السؤالالسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.لقد
تعرَّفت على فتاةٍ زميلة لي في العمل، وأحببتُها من كلِّ قلبي، وتقدَّمت
إلى أهلها، وارتبَطْنا بخطوبة، أعجبني في هذه الفتاة حُسن أخلاقها،
وتديُّنها، وكونها فتاةً محافظة إلى حدٍّ كبير - كما بَدَتْ لي في البداية -
فهي مُتحفِّظة كثيرًا، لا تتكلَّم في المكتب إلا قليلاً، ولا تمزح مع
أحدٍ، ويبدو عليها التديُّن والالتزام الشديد، بعد ارتِباطنا ببعض عرَفتُ
أنها مضيفة زملاء لنا في العمل من الجنسيَّة الهنديَّة - هندوس ونصارى -
عندها في (الفيس بوك)، انزَعجتُ لهذا الأمر، وفُوجِئت أنها تفعلُ ذلك، وهي
فتاةٌ مُتديِّنة مُلتزِمة، لكنَّني لم أُخبِرْها بانزِعاجي.أيضًا
اكتشفت - فيما بعدُ - أنَّ لديها بريدًا آخَر أخفَتْه عنِّي غير البريد
الذي نتواصَلُ عليه أنا وهي، هذا البريد المخفيُّ عنِّي عرفتُ أنها مضيفةٌ
فيه على (الماسنجر) عندها الزملاء الهنود، وربما أيضًا أشخاصًا آخَرين لا
أعرفهم.الأسوأ
من ذلك أنَّني مع الأيَّام بدَأتُ أُلاحظ أنَّ هناك علاقةً مميزة أو
خاصَّة جِدًّا تربطها بواحدٍ من الزُّمَلاء الهنود (نصراني) كنتُ أُلاحظهما
من بعيدٍ دُون أنْ يَشعُرا بي، وكنت ألاحظ أنَّه كلَّما تَقابَلا تكون
لقاءاتهما مفعمة بالودِّ، والابتسامات، والنظرات الحانية بشكلٍ زائد وغير
طبعي، وخُصوصًا من ناحيتها، وتهتمُّ به - بشكلٍ خاص ولافت للنظر - على عكس
تعامُلها الرسمي مع بقيَّة الزملاء في العمل، ومعي أنا أيضًا، فكلَّما
مرَرتُ بمكتبها، أو رأيتُها في العمل، تقابلُني دائمًا بوجهٍ عابس، مشدود،
وغضبان، ولا تبتسمُ لي أبدًا، وتتعامَلُ معي بشكلٍ جافٍّ جدًّا، ورسميٍّ
جدًّا، بل إنها ترفضُ حتى مجرَّد النظَر إلى وجهي، وكأنها تشعُر بالضِّيق
عندما تراني، كنت أقول: ربَّما يكون هذا شيئًا طبعيًّا، وتصرُّفًا طبعيًّا
منها؛ فهي فتاةٌ مُتديِّنة ومُلتزِمة ومحافظة، ولا تريد أنْ تبتسمَ لي
بالمكتب، أو تُعامِلني بنوعٍ من الودِّ، لكنَّني فُوجِئتُ وصُدِمت عندما
رأيتُها على غير ذلك الحال مع الزميل الهندي هذا؛ فهي تكونُ معه في غاية
الودِّ، والانبساط، والاسترسال، والفرحة - وهي تكلمُه - والابتسامات مشرقة
على وجهِها، وعيونُها تشعُّ بالحب والحنان له.بدأتُ
أُراقبهما بشكلٍ دائم، وكنت أتابعُ الزميل الهندي، وأراه عندما يأتي إلى
مكتبها، وهي تكونُ في قمَّة اللهفة والسعادة والفرح والانبساط، وتكون
مِثْلَ الطفل الصغير، عندما يرى أمَّه من شدَّة الفرحة، بل تقابلُه بلهفةٍ
وترحابٍ غير عادي، وتنهضُ من مكتبها، وتقتربُ منه، وتحاول أنْ تعمل له أيَّ
شيء هو يريدُه، وتنجز إجراءاته بسرعةٍ، بطريقةٍ لا تتعامَلُ بها مع أيِّ
أحدٍ من الموظَّفين الآخَرين، وإذا مَرَّ من بعيدٍ تبتسمُ له، وتنظرُ إليه
بنظراتٍ حانية جدًّا.لم
أستطعْ أن أتحمَّل هذا الوضع المؤلم بالنسبة لي، ففاتحتُها بالموضوع،
وواجهتُها بكلِّ ما رأيت، لم تستطعْ هي أنْ تنكر، وقالت: صحيحٌ أنا
