اسلام ويب
هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.



 
الرئيسيةأحدث الصورالتسجيلدخول

من فقه الدعاء يقول سيدنا عمر بن الخطاب - رضي الله عنه -: "أنا لا أحمل همَّ الإجابة، وإنما أحمل همَّّ الدعاء، فإذا أُلهمت الدعاء كانت الإجابة معه". وهذا فهم عميق أصيل ، فليس كل دعاء مجابًا، فمن الناس من يدعو على الآخرين طالبًا إنزال الأذى بهم ؛ لأنهم ينافسونه في تجارة ، أو لأن رزقهم أوسع منه ، وكل دعاء من هذا القبيل ، مردود على صاحبه لأنه باطل وعدوان على الآخرين. والدعاء مخ العبادة ، وقمة الإيمان ، وسرّ المناجاة بين العبد وربه ، والدعاء سهم من سهام الله ، ودعاء السحر سهام القدر، فإذا انطلق من قلوب ناظرة إلى ربها ، راغبة فيما عنده ، لم يكن لها دون عرش الله مكان. جلس عمر بن الخطاب يومًا على كومة من الرمل ، بعد أن أجهده السعي والطواف على الرعية ، والنظر في مصالح المسلمين ، ثم اتجه إلى الله وقال: "اللهم قد كبرت سني ، ووهنت قوتي ، وفشت رعيتي ، فاقبضني إليك غير مضيع ولا مفتون ، واكتب لي الشهادة في سبيلك ، والموت في بلد رسولك". انظر إلى هذا الدعاء ، أي طلب من الدنيا طلبه عمر، وأي شهوة من شهوات الدنيا في هذا الدعاء ، إنها الهمم العالية ، والنفوس الكبيرة ، لا تتعلق أبدًا بشيء من عرض هذه الحياة ، وصعد هذا الدعاء من قلب رجل يسوس الشرق والغرب ، ويخطب وده الجميع ، حتى قال فيه القائل: يا من رأى عمرًا تكسوه بردته ** والزيت أدم له والكوخ مأواه يهتز كسرى على كرسيه فرقًا ** من بأسه وملوك الروم تخشاه ماذا يرجو عمر من الله في دعائه ؟ إنه يشكو إليه ضعف قوته ، وثقل الواجبات والأعباء ، ويدعو ربه أن يحفظه من الفتن ، والتقصير في حق الأمة ، ثم يتطلع إلى منزلة الشهادة في سبيله ، والموت في بلد رسوله ، فما أجمل هذه الغاية ، وما أعظم هذه العاطفة التي تمتلئ حبًا وحنينًا إلى رسول الله - صل الله عليهلم -: (أن يكون مثواه بجواره). يقول معاذ بن جبل - رضي الله عنه -: "يا بن آدم أنت محتاج إلى نصيبك من الدنيا ، وأنت إلى نصيبك من الآخرة أحوج ، فإن بدأت بنصيبك من الآخرة ، مرّ بنصيبك من الدنيا فانتظمها انتظامًا ، وإن بدأت بنصيبك من الدنيا ، فائت نصيبك من الآخرة ، وأنت من الدنيا على خطر). وروى الترمذي بسنده عن النبي - صل الله عليهلم -: أنه قال: ((من أصبح والآخرة أكبر همه جمع الله له شمله ، وجعل غناه في قلبه ، وأتته الدنيا وهي راغمة ، ومن أصبح والدنيا أكبر همه فرَّق الله عليه ضيعته ، وجعل فقره بين عينيه ولم يأته من الدنيا إلا ما كُتب له)). وأخيرًا .. أرأيت كيف أُلهم عمر الدعاء وكانت الإجابة معه ، وصدق الله العظيم إذ يقول: (وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ فَلْيَسْتَجِيبُوا لِي وَلْيُؤْمِنُوا بِي لَعَلَّهُمْ يَرْشُدُونَ) (186)" (البقرة:186).


