اسلام ويب
هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.



 
الرئيسيةأحدث الصورالتسجيلدخول

من فقه الدعاء يقول سيدنا عمر بن الخطاب - رضي الله عنه -: "أنا لا أحمل همَّ الإجابة، وإنما أحمل همَّّ الدعاء، فإذا أُلهمت الدعاء كانت الإجابة معه". وهذا فهم عميق أصيل ، فليس كل دعاء مجابًا، فمن الناس من يدعو على الآخرين طالبًا إنزال الأذى بهم ؛ لأنهم ينافسونه في تجارة ، أو لأن رزقهم أوسع منه ، وكل دعاء من هذا القبيل ، مردود على صاحبه لأنه باطل وعدوان على الآخرين. والدعاء مخ العبادة ، وقمة الإيمان ، وسرّ المناجاة بين العبد وربه ، والدعاء سهم من سهام الله ، ودعاء السحر سهام القدر، فإذا انطلق من قلوب ناظرة إلى ربها ، راغبة فيما عنده ، لم يكن لها دون عرش الله مكان. جلس عمر بن الخطاب يومًا على كومة من الرمل ، بعد أن أجهده السعي والطواف على الرعية ، والنظر في مصالح المسلمين ، ثم اتجه إلى الله وقال: "اللهم قد كبرت سني ، ووهنت قوتي ، وفشت رعيتي ، فاقبضني إليك غير مضيع ولا مفتون ، واكتب لي الشهادة في سبيلك ، والموت في بلد رسولك". انظر إلى هذا الدعاء ، أي طلب من الدنيا طلبه عمر، وأي شهوة من شهوات الدنيا في هذا الدعاء ، إنها الهمم العالية ، والنفوس الكبيرة ، لا تتعلق أبدًا بشيء من عرض هذه الحياة ، وصعد هذا الدعاء من قلب رجل يسوس الشرق والغرب ، ويخطب وده الجميع ، حتى قال فيه القائل: يا من رأى عمرًا تكسوه بردته ** والزيت أدم له والكوخ مأواه يهتز كسرى على كرسيه فرقًا ** من بأسه وملوك الروم تخشاه ماذا يرجو عمر من الله في دعائه ؟ إنه يشكو إليه ضعف قوته ، وثقل الواجبات والأعباء ، ويدعو ربه أن يحفظه من الفتن ، والتقصير في حق الأمة ، ثم يتطلع إلى منزلة الشهادة في سبيله ، والموت في بلد رسوله ، فما أجمل هذه الغاية ، وما أعظم هذه العاطفة التي تمتلئ حبًا وحنينًا إلى رسول الله - صل الله عليهلم -: (أن يكون مثواه بجواره). يقول معاذ بن جبل - رضي الله عنه -: "يا بن آدم أنت محتاج إلى نصيبك من الدنيا ، وأنت إلى نصيبك من الآخرة أحوج ، فإن بدأت بنصيبك من الآخرة ، مرّ بنصيبك من الدنيا فانتظمها انتظامًا ، وإن بدأت بنصيبك من الدنيا ، فائت نصيبك من الآخرة ، وأنت من الدنيا على خطر). وروى الترمذي بسنده عن النبي - صل الله عليهلم -: أنه قال: ((من أصبح والآخرة أكبر همه جمع الله له شمله ، وجعل غناه في قلبه ، وأتته الدنيا وهي راغمة ، ومن أصبح والدنيا أكبر همه فرَّق الله عليه ضيعته ، وجعل فقره بين عينيه ولم يأته من الدنيا إلا ما كُتب له)). وأخيرًا .. أرأيت كيف أُلهم عمر الدعاء وكانت الإجابة معه ، وصدق الله العظيم إذ يقول: (وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ فَلْيَسْتَجِيبُوا لِي وَلْيُؤْمِنُوا بِي لَعَلَّهُمْ يَرْشُدُونَ) (186)" (البقرة:186).


 

  الإيمان بالملائكة عليهم السلام

اذهب الى الأسفل 
كاتب الموضوعرسالة


avatar


نقــاط : 99315
 الإيمان بالملائكة عليهم السلام Oooo14
 الإيمان بالملائكة عليهم السلام User_o10

 الإيمان بالملائكة عليهم السلام Empty
مُساهمةموضوع: الإيمان بالملائكة عليهم السلام    الإيمان بالملائكة عليهم السلام Emptyالسبت 4 مايو 2013 - 18:29

الإيمان بالملائكة عليهم السلام

إنَّ الحمد لله، نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيِّئات أعمالنا، مَن يهدِ الله فهو المهتدي، ومن يُضلل فلنْ تجِدَ له وليًّا مرشدًا، وأشهد أن لا إله إلا الله وحْدَه لا شريكَ له، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله.



﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلاَّ وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ ﴾ [آل عمران: 102]، ﴿ يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالاً كَثِيرًا وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا ﴾ [النساء: 1]، ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلاً سَدِيدًا * يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا ﴾ [الأحزاب: 70 - 71].



أمَّا بعدُ:

أيها الأحبَّة الكرام، تكلَّمْنا في الْجُمعة الماضية عن الركن الأول من أركان الإيمان، وهو الإيمان بالله - تعالى - أما اليوم، فإننا نقف عند الركن الثاني من هذه الأركان، وهو الإيمان بالملائكة، نقف معها عبر محاور عديدة مهمَّة، أعيروني فيها قلوبَكم وأسماعكم؛ لتتعلَّموا عقيدتكم.



أولاً: هل الإيمان بالملائكة واجبٌ؟

الإيمان بالملائكة واجبٌ على كلِّ مؤمن ومؤمنة، فمَن شكَّ في وجودهم وخَلْقهم، فإنه خارج من الملَّة؛ لتَرْكه رُكنًا من أركان الإيمان، وهذا إذا كان عن تعمُّدٍ مع العِلم.



فالقرآن الكريم مليء بالآيات التي دلَّتْ على وجودهم، وأن أوَّل حوار بين الله وبين خَلْقه بعد خَلْق آدمَ هو حواره مع الملائكة؛ قال - تعالى -: ﴿ وَإِذْ قَالَ رَبُّكَ لِلْمَلَائِكَةِ إِنِّي جَاعِلٌ فِي الْأَرْضِ خَلِيفَةً قَالُوا أَتَجْعَلُ فِيهَا مَنْ يُفْسِدُ فِيهَا وَيَسْفِكُ الدِّمَاءَ وَنَحْنُ نُسَبِّحُ بِحَمْدِكَ وَنُقَدِّسُ لَكَ قَالَ إِنِّي أَعْلَمُ مَا لَا تَعْلَمُونَ * وَعَلَّمَ آدَمَ الْأَسْمَاءَ كُلَّهَا ثُمَّ عَرَضَهُمْ عَلَى الْمَلَائِكَةِ فَقَالَ أَنْبِئُونِي بِأَسْمَاءِ هَؤُلَاءِ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ * قَالُوا سُبْحَانَكَ لَا عِلْمَ لَنَا إِلَّا مَا عَلَّمْتَنَا إِنَّكَ أَنْتَ الْعَلِيمُ الْحَكِيمُ * قَالَ يَا آدَمُ أَنْبِئْهُمْ بِأَسْمَائِهِمْ فَلَمَّا أَنْبَأَهُمْ بِأَسْمَائِهِمْ قَالَ أَلَمْ أَقُلْ لَكُمْ إِنِّي أَعْلَمُ غَيْبَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَأَعْلَمُ مَا تُبْدُونَ وَمَا كُنْتُمْ تَكْتُمُونَ * وَإِذْ قُلْنَا لِلْمَلَائِكَةِ اسْجُدُوا لِآدَمَ فَسَجَدُوا إِلَّا إِبْلِيسَ أَبَى وَاسْتَكْبَرَ وَكَانَ مِنَ الْكَافِرِينَ ﴾ [البقرة : 30 - 34].



فالإيمان بكلِّ ما جاء في القرآن الكريم هو من أركان الإيمان، التي سنتكلَّم عنها في الجمعة المقْبِلة، وقال - تعالى - في آيات صريحة على وجوب الإيمان بهم، وإثبات وجودهم؛ قال - عزَّ وجلَّ -: ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا آمِنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَالْكِتَابِ الَّذِي نَزَّلَ عَلَى رَسُولِهِ وَالْكِتَابِ الَّذِي أَنْزَلَ مِنْ قَبْلُ وَمَنْ يَكْفُرْ بِاللَّهِ وَمَلَائِكَتِهِ وَكُتُبِهِ وَرُسُلِهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ فَقَدْ ضَلَّ ضَلَالًا بَعِيدًا ﴾ [النساء: 136].



وقال - سبحانه -: ﴿ آمَنَ الرَّسُولُ بِمَا أُنْزِلَ إِلَيْهِ مِنْ رَبِّهِ وَالْمُؤْمِنُونَ كُلٌّ آمَنَ بِاللَّهِ وَمَلَائِكَتِهِ وَكُتُبِهِ وَرُسُلِهِ لَا نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِنْ رُسُلِهِ وَقَالُوا سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا غُفْرَانَكَ رَبَّنَا وَإِلَيْكَ الْمَصِيرُ ﴾ [البقرة: 285].



فهل تحتاج الآيات إلى تفسير؟ لذلك فالإيمان بالملائكة أصل ورُكن من أركان إيماننا، لا يَدَع مجالاً للشكِّ أبدًا.



ثانيًا: الإيمان بصفاتهم:

نعم أيها الأحبَّة، وبما أنَّ الإيمانَ بهم واجبٌ، فالإيمان بصفاتهم من جُملة الإيمان بهم.



فليعلم المؤمن أنَّ الملائكة خُلقوا من نور، نعم، روى الإمام مسلم عن عائشة - رضي الله عنها - أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: ((خُلقتِ الملائكة من نور، وخُلقتِ الجانُّ من مارجٍ من نار، وخُلق آدمُ مما وُصِفِ لكم))؛ ولهذا نحن لا نراهم، وهذا من مُقتضى حِكمة الله - تعالى - واختلاف خَلْقه بعضهم عن بعض، ودَلالة على قُدْرته - سبحانه وتعالى - ولو أنَّ الله أطلعَنا عليهم، لفَزِع أكثرُ مَن في الأرض.



ثم إنَّهم أجسام حقيقيَّة، تليق بهم وبمقامهم عند ربِّهم، حتى إنَّ النبي - صلى الله عليه وسلم - رأى جبريل بصورته الحقيقيَّة وهيئته التي خَلَقه الله عليها، ففي البخاري عن جابر - رضي الله عنه - أنه سمع النبي - صلى الله عليه وسلم - يقول: ((ثم فتر عنِّي الوحْي فترة، فبينا أنا أمشي سمعتُ صوتًا من السماء، فرفعتُ بصري قِبَل السماء، فإذا الملك الذي جاءني "بحِرَاء" قاعدٌ على كرسي بين السماء والأرض، فجُئِثْتُ منه حتى هويتُ إلى الأرض، فجِئْتُ أهلي، فقلتُ: زَمِّلوني، زَمِّلوني، فأنزل الله - تعالى - ﴿ يَا أَيُّهَا الْمُدَّثِّرُ ﴾ إلى قوله: ﴿ وَالرُّجْزَ فَاهْجُرْ ﴾)).



فيا سبحان مَن خَلَقها، ويا لَعظمة من فَطَرها، إنَّه الملك وحُقَّ للملك أن يُكرِمَ جُندَه، فإن الملائكة جنود من جنود الله، يفعلون ما يؤمرون، ولو أنَّ الأوَّلين والآخرين اجتمعوا على أن يَخلقوا مثلهم ما استطاعوا، فالله أكبر على العُصاة والمذنبين، والمجرمين والكافرين والمنافقين، عصوا ربَّهم، تجرَّؤُوا على الله، وما علموا أنَّه الحليم، وما خافوا وهَرَعوا من غضبه - سبحانه.



وإنَّهم أصحاب أجنحة، أجنحة عظيمة؛ ﴿ الْحَمْدُ لِلَّهِ فَاطِرِ السَّمَوَاتِ وَالْأَرْضِ جَاعِلِ الْمَلَائِكَةِ رُسُلًا أُولِي أَجْنِحَةٍ مَثْنَى وَثُلَاثَ وَرُبَاعَ يَزِيدُ فِي الْخَلْقِ مَا يَشَاءُ إِنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ ﴾ [فاطر: 1].