أعامِلَه بشكلٍ خاص، لكن قالت لي: أنا أعاملُه مثل أخي؛ لأنَّه طيِّب،
ووحيد، وليس له أهلٌ هنا، وما جرحني قطُّ، ولا آذاني.أتساءل: هل الدِّين يمنعُها أن تتعامل معي بوُدٍّ وهي خطيبتي، ويسمح لها أنْ تُعطِي كلَّ هذا الحبِّ والحنان للهندي؟وعندما
اشتدَّ النِّقاش بيني وبينها، طلبتُ منها أنْ تقطع علاقتها معه، وأنْ
تحذفَه من صداقة (الفيس بوك)، لكنَّها رفضَتْ، وبعد إلحاحٍ منِّي وتهديدٍ،
قالت: أعطِنِي مهلةً لأبعد عنه شيئًا فشيئًا لأني خائفةٌ على مَشاعِره.راعَتْ
مشاعرَه هو، ولم تُراعِ مشاعري أنا للأسف، وقدرًا وقَعتْ في يدي بعضُ
المراسلات بينها وبينه، منها بطاقة تهنِّئُه بها في عيد ميلاده، أرسلتْها
هي له قائلةً: "أنا عندي كم ... في الدنيا! واحد بس".طبعًا
باسمه، وأيضًا أرسلتْ له فيديو اسمه (قصة حب) من (اليوتيوب)، وفيه اثنان
يحتضنان، وبينهما الكثير من التواصُل على المستوى الشخصي، للأسف!ولأنَّني
أحبُّها وأنوي الصَّفحَ عنها وبدء صفحةٍ جديدة معها، طلبت منها الاعتذارَ
وطلبَ العفوِ عمَّا قامت به من الأفعال غير اللائقة مع هذا الهندي، إلا
أنها - للأسَف - رفضَتْ الاعتذار بشدَّةٍ، وما زالت ترفُض الاعتذار، وقالت:
يكفي أنَّني قد قطعتُ علاقتي معه، أمَّا الاعتذار فلن أعتذرَ أبدًا.الآن أنا
أعيش في جحيمٍ وعذاب لا ينتَهِي، ولا أستطيع أنْ أنسى مُعامَلتها القاسية
لي، وتعامُلها بكلِّ الودِّ والحب والحنان للهندي، واهتِمامها به، وكأنَّه
هو خطيبُها، وليس أنا، وابتساماتها الرَّقيقة عندما تُقابله، ونظراتها
الرومانسيَّة له عندما تَراه، أو يمرُّ من أمامِها، فقرَّرتُ أنْ أنهي
العلاقة وأفسخ الخِطبة، ولكنَّني أخافُ أنْ أكون ظالمًا لها. فماذا أفعل؟ أرجوكم انصحوني. الجوابالحمدُ للهِ، والصلاةُ والسلامُ على رسولِ اللهِ، وعلى آلِهِ وصحبِهِ ومن والاهُ، أمَّا بعدُ:ذكَّرتْني رسالتُك الطويلةُ -
أخي الكريم - بالحديث الضعيف: ((حبُّك الشيءَ يُعمِي ويُصِمُّ))، وبالمَثَل
الدارج: "عينُ الهَوَى لا تُصدِّق"، "إنَّ الهَوَى شَرِيكُ العَمَى"؛
فالمُحِبُّ كثيرًا ما يعشَق غير النِّهاية في الجمال، ولا الغاية في
الكمال، ولا الموصوف بالبراعة والرَّشاقة، إنْ سُئِلَ عن حجَّته في ذلك لم
تقُمْ له حجَّةٌ، وصدَق أبو بكرٍ الخطيب؛
إذ يقول:
حُكْمُ الهَوَى يَتْرُكُ الأَلْبَابَ حَائِرَةً وَيُورِثُ الصَّبَّ طُولَ السُّقْمِ وَالعِلَلِ
وَحُبُّكَ الشَّيْءَ يُعْمِي عَنْ مَقَابِحِهِ وَيَمْنَعُ الأُذْنَ أَنْ تُصْغِي إِلَى العَذَلِ
لاَ أَسْمَعُ العَذْلَ فِي تَرْكِ الصِّبَا أَبَدًا جُهْدِي فَمَا ذَاكَ مِنْ هَمِّي وَلا شُغُلِي
مَنِ ادَّعَى الحُبَّ لَمْ تَظْهَرْ دَلائِلُهُ فَحُبُّهُ كَذِبٌ قَوْلٌ بِلا عَمَلِ
|
وقال آخَر:
خَرَجْتُ غَدَاةَ النَّحْرِ أَعْتَرِضُ الدُّمَى فَلَمْ أَرَ أَحْلَى مِنْكِ فِي العَيْنِ وَالقَلْبِ
فَوَاللهِ مَا أَدْرِي أَحُسْنٌ رُزِقْتِهِ أَمِ الحُبُّ يُعْمِي مِثْلَمَا قِيلَ فِي الحُبِّ
|
وهذا أمرٌ أنتَ فيه معذورٌ؛ فحبُّك للشيء يُعميك عن مَساوِيه، ويُصِمُّك عن استماع العذْل فيه؛ كما قال الإمام الشافعي:
وَعَيْنُ الرِّضَا عَنْ كُلَّ عَيْبٍ كَلِيلَةٌ وَلَكِنَّ عَيْنَ السُّخْطِ تُبْدِي المَسَاوِيَا
|
ولكن تذكَّرْ أنَّه قال في الأبيات التي تليه مباشرة:
وَلَسْتُ بِهَيَّابٍ لِمَنْ لا يَهَابُنِي وَلَسْتُ أَرَى لِلمَرْءِ مَا لا يَرَى لِيَا
فَإِنْ تَدْنُ مِنِّي تَدْنُ مِنْكَ مَوَدَّتِي وَإِنْ تَنْأَ عَنِّي تَلْقَنِي عَنْكَ نَائِيَا
كِلاَنَا غَنِيٌّ عَنْ أَخِيهِ حَيَاتَهُ وَنَحْنُ إِذَا مِتْنَا أَشَدُّ تَغَانِيَا
|
ولهذا؛ فالذي ينفعُ في مثل
قضيَّتِك تلك وفيما يستجدُّ في حياتك هو الحبُّ العقليُّ، وليس الحبَّ
القلبي، ولعلَّك وصلتَ لقناعتِك بترْك تلك الفتاةِ المُهَرِّجة، والتي لا
يُقِرُّ ما تفعلُه دينٌ صحيحٌ، ولا عقلٌ صريحٌ، ولا أعرافُنا وشِيَمُنا
العربيةُ التي تأبى لأعراضِنا ونسائِنا أنْ تختلطَ بالأجانب المسلمين،
فضلاً عن أنْ تختلطَ بعُلُوج النصارى، فإنْ نازَعَك قلبٌ أو ضَعْفٌ، فَسَلْ
نفسَك بأبيات الشافعي - رحمه الله -
إذ يقول:
إِذَا المَرْءُ لا يَرْعَاكَ إِلاَّ تَكَلُّفًا فَدَعْهُ وَلا تُكْثِرْ عَلَيْهِ التَّأَسُّفَا
فَفِي النَّاسِ أبْدَالٌ وَفِي التَّرْكِ رَاحَةٌ وَفِي القَلْبِ صَبْرٌ لِلحَبِيبِ وَلَوْ جَفَا
فَمَا كُلُّ مَنْ تَهْوَاهُ يَهْوَاكَ قَلْبُهُ وَلا كُلُّ مَنْ صَافَيْتَهُ لَكَ قَدْ صَفَا
إِذَا لَمْ يَكُنْ صَفْوُ الوِدَادِ طَبِيعَةً فَلا خَيْرَ فِي وُدٍّ يَجِيءُ تَكَلُّفَا
وَلا خَيْرَ فِي خِلٍّ يَخُونُ خَلِيلَهُ وَيَلْقَاهُ مِنْ بَعْدِ المَوَدَّةِ بِالجَفَا
وَيُنْكِرُ عَيْشًا قَدْ تَقَادَمَ عَهْدُهُ وَيُظْهِرُ سِرًّا كَانَ بِالأَمْسِ قَدْ خَفَا
سَلامٌ عَلَى الدُّنْيَا إذا لَمْ يَكُنْ بِهَا صَدِيقٌ صَدُوقٌ صَادِقُ الوُدِّ مُنْصِفَا
|
هذا؛ وفسْخ خِطبتِك بتلك
الفتاةِ جائزٌ، ولا ظُلْمَ فيه؛ لأنَّ الخِطبة وعدٌ غير مُلزِمٌ للزواج عند
عامَّة العلماء؛ فيحقُّ لكلِّ واحدٍ منهما العُدُولُ عنها متى شاء، وهذا
لصالِحِكَ وصالح فتاتِك؛ لأنَّ إتمامَ الزواج على الرغم ممَّا ذكرتَه
عواقبُهُ وخيمةٌ على حياتكما المستقبليَّة؛ لأنَّ تساهُل خطيبتِكَ بما
ذكرتَه من الحديث مع رجلٍ نصرانيٍّ أجنبيٍّ عنها، تَعَدٍّ لحُدُود الله -
تعالى - وغيرُ ذلك ممَّا سطَّرتَهُ سيَظَلُّ يُؤرِّقُك في المستقبل
بمعاونةِ النفسِ والشيطانِ؛ فيُحيل حياتَكما جحيمًا، فابحثْ عن زوجةٍ
مُتديِّنةٍ تديُّنًا حقيقيًّا، لا تختلطُ بالرجال، ولا تُراسِلهم على
البريد الإلكتروني، ولا تُهنِّئُهم بأعياد ميلادهم، ولا تُبادِلهم النظراتِ
الدافئةَ الحانيةَ، وتَذَكَّرْ أنَّ الإيمانَ قولٌ وعملٌ، وإذا صَلَحَ
القلبُ، صَلَحَتِ الأعمالُ، واظفَرْ بذاتِ الدِّينِ؛ كما أَمَرَ الصادقُ
المصدوقُ - صلَّى الله عليه وسلَّم - وحَثَّ عليه؛ فهو نهايةُ البُغية،
وغاية المطلوب.