤْمِنُوا بِي لَعَلَّهُمْ يَرْشُدُونَ) (186)" (البقرة:186).


 

 البدع والشهوات

اذهب الى الأسفل 
كاتب الموضوعرسالة


avatar


نقــاط : 99525
البدع والشهوات Oooo14
البدع والشهوات User_o10

البدع والشهوات Empty
مُساهمةموضوع: البدع والشهوات   البدع والشهوات Emptyالأحد 19 مايو 2013 - 12:06

البدع والشهوات



الحمد لله ذي العِزَّةِ والجبروت، والكبرياءِ والعظمة والمَلَكُوت، أحمدُ ربي وأشكره، وأتوب إليه وأستغفره، وأشهدُ أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، الحيُّ الذي لا يموتُ، وأشهدُ أن نبيَّنا وسيِّدنا محمدًا عبده ورسوله، أحيا الله به القلوب وأنارَ به البصائر، اللهم صلِّ وسلِّم على عبدك ورسولك محمدٍ، وعلى آله وصحبه أعلامِ الهُدَى وأنوارِ الدُّجَى.

أما بعد:
فاتقوا الله - تعالى - وأطيعوه؛ فقد جمع الله الخير كله في طاعته، وجمع الشر كله في معصيته.

عباد الله:
خذوا أنفسكم بحقائق الدين الإسلامي، وألزِمُوا أنفسكم بكتاب الله وسنة نبيكم محمد - صلى الله عليه وسلم، وتمسَّكُوا بالهدي النبوي العظيم، فأنتم ترَونَ كثرةَ المُسلِمين في هذا الزمان - زادهم الله كثرةً، وزادهم الله صلاحًا - ولكن مع هذه الكثرة فرَّقَتْهم البدعُ والأهواءُ، وأضعفَهم الاختلافُ، وضعُفتِ القلوبُ بإيثار الدنيا على الآخرة، ومُقارفة الشهوات إلا من حفظ الله.

ألا وإنَّ الدين يهدِمُهُ ويُضعِفُهُ في القلوب: البدعُ المُضِلَّة والشهواتُ المُحرَّمة؛ فأما البدعُ فهي الداءُ العُضالُ، والسُّمُّ القَتَّال، تُعمِي وتُصِمُّ وتُهلِكُ صاحِبَها، وتضرُّ الدين والدنيا، والبدعُ: هي ما أُحدِثَ في الدين مما لا أصلَ له في الشريعة يدل عليه. قاله أهل العلم.

ويُعرفُ المبتدع بمخالفته لجماعة المسلمين وإمامهم، وأهلِ العلم بالقرآن والسنة، وأما من انتسب للعلم وهو مُعرِضٌ عن كتاب الله وسنة رسوله - صلى الله عليه وسلم - جاهلٌ بذلك، فليس من ذوي العلم، وإنما هو داعيةٌ إلى ضلال وفتنة.

وأول بدعةٍ في الإسلام: بدعةُ الخوارج، ثم ظَهَرَت بقيةُ البدع بعد ذلك، وحارَبَ الصحابةُ البِدَعَ التي ظهرت في زمانهم، ورَدُّوها، وأطفئوها، وبيَّنوا للناس سنة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - والهدى والحق بالكتاب والسنة، فكشف الله بهم الغُمَّة، وقَمَعَ بهم البدع، وقامَ بالأمانة بعدهم التابعون، وتابعوهم بإحسان إلى آخر الدهر، كلما ظهرت بدعةً قيَّض الله لها من يُبيِّنُ مخالفتها للشريعة، ومن يدحَرُها ومن يردُّ عليها، والله حافظٌ دينه، وناصرٌ كلمَتَهُ.
قال الله - تعالى: {إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ} [الحجر: 9]، وقال - عز وجل: {وَجَعَلَ كَلِمَةَ الَّذِينَ كَفَرُواْ السُّفْلَى وَكَلِمَةُ اللّهِ هِيَ الْعُلْيَا وَاللّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ} [التوبة: 40].

وقد حذَّرَنا الله - عز وجل - من البدع، وبيَّنَ لنا عواقبها الوخيمة في الدين والدنيا والآخرة، فقال - عز وجل: {وَلاَ تَكُونُواْ كَالَّذِينَ تَفَرَّقُواْ وَاخْتَلَفُواْ مِن بَعْدِ مَا جَاءهُمُ الْبَيِّنَاتُ وَأُوْلَـئِكَ لَهُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ * يَوْمَ تَبْيَضُّ وُجُوهٌ وَتَسْوَدُّ وُجُوهٌ فَأَمَّا الَّذِينَ اسْوَدَّتْ وُجُوهُهُمْ أَكْفَرْتُم بَعْدَ إِيمَانِكُمْ فَذُوقُواْ الْعَذَابَ بِمَا كُنْتُمْ تَكْفُرُونَ} [آل عمران: 105، 106]. وهذه الآيةُ في أهل البدعِ التي فرَّقَت بين الأمة.

قال ابن كثير - رحمه الله - في تفسيره: "يعني: يوم القيامة حين تبيَضُّ وجوهُ أهل السنة والجماعة، وتَسْوَدُّ وجوهُ أهل البدعة والفُرْقة" قاله ابن عباس - رضي الله عنهما.

وقال عبد الله بن مسعود - رضي الله عنه: "عليكم بالجماعة؛ فإن يد الله مع الجماعة".

وعن معاوية بن أبي سفيان - رضي الله عنهما - قال: إن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: ((إن أهل الكتاب افترقوا في دينهم على ثنتَيْن وسبعين مِلَّة، وإن هذه الأمة ستفترقُ على ثلاثٍ وسبعين مِلَّة - يعني: الأهواء - كلُّها في النار إلا واحدة - وهي الجماعة، وإنه سيخرُجُ في أمتي أقوامٌ تتَجَارَى بهم الأهواء كما يتجَارى الكَلَبُ بصاحبه؛ لا يبقى عِرْقٌ ولا مِفصَلٌ إلا دخله))؛ رواه أحمد، وأبو داود، والحاكم في المستدرك.

والكَلَبُ: داءٌ يعرِضُ للإنسان من عَضَّةِ الكَلْبِ، تتغيَّرُ به طبائعُ الإنسان وعَقلُهُ، وتزدادُ حالتُهُ سُوءًا كل يوم حتى يهلك.

وعن أبي برزة - رضي الله عنه - عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: ((إن مما أخشى عليكم: شهوات الغيّ في بطونكم وفروجكم، ومُضِلاَّت الهوى))؛ رواه أحمد بإسناد صحيح.

وعن العرباض بن سارية - رضي الله عنه - قال: وعَظَنا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - موعظةً وجِلَتْ منها القلوب، وذَرَفَتْ منها العيون، فقلنا: يا رسول الله! كأنها موعظةُ مُودِّعٍ فأوصِنا، قال: ((أُوصِيكُم بتقوى الله، والسمع والطاعة وإن تأمَّرَ عليكم عبدٌ؛ فإنه من يَعِشْ منكم فسيرى اختلافًا كثيرًا، فعليكم بسنتي وسنة الخلفاء الراشدين المهديين، عَضُّوا عليها بالنواجِذ، وإيَّاكُمْ ومُحدَثاتِ الأمور؛ فإن كل بدعةٍ ضلالةٌ))؛ رواه الترمذي، وقال: حديثٌ حسنٌ صحيحٌ.

وعن ابن مسعود - رضي الله عنه - أنه قال: "إنكم أصبحتم اليوم على الفطرة، وإنكم ستُحدِثُون ويُحدَثُ لكم، فإذا رأيتم مُحدَثةً فعليكم بالهديِ الأول"؛ رواه محمد بن نصر المروزي بإسناد صحيح.

وعن أنس - رضي الله عنه - قال: "إنَّكم لتعملون أعمالاً هي في أعينكم أدقُّ من الشعر، كنا نراها من العظائم في عهد رسول الله - صلى الله عليه وسلم"؛ رواه البخاري.

فالبدعُ تهدِمُ الدين، وتُفسِدُ ذاتَ البَيْن، وتُوجِبُ غضب الله - عز وجل - وأليم عقابه في الآخرة، وتعُمُّ بها العقوبات في الدنيا، وتتنافرُ بسببها القلوبُ، وتتضرَّرُ بها مصالحُ الناس، وتورِثُ الذلَّ والهَوَانَ، كما قال النبي - صلى الله عليه وسلم: ((وجُعِلتِ الذلَّةُ والصَّغَارُ على من خَالَفَ أمري)).

وأما الشهوات المحرمة التي تهدِمُ الدين بعد البدع؛ فهي تضرُّ دين المسلم من حيث إنها تُفسِدُ قلبه وتُقسِّيه، وتُورِثُ الغفلةَ الضارَّة، وإذا تمادى فيها الإنسان واسترسل وأقام عليها رانَتْ على القلب فطُبعَ عليه، وأعمَت البصيرة، فأحَبَّ الإنسانُ ما أبغض الله، وأبغض ما أحب الله، وجرَّت عليه المعاصي الخسرانَ، والحرمانَ، والذِّلَّةَ، والعقوباتِ المتنوعة في الدنيا، وما يُلاقِيهِ في الآخرة أدهَى وأمَرُّ، وإذا رَتَعَت النفسُ في المعاصي استعصَتْ على صاحبها، وصعُبَ عليه قِيادُها فقادَتْهُ إلى كل شرٍّ وبلاءٍ، فوقَعَ في شرِّ جزاءٍ في كل شيء.

والمسلمُ يتحكَّمُ في نفسه ويقودُها بزِمامِ التقْوى إلى كلِّ عملٍ صالحٍ رشيدٍ، وكلِّ نافعٍ مُفيدٍ؛ حتى يفوز بخيرَيْ الدنيا والآخرة، وإن الله - تبارك وتعالى - قال عمَّن ارتكب الشهوات وأقام عليها، ولم يتُبْ إلى الله - عز وجل، قال - عز وجل: {فَخَلَفَ مِن بَعْدِهِمْ خَلْفٌ أَضَاعُوا الصَّلَاةَ وَاتَّبَعُوا الشَّهَوَاتِ فَسَوْفَ يَلْقَوْنَ غَيًّا} [مريم: 59].

رُوي عن ابن مسعود: {فَسَوْفَ يَلْقَوْنَ غَيًّا} قال: "وادٍ في جهنم بعيدُ القعر، خبيثُ الطعم".

وعن أبي موسى الأشعري - رضي الله عنه - أنه سمع النبي - صلى الله عليه وسلم - يقول: ((ليكوننَّ من أمتي أقوامٌ يستحِلُّون الحِرَ والحرير والخمر والمعازف))؛ رواه البخاري. يعني: يستحِلُّون الفَرْجَ.

وعن أبي هريرة - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم: ((صِنْفانِ من الناس لم أرَهُما: قومٌ معهم سياطٌ كأذناب البقر يضربون بها الناس، ونساءٌ كاسياتٌ عارياتٌ مُميلاتٌ مائلاتٌ رؤوسهنّ كأسنمة البُخت المائلة، لا يدخُلْن الجنة ولا يجِدْن ريحَها، وإن ريحَها ليُوجَدُ من مسيرة كذا وكذا))؛ رواه مسلم.

وعن عمران بن حصين - رضي الله عنه - أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: ((في هذه الأمة خسفٌ ومسخٌ وقذفٌ))، فقال رجل: يا رسول الله! ومتى ذلك؟ قال: ((إذا ظهرت القِيَان - يعني: المُغنِّيَات - والمعازف - وهي أنواع الموسيقى - وشُربتِ الخمور))؛ رواه الترمذي.

وعن أبي هريرة - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم: ((ليأتيَنَّ على الناس زمانٌ لا يُبالِي المرءُ بما أخذ المال؛ أمِنْ حلالٍ أمْ مِنْ حرامٍ؟))؛ رواه أحمد، والبخاري.

فيا أيها المسلم:
تفكَّر وتدبَّر، واحذر دخولَ هذَيْن البابَيْن: باب الفتن والمبتدعات، وباب الشهوات والمحرمات؛ فهما اللذان أضرَّا بالإسلام والمسلمين، ولا يعصي الله على بصيرةٍ إلا من قلَّ خوفُهُ من الله وعلمه، ولا يعصِمُ ويُنجِي من البدع والمحرمات إلا العلمُ النافع والعملُ الصالح؛ فالجهلٌ سببُ كلِّ شر.

قال الله - تعالى: {وَإِنَّ كَثِيرًا لَّيُضِلُّونَ بِأَهْوَائِهِم بِغَيْرِ عِلْمٍ إِنَّ رَبَّكَ هُوَ أَعْلَمُ بِالْمُعْتَدِينَ} [الأنعام: 119]، وقال - عز وجل: {وَإِن تُطِعْ أَكْثَرَ مَن فِي الأَرْضِ يُضِلُّوكَ عَن سَبِيلِ اللّهِ إِن يَتَّبِعُونَ إِلاَّ الظَّنَّ وَإِنْ هُمْ إِلاَّ يَخْرُصُونَ} [الأنعام: 116]، وقال - عز وجل: {وَلَـكِنَّ أَكْثَرَهُمْ يَجْهَلُونَ} [الأنعام: 111]، وقال - تبارك وتعالى: {قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الَّذِينَ يَعْلَمُونَ وَالَّذِينَ لاَ يَعْلَمُونَ} [الزمر: 9].

والمسلمُ مأمورٌ بمعرفة دينِ الإسلام بأدِلَّتِهِ من الكتاب والسنة، قال - تبارك وتعالى: {فَاعْلَمْ أَنَّهُ لاَ إِلَهَ إِلَّا اللهُ وَاسْتَغْفِرْ لِذَنبِكَ وَلِلْمُؤْمِنِينَ} [محمد: 19].

وعن معاوية - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم: ((من يُرِدِ الله به خيرًا يُفقِّهْهُ في الدين))؛ رواه البخاري، ومسلم.

وقال ابن رجب - رحمه الله: "وما دام العلمُ باقيًا في الأرض فالناسُ في هدى، وبقاءُ العلمِ بقاءُ حمَلَتِهِ، فإذا ذهَبَ حمَلَتُهُ ومن يقومُ به وَقَعَ الناسُ في الضلال" انتهى كلامه.

فالعصمةُ والنجاةُ من البدع المُحدَثة: الاعتصامُ بكتاب الله والسنة، قال - تبارك وتعالى: {وَاعْتَصِمُواْ بِحَبْلِ اللّهِ جَمِيعًا وَلاَ تَفَرَّقُواْ} [آل عمران: 103]، وقال النبي - صلى الله عليه وسلم: ((فعليكم بسنتي وسنة الخلفاء الراشدين المهديين من بعدي)).

ويتفاضلُ الناسُ بهذا التمسُّكِ والاعتصام، ويعظُمُ نفعُ المسلمِ ووَزْنُهُ عند ربِّهِ بهذا العمل الصالح، ولُزُوم منهجِ النبي - صلى الله عليه وسلم - وأصحابه، وأما من انتسَبَ للإسلام من غير تحقيقٍ لأعماله وعقيدته الصحيحة التي كان عليها السلف الصالح، فهم غُثاءٌ كغُثاءِ السَّيْلِ، كما قال النبي - صلى الله عليه وسلم: ((يُوشِكُ أن تَدَاعَى عليكم الأممُ كما تَدَاعَى الأكَلَةُ إلى قَصْعَتِها))، قالوا: أمِنْ قلَّةٍ نحن يومئذٍ يا رسول الله؟ قال: ((إنكم يومئذٍ كثيرٌ، ولكنَّكُم غُثاءٌ كغُثاءِ السَّيْل)).

فحاسِبْ نفسَك - أيها المسلم، وطبِّق تعاليمَ الإسلام على نفسك؛ لتفوزَ بوعد الله الحق لمن اتبع ولم يبتدع في قوله - تعالى: {وَالسَّابِقُونَ الأَوَّلُونَ مِنَ الْمُهَاجِرِينَ وَالأَنصَارِ وَالَّذِينَ اتَّبَعُوهُم بِإِحْسَانٍ رَّضِيَ اللّهُ عَنْهُمْ وَرَضُواْ عَنْهُ وَأَعَدَّ لَهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي تَحْتَهَا الأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا ذَلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ} [التوبة: 100].

والعصمةُ من البدع المُحدَثة أيضًا، العصمةُ منها: فهمُ القرآن والسنة على فهم السلف الصالح؛ فهم الذين رضي الله عنهم في تفسيرهم للقرآن الكريم، وعملِهم به، والحديثِ الشريف، ورضي الله عنهم في عقيدتهم وأعمالهم وتطبيقهم للإسلام، وأثنى عليهم في كتابه وسنة رسوله - صلى الله عليه وسلم - فما عليك إلا الاتباع، واحذر الابتداع، ومن خالفهم توعَّدَهُ الله بقوله: {وَمَن يُشَاقِقِ الرَّسُولَ مِن بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُ الْهُدَى وَيَتَّبِعْ غَيْرَ سَبِيلِ الْمُؤْمِنِينَ نُوَلِّهِ مَا تَوَلَّى وَنُصْلِهِ جَهَنَّمَ وَسَاءتْ مَصِيرًا} [النساء: 115].

والعصمةُ من البدع المُحدَثة أيضًا: لزوم جماعة المسلمين وإمامهم بعدم الخروج عن ذلك، لقوله - صلى الله عليه وسلم: ((تلزمُ جماعة المسلمين وإمامهم))؛ رواه مسلم من حديث حذيفة - رضي الله عنه.

والعصمةُ من البدع أيضًا: سؤال العلماء بالكتاب والسنة في أمور الدين، والأخذُ عنهم، قال - تبارك وتعالى: {فَاسْأَلُواْ أَهْلَ الذِّكْرِ إِن كُنتُمْ لاَ تَعْلَمُونَ} [الأنبياء: 7].

والعصمةُ من البدع أيضًا: سلامةُ الصدرِ من الغِشِّ، والبَغْيِ، والغِلِّ، والحَسَدِ للمُسْلِمين؛ لقوله - صلى الله عليه وسلم: ((الدينُ النصيحة)) ثلاثًا؛ رواه مسلمٌ من حديث تميم الداري - رضي الله عنه.

وأما ما يعصِمُ ويُنجِّي من الشهوات المحرمة والمعاصي المُوبِقة: فخوفُ الله وخشيتُهُ؛ بأن يعلم العبدُ أن الله يراه ويعلمُ سِرَّهُ وعلانيته، ويُحصِي على العبد أعماله في كتابٍ: {لاَ يُغَادِرُ صَغِيْرَةً وَلاَ كَبِيْرَةً إِلاَّ أَحْصَاهَا}، وتذكُّر الموت الذي يشتد به الألم العظيم في كل عرقٍ ومِفصَلِ، وتذكُّر القبر وما بعده من الأهوال الكبار، والاعتبار بمن نالوا اللذَّات والشهوات، ثم حَالَ الموتُ بينهم وبين ما يشتهون، فذهبتِ اللَّذَّاتُ، وبقِيَت الحَسَراتُ والتبِعَاتُ.

قال الله - تعالى: {فَأَمَّا مَن طَغَى * وَآثَرَ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا * فَإِنَّ الْجَحِيمَ هِيَ الْمَأْوَى * وَأَمَّا مَنْ خَافَ مَقَامَ رَبِّهِ وَنَهَى النَّفْسَ عَنِ الْهَوَى * فَإِنَّ الْجَنَّةَ هِيَ الْمَأْوَى} [النازعات: 37- 41].

وإذا أيقَنَ العبدُ بعظيمِ ثوابِ الله - عز وجل - على ترك المعاصي حذِرَها وأبغَضَها، وكذلك إذا علِمَ أنه يُؤاخَذُ، وأن الله - تبارك وتعالى - يُحصِي عليه أعمالَه: {وَلِمَنْ خَافَ مَقَامَ رَبِّهِ جَنَّتَانِ} [الرحمن: 46].

بسم الله الرحمن الرحيم: {وَأَنَّ هَـذَا صِرَاطِي مُسْتَقِيمًا فَاتَّبِعُوهُ وَلاَ تَتَّبِعُواْ السُّبُلَ فَتَفَرَّقَ بِكُمْ عَن سَبِيلِهِ ذَلِكُمْ وَصَّاكُم بِهِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ} [الأنعام: 153].

بارك الله لي ولكم في القرآن العظيم، ونفعنا وإياكم بما فيه من الآيات والذكر الحكيم، وبهدْيِ سيد المرسلين وقوله القويم، أقولُ قولي هذا، وأستغفرُ الله العظيم الجليل لي ولكم ولسائر المسلمين من كل ذنب؛ فاستغفروه إنه هو الغفور الرحيم.


الخطبة الثانية



الحمد لله علاَّمِ الغيوب، فارِجِ الهمِّ وكاشفِ الغمِّ والكروب، أحمدُ ربي وأشكُرُهُ، وأتوبُ إليه وأستغفِرُهُ، وأشهدُ أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له غفَّارُ الذنوب، وأشهد أن نبينا وسيدنا محمدًا عبده ورسوله المبعوث بالهدى واليقين، اللهم صلِّ وسلِّم وبارِك على عبدك ورسولك محمدٍ، وعلى آله وصحبه أجمعين.

أما بعد:
فاتقوا الله حقَّ تقواه، وتقرَّبوا إليه بما يُحِبُّه ويرضاه، واحذروا المعاصِيَ؛ فإنها مُرْدِيَةٌ للعبد في دنياه وأخراه.

أيها المسلمون:
حاسِبُوا أنفُسَكم قبل أن تُحاسَبُوا، وليعتَنِ المسلمُ وليهتمَّ بتحقيق النية الخالصة لله - تعالى - في أعماله الظاهرة والباطنة، ولتكُنْ أعمالُهُ كلُّها الظاهرة والباطنة على هدي رسول الله - صلى الله عليه وسلم - مُطابِقَةً للسُّنَّةِ النبوية المحمدية.

قال أهل العلم: "إن قول النبي - صلى الله عليه وسلم: ((من عمل عملاً ليس عليه أمرنا فهو رد)). قالوا: هذا الحديثُ ميزانٌ للأعمال الظاهرة، وأصلٌ عظيمٌ من أصول الإسلام، وقوله - صلى الله عليه وسلم: ((إنما الأعمالُ بالنياتِ)) ميزانٌ للأعمال الباطنة".

ولتكُنْ عنايتُكَ - أيها المسلم - بالنية الصالحة قبل العمل أعظمُ من العمل، واجتهادُكَ في القيام بالعمل وفقَ السنة أعظمُ من الاستكثار من الأعمال، وقد كان النبي - صلى الله عليه وسلم - يقول في خُطَبِهِ: ((إن أحسنَ الحديثِ كتابُ الله، وخيرَ الهديِ هديُ محمدٍ - صلى الله عليه وسلم، وشرَّ الأمور مُحدثَاتُها))، وكان يُكرِّرُ ذلك في مقاماتِهِ ووعظه وتعليمه، ويُؤكِّدُ ويُؤسِّسُ هذا المعنى العظيم.

واحذروا المعاصي - عباد الله - فإنها ذِلَّةٌ في الدنيا، وعذابٌ في الدنيا والآخرة، وحِرمَانٌ ووَبَالٌ على صاحبها وعلى كل شيء، بسم الله الرحمن الرحيم: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَلْتَنظُرْ نَفْسٌ مَّا قَدَّمَتْ لِغَدٍ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ} [الحشر: 18].

عباد الله:
إن الله أمركم بأمرٍ بدأ فيه بنفسه، فقال - تبارك وتعالى: {إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا} [الأحزاب: 56]، وقد قال - صلى الله عليه وسلم: ((مَنْ صَلَّى علَيَّ صلاةً واحدةً صلَّى الله عليه بها عشرًا)).

اللهم صلِّ وسلِّم على عبدك ورسولك محمد، اللهم صلِّ على محمدٍ وعلى آل محمد كما صليت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم إنك حميدٌ مجيد، اللهم بارك على محمدٍ وعلى آل محمد كما باركت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم إنك حميدٌ مجيد، وسلِّم تسليمًا كثيرًا.

اللهم وارضَ عن الصحابة أجمعين، وعن الخلفاء الراشدين، الأئمة المهديين: أبي بكرٍ، وعمر، وعثمان، وعليٍّ، وعن سائر أصحاب نبيِّكَ أجمعين، وعن التابعين ومن تبعهم بإحسانٍ إلى يوم الدين، اللهم وارضَ عنَّا معهم بمنِّكَ وكرَمِكَ ورحمَتِكَ يا أرحم الراحمين.

اللهم ارزُقْنا رِضَاكَ، والاستقامةَ على هُداك، واتباع سنة نبيك محمدٍ - صلى الله عليه وسلم، واتباع هديه - صلى الله عليه وسلم، واقتفاءَ آثاره يا رب يا أرحم الراحمين.

اللهم أعِزَّ الإسلام والمسلمين، اللهم أعِزَّ الإسلام والمسلمين، اللهم أذِلَّ الكفر والكافرين، اللهم انصر دينك وكتابك وسنة نبيك يا قويُّ يا عزيز.

اللهم ألِّف بين قلوب المسلمين وأصلِح ذاتَ بينهم، واهدِهم سُبُلَ السلام، وأخرِجْهم من الظلمات إلى النور، وانصرهم على عدوك وعدوهم يا رب العالمين.

اللهم فقِّهْنا والمسلمين في دينك يا أرحم الراحمين، وثبِّت قُلُوبَنَا على طاعتك ودينك يا رب العالمين، يا أرحم الراحمين، اللهم أرِنا الحقَّ حقًّا وارزقنا اتِّباعَهُ، وأرِنا الباطِلَ باطلاً وارزقنا اجتنابَهُ، ولا تجعله مُلتَبِسًا علينا فنضِلَّ، اللهم اغفر لموتانا وموتى المسلمين، نوِّر عليهم قُبُورَهم، وضَاعِف حسناتهم يا أرحم الراحمين.

اللهم أعِذْنا من شُرُورِ أنفسنا، اللهم أعِذْنا من شرور أنفسنا، اللهم أعِذْنا من شرِّ كل ذي شرٍّ يا رب العالمين، فإنك أنت الله لا إله إلا أنت، لا يُجِيرُ ولا يُعِيذُ غيرُكَ يا رب العالمين.

اللهم وفِّقْنا لما تُحِبُّ وتَرضَى، اللهم وفِّقْنا لما تُحِبُّ وتَرضَى، اللهم اغفر لنا ما قدَّمْنا وما أخَّرْنا، وما أسْرَرْنا وما أعلَنَّا، وما أنت أعلمُ به مِنَّا، أنت المُقدِّمُ وأنت المُؤخِّرُ لا إله إلا أنت.

اللهم أعِذْنا وذرِّيَّاتنا من إبليس وذريته وشياطينه وجنوده السحرة، اللهم أعِذِ المسلمين من إبليس وذرِّيَّتِهِ وشياطينه وجنوده يا رب العالمين، اللهم اغفر لنا، اللهم طهِّر قلوبَنا، اللهم اجعل هذا البلد آمِنًا رخاءً سخاءً وسائر بلاد المسلمين.

اللهم وفِّق وليَّ أمرنا إمامنا لما تُحبُّ وترضى، اللهم وفِّقْه لهُداك، واجعل عمله في رضاك يا رب العالمين، اللهم وأعِنْهُ على أمور الدنيا والدين، اللهم اجمع به كلمةَ المسلمين يا رب العالمين، إنك على كل شيء قدير، اللهم أصلِحْ بِطَانَتَهُ، اللهم هيِّئْ له البِطَانَةَ التي تحُثُّهُ على الخير، وتدُلُّهُ عليه، وتُعِيْنُهُ عليه يا رب العالمين، اللهم وفِّق نائِبَهُ لما تحب وترضى، ولما فيه الخيرُ للإسلام يا رب العالمين، وفِّق نائِبَهُ الثاني لما تحب وترضى، ولما فيه الخيرُ للإسلام والمسلمين.

اللهم اجعل ولاة أمور المسلمين عملهم خيرٌ لشعوبهم وأوطانهم، ألِّف بين قلوب المسلمين يا رب العالمين.

اللهم يا رب العالمين أغِثْنا، اللهم أغِثْنا، اللهم أغِثْنا، اللهم ادفع عنا الغلا والوبا والربا والزنا والزلازل والمحن، وسوء الفتن ما ظهر منها وما بطن، عن بلدِنَا هذا خاصَّةً، وعن سائر بلاد المسلمين يا رب العالمين.

عباد الله:
{إِنَّ اللّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالإِحْسَانِ وَإِيتَاء ذِي الْقُرْبَى وَيَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاء وَالْمُنكَرِ وَالْبَغْيِ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ * وَأَوْفُواْ بِعَهْدِ اللّهِ إِذَا عَاهَدتُّمْ وَلاَ تَنقُضُواْ الأَيْمَانَ بَعْدَ تَوْكِيدِهَا وَقَدْ جَعَلْتُمُ اللّهَ عَلَيْكُمْ كَفِيلاً إِنَّ اللّهَ يَعْلَمُ مَا تَفْعَلُونَ} [النحل: 90، 91].

واذكروا الله العظيم الجليل يذكركم، واشكروه على نعمه يزدكم، ولذكرُ الله أكبرُ، والله يعلمُ ما تصنعون.


الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
 
البدع والشهوات
الرجوع الى أعلى الصفحة 
صفحة 1 من اصل 1

صلاحيات هذا المنتدى:لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى
اسلام ويب :: ۩✖ منتدي الاسلاميات العامه ۩✖ :: مقــــالات اســــلاميه :: خطب مقـــرؤه-
انتقل الى: