اسلام ويب
هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.



 
الرئيسيةأحدث الصورالتسجيلدخول

من فقه الدعاء يقول سيدنا عمر بن الخطاب - رضي الله عنه -: "أنا لا أحمل همَّ الإجابة، وإنما أحمل همَّّ الدعاء، فإذا أُلهمت الدعاء كانت الإجابة معه". وهذا فهم عميق أصيل ، فليس كل دعاء مجابًا، فمن الناس من يدعو على الآخرين طالبًا إنزال الأذى بهم ؛ لأنهم ينافسونه في تجارة ، أو لأن رزقهم أوسع منه ، وكل دعاء من هذا القبيل ، مردود على صاحبه لأنه باطل وعدوان على الآخرين. والدعاء مخ العبادة ، وقمة الإيمان ، وسرّ المناجاة بين العبد وربه ، والدعاء سهم من سهام الله ، ودعاء السحر سهام القدر، فإذا انطلق من قلوب ناظرة إلى ربها ، راغبة فيما عنده ، لم يكن لها دون عرش الله مكان. جلس عمر بن الخطاب يومًا على كومة من الرمل ، بعد أن أجهده السعي والطواف على الرعية ، والنظر في مصالح المسلمين ، ثم اتجه إلى الله وقال: "اللهم قد كبرت سني ، ووهنت قوتي ، وفشت رعيتي ، فاقبضني إليك غير مضيع ولا مفتون ، واكتب لي الشهادة في سبيلك ، والموت في بلد رسولك". انظر إلى هذا الدعاء ، أي طلب من الدنيا طلبه عمر، وأي شهوة من شهوات الدنيا في هذا الدعاء ، إنها الهمم العالية ، والنفوس الكبيرة ، لا تتعلق أبدًا بشيء من عرض هذه الحياة ، وصعد هذا الدعاء من قلب رجل يسوس الشرق والغرب ، ويخطب وده الجميع ، حتى قال فيه القائل: يا من رأى عمرًا تكسوه بردته ** والزيت أدم له والكوخ مأواه يهتز كسرى على كرسيه فرقًا ** من بأسه وملوك الروم تخشاه ماذا يرجو عمر من الله في دعائه ؟ إنه يشكو إليه ضعف قوته ، وثقل الواجبات والأعباء ، ويدعو ربه أن يحفظه من الفتن ، والتقصير في حق الأمة ، ثم يتطلع إلى منزلة الشهادة في سبيله ، والموت في بلد رسوله ، فما أجمل هذه الغاية ، وما أعظم هذه العاطفة التي تمتلئ حبًا وحنينًا إلى رسول الله - صل الله عليهلم -: (أن يكون مثواه بجواره). يقول معاذ بن جبل - رضي الله عنه -: "يا بن آدم أنت محتاج إلى نصيبك من الدنيا ، وأنت إلى نصيبك من الآخرة أحوج ، فإن بدأت بنصيبك من الآخرة ، مرّ بنصيبك من الدنيا فانتظمها انتظامًا ، وإن بدأت بنصيبك من الدنيا ، فائت نصيبك من الآخرة ، وأنت من الدنيا على خطر). وروى الترمذي بسنده عن النبي - صل الله عليهلم -: أنه قال: ((من أصبح والآخرة أكبر همه جمع الله له شمله ، وجعل غناه في قلبه ، وأتته الدنيا وهي راغمة ، ومن أصبح والدنيا أكبر همه فرَّق الله عليه ضيعته ، وجعل فقره بين عينيه ولم يأته من الدنيا إلا ما كُتب له)). وأخيرًا .. أرأيت كيف أُلهم عمر الدعاء وكانت الإجابة معه ، وصدق الله العظيم إذ يقول: (وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ فَلْيَسْتَجِيبُوا لِي وَلْيُؤْمِنُوا بِي لَعَلَّهُمْ يَرْشُدُونَ) (186)" (البقرة:186).