"ومعنى مَثْنى وثلاث ورباع؛ أي: منهم مَن له جناحان، ومنهم من له ثلاثةُ أجنحة، ومنهم من له أربعة، وأمَّا يزيد في الخَلق ما يشاء؛ أي: زيادته - تبارك وتعالى - في خَلْق هذا الملك من الأجنحة على الآخر ما يشاء، ونُقْصانه عن الآخر ما أحبَّ، وكذلك ذلك في جميع خَلْقه يزيد ما يشاء في خَلْق ما شاء منه، وينقص ما شاء مِن خَلق ما شاء، له الخلق والأمر وله القدرة والسلطان"؛ تفسير الطبري.



فالنبيُّ - صلى الله عليه وسلم - رأى أمينَ الوحي جبريل - عليه السلام - في ستمائة جَناح، نعم فقد جاء في وصْفه في مسند الإمام أحمد بإسناد جوَّده ابنُ كثير عن عبدالله بن مسعود، قال: "رأى رسولُ الله جبريلَ وله ستمائة جناح، كل جناح منها قد سدَّ الأُفق، يسقط من جناحه التهاويل من الدُّرِّ والياقوت".



إضافةً إلى أنَّ للملائكة القُدرةَ على التشكُّل، كُلّ حسبما يقتضيه واجبه المكلَّف به من الله - عز وجل - فقد تتشكَّل بصورة الإنس، كما حدَثَ مع السيدة مريم - عليها السلام - قال تعالى: ﴿ فَأَرْسَلْنَا إِلَيْهَا رُوحَنَا فَتَمَثَّلَ لَهَا بَشَرًا سَوِيًّا ﴾ [مريم: 17]، وكذلك مع إبراهيم - عليه السلام -: ﴿ هَلْ أَتَاكَ حَدِيثُ ضَيْفِ إِبْرَاهِيمَ الْمُكْرَمِينَ * إِذْ دَخَلُوا عَلَيْهِ فَقَالُوا سَلَامًا قَالَ سَلَامٌ قَوْمٌ مُنْكَرُونَ * فَرَاغَ إِلَى أَهْلِهِ فَجَاءَ بِعِجْلٍ سَمِينٍ * فَقَرَّبَهُ إِلَيْهِمْ قَالَ أَلَا تَأْكُلُونَ * فَأَوْجَسَ مِنْهُمْ خِيفَةً قَالُوا لَا تَخَفْ وَبَشَّرُوهُ بِغُلَامٍ عَلِيمٍ ﴾ [الذاريات : 24 - 28].


وحدث هذا أيضًا مع لوط - عليه السلام -: ﴿ وَلَمَّا أَنْ جَاءَتْ رُسُلُنَا لُوطًا سِيءَ بِهِمْ وَضَاقَ بِهِمْ ذَرْعًا وَقَالُوا لَا تَخَفْ وَلَا تَحْزَنْ إِنَّا مُنَجُّوكَ وَأَهْلَكَ إِلَّا امْرَأَتَكَ كَانَتْ مِنَ الْغَابِرِينَ ﴾ [العنكبوت: 33].


وفي زمن النبي - صلى الله عليه وسلم - كان جبريلُ ينزل على صورة الصحابي دَحْية الكلبي - رضي الله عنها - قال ابن حجر في "الإصابة في تمييز الصحابة": "وكان يُضْرَب به المثَل في حُسن الصورة"، فكان دَحْية جميلاً جدًّا، وكان جبريل ينزل على صورته.


وإنَّ للملائكة - إخوةَ الإيمان - قُدرات خارقة، كقطع المسافات البعيدة في زمن خاطف؛ ﴿ تَعْرُجُ الْمَلَائِكَةُ وَالرُّوحُ إِلَيْهِ فِي يَوْمٍ كَانَ مِقْدَارُهُ خَمْسِينَ أَلْفَ سَنَةٍ ﴾ [المعارج: 4].


وحمل الأشياء الثقيلة، فنبيُّنا وحبيبُنا - صلى الله عليه وسلم - لَمَّا فعل أهل الطائف به ما فعلوا، أتاه ملك الجبال، وقال له: يا محمد، إن شئتَ أن أطبقَ عليهم الأخْشَبين لفعلتُ - وهما جبلان بمكةَ - فقال: ((إني لأرجو أن يُخرِجَ الله من أصلابهم مَن يعبد الله لا يشرك به شيئًا)).


يوم أن أمر الله ملائكته بإنزال العذاب بقوم لوط - الذين لم ينتهوا عن فواحشهم - أدخَلَ جبريل طرف جناحٍ من أجنحته الستمائة تحت قُرَى قوم "لوط" الخمس، فرفَعَها من تخوم الأرض، حتى أدناها من السماء بما فيها، حتى سَمِع أهل السماء نهيقَ حَميرهم وصِياح دِيَكتهم، ولم تنكفئ لهم جَرَّة، ولم ينكسِر لهم إناء، ثم نكسوا على رؤوسهم، وأتبعوا الحجارة من سجِّيل مسوَّمة عند ربِّك، وما هي من الظالمين ببعيد.


أيُّها الآباء، احذروا وراقبوا أولادَكم وعوائلكم، فها هي التقنيات الحديثة تنتشر اليوم انتشارًا رهيبًا، فأصبح النظر إلى الحرام سهلاً، ومعاكسة الفتيات هيِّنًا، ومشاهدة الأفلام الإباحية تطورًا، وهذا كله لم يكنْ موجودًا قبل دخول الاحتلال بقَضِّه وقَضيضه لبلدنا، فغزانا على أرضنا عسكريًّا بفِعْل العُملاء، وها هو الآن يغزونا أخلاقيًّا، ولم يبقَ لنا إلا دينُنا نتشبَّثُ به، وليعلم الأب أنه سيسأل عن هذا أمام الملك الديَّان، سيسأل عن ابنه وابنته وزوجته، كيف ربَّيتها؟ هل تابعْتَها؟ ماذا ألبستَها؟ سؤالاً سؤالاً.


والله، رأيتُ في هذا العيد - عيد الفطر - بناتًا بعُمر الزهور بالغات، مستحقات للزواج من أُسَر وعوائل متديِّنة، بل الذي يَشيب منه الولدان أنَّ البعضَ منهم من عوائل يدعون أنَّهم من أهل الدعوة - والدعوة منهم بَرَاء - يلبسْنَ (البنطال) مع (البدي) الضيِّق، والله ثُمَّ والله، ولو أنهم رأوا غيرهم يُلبِس بناتِه ذلك، لَمَا ارتضوه، ولأقاموا الدُّنيا وأقعدوها بعويلهم الكاذب، ونهيقهم الخائب، فأيَّ انبطاحية نشهدها؟! وأيَّ ميوعة نعيشها تحت ظلِّ الدُّعاة المتميِّعين؟! دعاة العصر كما يسمون أنفسهم، وما علموا أنَّ الدعوة التي ينتمون إليها منهم بَرَاء، وإن أكلوا بأموالها، وسافروا بثرواتها، وانتهبوا خيراتها، فتبًّا لهم ولمشروعهم المقيت، هم وكُل مَن سَكت عن قول الحقِّ في زمن الْمِحْنة.


ومن صفات الملائكة أنهم لا يعصون الله ما أمرهم مع كل هذه المكانة؛ ﴿ وَقَالُوا اتَّخَذَ الرَّحْمَنُ وَلَدًا سُبْحَانَهُ بَلْ عِبَادٌ مُكْرَمُونَ * لَا يَسْبِقُونَهُ بِالْقَوْلِ وَهُمْ بِأَمْرِهِ يَعْمَلُونَ * يَعْلَمُ مَا بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَمَا خَلْفَهُمْ وَلَا يَشْفَعُونَ إِلَّا لِمَنِ ارْتَضَى وَهُمْ مِنْ خَشْيَتِهِ مُشْفِقُونَ * وَمَنْ يَقُلْ مِنْهُمْ إِنِّي إِلَهٌ مِنْ دُونِهِ فَذَلِكَ نَجْزِيهِ جَهَنَّمَ كَذَلِكَ نَجْزِي الظَّالِمِينَ ﴾ [الأنبياء : 26 - 29].


ويخافون ربَّهم على الرغم من مكانتهم، وعلى الرغم من طبيعتم؛ ﴿ وَيُسَبِّحُ الرَّعْدُ بِحَمْدِهِ وَالْمَلَائِكَةُ مِنْ خِيفَتِهِ وَيُرْسِلُ الصَّوَاعِقَ فَيُصِيبُ بِهَا مَنْ يَشَاءُ وَهُمْ يُجَادِلُونَ فِي اللَّهِ وَهُوَ شَدِيدُ الْمِحَالِ ﴾ [الرعد: 13].


من أيِّ الفريقين أنت؟

وإنَّ الناس مع الملائكة فريقان: فريق تلعنه الملائكة في الدنيا، ولا تدخل بيوتَهم، ثم تعذبهم في الآخرة، وفريق تصلي عليهم، وتدعو لهم في الدنيا، ثم تستقبلهم في الآخرة، فمن أيِّ الفريقين أنت؟ فهذا هو أساس إيمانك بهم هو أن تشعُرَ برقابتك عليهم، وأنَّ هناك مَن ينظر إليك، يرفع عملك، ويصعد به إلى ربِّك وخالقك، إلى مَن نهاك وأمرك، وهذه الرقابة تجعل المؤمن سالكًا خيرَ سبيل وأفضلَ طريق، وعندها ستحفظُك وتَحميك، وتقاتل معك، فهل شعرْنا بذلك؟ هل تعلم أنَّ هناك من المؤمنين مَن لهم مع الملائكة عَلاقة كهذه؟


لقد ذكَر - تعالى - في القرآن الكريم، وذَكَر نبيُّنا وحبيبُنا - صلى الله عليه وسلم - بالأحاديث الصحيحة أنَّ هناك فريقًا من المؤمنين تلعنهم الملائكة - والعياذ بالله - ولا تقربهم ولا تدخل بيوتَهم.


فلا تدخُل الملائكة بيتًا فيه صورةٌ لذاتِ الأرواح، أو كلب - أكرمكم الله - ولا تدخل بيتًا تُسمع فيه الأغاني؛ لأنَّها مزامير الشياطين، أو تُفعل فيه المحرَّمات؛ لأنَّ الملائكةَ تتأذَّى مما يتأذَّى منه بنو آدمَ، فكلُّ شيءٍ يؤذي المؤمن تتأذَّى منه الملائكة.


ولا تدخل بيتًا فيه بول منتقع في طَسْتٍ؛ لقول نبيِّنا - صلى الله عليه وسلم - في ذلك.


وأنها تلعن أصنافًا من الناس، فإذا دعا الرجل امرأته إلى فراشه فأبتْ، فباتَ غضبانًا عليها، لعنتْها الملائكة حتى تُصْبح، فتصبح ملعونًا عليها، ولو كانتْ تصلِّي وتصوم.


وممن تلعنه الملائكة ذلك الذي يُشير إلى أخيه بحديدة أو سلاح.


ثم تلعن كلَّ مَن سبَّ أصحاب النبي - صلى الله عليه وسلم - فما بالك بمن يطعنُ بعِرْض نبيِّه، ويتَّهم عِرْضَه بالفواحش؟!


وأما من قَتَل عمدًا - وما أكثر القتل في بلادنا - فعليه لعنةُ الله والملائكة والناس أجمعين.


فاحذر - أخي المؤمن - من هذه الأفعال والأعمال والأقوال، وراقِبْ ربَّك الكبير المتعال.


أيها الأحبَّة، احرصوا على أن تكونوا ممن آمنوا بالملائكة حقَّ إيمانهم، فكانتْ أركان الإيمان ثابتة في قلوبهم مَهْمَا زادت الفِتن، وتعاقبتِ الْمِحَن، فإنَّ سبيلَ زوال الباطل وأهله بالثبات، فلنجعل شعارنا: "الثبات حتى الممات"، ومَن كان هذا سبيله، فليعلم أنَّه معه الملائكة "جنود الله".


فعلى سبيل المثال: إذا كان الرجلُ بأرضِ فلاة، فحانتِ الصلاةُ فليتوضَّأ، فإن لم يجدْ ماءً، فليتيمَّم، فإن أقامَ، صلَّى معه ملكاه، وإن أذَّن وأقام، صلَّى خلفه من جنود الله ما لا يَرى طرفاه، وهذا حديث رسول الله.


ومن هؤلاء وهم الصنف الثاني من الناس - الذين آمنوا بربِّهم - مَن أمَّن مع الإمام، فمن وافَق تأمينُه تأمينَ الملائكة، غُفِر له ما تقدَّم من ذنبه.


وهناك من يُحب أن يكلِّمه الملك، فيبشره بحبِّ الله له، وما أعظمَ هذه البشارة! فزُرْ أخاك في سبيل الله.


فإذا ما أردتَ ملكًا يبيتُ في شعارك - أي ما بين جسدك وثيابك - فبِتْ طاهرًا؛ فإنه لا يزال يستغفر لك حتى تُصبح، بل وملك يَحفظك إذا ختمتَ يومك قبل نومك بآية الكرسي، ولا يَقْربك فيها شيطان.


وإنَّ مِن وظائفهم حفظَ المؤمن؛ قال - صلى الله عليه وسلم -: ((إذا أوى الإنسان إلى فراشه، ابتدره ملكٌ وشيطان، فيقول الملك: اختم بخير، ويقول الشيطان: اختمْ بشرٍّ، فإذا ذَكَر الله حتى يغلبه - أي النوم - طَرَد الملكُ الشيطان وبات يكلؤه، فإذا استيقظَ، ابتدره ملك وشيطان، فيقول الملك: افتحْ بخير، ويقول الشيطان: افتحْ بشرٍّ، فإن قال: الحمد لله الذي أحيا نفسي بعد ما أماتها، طردَ الملكُ الشيطان، وظلَّ يكلؤه)).


فإني سائلك سؤالاً: بماذا تختم يومك وليلتك؟ بصلاة؟ بقراءة قرآن؟ بتسبيح؟


وهنيئًا لمن حمَل للدعوة همًّا، وبلغ آيةً أو سُنة، فها هو الحبيب يكرمه بقوله: ((إنَّ الله وملائكته، وأهل السموات والأرض، حتى النملة في جُحْرها، وحتى الحوت - لَيُصلون على معلمي الناس الخيرَ)).


ولا تنسَ، فإنَّ دعوتك لأخيك مُستجابة بظهر الغيب، عند رأسه ملك يؤمِّن على دعائه كلما دعا له بخير، قال: "آمين ولك بمثله".


وإذا كان يوم الجمعة، كان على كلِّ باب من أبواب المسجد ملائكة يكتبون الأول فالأوَّل، فإذا جلس الإمام، طووا الصحفَ، وجاؤوا يستمعون الذِّكْر.


وتشهد الملائكة صلاة الفجر، فهل أنت - أخي العزيز - ممن يؤلمك فواتُ ذلك الْجَمع الكريم، وقرآن الفجر إنَّ قرآن الفجر كان مشهودًا؛ أي: تشهده الملائكة؟


أقول قولي هذا، وأستغفر الله لي ولكم ولسائر المسلمين، فاستغفروه؛ إنه هو الغفور الرحيم.


الخطبة الثانية

الحمد لله وحْدَه، والصلاة والسلام على مَن لا نبيَّ بعده، وعلى آله وصحبه وجنده.


وبعدُ:

إخوتي الكرام، إنَّ الله أمرنا بأمرٍ بدأ فيه بنفسه، وثنَّى بملائكة قُدْسه، وثلَّثَ من العالمين بإنسه وجِنه، فقال قولاً كريمًا؛ تعظيمًا لقَدْر نبيِّنا، وتفهيمًا لنا وتعليمًا؛ ﴿ إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا ﴾ [الأحزاب: 56].


ومَن صلَّى على النبي - صلى الله عليه وسلم - صلَّتْ عليه الملائكة؛ ﴿ هُوَ الَّذِي يُصَلِّي عَلَيْكُمْ وَمَلَائِكَتُهُ لِيُخْرِجَكُمْ مِنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ وَكَانَ بِالْمُؤْمِنِينَ رَحِيمًا ﴾ [الأحزاب: 43].


فصلوا على نبيِّكم، فالبخيل من ذُكِر عنده نبيُّه فلم يصلِّ عليه، اللهم صلِّ على محمد حتى ترضى، اللهم صلِّ على محمد حتى يرضى، صلاةً وسلامًا دائمين متلازمين إلى يوم الدين يا ربَّ العالمين.


الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
 
الإيمان بالملائكة عليهم السلام
الرجوع الى أعلى الصفحة 
صفحة 1 من اصل 1
 مواضيع مماثلة
-
»  الإيمان بالأنبياء والرسل عليهم السلام
» الإيمان بالملائكة وأثره في حياة الأمة المؤلف الشيخ صالح الفوزان
» موسي والخضر عليهم السلام
» انبيــــــــاء الله عليهم السلام
» توكل الأنبياء عليهم السلام

صلاحيات هذا المنتدى:لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى
اسلام ويب :: ۩✖ منتدي الاسلاميات العامه ۩✖ :: مقــــالات اســــلاميه :: خطب مقـــرؤه-
انتقل الى: