بسم الله الرحمن الرحيم
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
سبحان الله وبحمده عدد خلقه ورضا نفسه وزنة عرشه ومداد كلماته
الحمدلله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أجمعين
اللهم اغفر لى ولوالدى وللمؤمنين والمؤمنات يوم يقوم الحساب
كل إنسان سوف يأخذ أجرته حسب تعبه
هناك فرق كبير بين العامل وغير العامل أو بين المجتهد والكسول فلا يمكن أن نتجاهل هذا التفاوت والاختلاف بين البشر بالإضافة إلى اعتبار المردود المترتب على هذا الاختلاف وكل ذلك لم يخرج او يشذ عن مفهوم ما قاله بولس أو السيد المسيح (كل انسان سوف يأخذ اجرته حسب تعبه) وما يقبله العقل ولا تنفر منه الفطر السليمة .
ولو تفقدنا أحوال المسيحيون الأوائل وبالتحديد من عاصروا المسيح ومن جاء بعدهم بأمد غير بعيد نجد أن هناك تفاوت واختلاف كبير يشمل كل صغيرة وكبيرة كالايمان وتقديم التضحيات وتحمل المعاناة و المشاق والصعاب والتعذيب والاضطهاد فى سبيل المعتقد فمثلا لو تكلمنا عن إيمان التلاميذ يقول الدكتور بهاء النحال فى كتابه تأملات فى الأناجيل والعقيدة
"أما عن إيمان هؤلاء التلاميذ فدعنا نستعرض أقوال المسيح عن ذلك ، يقول إنجيل متي (ثم تقدم التلاميذ إلى يسوع على انفراد وقالوا لماذا لم نقدر نحن أن نخرجه – شيطان فى جسد غلام – فال لهم يسوع لعدم إيمانكم) 17 : 19.
وفى مناسبة أخرى "فقال لهم ما بالكم خائفين يا قليلي الإيمان" متي 16 : 8 ووبخ المسيح تلاميذه قائلا "أيها الجيل غير المؤمن الملتوى ، إلى متى أكون معكم ، إلى متى احتملكم" متى 17 : 14 وكذلك (كيف لا إيمان لكم) مرقس صح 4 : 40 كما أن المسيح انتهر بطرس أحد هؤلاء التلاميذ قائلا له (اذهب عني يا شيطان لأنك لا تهتم بما لله لكن بما للناس) مرقس 8: 33.
ووبخه قائلا (يا قليل الإيمان لماذا شككت) متى 14: 31 وتذكر الأناجيل أن هذا البطرس قد تنكر لمعلمه السيد المسيح وأنكر معرفته ثلاث مرات. (فتفرست فيه وقالت وهذا كان معه فأنكره قائلا لست أعرفه يا امرأة) لوقا 22 : 56-57 وفى الليلة التي أراد فيها اليهود القاء القبض على المسيح وكان الحزن والاكتئاب والخوف يسيطرون عليه ، لم يشاركه التلاميذ أحزانه ولم يخففوا من حالته النفسية ، بل تركوه وحيدا يصلي داعيا الله أن يعبر به تلك الأزمة وينقذه من أيدي أعدائه ، وراحوا هم فى سبات عميق (ثم جاء إلي التلاميذ فوجدهم نياما فقال لبطرس أهكذا ما قدرتم أن تسهروا معي ساعة واحدة) متى 26 : 40 ورغم هذا التنبيه والتوبيخ لم يعروه التفاتا واستمروا فى نومهم (ثم جاء فوجدهم أيضا نياما) متى 26 : 43.
وعندما أقبل اليهود والجنود الرومانيون للإمساك بالمسيح (حينئذ تركه التلاميذ كلهم وهربوا) متى 46 : 56 حتى أن أحد التلاميذ عندما أمسكه الجنود من ردائه تركه لهم وهرب عاريا (فتركه الجميع وهربوا وتبعه شاب لابسا ازارا على عريه فأمسكه الشبان فترك الإزار وهرب منهم عريانا) مرقس 14 : 50.
هكذا تخلى التلاميذ عن معلمهم وفروا مذعورين كل يحاول النجاة بنفسه فصدق فيهم قوله:
(لماذا تفكرون فى أنفسكم يا قليلى الإيمان) متى 16 : 8.
وبالطبع لا أحد ينسى خيانة يهوذا الأسخريوطي أحد هؤلاء التلاميذ للمسيح مقابل القليل من الفضة (حينئذ ذهب واحد من الاثني عشر الذي يدعى يهوذا الاسخريوطي الى رؤساء الكهنة وقال ماذا تريدون أن تعطوني وأنا أسلمه إليكم: فجعلوا له ثلاثين من الفضة) متى 26 : 14 – 15.
اما لو تكلمنا عن المسيحين الاوائل ممن لم بعاصر المسيح نجد انهم بخلاف التلاميذ الذين لم يظهر منهم سوى الجبن الضعف و الخذلان والشك والريبة فقد تحملوا الكثير والكثير من الالم والاضطهاد مما لا يجعل هناك مجالا للمقارنة بينهم وبين التلاميذ .
يقول الدكتور حسين كفافى : كانت اساليب اضطهاد اليهود للمسيحين تتمثل فى ثلاثة اساليب :
اولا :
الاسلوب المباشر بالتعذيب والانتقام .
ثانيا :
اسلوب الوشاية لدى السلطات الرومانية لخلق الوقيعة بينهم وبين المسيحين .
ثالثا :
اسلوب الخداع لتحريف الفكر السليم .
وتمثلت فى محاولات دؤوبة لتحريف الاناجيل وخلق المذاهب المغرضة العديدة حتى تضرب من الداخل بعضها البعض بالنزاع والتشاجر بين اتباعها حيث اخذ اليهود يشككون فى اقوال الرسل ويؤكدون على نقاط الاختلاف فى اقوال الدعاة والتلاميذ والحواريون وتعميقها لخلق عوامل الفرقة وتاكيد عوامل الخلاف فتحدث عرقلة للدعوة والكرازة العالمية مثلما حدث فى صدر الاسلام عندما وضعوا بذور التشيح مما ادى الى خروج العديد من النحل والمذاهب التى تخرج عن الاسلام بدرجات متفاوته مثل البهائية والقاديانية والعلوية والاثنى عشرية وايضا مذاهب جديدة لتكفير المسلمين وبعد ذلك استطاع اليهود ان يزيدوا الفرقة المسيحية بخلق مذاهب غريبة مثل شهود يهوه والسبتين .. والماسونية والالحاد . [المسيحية والاسلام فى مصر – الدكتور حسين كفافى ص 26 , 37 , 38 مكتبة الاسرة]
ولوقرانا بعض من صفحات الاضطهاد الرومانى للمسيحين (انظر كتاب المسيحية والاسلام فى مصر – الدكتور حسين كفافى ,تاريخ الكنيسة القبطية – القس منسى يوحنا , الاستشهاد فى المسيحية – القمص شنودة السريانى ) سوف نجد جموع كبيرة من البشر لم ترى المسيح او احد تلاميذه الاثنى عشر قدمت الكثير من التضحيات وتحملت العظيم من الالم والمعاناة التى لا يمكن ان تقارن بما حدث للمسيح كما يعتقدون من صلب وقتل او بما بدا من التلاميذ من جبن وتخاذل و قلة ايمان الشىء الذى يجعلنا نسال ما هو مقابل كل هذه التضحيات التى حدثت من المؤمنين بالمسيح ولم يروه او يعاصروه ؟ وهل يمكن ان يتساووا بالتلاميذ الذين فروا تاركين المسيح عندما اتى جنود الرمان مع الكتبة والفرسيون
واذا كان التلاميذ هم اولى الناس بالخلاص على يد المسيح مع انهم لم يبدوا منهم الا الجبن الخذلان وضعف الايمان والخيانة وغلظة القلب والشك والريبة ... فما هو الحال فى شهداء المسيحية الذين بذلو الاجساد والارواح والنفوس وكل شىء بلا تردد او شك هل الحال هو الخلاص فيتساوى المجتهد مع الكسول وهل يقابل الرب الذى ضحى فى سبيله بكل شىء بنفس الشىء الذى سوف يقابل به من فر وهرب وتركه وحيدا ولم يكلف نفسه حتى ولو السهر ساعة لحراسته .
يقول بولس فى لحظة من لحظات تغافل الشيطان عنه : (( كل واحد سيأخذ أجرته حسب تعبه )) ( كورنثوس الأولى 3 : 8 ) ويقول ايضا: (( أن الله سيجازي كل واحد حسب أعماله )) ( رومية 2 : 6 ) وقال كذلك : (( الذي يخطى لا ينجو من دينونة الله )) ( رومية 2 : 3 ) ويكررالسيد المسيح عليه السلام كلام بولس فيقول : (( لأنك بكلامك تتبرر وبكلامك تدان )) ( متى 12 : 37 ) وقوله يدل على أن الإنسان يثاب أو يعاقب بسلوكه هو ، بدون ذكر اى اشارة الى خطيئة موروثة . ويقول ايضا : (( حينئذ يجازى كل واحد حسب عمله )) ( متى 16 : 27) المسيح نفسه يقرر أن كل إنسان سيجازى بحسب عمله. وهذا يناقض ايضا الخطيئة الموروثة والخلاص بالصلب . لأن النص يدل على أن الخلاص بالعمل وليس بالصلب . (( أبوك الذي يرى في الخفاء هو يجازيك علانية )) ( متى 6 : 4 ) إذاً هناك مجازاة وهذا يتناقض مع الخلاص الشامل الذي يتضمنه الخلاص بالصلب . فهناك حقيقة تقول بان البشر مختلفون عن بعضهم البعض فاذا كان هناك من ياخذ فهناك من يعطى واذا كان هناك من يسلب فهناك من يهب ويمنح وكلا منهما مسئول عن اختياره .
وعن ذلك يقول العقاد فى كتابه الفلسفة القرآنية :
"فالحياة تتمثل فى الوف الانواع والاجناس والفصائل , وكل نوع أو جنس أو فصيلة يتألف من احاد يعدون بالالوف والملايين , ولا يتشابهون فى الشكل ولا فى اللون ولا فى القوة والمزية , ومهما يقل القائلون عن اسباب ذلك فى الزمن القديم , فالحقيقة الماثلة امامنا إن التنوع سنة الحياة وغايتها , وانها تنزع الى تفاوت المزايا , ولا تنزع الى التشابه والتساوى فى مظاهرها الانسانية ولا فى مظاهرها الحيوانية ويوشك إن يعم ذلك فى عالم الجماد قبل عالم الحيوان أو الإنسان .
وبأقرار التفاوت اقر القرآن الكريم اصلح النظم التى تستقيم عليها حياة الفرد والجماعة , لان سنة الاختلاف بين الاحياء اعمق من حياة البشر واعمق من نظم الاجتماع , او نظم الاقتصاد .
وحكمة التفاوت ظاهرة , وافة التشابه والتساوى اظهر , لان الحياة تفتقر الى المزايا اذا قصرت حركتها على تكرير صورة واحدة فى كل فرد من الافراد , وجعلتهم كلهم نسخة واحدة لا فضل لبئة منهم على بيئة ولا لمجموعة منهم على مجموعة , ولكنها تزخر بالمزايا المتجددة وتستزيد من الملكات المتعددة , كما طرأ بينها التفاوت فى الصفات والتفاوت فى الانصبة وكان التفاوت بين احادها فضل يحرصون عليه , ويتطلعون الى بلوغه , والتقدم فيه"
. (راجع كتاب الفلسفة القرآنية – عباس محمود العقاد ص , 34 , 35 )
فلابد إن يكون هناك ما يحث الإنسان على التميز و التطلع الى المزيد والقول بالخلاص يدحض كل ذلك ويجمده و يلغيه وان حث فسوف يحث على الاتكال والتكاسل والمنافسة فى اقتراف الذنوب , فالى ماذا اذن يتطلع الإنسان ولماذا يبحث عن التميز بالاجتهاد والعمل أو البعد عن المعاصى والخلاص سوف يجعل النتيجة واحدة لكل البشر بغض النظر عن ما فعلوا أو اجتنبوا , وكيف تستقيم الحياة اذا حدث ذلك.
((ولا معنى للتفاوت اذا تساوى القادر والعاجز , وتساوى العامل والكسلان واصبح الكسلان يكسل ولا يخاف على وجوده , والعامل يعمل ولا يطمح الى رجحان , واطمأن المجردون من المزايا كأطمئنان الممتازين عليهم باشرف المزايا واعلاها . فان القدرة تكالفيها ثقيلة , واعباؤها جسيمة , ومطالبها كثيرة , والناس خلقاء إن يتهيبوا , وينكصوا عنها اذا لم يكن لهم وازع من الخوف ودافع من الطموح .
وان العاجزين الكسالى ليقعدهم العجز , ويطيب لهم الكسل إن لم يكن فيه ما يحذرونه ويخافون عقباه , وما هم بكسالى اذا كانوا يعملون وهم مستطيعون إن يتركوا العمل بغير خوف من عواقب تركه , أو كان العجز مأمونا فى كل حال , لا يصيبهم فى رزقهم و منزلتهم بما يقلق ويثير)) .
(الفلسفة القرآنية – محمود عباس العقاد ص35,34 )
واخيرا :
فالتفاوت موجود .
والتفاوت لازم .
ولكن لا لزوم له ولا فائدة اذا لم يقترن به رجاء و اشفاق ووثوق من الرزق والجاه وشك فى هذا وذاك .
وهذه هى شريعة الحياة منذ كانت .
وهذه هى شريعة الحياة كيفما تكون وحيثما تكون .
وكل صورة من الصور تناقض هذه الصورة التى عرفنا حالها منذ كانت , وحيث كانت , فهى صورة لا تستقر فى العقل أو الخيال ,فضلا عن استقرارها فى الواقع الذى يقبل التطبيق ويقبل الدوام . (الفلسفة القرآنية – عباس محمود العقاد )
واخيرا من منطلق ما قاله المسيح وما قاله بولس هل يمكن ان نساوى بين التلاميذ وبين شهداء المسيحية او يمكن ان نعتبر بعد ذلك ما يسمى بالخلاص .
وها هى بعض الصفحات يوازيها هذا العنوان (كل انسان سوف يؤخذ اجرته حسب تعبه) وادعوا الله تعالى للجميع بالهداية .
الاضطهاد الرمانى للمسيحين
برفع عيسى عليه السلام انتشر تلاميذه المخلصين ينشرون الدين الجديد في بقاع الأرض ولكنهم كانوا يصطدمون مع أباطرة الرومان ..فالأباطرة كانوا يدعون الألوهية والنصارى الأوائل كانوا يدعون لعبادة الله الواحد الأحد و رفض تأليه الإمبراطور الروماني وعبادته كما رفضوا ايضا الخدمة في الجيش الروماني ، ولذلك نظرت الحكومة الرومانية إلى المسيحيين على أنهم فرقة هدامة تهدد أوضاع الإمبراطورية وكيانها ، بل وسلامتها.
وقد تعرض المسيحيين الأوائل لعذاب شديد في عهد نيرون 64م و تراجان 106م وديسيوس250 م ودقلديانوس280م حتى أن الأباطرة جعلوهم أهداف معزولة من السلاح في حلبات المصارعة الرومانية وكانوا يجعلوهم يصارعون الأسود والوحوش والفرسان وهم عزل !!! إلى عهد قسطنطين الذى ولد في عام 274 م وكان أبوه قسطنطينوس يشغل منصبا كبيرا في الجيش الروماني وأمه هيلانة إبنة أحد الملاك وكان تاجرا يملك فنادق كثيرة وكانت نصرانية متدينة إلى حد أن اعتبرها البعض قديسة.
بدأ اضطهاد الدولة الرومانية الرسمي للمسيحيين في عام 64م على يد الإمبراطور نيرون وحتى عام وفاته 68م بتحريض من زوجته بوبياسبينا وعرف هذا الاضطهاد بالاضطهاد الأول ، أما الاضطهاد الثاني فقد تم بين عامي 95 – 96م زمن الإمبراطور دوميتيان[4] في عصر نيرون كثرت المؤامرات والإغتيالات السياسية التي كان له يد في تدبيرها وكانت أمه "أجريبينا" إحدى ضحاياه وماتت وهى تلعن جنينها نيرون التي حملته في بطنها وأبلت به العالم، ومن ضحاياه أيضاً "أوكتافيا" زوجته الأولى وقد قام بقتلها أثناء أدائه مسرحيه يحمل فيها صولجان فسقط من يده. مدحت أوكتافيا أدائه لكنها قالت له "لو أنك لم تسقط الصولجان فقتلها". ومن بعدها لم يتجرأ أحد من العاملين في قصره أن يعيب أي عمل له، وأيضاً قتل معلمه سينيكا، أما أشهر جرائمه على الإطلاق كان حريق روما الشهير سنة 64 م حيث راوده خياله في أن يعيد بناء روما، وبدأت النيران من القاعدة الخشبية للسيرك الكبير حيث شبت فيها النيران وأنتشرت بشدة لمدة أسبوع في أنحاء روما، وألتهمت النيران عشرة أحياء من جملة أنحاء المدينة الأربعة عشر، وبينما كانت النيران تتصاعد والأجساد تحترق وفى وسط صراخ الضحايا كان نيرون جالساً في برج مرتفع يتسلى بمنظر الحريق مع زوجته اليهوديه الذي خلب لبه وبيده آلة الطرب يغنى أشعار هوميروس التي يصف فيها حريق طروادة.
وهلك في هذا الحريق آلالاف من سكان روما وأتجهت أصابع اتهام الشعب والسياسين تشير إليه إلى أنه هو المتسبب في هذا الحريق المتعمد، وتهامس أهل روما بالأقاويل عليه وتعالت كلماتهم وتزايدت كرهية الشعب نحوه، وكان لا بد له من كبش فداء أمام شعبه أما اليهود أو المسيحية الحديثة في روما، ولكنه رغم قناعته بأن زوجته اليهوديه ومن وراءها كانوا المحرضون على حريق روما إلا أنه اختار المسيحيه ككبش فدء لجريمته إحدى فألصق التهمة بالمسيحيين، وبدأ يلهى الشعب في القبض على المسيحيين وإضطهادهم وسفك دمائهم بتقديمهم للوحوش الكاسرة أو حرقهم بالنيران أمام أهل روما في الستاديوم وفى جميع أنحاء الإمبراطورية حتى أن مؤهلات الولاة الذين كانوا يتولون الأقاليم هو مدى قسوتهم في قتل المسيحيين، وسيق أفواج من المسيحيين لإشباع رغبة الجماهير في رؤية الدماء، وعاش المسيحيين في سراديب تحت الأرض وفى الكهوف ومازالت كنائسهم وأمواتهم إلى الآن يزورها السياح.
وأستمر الإضطهاد الدموى أربع سنوات ذاق خلالها المسيحيون كل مايتبادر إلى الذهن من أصناف التعذيب الوحشى، وكان من ضحاياه الرسولان بولس و بطرس اللذان أستشهدا عام 68م. ولما سادت الإمبراطورية الرومانية الفوضى والجريمة أعلنه مجلس الشيوخ أنه أصبح "عدو الشعب" فمات منتحراً في عام 68 م مخلفاً وراؤه حالة من الإفلاس نتيجة بذخه الشديد والفوضى من كثرة الحروب الأهلية أثناء حكمه ونيرون هو القيصر الذي أشار إليه سفر الأعمال في (أعمال 25 : 28) و (أعمال 26: 32) ولم ينته إضطهاد المسيحيين بموته وفى 68 م في نفس هذه السنة الذي قتل فيه الوثنيين في مصر مرقس الرسول قتل أيضا نفسهً نيرون إمبراطور روما بطعنة خنجر.
خلال القرنين الثاني والثالث تأصلت المسيحية بعمق في القسم الشرقي من الإمبراطورية، لا بل انتشرت إلى حدّ ما خارج تخومها . واستمرت الكنائس الثلاث إنطاكية وروما والإسكندرية في تطورها وتنظيمها ولكنها تعرضت في هذين القرنين إلى ما لا يقل عن ثمانية اضطهادات كبرى بحيث أخذ اضطهاد المسيحيين شكلاً مزمناً نظير حمّى بطيئة تخف تارة وتشتّد أخرى .
كان تراجان هو أول إمبراطور أعلن أن المسيحية ديانة محرمة ، ولكي يضع حدا لانتشار المسيحية ، حكم على كثيرين منهم بالموت ، وأرسل بعضا آخر إلى المحكمة الإمبراطورية بروما.
تعرضت المسيحية للإضطهاد من عشرة قياصرة رومان أذاقوا المسيحيين العذاب الوانا و لكن بعد أن تحول قسطنطين عن الوثنيه إلى المسيحية أصبحت المسيحية دين الدولة الرومانية وتحولت المسيحية في الغرب عندها الي ديانة دولة و أصبحت (ديانة) مستقلة ولكن بقيت العديد من الكنائس الشرقية والإصلاحية فيما بعد بعيدة عن تأثير روما و تعرضت هذة الكنائس أيضا للإضطهاد علي يد الكنيسة الغربية (الرومانية). وكان هذا الإضطهاد بسبب الإختلاف فى المذهب وليس الإختلاف فى الدين.
وفى نهاية القرن الثالث وبداية القرن الرابع حدث الاضطهاد الكبير مع بداية سلسلة من اربعة مراسيم منها حظر الممارسات المسيحيه والامر بسجن رجال الدين المسيحي ، ثم شهد القرن الثالث صورا أخرى من أبشع ألوان التعذيب والاضطهاد للمسيحيين ، وذلك في عهد الإمبراطور دقلديانوس ، الذي أمر بهدم الكنائس وإعدام كتبها المقدسة ، وأمر بإلقاء القبض على الكهان ، وسائر رجال الدين ، فامتلأت السجون بالمسيحيين، واستشهد الكثيرين بعد أم مزقت أجسادهم بالسياط والمخالب الحديدية ، والنشر بالمناشير ، والتمشيط بين اللحم والعظم ، والإحراق بالنار ، وقد سمي عصره باسم " عصر الشهداء "
واستمر دقلديانوس يعذب المسيحين بافظع انواع االعذاب رغبة فى تمزيق شملهم وحملهم على السجود للاصنام وروى بعض الاباء ان دقلديانوس ركب ظهر فرسه وامر جنده الا يتركوا القتل حتى تسيل الدماء على الارض وترتفع حتى تصل الى ركبة فرسه وقد استمر الاطضهاد جاريا فى مصر لمدة ثلاث سنوات فى نهايتها اصيب دقلديانوس بالجنون بعد ان اذاق المسيحيون ما لا يوصف من العذاب
يقول المؤرخ اسبابيوس فى هذا الصدد من واقع مشاهدته : "انه يصعب على الكاتب الماهر ان يصف ما تجرعه الشهداء فى صعيد مصر من عذاب قاس والام تشيب لها النواصى فقد كانوا ياتون بهؤلاء الشهداء ويمزقون اجسادهم وينزعون عنها الجلد الى ان ينكشف اللحم وهكذا يفعلون بباقى اجزاء الجسد حتى الموت وكثيرون منهم ماتو بواسطة الاشجار وفقا لهذه الطريقة وهى انهم كانوا يقربون غصنين قويين من شجرتين متقاربتين بالة وضعت لهذا الغرض ثم يجيئون بالشهيد ويربطونه بهذين الغصنين كل ساق بغصن من هذه الاغصان ثم يتركونهما يعودا الى ما كانا عليه فى الاصل مما يؤدى الى تطاير اشلاء جسد هذا الشخص فى الفضاء من قوة الدفع
وكان بعضهم تجز رؤوسهم والبعض الاخر يحرقون فى اتون النار حتى ان السيف الذى كانت تقطع به الرؤوس قد فل حده وتحطم من كثرة ما سحق من رقاب وذلك السيافون تعبوا وخارت قواهم من ذبح الادميين " (القس منسى حنا – تاريخ الكنيسة القبطية مكتبة المحبة ص 178 )
رفض المسيحيين تأليه الإمبراطور الروماني وعبادته كما رفضوا الخدمة في الجيش الروماني ، ولذلك نظرت الحكومة الرومانية إلى المسيحيين على أنهم فرقة هدامة تهدد أوضاع الإمبراطورية وكيانها ، بل وسلامتها.