إرسال موضوع جديد   إرسال مساهمة في موضوع
 

  آلام المسيح الحقيقية

اذهب الى الأسفل 
كاتب الموضوعرسالة


avatar


نقــاط : 100165
 آلام المسيح الحقيقية Oooo14
 آلام المسيح الحقيقية User_o10

 آلام المسيح الحقيقية Empty
مُساهمةموضوع: آلام المسيح الحقيقية    آلام المسيح الحقيقية Emptyالخميس 18 أكتوبر 2012 - 5:30

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، أما بعد؛
فإن آلامًا عظمى تحملها السيد المسيح، كغيره من أولي العزم من الأنبياء، فمن كان يحمل هم أمة تكون مهامه كبيرة وشاقة، وتكون آلامه –أيضًا- كبيرة وشاقة؛ وعلى قدر أهل العزم تأتي العزائم.
وبسبب ما يلاقيه أولئك الأكابر من جهل وعنت وإساءة تكون معاناتهم وبلاؤهم، وأول ما يعانيه الأنبياء هو: إصرارهم على دعوتهم، مع غفلة الناس عنهم، وحماقتهم في الرفض والتجاهل والكفر، ثم تتوالى المعاناة وتتنوع بحسب طبائع الناس وتنوع الأحداث.
فالحق عند الأنبياء واضح أبلج، ومصائر الكافرين والمكذبين لا تغيب عن أذهانهم، فكأنهم ينظرون إلى أهل التصديق، وقد نعموا في الجنة وما فيها من خير، وكأنهم يأسون لأهل الكفر وهم يعذبون في النار، ويستغيثون ويندمون ويعضون أصابعهم قائلين: (يَا لَيْتَنَا أَطَعْنَا اللَّهَ وَأَطَعْنَا الرَّسُولا) (الأحزاب:66).
فتمتلئ قلوبهم غمًّا وحسرة على غفلة البشر عن ذلك المصير، وعن شدة الحساب، وعظم السؤال، وثقل المسئولية.
وقد عبر القرآن عن تلك الحالة النفسية للأنبياء، فقال عن محمد -صلى الله عليه وسلم-: (فَلَعَلَّكَ بَاخِعٌ نَفْسَكَ عَلَى آثَارِهِمْ إِنْ لَمْ يُؤْمِنُوا بِهَذَا الْحَدِيثِ أَسَفًا) (الكهف:6)، وقال -تعالى-: (لَعَلَّكَ بَاخِعٌ نَفْسَكَ أَلا يَكُونُوا مُؤْمِنِينَ) (الشعراء:3).
وكذا بلغت معاناة موسى -عليه السلام- من عنت بني إسرائيل -من متبعيه فضلاً عن مخالفيه- فقال: (قَالَ رَبِّ إِنِّي لا أَمْلِكُ إِلا نَفْسِي وَأَخِي فَافْرُقْ بَيْنَنَا وَبَيْنَ الْقَوْمِ الْفَاسِقِينَ) (المائدة:25)، يريد بذلك: المتعنتين من قومه الذين أسلموا معه، لذا؛ فقد كان النبي محمد -صلى الله عليه وسلم- يقتدي به في صبره على من معه، ففي "الصحيحين" عن ابن مسعود -رضي الله عنه- قال: (قسم رسول الله -صلى الله عليه وسلم- مرة مالاً، فقال بعض الأعراب من المسلمين: "هذه قسمة ما أريد بها وجه الله"، فأخبر رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فاحمرت وجنتاه ثم قال : (يَرْحَمُ اللَّهُ مُوسَى، لَقَدْ أُوذِيَ بِأَكْثَرَ مِنْ هَذَا فَصَبَرَ) (رواه البخاري).
أما المسيح -عليه السلام- فإنه –أيضًا- عانى من ذلك التكذيب والأذى، قال -تعالى-: (فَلَمَّا أَحَسَّ عِيسَى مِنْهُمُ الْكُفْرَ قَالَ مَنْ أَنْصَارِي إِلَى اللَّهِ قَالَ الْحَوَارِيُّونَ نَحْنُ أَنْصَارُ اللَّهِ آمَنَّا بِاللَّهِ وَاشْهَدْ بِأَنَّا مُسْلِمُونَ) (آل عمران:52)، ومع ذلك لم يسلم من المعاناة حتى من متبعيه الذين طالبوه –أحيانًا- بما يشف عن مدى العنت الذي عاناه -عليه السلام-، قال -تعالى-: (إِذْ قَالَ الْحَوَارِيُّونَ يَا عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ هَلْ يَسْتَطِيعُ رَبُّكَ أَنْ يُنَزِّلَ عَلَيْنَا مَائِدَةً مِنَ السَّمَاءِ قَالَ اتَّقُوا اللَّهَ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ) (المائدة:112).
سبحان الله (هَلْ يَسْتَطِيعُ رَبُّكَ)؟، وكأنهم لا يؤمنون بالله -تعالى- ولا بقدرته، بل ويسيئون الأدب مع النبي بنسبة الرب إليه، فلم يقولوا: ربنا، بل قالوا: ربك، وكأنهم لا ينتمون إليه... وكل ذلك يبرز فضيلة أصحاب محمد -صلى الله عليه وسلم- الذين صبروا، وثبتوا، وجاهدوا.
وأنا هنا أفصل فيما يتعلق بمعاناة المسيح -عليه السلام-؛ لأن بعض الناس يغريه أن يشاهد فيلمًا أو يقرأ قصة عن آلام المسيح، وقد ينال ذلك إعجاب بعض الناس، لاسيما وهو يحيي العداء لليهود، مما يدفع الناس إلى التعاطف مع الفكرة، ويغفلوا عن معانٍ أخرى تناقض عقيدتنا تتسرب من خلال الفيلم، فأقول:
1- عانى المسيح -عليه السلام- من محاولات قتله من اليهود قتلة الأنبياء وقتلة أهل الخير -قديمًا وحديثًا-، قال -تعالى-: (وَإِذْ قُلْتُمْ يَا مُوسَى لَنْ نَصْبِرَ عَلَى طَعَامٍ وَاحِدٍ فَادْعُ لَنَا رَبَّكَ يُخْرِجْ لَنَا مِمَّا تُنْبِتُ الأَرْضُ مِنْ بَقْلِهَا وَقِثَّائِهَا وَفُومِهَا وَعَدَسِهَا وَبَصَلِهَا قَالَ أَتَسْتَبْدِلُونَ الَّذِي هُوَ أَدْنَى بِالَّذِي هُوَ خَيْرٌ اهْبِطُوا مِصْراً فَإِنَّ لَكُمْ مَا سَأَلْتُمْ وَضُرِبَتْ عَلَيْهِمُ الذِّلَّةُ وَالْمَسْكَنَةُ وَبَاءُوا بِغَضَبٍ مِنَ اللَّهِ ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ كَانُوا يَكْفُرُونَ بآيَاتِ اللَّهِ وَيَقْتُلُونَ النَّبِيِّينَ بِغَيْرِ الْحَقِّ ذَلِكَ بِمَا عَصَوْا وَكَانُوا يَعْتَدُونَ) (البقرة:61).
عن ابن مسعود -رضي الله عنه- قال: قال النبي -صلى الله عليه وسلم-: (بئس القوم قوم يقتلون الذين يأمرون بالقسط من الناس، بئس القوم قوم لا يأمرون بالمعروف ولا ينهون عن المنكر، بئس القوم قوم يمشي المؤمن بينهم بالتقية).
وروى أبو عبيدة بن الجراح أن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: (قَتَلَتْ بَنُو إِسْرَائِيلَ ثَلاَثَةً وَأَرْبَعِينَ نَبِيًّا مِنْ أَوَّلِ النَّهَارِ فِي سَاعَةٍ وَاحِدَةٍ، فَقَامَ مِائَةُ رَجُلٍ وَاثْنَا عَشَرَ رَجُلاً مِنْ عُبَّادِ بَنِي إِسْرَائِيلَ، فَأَمَرُوا مَنْ قَتَلَهُمْ بِالْمَعْرُوفِ وَنَهَوْهُمْ عَنِ الْمُنْكَرِ فَقُتِلُوا جَمِيعًا مِنْ آخِرِ النَّهَارِ فِي ذَلِكَ الْيَوْمِ، وَهُمُ الَّذِينَ ذَكَرَ اللَّهُ -عَزَّ وَجَلَّ-) (.
فقد قتلوا أنبياء كثر منهم: زكريا ويحيى -عليهما السلام، وتمالئوا على قتل عيسى، فباءوا بذنب ذلك، حتى وإن لم يمكنهم الله -تعالى- من تمام العمل؛ لأن الأعمال بالنيات، ولكل امرئ ما نوى، وكذلك تمالئوا على قتل نبينا محمد -صلى الله عليه وسلم- أكثر من مرة، فما كان الله -تعالى- ليسلطهم على أنبياء من أولي العزم.
قال -تعالى-: (وَقَوْلِهِمْ إِنَّا قَتَلْنَا الْمَسِيحَ عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ رَسُولَ اللَّهِ وَمَا قَتَلُوهُ وَمَا صَلَبُوهُ وَلَكِنْ شُبِّهَ لَهُمْ وَإِنَّ الَّذِينَ اخْتَلَفُوا فِيهِ لَفِي شَكٍّ مِنْهُ مَا لَهُمْ بِهِ مِنْ عِلْمٍ إِلا اتِّبَاعَ الظَّنِّ وَمَا قَتَلُوهُ يَقِينًا) (النساء:157).
فقد شُبه لهم ذلك الذي دل عليه، فقتلوه وهم يظنونه المسيح، ولم يمكنهم الله -تعالى- من نبيه.
وتلك قضية تبين مدى صدق رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، فلو كان دعيًّا مدعيًا فقد كان يسيرًا عليه -لما كان بينه وبين اليهود من حروب- أن يدعم تلك الفكرة فكرة الصلب، فلن يضر دعوته شيء أن تلصق باليهود تهمة قتله، بل يساعد ذلك على ضم معادين جدد لليهود وهم النصارى، ولن يضير ذلك التوحيد.
لكن الرسول مبلغ عن ربه ويقرر الحقائق... مع ما يعلمه الله -تعالى- من شر تلك العقيدة التي يضل بها الشيطان أتباع الصليب بالنفخ فيها بشبهاته وأذاه.
2- من آلام المسيح كذلك: اختلاف الناس فيه بين غالٍ وجافٍ، فمنهم: من آذاه بتكذيبه وإيذائه، ومنهم: من أساء إليه بنسبة الألوهية إليه، فخرجوا به عن طبيعته البشرية، وغالوا فيه.
وعقيدتنا: أنه نبي كغيره من الأنبياء، أكرمه الله بمعجزات، فإن قالوا: "جاء من غير أب"؛ قلنا: "وكذلك آدم جاء من غير أب ولا أم، وهو أول البشر؛ فهو أحق بالبنوة المزعومة من غيره".
ومن العجيب أنهم يدعون أنه جاء؛ ليخلص البشر من معصية آدم، ثم يبرءون اليهود الآن من دم المسيح؛ لأنه كان ينفذ إرادة الرب سبحان الله... ألم يكن آدم -أيضًا- ينفذ إرادة الرب عندما خرج من الجنة للأرض؟ ألم يتب الله عليه؛ فقربه، ولعن الشيطان، وإلا لتساوى هو والشيطان في الطرد من الرحمة؟!!
إن لم يكن الله -تعالى- عفا عنه بعد توبته فما السبب؟! أليس الله يقبل التوبة عن عباده... وإن كان عفا عنه فما الحاجة –إذن- لوجود مخلص آخر؟!
ثم ألم يكن الأنبياء من قبل عيسى يعلمون بوجوده، فلمَ لمْ يخبروا الناس عنه، ودعوهم إلى التوحيد فقط، أكان يسع الناس من قبل نزول عيسى أن يعبدوا إلهًا واحدًا، فلئن كان هذا يسع نوحًا وإبراهيم وموسى وأتباعهم؛ فإنه –كذلك- يسع الناس من بعدهم، وإلا لاحتاجوا إلى مخلص آخر؛ ليكفر تلك السيئة بعدما يكفر عنهم المسيح سيئة آدم، فإنه ينبغي عليه أن يعاود النزول؛ ليفدي الناس من معاصي غيره من الأنبياء، فيصلب فيستجير ويبكي كما فعل أول مرة.
يقول ابن القيم -رحمه الله-: "جعله النصارى مصفعة اليهود ومصلوبهم الذي يسخرون منه ويهزءون به، ثم عقدوا له تاجًا من الشوك بدل تاج الملك، وساقوه في حبل إلى خشبة الصلب، يصفقون حوله ويرقصون، فلا بتلك الأنفة له من عبودية الله، ولا بهذه النسبة له إلى أعظم الذل والضيق والقهر، وكذلك أنفوا أن يكون للبطريك والراهب زوجة أو ولد، وجعلوا لله رب العالمين الولد، وكذلك أنفوا أن يعبدوا الله وحده لا شريك له، ويطيعوا عبده ورسوله، ثم رضوا بعبادة الصليب، والصور المصنوعة بالأيدي في الحيطان، وطاعة كل من يحرم عليهم ما شاء، ويحلل لهم ما شاء، ويشرع لهم من الدين ما شاء من تلقاء نفسه... ".
فأي آلام تؤذي المسيح أكثر من هذا الغثاء؟!
وقد أخبر النبي -صلى الله عليه وسلم- عن ربه في الحديث الصحيح أنه قَالَ اللَّهُ -تَعَالَى-: (يَشْتِمُنِي ابْنُ آدَمَ وَمَا يَنْبَغِي لَهُ أَنْ يَشْتِمَنِي، وَيُكَذِّبُنِي وَمَا يَنْبَغِي لَهُ، أَمَّا شَتْمُهُ؛ فَقَوْلُهُ: إِنَّ لِي وَلَدًا، وَأَمَّا تَكْذِيبُهُ؛ فَقَوْلُهُ: لَيْسَ يُعِيدُنِي كَمَا بَدَأَنِي) (رواه البخاري).
فما ظن هذه الطائفة برب العالمين أن يفعله بهم إذا لقوه يوم تبيض وجوه وتسود وجوه ويسأل المسيح على رءوس الأشهاد -وهم يسمعون-: (أَأَنْتَ قُلْتَ لِلنَّاسِ اتَّخِذُونِي وَأُمِّيَ إِلَهَيْنِ مِنْ دُونِ اللَّهِ) فيقول المسيح مكذبًا لهم ومتبرئًا منهم: (سُبْحَانَكَ مَا يَكُونُ لِي أَنْ أَقُولَ مَا لَيْسَ لِي بِحَقٍّ إِنْ كُنْتُ قُلْتُهُ فَقَدْ عَلِمْتَهُ تَعْلَمُ مَا فِي نَفْسِي وَلا أَعْلَمُ مَا فِي نَفْسِكَ إِنَّكَ أَنْتَ عَلامُ الْغُيُوبِ . مَا قُلْتُ لَهُمْ إِلا مَا أَمَرْتَنِي بِهِ أَنِ اعْبُدُوا اللَّهَ رَبِّي وَرَبَّكُمْ وَكُنْتُ عَلَيْهِمْ شَهِيدًا مَا دُمْتُ فِيهِمْ فَلَمَّا تَوَفَّيْتَنِي كُنْتَ أَنْتَ الرَّقِيبَ عَلَيْهِمْ وَأَنْتَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ) (المائدة:116-117).
3- تحريفهم لكتاب الله -تعالى- الإنجيل حتى صارت التناقضات فيه والاختلافات بين نسخه محط سخرية الصغير والكبير، وكيف يكون في الإنجيل الذي أنزل على المسيح قصة صلبه، وما جرى له، وأنه أصابه كذا وكذا، وصلب يوم كذا وكذا، وأنه قام من القبر بعد ثلاث، وغير ذلك مما هو من كلام النصارى، وغايته أن يكون من كلام الحواريين، خلطوه بالإنجيل، وسموا الجميع: إنجيلاً، وكذلك كانت الأناجيل عندهم أربعة يخالف بعضها بعضًا، ومن بهتهم وكذبهم: قولهم: أن التوراة التي بأيديهم وأيدي اليهود والسامرة سواء، والنصارى مجمعون على أنها أربعة تواريخ ألفها أربعة رجال معروفون في أزمان مختلفة، ولا يعرفون الإنجيل غير هذا.
فإنجيل ألفه متى تلميذ المسيح بعد تسع سنين من رفع المسيح، وكتب بالعبرانية في بلد يهود بالشام، وإنجيل ألفه مرقس الهاروني تلميذ شمعون بعد ثلاث وعشرين سنة من رفع المسيح، وكتبه باليونانية في بلاد "أنطاكية" من بلاد الروم، ويقولون: إن شمعون المذكور هو من ألفه ثم محى اسمه من أوله، ونسب إلى تلميذه مرقس، وإنجيل ألفه لوقا الطبيب الإنطاكي تلميذ شمعون بعد تأليف مرقس، وإنجيل ألفه يوحنا تلميذ المسيح بعد ما رفع المسيح ببضع وستين سنة كتبه باليونانية.
وكل واحد من هذه الأربعة يسمونه: "الإنجيل"، وبينها من التفاوت والزيادة والنقصان ما يعلمه الواقف عليها، فدعوى الكاذب الباهت أن نُسَخ التوراة والإنجيل متفقة شرقًا وغربًا، بُعدًا وقـُربًا من أعظم الفرية، وقد وبَّخهم الله -سبحانه- وبكَّتهم على لسان رسوله بالتحريف والكتمان والإخفاء، فقال -تعالى-: (يَا أَهْلَ الْكِتَابِ لِمَ تَلْبِسُونَ الْحَقَّ بِالْبَاطِلِ وَتَكْتُمُونَ الْحَقَّ وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ) (آل عمران:71).

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، أما بعد؛
فقد تكلمنا في المرة الماضية عن بعض الآلام التي تحملها السيد المسيح كغيره من أولي العزم من الأنبياء، وقلنا: إن أولي العزم من الرسل نالهم من الأذى والشدائد والتعب والحزن ما يتناسب مع عظم المسئولية الملقاة على عواتقهم.
ثم أشرت -في المقالة السابقة- إلى نقاط ثلاث مَثَّلت أكبر الشدائد التي تحملها المسيح -عليه السلام-:
أولها: ما عاناه المسيح -عليه السلام- من محاولات قتله من اليهود قتلة الأنبياء، قال -تعالى-: (وَقَوْلِهِمْ إِنَّا قَتَلْنَا الْمَسِيحَ عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ رَسُولَ اللَّهِ وَمَا قَتَلُوهُ وَمَا صَلَبُوهُ وَلَكِنْ شُبِّهَ لَهُمْ وَإِنَّ الَّذِينَ اخْتَلَفُوا فِيهِ لَفِي شَكٍّ مِنْهُ مَا لَهُمْ بِهِ مِنْ عِلْمٍ إِلا اتِّبَاعَ الظَّنِّ وَمَا قَتَلُوهُ يَقِينًا) (النساء:157).
فقد شُبِّه لهم ذلك الذي دل عليه فقتلوه وهم يظنونه المسيح.. ولم يمكـِّنهم الله -تعالى- من نبيه.
وكذلك فصلنا في النقطة التالية: وهي اختلاف الناس فيه بين غالٍ وجافٍ، فمنهم من آذاه بتكذيبه وإيذائه، ومنهم من أساء إليه بنسبة الألوهية إليه، وتلك نقطة لم تحدث لنبي من قبله؛ فقد كانوا يعانون العنت من مخالفيهم فقط، وقد رددنا على شبهاتهم في المقالة السابقة.
ثم تحدثت أخيرًا عن تحريفهم لكتاب الله -تعالى- الإنجيل، حتى صارت التناقضات فيه والاختلافات بين نسخه محطّ سخرية الصغير والكبير، وفصَّلتُ ذلك -بحمد الله-.
ونستطرد في محاورتنا فنقول:
4- من تلك الآلام التي ينوء بها كاهل النصرانية: مخالفتهم لتفاصيل الشريعة وابتداعهم فيها، ثم كذلك قيام مُدَّعُو المسيحية بفرض رؤاهم وبدعهم وعقائدهم بالقوة، وإلحاق الأذى بالآخرين سواءً باسم المسيح، أو بدوافع أخرى، وفي كلٍ مخالفة لأوامره -عليه السلام-.
ونفصل فنقول: إن النصارى مخالفون للمسيح في كل فروع دينهم –أيضًا- في الطهارة، والصلاة، والصوم، وأكل الخنزير، وتعليق الصليب، فهم مخالفون للمسيح في جميعها، وأكثر ذلك بشهادتهم وإقرارهم، ولكن يحيلون على البطاركة والأساقفة.
فإن المسيح -صلوات الله وسلامه عليه- كان يتديـَّن بالطهارة، ويغتسل من الجنابة، ويوجب غسل الحائض، وطوائف النصارى عندهم أن ذلك كله غير واجب، وأن الإنسان تصيبه الجنابة ويبول ويتغوط، ولا يمس ماءً ولا يستجمر، ويصلي كذلك وصلاته صحيحة تامة، ولو تغوط وبال وهو يصلي؛ لم يضره!!
يقول ابن القيم في "هداية الحيارى": "ويقولون: إن الصلاة بالجنابة والبول والغائط أفضل من الصلاة بالطهارة؛ لأنها –حينئذ- أبعد من صلاة المسلمين واليهود، والقرب إلى مخالفة الأمتين. ويستفتح الصلاة بالتصليب بين عينيه، وهذه الصلاة رب العالمين بريء منها، وكذلك المسيح وسائر النبيين؛ فإن هذه بالاستهزاء أشبه منها بالعبادة، وحاش المسيح أن تكون هذه صلاته أو صلاة أحد من الحواريين.
كان المسيح يقرأ في صلاته ما كان الأنبياء وبنو إسرائيل يقرءونه في صلاتهم من التوراة والزبور، وطوائف النصارى إنما يقرءون في صلاتهم كلامًا قد لحنه لهم الذين يتقدمون ويصلون بهم يجري مجرى النوح والأغاني، فيقولون: هذا قـُدَّاس فلان، وهذا قـُدَّاس فلان، ينسبونه إلى الذين وضعوه، وهم يصلون إلى الشرق، وما صلى المسيح إلى الشرق قط، وما صلى إلى أن رفعه الله إلا إلى بيت المقدس، وهي قبلة داود والأنبياء قبله، وقبلة بني إسرائيل.
والمسيح اختتن وأوجب الختان، كما أوجبه موسى وهارون والأنبياء قبل المسيح، والمسيح حرم الخنزير، ولعن آكله، وبالغ في ذمه، والنصارى تقر بذلك، ولقي الله ولم يطعم من لحمه بوزن شعيرة، والنصارى تتقرب إليه بأكله. والمسيح ما شرع لهم هذا الصوم الذي يصومونه قط، ولا صامه في عمره مرة واحدة، ولا أحد من أصحابه، ولا اتخذ الأحد عيدًا قط، والنصارى تقر أنه رقى مريم المجدلية، فأخرج منها سبع شياطين، وأن الشياطين قالت له: أين نأوي؟ فقال لها: "اسلكي هذه الدابة النجسة –يعني: الخنزير-". فهذه حكاية النصارى عنه، وهم يزعمون أن الخنزير من أطهر الدواب وأجملها". اهـ.
5- ومن آلام المسيح -أيضًا-: ما فعل أتباعه من بعده سواء بقسوة بعضهم على بعض، أو بظلمهم للآخرين من غيرهم. وهذه إشكالية كبرى تناقض تعاليم المسيح -عليه السلام- الذي يدعو إلى الرحمة والتسامح والمودة بين الناس، ومن تلك المذابح نقتبس شيئًا فنقول:
مجازر حدثت باسم الدين:
يقول المؤرخ "بريفولت": "إن عدد من قتلتهم المسيحية في انتشارها في أوربا يتراوح بين 7-15 مليونًا". ويلفت النظر إلى أن العدد هائل بالنسبة لعدد سكان أوربا حينذاك.
ولما تعددت الفرق المسيحية؛ استباحت كل من هذه الفرق الأخرى، وساموا أتباعها أشد العذاب، فعندما رفض أقباط مصر قرار مجمع "خليقدونية"؛ عذبهم الرومان في الكنائس، واستمرت المعاناة سنين طويلة، وأُحرق أخو الأسقف الأكبر "بنيامين" حيًّا، ثم رموه في البحر. فيما بقي الأسقف متواريًا لمدة سبع سنين، ولم يظهر إلا بعد استيلاء المسلمين على مصر ورحيل الرومان عنها.
وقريبًا من ذلك العنف كان في "فرنسا"، فقد فرض الملك "شارلمان" المسيحية بحد السيف على السكسون، وأباد الملك "كنوت" غير المسيحيين في "الدانمارك"، ومثله فعل الملك "أولاف" (995م) في "النرويج"، وجماعة من إخوان السيف في" بروسيا".
ويقول "غوستاف لوبون" في كتابه "حضارة العرب": "أكرهت مصر على انتحال النصرانية، ولكنها هبطت بذلك إلى حضيض الانحطاط الذي لم ينتشلها منه سوى الفتح العربي".
وكتب "ميخائيل" بطريرك أنطاكية: "إن رب الانتقام استقدم من المناطق الجنوبية أبناء إسماعيل؛ لينقذنا بواسطتهم من أيدي الرومانيين، ومن غضبهم وحفيظتهم علينا. هذا من جهة، ومن جهة أخرى سادت الطمأنينة بيننا". وقد قـُتل من القبط في الإسكندرية وحدها مائتا ألف قبطي.
وإليك ما ذكره المؤرخ "جيبون" عن مذبحة "القدس" التي رافقت دخول المسيحيين: "إن الصليبيين خـُدَّام الرب يوم استولوا على "بيت المقدس" في 15/7/1099م؛ أرادوا أن يكرموا الرب بذبح سبعين ألف مسلم، ولم يرحموا الشيوخ ولا الأطفال ولا النساء.. حطموا رءوس الصبيان على الجدران، وألقوا بالأطفال الرضع من سطوح المنازل، وشووا الرجال والنساء بالنار، وكان للمسلمين نصيب كبير من الاضطهاد الديني خاصة في "الأندلس" التي عانى مسلموها من محاكم التفتيش، حتى فر من استطاع الفرار إلى "المغرب".
ويكفي أن ننقل ما سطره "غوستاف لوبون" في كتابه: "حضارة العرب" حيث يقول عن محاكم التفتيش: "يستحيل علينا أن نقرأ دون أن ترتعد فرائصنا من قصص التعذيب والاضطهاد التي قام بها المسيحيون المنتصرون على المسلمين المنهزمين، فلقد عمدوهم عنوة، وسلموهم لدواوين التفتيش التي أحرقت منهم ما استطاعت من الجموع، واقترح القس "بيلدا": قطع رءوس كل العرب دون أي استثناء ممن لم يعتنقوا المسيحية بعد، بما في ذلك النساء والأطفال، وهكذا تم قتل أو طرد ثلاثة ملايين عربي".
وكان الراهب "بيلدا" قد قتل في قافلة واحدة للمهاجرين قرابة مائة ألف في كمائن نصبها مع أتباعه، وكان "بيلدا" قد طالب بقتل جميع العرب في "أسبانيا" بما فيهم المتنصرين، وحجته أن من المستحيل التفريق بين الصادقين والكاذبين، فرأى أن يقتلوا جميعًا بحد السيف، ثم يحكم الرب بينهم في الحياة الأخرى، فيدخل النار من لم يكن صادقًا منهم.
وقريبًا من هذه المذابح ما جرى بين المذاهب النصرانية، فقد أقام الكاثوليك مذابح كبيرة للبروتستانت منها: مذبحة "باريس" (1572م)، وقتل فيها وأثرها ألوف عدة، وسط احتفاء البابا ومباركته، ومثله صنع البروتستانت بالكاثوليك في عهد الملكة "أليصابات" حيث أصدرت بحقهم قوانين جائرة، وأعدمت 104من قسس الكاثوليك، ومات تسعون آخرون بالسجن، وهدمت كنائس الكاثوليك، وأخذت أموالهم.
وكانت الملكة تقول: "بأن أرواح الكفرة سوف تحرق في جهنم أبدًا، فليس هناك أكثر شرعية من تقليد الانتقام الإلهي بإحراقهم على الأرض".
وعليه؛ نستطيع القول بأن المسيحية يرتبط تاريخها بالسيف والقهر الذي طال حتى أتباع المسيحية، غير أن الاضطهاد المسيحي يتميز بقسوة ووحشية طالت النساء والأطفال ودور العبادة.
وقد جرت هذه الفظائع على يد الأباطرة بمباركة الكنسية ورجالاتها، وكانت الكنيسة قد سنت القوانين التي تدفع لمثل هذه المظالم وتأمر بقتل المخالفين، قال البابا "اينوشنسيوس الثالث" (ت1216م):" إن هذه القصاصات على الأراتقة "الهراقطة" نحن نأمر به كل الملوك والحكام، ونلزمهم إياه تحت القصاصات الكنائسية".
فتلك -إذن- آلام المسيح الحقيقية أن يساء إليه وإلى دعوته، وأن يتخذوه إلهًا من دون الله -تعالى-، وأن يتخذ دينه مطية؛ لإيذاء البشر واضطهادهم وقتلهم.


الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
 
آلام المسيح الحقيقية
الرجوع الى أعلى الصفحة 
صفحة 1 من اصل 1

صلاحيات هذا المنتدى:تستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى
اسلام ويب :: ۩✖ Known to the islam ۩✖ :: قسم الحــوار المسيحي-
إرسال موضوع جديد   إرسال مساهمة في موضوعانتقل الى: