ترجمة سعد بن أبي وقاص
اسمه، نسبه، كنيته، إسلامه.
اسمه ونسبه:
هو سعد بن مالك بن وهيب بن عبد مناف بن زهرة بن كلاب، القرشي، الزهري.
كنيته:
أو إسحاق.
إسلامه:
اسلم قديماً على يد أبي بكر الصديق، وهو أحد العشرة المشهود لهم بالجنة، وهو آخرهم موتاً، وهو أحد الستة من أصحاب الشورى، وسابع سبعة في الإسلام.
وكان رضي الله عنه مستجاب الدعوة، مشهوراً من بين الصحابة بذلك بدعوة من رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ((اللهم سدد سهمه، وأجب دعوته)).
وهو من أخوال النبي صلى الله عليه وسلم، وهو أول من رمي بسهم في سبيل الله، قال له رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((ارم فداك أبي وأمي)). وأم سعد هي حمنة بنت سفيان بن أمية بن عبد شمس.
أوصافه الخلقية:
كان سعد رضي الله عنه راجح العقل, بعيد النظر, متين الخلقة, عف اليد واللسان، بارّاً بأهله, وفيّاً لأصحابه, أحب قريش للناس بل أحب الناس للناس وأرفقهم بهم يتوقى الشبهات ورعاً.
أوصافه الخلقية:
كان سعد رضي الله عنه قصيراً، دحداحاً، شئن الأصابع، ذا هامة، أشعراً يخضب بالسواد.
ورد: ((أنه لما أسلم وعلمت أمه بإسلامه، غضبت عليه، وقالت: لا آكل ولا أشرب حتى ترجع عن هذا الدين الذي أعتنقته، وإني إن مت؛ فإنك تُعَيَّر بي. فقال: يا أماه! لا تفعلي؛ فإني لا أرجع عنه أبداً. فبقيت ثلاثة أيام لا تأكل ولا تشرب، فلما علمت منه الجد، أكلت وشربت[1]؛ فأنزل الله: ﴿ وَإِنْ جَاهَدَاكَ عَلَى أَنْ تُشْرِكَ بِي مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ فَلا تُطِعْهُمَا ﴾ [لقمان: 15]))[2].
ذكر شيء من فروسيته وشجاعته وإقدامه رضي الله عنه:
كان سعد بن مالك بن أبي وقاص رضي الله عنه أحد الفرسان والشجعان من الصحابة المهاجرين القرشيين الذين كانوا يحرسون رسول الله صلى الله عليه وسلم ويلازمونه في حضره وفي سفره.
وقد ورد بسند جيد عن ابن إسحاق قال: ((كان أشد أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم أربعة: عمر بن الخطاب، وعلي بن أبي طالب، والزبير بن العوام، وسعد بن أبي وقاص، رضي الله عنهم)).
وروى مسلم في صحيحه عن عائشة رضي الله عنها قالت: ((لما قدم رسول الله صلى الله عليه وسلم المدينة أرق ذات ليلة ولم ينم، فقال: ((ليت رجلاً صالحاً من أصحابي يحرسني الليلة)). قالت عائشة: فبينما نحن كذلك؛ إذ سمعنا صوت سلاح، فقال رسول الله: ((من هذا؟)). قال: سعد بن أبي وقاص. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((ما جاء بك؟)). قال سعد: تخوفت على رسول الله صلى الله عليه وسلم، فجئت أحرسك، فدعا له رسول الله صلى الله عليه وسلم؛ فأنزل الله تعالى: ﴿ وَاللَّهُ يَعْصِمُكَ مِنَ النَّاسِ.... ﴾ [المائدة: 67][3])). رواه البخاري في صحيحه.
وروي: ((أن سعد بن أبي وقاص رضي الله عنه هو أول من أراق دماً في الإسلام في ذات الله تعالى، وذلك أن أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم يتفرقون في شعاب مكة يستخفون بصلاتهم عن المشركين قبل الهجرة، فبينما سعد في نفر من أصحابه؛ إذ ظهر عليهم نفر من المشركين وهم يصلون فناكروهم، وأنتشبت بينهم موقعة، فضرب رجلاً منهم بلحي جمل؛ فشجه سعد رضي الله عنه)).
وفي يوم بدر أبلى سعد بلاءً حسناً ودافع دفاع الراغبين في طلب الشهادة، قال عبد الله بن مسعود رضي الله عنه: ((اشتركت أنا وسعد بن أبي وقاص وعمار بن ياسر يوم بدر فيما أصبنا من الغنيمة، فلم أجئ أنا وعمار بشيء وجاء سعد بأسيرين، وكان سعد جاهداً ومجاهداً في ذات الله بيده وماله ولسانه ودعائه)).
وفي المسند عن سعد رضي الله عنه قال: ((لقد رأيت عن يمين رسول الله صلى الله عليه وسلم وعن شماله يوم أحد رجلين عليهما ثياب بيض يقاتلان عنه كأشد القتال، ما رأيتهما قبل ولا بعد)).
ذكر وقائع إجابة دعواته رضي الله عنه:
سبق أن ذكرنا أن سعد بن أبي وقاص رضي الله عنه امتاز بإجابته الدعوة، فقلما دعا بدعوة إلا استجيب له، فقد ورد أنه قال: ((يا رسول الله! ادع الله أن يجعلني مستجاب الدعوة. فقال: ((يا سعد! أطب مطعمك تكن مستجاب الدعوة)). فقد سبق في ترجمته أن رسول الله صلى الله عليه وسلم دعا له، فقال: ((اللهم! أجب دعوته، وسدد رميته، وحببه إلى عبادك)).
فلقد روي أن سعداً لما تولى إمرة الكوفة بالعراق لعمر بن الخطاب رضي الله عنه ثار طائفة وشرذمة منهم، فشكوه إلى أمير المؤمنين عمر، فأرسل عمر إليهم محمد بن مسلمة، فلما وصل محمد الكوفة، طاف في القبائل والأهالي والمساجد يسألهم، فكلٌّ يقول خيراً ويثني على سعد حتى انتهى إلى مسجد بني عبس، فقام رجل منهم يقال له أبو سعدة، فقال: أما إذ نشدتنا عن سعد؛ فإنه لا يقسم فينا بالسوية، ولا يعدل في الرعية، ولا يغزو في السرية.
فقام سعد رضي الله عنه فدعا، فقال: اللهم! إن كان عبدك هذا قام فقال عليَّ كذباً وزوراً ورياءً وسمعة؛ فاعم بصره، وأطل عمره، وأطل فقره، وعرضه للفتن.
ثم إنه عمي بصره، وطال فقره، وطال عمره، وكان يتعرض للجواري يتلمسهن ويغمزهنّ في الطرق. فقيل له في ذلك، فقال: أصابتني دعوة الرجل الصالح سعد بن أبي وقاص. وأما بقية من ظلمه من أهل الكوفة أو غيرهم؛ فإنه دعا عليهم، فأصابت كل واحد مصيبة في جسده وفي ماله)). نعوذ بالله من الظلم ومن دعوة المظلوم.
روي: ((أن سعد رضي الله عنه سمع رجلاً يقع في الزبير بن العوام، وفي عثمان، وعلي بن أبي طالب، رضي الله عنهم، فقال له: يا هذا! لا تقع في أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم وفي إخواني. ثم إنه صلى، ثم قال: اللهم سخطاً لك ولأوليائك؛ فأرني فيه آية وعبرة للناس. ثم إن الله سلط عليه بختياً، فجعله تحت صدره بينه وبين الأرض يدوسه حتى قتله على مشهد من الناس. فقال الناس: هنيئاً لك يا أبا إسحاق! استجاب الله لك في هذا المجرم)).
دعوة صادقة:
وروي أن إسحاق بن سعد بن أبي وقاص يروي عن أبيه سعد رضي الله عنه أنه قال: ((اجتمعت أنا وعبد الله بن جحش يوم أحد، فخلونا في ناحية، فقال عبد الله بن جحش: يا سعد! ألا تأتي فندعوا الله تعالى؟ قال: فبدأ سعد، فدعا، فقال: يا رب! إذا لقيت العدو غداً؛ فلقني رجلاً شديداً بأسه، شديداً حرده، أقاتله فيك ويقاتلني، ثم أرزقني عليه الظفر حتى أقتله وآخذ سلبه. فأمّن عبد الله بن جحش على دعائه)).
ثم دعا عبد الله بن جحش رضي الله عنه فقال: اللهم يا رب! ارزقني غداً رجلاً شديداً بأسه، شديداً حرده، أقاتله فيك ويقاتلني فيقتلني، ثم يجدع أنفي وأذني، فإذا لقيتك يا رب، قلت: فيم جدع أنفك وأذنك، فأقول: فيك وفي سبيلك. فتقول: صدقت. قال سعد: كانت دعوة عبدالله خيراً من دعوتي، لقد رأيته آخر النهار وإن أنفه وأذنه معلقان جميعاً في خيط)).
ذكر بعض مواقف سعد الحميدة في سبيل الله:
يروى: ((أن أمير المؤمنين عمر رضي الله عنه لما حشد الجيوش الإسلامية لغزو العراق وجميع أقاليمه عزم أن يكون هو القائد لهذه الجيوش، هو بنفسه؛ لصعوبة مأتاه وكثرة أعدائه، لكن عبد الرحمن بن عوف وجماعة من الصحابة أشاروا عليه أن يختار قائداً غيره ويبقى هو بالمدينة, فقال: من ترون؟ فقال عبد الرحمن بن عوف: يا أمير المؤمنين! قد وجدته. قال عمر: ومن هو؟ قال عبد الرحمن: هو الأسد في براثنه سعد بن مالك بن أبي وقاص. فاستدعاه عمر؛ فأرسله قائداً لهذه الجيوش، وأوصاه في خاصة نفسه وبمن معه بوصايا قيَّمة حميدة)).
فتوالت على يديه فتوحات العراق بأكمله، ونفى جميع الأعاجم، واستولى على بلاد فارس، وكان فتح القادسية على يديه رضي الله عنه وجلولاء، وهو الذي كوف الكوفة, وتولى عدة ولايات لأمير المؤمنين عمر ثم عثمان، وخاض عدة معارك وصعوبات عديدة، موضح ذلك كله في الكتب المطولة وفي جميع تراجمه رضي الله عنه.
ذكر شيء من زهده في الولايات وتخليه عن الدنيا رضي الله عنه:
لما قُتل عثمان رضي الله عنه، وثارت الفتن، ودخل على المسلمين الشر من كل حدب وصوب, آثر سعد رضي الله عنه الاعتزال، واعتزل في قصره بالعقيق حتى مات بالعقيق.
وقد ورد أن ابنه عمر بن سعد جاءه بقصره بالعقيق، فقال: ((يا أبتي! أنت معتزل هنا في غنمك كبوادي الأعراب، والناس بالمدينة يتقاسمون الملك! فقال له سعد: اسكت, فلقد سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: إن الله يحب العبد التقيّ الغني الخفي)). أخرجه مسلم في صحيحه وأحمد في المسند.
وروي: ((أن معاوية رضي الله عنه كتب إليه أن ينضم إليه فأبى, وقال لأهله: لا تخبروني عما جرى بين الناس حتى يجتمعوا على إمام واحد)).
وقد روي أن ابن أخيه هاشم بن عتبة جاءه، فقال: ((يا عم! أنت أحق بهذا الأمر (يعني: الخلافة)، وها هنا مئة ألف سيف كلهم يرون أنك أحق بهذا الأمر. فقال رضي الله عنه: أريد منها سيفاً واحداً إذا ضربت به مؤمناً لم يصنع شيئاً, وإذا ضربت به كافراً قطع)).
وعن حماد بن سلمة، عن سماك، عن مصعب بن سعد أنه قال: ((كان رأس أبي في حجري وهو مريض وفي كرب الموت، قال: فبكيت، فرفع رأسه إليَّ وقال: ما يبكيك؟ قلت: لمكانك وما أرى بك. قال: فلا تبكِ؛ فإن الله لا يعذبني أبداً, وإني لمن أهل الجنة)). رواه ابن سعد في الطبقات.
روي: ((أن أم سلمة رضي الله عنها لما بلغها موت سعد بكت، وقالت: بقية أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم)).
وروي: ((أنه أوصى رضي الله عنه أن يكفن في جبة صوف خلقة، وقال: إني لقيت المشركين فيها يوم بدر، وقد اختبأتها لهذا اليوم)). أخرجه الحاكم والطبراني في الكبير.
مات سعد سنة خمس وخمسين من الهجرة, وهو ابن بضع وسبعين سنة فيما قيل، بقصره بالعقيق, وكان يبعد عن المدينة عشرة أميال، ثم حُمل على أعناق الرجال حتى صُلي عليه في مسجد رسول الله صلى الله عليه وسلم، وصلى عليه أزواج النبي صلى الله عليه وسلم.
رضي الله عن سعد وعن جميع صحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم.
[1] رواه: مسلم، وأحمد، وأبو داود، والنسائي.
[2] لقمان: 14، 15.
[3] المائدة: 67.