 

 من سنن الله تعالى في خلقه (4) ﴿ إِنَّ مَعَ العُسْرِ يُسْرًا ﴾

اذهب الى الأسفل 
كاتب الموضوعرسالة


avatar


نقــاط : 99255
من سنن الله تعالى في خلقه (4) ﴿ إِنَّ مَعَ العُسْرِ يُسْرًا ﴾ Oooo14
من سنن الله تعالى في خلقه (4) ﴿ إِنَّ مَعَ العُسْرِ يُسْرًا ﴾ User_o10

من سنن الله تعالى في خلقه (4) ﴿ إِنَّ مَعَ العُسْرِ يُسْرًا ﴾ Empty
مُساهمةموضوع: من سنن الله تعالى في خلقه (4) ﴿ إِنَّ مَعَ العُسْرِ يُسْرًا ﴾   من سنن الله تعالى في خلقه (4) ﴿ إِنَّ مَعَ العُسْرِ يُسْرًا ﴾ Emptyالإثنين 29 أبريل 2013 - 11:27

من سنن الله تعالى في خلقه (4) ﴿ إِنَّ مَعَ العُسْرِ يُسْرًا ﴾



﴿ الحَمْدُ لله الَّذِي لَهُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الأَرْضِ وَلَهُ الحَمْدُ فِي الآَخِرَةِ وَهُوَ الحَكِيمُ الخَبِيرُ ﴾ [سبأ:1] نحمده حمدا كثيرا، ونشكره شكرا مزيدا، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له؛ لا يقضي للمؤمنين قضاء إلا كان خيرا لهم؛ فإن أصابتهم سراء شكروا فكان خيرا لهم، وإن أصابتهم ضراء صبروا فكان خيرا لهم، وليس ذلك لأحد غيرهم، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله؛ كان عظيم اليقين بالله تعالى، شديد الرجاء له سبحانه، كثير التفكر في خلقه عز وجل، دائم التعلق به تبارك وتعالى؛ فشرح صدره، ووضع وزره، ورفع ذكره، صلى الله وسلم وبارك عليه وعلى آله وأصحابه وأتباعه إلى يوم الدين.



أما بعد:

فاتقوا الله تعالى وأطيعوه، واعبدوه في الرخاء، واشكروه على النعماء، واصبروا على الضراء، واعلموا أنه سبحانه حكيم في قدره وقضائه، لطيف بعباده، عليم بأحوالهم، خبير بمصالحهم، لا يخفى عليه شيء من أمرهم، وما علينا إلا الرضا به وعنه، والتسليم لأمره، وجمع القلب والأركان على عبادته ﴿ وَعَسَى أَنْ تَكْرَهُوا شَيْئًا وَهُوَ خَيْرٌ لَكُمْ وَعَسَى أَنْ تُحِبُّوا شَيْئًا وَهُوَ شَرٌّ لَكُمْ وَاللهُ يَعْلَمُ وَأَنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ ﴾ [البقرة:216].



أيها الناس: من دلائل ربوبية الله تعالى، وقدرته سبحانه على خلقه، وحكمته عز وجل في تدبيره؛ تقلب أحوال الناس من شدة إلى رخاء، ومن رخاء إلى شدة، ومن ضعف إلى قوة، ومن قوة إلى ضعف، وله سبحانه ألطاف لا يدركها خلقه، وحكم يجهلونها؛ ولذا يكثر فيهم اللوم والسخط، ويقل فيهم الرضا والشكر ﴿ وَقَلِيلٌ مِنْ عِبَادِيَ الشَّكُورُ ﴾ [سبأ:13].



ومن سنن الله تعالى الدالة على ربوبيته نظم اليسر بالعسر، وجعل الفرج مع الكرب، وإخراج المنح من أرحام المحن، وهي سنة تربي الخلق على القرب من الله تعالى، فإذا أيسروا فبطروا جاءهم العسر ليكسر سورة النفس، ويطامنها عن العلو والاستكبار، ويمنعها من البغي والطغيان، ويردها إلى الله تعالى، فإذا تهذبت أخلاقهم، وصفت قلوبهم، واستقامت أحوالهم، وأظهروا الذل والافتقار لله تعالى، ولهجوا له سبحانه بالضراعة؛ جاءهم اليسر فزال عسرهم؛ لئلا يستبد بهم اليأس والقنوط، المؤدي إلى الكفر والجحود.



وهذه السنة الربانية مذكورة في القرآن، مكرورة في آياته، واقعة في خلقه، يراها الإنسان في نفسه قبل غيره، ويشاهد وقوعها في جماعة أو أمة، ولو حاول الإنسان أن يجمع ما مر به في حياته من مشاهدها لما أحصى ذلك من كثرته.



وجاءت هذه السنة في القرآن بصيغة الوعد، والله تعالى لا يخلف الميعاد، يقول الله تبارك وتعالى ﴿ سَيَجْعَلُ اللهُ بَعْدَ عُسْرٍ يُسْرًا ﴾ [الطَّلاق:7] وهذه الصيغة تفيد الاستمرار، أي: أنه في كل عسر سيجعل الله تعالى للعبد منه يسرا، فلماذا إذن يجزع الناس وييأسوا، وهذا وعد الله تعالى لهم، لولا قلة قراءة القرآن فيهم، وضعف تدبره واستحضار آياته.



وفي موضع آخر يؤكد الله تعالى جريان هذه السنة بمؤكدات عدة. وفائدة هذا التأكيد تحقيق اطراد هذا الوعد وتعميمه، وأنه سنة ماضية لله تعالى في عباده، ﴿ فَإِنَّ مَعَ العُسْرِ يُسْرًا * إِنَّ مَعَ العُسْرِ يُسْرًا ﴾ [الشرح:5-6]. أي: مع العسر العارض تيسيرا عظيما يغلب العسر. وبلغ من قرب اليسر أنه قرن مع العسر وهو مضاد له. حتى جاء في الأثر عن ابن مسعود رضي الله عنه:«لو كان العسر في جحر لتبعه اليسر حتى يدخل فيه فيخرجه، ولن يغلب عسر يسرين».



وقد أكد النبي صلى الله عليه وسلم ذلك بقوله:«وإن الْفَرَجَ مع الْكَرْبِ وإن مع الْعُسْرِ يُسْراً»رواه أحمد.



فكل كرب ينزل بالمؤمن فإن معه فرجا لا محالة، وكل عسر يصيبه فإن معه يسرا، ومن علم ذلك وأيقن به فلن يسلم قلبه لليأس والقنوط، ولن ينسى الخالق سبحانه ويركن للمخلوق، ولن يعلق قلبه بغير الله تعالى.



والعسر العام في الناس أكثر ما يكون في النوازل والمعارك، حتى إذا اشتد البأس بالناس، وأحاط بهم العدو، وظنوا الهلاك أسعفهم الله تعالى باليسر، ودفع عنهم البلاء، ورفع المحنة، وتلك سنة الله تعالى مع رسله وأوليائه المؤمنين، كما قال تعالى في السابقين منهم ﴿ مَسَّتْهُمُ البَأْسَاءُ وَالضَّرَّاءُ وَزُلْزِلُوا حَتَّى يَقُولَ الرَّسُولُ وَالَّذِينَ آَمَنُوا مَعَهُ مَتَى نَصْرُ الله أَلَا إِنَّ نَصْرَ اللهِ قَرِيبٌ ﴾ [البقرة:214].



وفي مقام آخر قال سبحانه ﴿ حَتَّى إِذَا اسْتَيْئَسَ الرُّسُلُ وَظَنُّوا أَنَّهُمْ قَدْ كُذِبُوا جَاءَهُمْ نَصْرُنَا ﴾ [يوسف:110]، وهذه الآية العظيمة جاءت في ختام سورة يوسف عليه السلام، ويوسف قد ابتلي بعسر شديد، ومحن متتابعة، حين حسده إخوته، وألقوه في الجب، ثم بيع عبدا، ثم اتهم في عرضه وسجن ظلما، فكان في رحم هذه الشدائد المتتابعة فرج كبير، وتمكين عظيم، حتى ولي خزائن الأرض، يقسم للناس أرزاقهم، وجاءه اليسر من داخل العسر في خبر السجينين حين عبر لهما الرؤى، فلما رأى الملك رؤياه دله السجين على يوسف فكان ذلك سبب الفرج والتمكين عند الملك؛ ولذا قال يوسف عليه السلام ﴿ إِنَّ رَبِّي لَطِيفٌ لِمَا يَشَاءُ إِنَّهُ هُوَ العَلِيمُ الحَكِيمُ ﴾ [يوسف:100].



وكم مر بجدّه الخليل عليه السلام من عسر أعقبه يسر، وكم من كرب تبعه فرج. وما أعظم العسر، وأشد الكرب حين تشعل النار؛ ليلقى الخليل عليه السلام فيها حيا، فيكون اليسر في لحظات إلقائه ﴿ قَالُوا حَرِّقُوهُ وَانْصُرُوا آَلِهَتَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ فَاعِلِينَ * قُلْنَا يَا نَارُ كُونِي بَرْدًا وَسَلَامًا عَلَى إِبْرَاهِيمَ ﴾ [الأنبياء:68-69] فمن أصابه كرب واستبطأ الفرج فليستحضر هاتين الآيتين، وليتأمل قصة إلقاء الخليل عليه السلام في النار؛ ليعلم قدرة الله تعالى على كشف الكرب مهما كان، وسرعة اليسر لرفع العسر.



وما أشد الأمر الرباني للخليل عليه السلام بذبح ابنه الوحيد، الذي ما وهب له إلا على كبر، وما أعظمه من عسر لولا إيمان إبراهيم وإسماعيل عليهما السلام، فلما أضجعه للذبح جاء اليسر ليزيل العسر، وحل الفرج ليذهب الكرب ﴿ وَفَدَيْنَاهُ بِذِبْحٍ عَظِيمٍ ﴾ [الصَّفات:106-107].



وموسى من ذرية يوسف عليهما السلام، وله مواقف كثيرة تجلى فيها اليسر مع العسر، وظهر الفرج مع الكرب، منذ ولادة موسى حين ولد في السنة التي يذبح فرعون فيها الصبيان، وهو عسر شديد على أم موسى؛ ليكون العسر بما لا يتصوره إنسان، وهو أن يتربى الصبي في بيت ذابح الصبيان، ثم لما بلغ أشده واستوى ابتلي بمتآمرين على قتله مما اضطره إلى التخفي والهجرة من بلده؛ ليعقب ذلك يسر عظيم بكلام الله تعالى له، واصطفائه رسولا، وكم مر به مع فرعون من كروب ومحن كشفها الله تعالى بفرج من عنده، حتى كانت اللحظة الحاسمة التي كان فرعون وجنده يحيطون بموسى ومن معه لقتلهم، والبحر أمامهم، فكان فرج الله تعالى ويسره أسرع من كيد فرعون ومكره؛ ﴿ فَأَوْحَيْنَا إِلَى مُوسَى أَنِ اضْرِبْ بِعَصَاكَ البَحْرَ فَانْفَلَقَ فَكَانَ كُلُّ فِرْقٍ كَالطَّوْدِ العَظِيمِ * وَأَزْلَفْنَا ثَمَّ الآَخَرِينَ * وَأَنْجَيْنَا مُوسَى وَمَنْ مَعَهُ أَجْمَعِينَ * ثُمَّ أَغْرَقْنَا الآَخَرِينَ ﴾ [الشعراء:63-66].



ومن أعجب أخبار الفرج بعد الكرب خبر يونس عليه السلام حين ابتلعه الحوت، فمن يتصور أن الحوت يلفظه بأمر الله تعالى بعد أن التقمه لولا أن الله تعالى أخبرنا بذلك ﴿ فَاسْتَجَبْنَا لَهُ وَنَجَّيْنَاهُ مِنَ الغَمِّ ﴾ [الأنبياء:88]. ومكث أيوب عليه السلام في المرض سنين حتى جفاه القريب، ونفر منه البعيد، واشتد كربه، وعظم عسره، فجاءه يسر الله تعالى متتابعا بعافية وأهل ومال ﴿ فَاسْتَجَبْنَا لَهُ فَكَشَفْنَا مَا بِهِ مِنْ ضُرٍّ وَآَتَيْنَاهُ أَهْلَهُ وَمِثْلَهُمْ مَعَهُمْ رَحْمَةً مِنْ عِنْدِنَا وَذِكْرَى لِلْعَابِدِينَ ﴾ [الأنبياء:84].



وتتبع حوادث اليسر بعد العسر في الأمم السالفة يطول، والقرآن مملوء بقصصها وأخبارها، فمن يقرأ بتمهل وتدبر؟!



وكما مضت هذه السنة الربانية في السابقين من المؤمنين، فإنها وقعت لهذه الأمة المباركة كثيرا، في حياة النبي صلى الله عليه وسلم وبعد مماته، ولا تزال تقع إلى يومنا هذا؛ ففي الخندق حوصر المسلمون وروعوا، حتى قال الله تعالى في وصف عسرهم ﴿ إِذْ جَاءُوكُمْ مِنْ فَوْقِكُمْ وَمِنْ أَسْفَلَ مِنْكُمْ وَإِذْ زَاغَتِ الأَبْصَارُ وَبَلَغَتِ القُلُوبُ الحَنَاجِرَ وَتَظُنُّونَ بِالله الظُّنُونَا * هُنَالِكَ ابْتُلِيَ المُؤْمِنُونَ وَزُلْزِلُوا زِلْزَالًا شَدِيدًا ﴾ [الأحزاب:11].



يا له من وصف ما أبلغه! ويا له من موقف ما أشده، ويا لها من أيام ما أعسرها. ولكن كان اليسر مع العسر، وجاء الفرج ليزيل الكرب ﴿ وَرَدَّ اللهُ الَّذِينَ كَفَرُوا بِغَيْظِهِمْ لَمْ يَنَالُوا خَيْرًا وَكَفَى اللهُ المُؤْمِنِينَ القِتَالَ وَكَانَ اللهُ قَوِيًّا عَزِيزًا ﴾ [الأحزاب:25].



وتكرر ذلك يوم حنين فوصف الله تعالى عسرهم فيها بقوله سبحانه ﴿ وَضَاقَتْ عَلَيْكُمُ الأَرْضُ بِمَا رَحُبَتْ ثُمَّ وَلَّيْتُمْ مُدْبِرِينَ ﴾ [التوبة:25] ثم كان الفرج واليسر ﴿ ثُمَّ أَنْزَلَ اللهُ سَكِينَتَهُ عَلَى رَسُولِهِ وَعَلَى المُؤْمِنِينَ وَأَنْزَلَ جُنُودًا لَمْ تَرَوْهَا وَعَذَّبَ الَّذِينَ كَفَرُوا وَذَلِكَ جَزَاءُ الكَافِرِينَ ﴾ [التوبة:26].



اللهم املأ قلوبنا بالإيمان واليقين والرجاء والخوف، واطرد عنها اليأس والقنوط، واجعل لنا مع الكرب فرجا، ومع العسر يسرا، وثبتنا على الحق إلى أن نلقاك يا رب العالمين.



الخطبة الثانية

الحمد لله حمداً طيباً كثيراً مباركاً فيه كما يحب ربنا ويرضى، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله صلى الله وسلم وبارك عليه وعلى آله وأصحابه ومن اهتدى بهداهم إلى يوم الدين.



أما بعد: فاتقوا الله تعالى وأطيعوه ﴿ وَاتَّقُوا النَّارَ الَّتِي أُعِدَّتْ لِلْكَافِرِينَ * وَأَطِيعُوا اللهَ وَالرَّسُولَ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ ﴾ [آل عمران:132].



أيها المسلمون: ما أحوجنا إلى فقه سنن الله تعالى في عباده، واليقين بأن وعده حق، وأن مع الكرب فرجا، وأن مع العسر يسرا، ولا سيما في هذا الزمن الذي تكالب فيه أهل الكفر والنفاق على أهل الإسلام.



فالمنافقون يريدون تبديل كلام الله تعالى، وتحريف شريعته، ونشر الفساد في المسلمين بتوسيع دائرة الاختلاط، وتحجيم الاحتساب، ومساواة النساء بالرجال؛ لمحو أخلاق الإسلام، وقد نجحوا في كثير من الميادين، وهذا عسر شديد قد يصيب بعض القلوب المؤمنة باليأس والإحباط.



والكفار يكيدون بالمسلمين، ويسعون لتفتيت دولهم، وزرع الشقاق فيهم، ونشر الفوضى في أوساطهم، والحيلولة دون الحكم بالإسلام في بلدانهم. وقد بان لكل أحد حجم المؤامرة التي تحاك ضد أهل السنة في الشام كما قد حيكت من قبل في العراق، وظهر للناس أن العداء الغربي الصفوي في الظاهر يخفي وراءه اتفاقا في الباطن على محو أهل السنة، واقتسام دولهم وثرواتهم، وهاهم يفعلون ذلك بأهل الشام كما فعلوه من قبل بأهل العراق، والغرب يخدر أهل السنة بوعوده ومبادراته.. وفي هذه الظروف العصيبة قد يصيب بعض القلوب يأس بأنه لا فرج مع هذه الكروب، ولا يسر بعد هذا العسر، ولكن من فقه سنن الله تعالى، واحتمى به، وتوكل عليه، وأفرغ قلبه من سواه؛ أيقن أن الفرج قريب، وأن لله تعالى تدابير ولطائف على غير تصورات البشر وظنونهم، وأن ما يقع من علو المنافقين ونجاحهم، واستكبار الكفار وعتوهم مقدمات لفرج الله تعالى ونصره للمؤمنين، وإن استبطأ الناس ذلك، وظنوا بالله تعالى الظنونا.



يقول الحافظ ابن رجب رحمه الله تعالى: وَمِنْ لَطَائِفِ أَسْرَارِ اقْتِرَانِ الْفَرَجِ بِالْكَرْبِ وَالْيُسْرِ بِالْعُسْرِ: أَنَّ الْكَرْبَ إِذَا اشْتَدَّ وَعَظُمَ وَتَنَاهَى، وَحَصَلَ لِلْعَبْدِ الْإِيَاسُ مِنْ كَشْفِهِ مِنْ جِهَةِ الْمَخْلُوقِينَ، وَتَعَلَّقَ قَلْبُهُ بِاللَّهِ وَحْدَهُ، وَهَذَا هُوَ حَقِيقَةُ التَّوَكُّلِ عَلَى اللَّهِ، وَهُوَ مِنْ أَعْظَمِ الْأَسْبَابِ الَّتِي تُطْلَبُ بِهَا الْحَوَائِجُ، فَإِنَّ اللَّهَ يَكْفِي مَنْ تَوَكَّلَ عَلَيْهِ، كَمَا قَالَ تَعَالَى: ﴿ وَمَنْ يَتَوَكَّلْ عَلَى الله فَهُوَ حَسْبُهُ ﴾ [الطَّلاق:3].



وفي خلافة عمر رضي الله عنه غزا أبو عبيدة الشام فأصابهم جهد شديد فكتب بذلك إلى عمر، فكتب إليه عمر: سلام عليك، أما بعد: فإنها لم تكن شدة إلا جعل الله بعدها مخرجا ولن يغلب عسر يسرين، وكتب إليه ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا اصْبِرُوا وَصَابِرُوا وَرَابِطُوا وَاتَّقُوا اللهَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ ﴾ [آل عمران:200]



فماذا كانت عاقبة هذا العسر والكرب؟!

قال أبو واقد الليثي رضي الله عنه: رأيت الرجل يوم اليرموك من العدو يسقط فيموت فقلت في نفسي: لو أني أضرب أحدهم بطرف ردائي ظننت أنه يموت، وجعل الله للمسلمين من الغم الشديد الذي كان نزل بهم فرجا ومخرجا كما قال عمر رضي الله عنه.



فما كيد الكافرين والمنافقين ومكرهم أمام قدرة الله تعالى؟!

لا شيء. إي وربي لا شيء، ﴿ ذَلِكُمْ وَأَنَّ اللهَ مُوهِنُ كَيْدِ الكَافِرِينَ ﴾ [الأنفال:18].



وإن الله تعالى كما فرج كرب المسلمين في الشام أيام الصحابة رضي الله عنهم فإنه سبحانه سيكشف كرب أهل الشام اليوم، وسيزيل عسرهم بيسر ونصر مبين، وما ذلك على الله بعزيز.



وإن ما تعيشه الأمة المسلمة في هذه الفترة الحرجة من عسر وكرب يحيط بها من كل جانب، سيعقبه بإذن الله تعالى يسر وفرج لا يخطر على البال، ولكن بشرط نبذ اليأس من القلوب، كما قال يعقوب عليه السلام في عسره وشدته ﴿ وَلَا تَيْئَسُوا مِنْ رَوْحِ الله إِنَّهُ لَا يَيْئَسُ مِنْ رَوْحِ اللهِ إِلَّا القَوْمُ الكَافِرُونَ ﴾ [يوسف:87].والاستعانة بالله تعالى على هذه الشدائد مع التحلي بالصبر كما قال موسى لقومه ﴿ اسْتَعِينُوا بِاللهِ وَاصْبِرُوا ﴾ [الأعراف:128] وملازمة التقوى ﴿ وَمَنْ يَتَّقِ اللهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجًا ﴾ [الطَّلاق:2] وفي الآية الأخرى ﴿ وَمَنْ يَتَّقِ اللهَ يَجْعَلْ لَهُ مِنْ أَمْرِهِ يُسْرًا ﴾ [الطَّلاق:4] .


الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
 
من سنن الله تعالى في خلقه (4) ﴿ إِنَّ مَعَ العُسْرِ يُسْرًا ﴾
الرجوع الى أعلى الصفحة 
صفحة 1 من اصل 1
 مواضيع مماثلة
-
»  من سنن الله تعالى في خلقه (2)
»  سر الله تعالى في خلقه
»  من سنن الله تعالى في خلقه (3)
» من سنن الله تعالى في خلقه (1) تقلبهم من حال إلى حال
» جزاء معاداة أولياء الله تعالى و أفضل ما يتقرب به إلى الله تعالى

صلاحيات هذا المنتدى:لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى
اسلام ويب :: ۩✖ منتدي الاسلاميات العامه ۩✖ :: مقــــالات اســــلاميه :: خطب مقـــرؤه-
انتقل الى: