الآن ظهر لنا سرُّ التشبث بمصطلح (الآخر)
الحمد لله وحده وأصلي وأسلم على من لا نبي بعده، وبعد:
قبل أقل من ثلاث سنوات نادى بعض المثقفين من خلال أحد لقاءات الحوار الوطني بضرورة تغيير الخطاب الديني وتغيير بعض مصطلحاته، وتزامنًا مع حرب المصطلحات التي عصفت بالمشهد الفكري والثقافي في المملكة العربية السعودية نادى أولئك بعدم وصف الكفار من الكتابيين والوثنيين باسم "الكفر" أو "الكفار" واستبدال ذلك بمصطلح "الآخر"!!
حتى لا يغضب منا من يقتل أبناءنا وإخواننا ويستولي على ديارنا ومقدساتنا فكانوا في خطابهم الفكري والسياسي يتناولون "الآخر" بقفاز أرق من الحرير.
وإذا كان الحديث مع أهل الإسلام من بني جلدتهم سلقوهم بألسنةٍ حدادٍ، لا تعرفُ طريقًا إلى الرحمة وحسن الظن.
وكان البعضُ يظنُ أنَّ مسمى الآخر والمطالبة به لا يعدوا أن يكون مصطلحًا تواضعيًا يحملُ مجردَ التعبير عن كل من سوى أهل الإسلام، دون أن يحمل مضامين تدل على صحة دينه وعقيدته...
وإذا بهذا الظن لدى من يحمله بحسن نية وصفاء سريرة يتبخر ويتلاشى سريعًا حينما وُجدت كتابات تقحمت حمى التوحيد والعقيدة تهرف بما لا تعرف، لا تقيم للتخصص معنى ولا قيمة… وظلت تنادي بضرورة اعتبار اليهود والنصارى من المسلمين، وأنه لا يجوز اعتقاد كفرهم وإخراجهم من الإسلام إلاَّ إذا حالوا بين الناس وبين ممارسة "حرية العقيدة" بل تصفُ تلك الكتابات من يكفر اليهود والنصارى بأنه من المتشددين وأصحاب خطاب الغلو.
سبحان الله: أيُّ غربة للدين والعقيدة حين ينشر هذا العبث وهذه الهرطقة في صحف المسلمين وكأنَّ شيئًا لم يكن.
ولا أدري أيّ إسلام ذلك الذي لا يفرق بين اليهودي والنصراني وبين المسلم؟؟!!؟.
أكلّ هذا رحمة وحدبًا على عسكر النصارى الذين حلوا في ديار المسلمين؟، وخطبًا لودهم وتلمسًا للحظوة والدعم وترقب منافع ومصالح زائلة على حساب الإيمان والتوحيد.
يذكرني فعال أولئك بما يروى قديما أنه كان في بلاد الشام إمام يقول في الخطبة الثانية من يوم الجمعة: "اللهم صلِّ على محمد وعيسى وأخيهما موسى"! فقال له رجل من الحاضرين: "وذي الكفل، أم ليست له سفارة عندها مصاري؟!".
ومسلسل الكذب والتضليل مستمر على يد هؤلاء ماداموا ممكنون من التقيؤ في وسائل الإعلام وكتابة ما يريدون فنجدهم يربطون بين قضية الحكم على اليهود والنصارى بأنهم غير مسلمين أو الحكم بردة المرتد وبين الحكم بقتلهم واستهدافهم فلم يقل أحد من علماء المسلمين بهذا التلازم والارتباط المطلق من كل وجه.
وما كان للتيار الليبرالي أن يصل إلى هذه الجرأة والتجاوز الخطير لولا أنه استقوى بأسياده الغربيين الذين يراهنون من خلال هؤلاء العبيد على تغيير البنية الدينية والثقافية والاجتماعية لبلادنا قبل أن يرتحلوا من العراق وأقسم بالله -تصديقا بوعده- أنهم لن يفلحوا ولن يحققوا لهم غاية لأنهم:حاربوا دين الله وآذوا عباده الصالحين في أعز ما يملكون، والله يقول في الحديث القدسي: «من عادى لي وليا فقد آذنته بالحرب...» [رواه البخاري].
ولأنهم: اعتمدوا على غير الله واستقووا بمخلوق مثلهم ومن تعلق شيئا وكل إليه ولن يفلح أحد مهما كان وهو يكيد لدين الإسلام ويسعى لتشويه الحق لأن الله لا يهدي كيد الخائنين ولا يصلح عمل المفسدين، {وَاللَّهُ مُتِمُّ نُورِهِ وَلَوْ كَرِهَ الْكَافِرُونَ} [الصف: 8].
إنَّ التيار الليبرالي المتأسلم يسيرُ بطريقة شيطانية متخذاً أسلوب " الخطوات ".
فكم ضحك على المجتمع حينما قال: "نحن نناقش قضايا الخلاف لنوسع مدارك التفقه".
وبدأ بالقضايا الفقهية، والاجتماعية (صلاة الجماعة، الحجاب، الغناء -أنموذجًا-) والآن وصل قصفهم بيضة الدين وأصول العقيدة (قدسية النص، قطعية الدلالة، القراءة الأيدلوجية) فلا كفرَ عندهم للكافرين أيًا كانوا ولاحقَّ لأحدٍ أن يعترض على نشر الكتب التي تروجُّ للإلحاد والزندقة تحت مسمى "حرية الفكر" و"نشر ثقافة التنوير".
وحينما أصّلوا للكفر والزندقة وتكلمَّ فيهم بعض أهل العلم وأفتى بكفر مقولتهم، وطالب بمحاكمتهم في المحاكم الشرعية أصابتهم تلك الفتوى بمقتل وتحاموا في الدفاع عن بعضهم واتهامهم لمن بيّن ضلالهم وانحرافهم، ولله في خلقه شؤون!!!
و عند كل فتنة تفتضح قضية، وصدق الله: {قَدْ نَبَّأَنَا اللَّهُ مِنْ أَخْبَارِكُمْ} [التوبة: 94].
وفي الأزمات تتضح الخلفيات؛ فظهرَ سرُّ مناداتهم بتكريس مصطلح "الآخر"؛ فهل هي مرحلة يستعدون للوصول إليها، وكذا ظهر للجميع سرُّ إنكارهم مواقف الأئمة تجاه الزنادقة عبر التاريخ حين تعقبوهم وطبقوا فيهم حكم الله كما فعلوا مع الجعد بن درهم والحلاج وغيرهما.
فكذبوها تارة، وجعلوا دوافعها سياسية مرةً أخرى تارةً أخرى!!
هل ذلك خوفًا مبكرًا على أنفسهم إذا حوكموا بشرع الله، أم هو تشابهٌ بينهم وبين أولئك الزنادقة. ألم يعلموا أن أبا بكر -رضي الله عنه- أنكر على أهل الردة حينما نكصوا وفرقوا بين الزكاة والصلاة وحاربهم وكان ذلك بإجماع الصحابة فهل من يناكف الإسلام وأهله ويناقض أصوله خير ممن حاربهم الصديق ومعه جميع صحابة النبي -صلى الله عليه وسلم- وصدق الله: {أَكُفَّارُكُمْ خَيْرٌ مِنْ أُولَئِكُمْ أَمْ لَكُمْ بَرَاءَةٌ فِي الزُّبُرِ (43) أَمْ يَقُولُونَ نَحْنُ جَمِيعٌ مُنْتَصِرٌ (44) سَيُهْزَمُ الْجَمْعُ وَيُوَلُّونَ الدُّبُرَ} [القمر: 43- 45].
وقضية اليهود والنصارى قد حسمها القرآن بما لا يدع مجالا لقائل أو متقول.
والذي لا يكفّر اليهود والنصارى والمجوس وعباد الأوثان والملاحدة وغيرهم أو يشك في كفرهم أو يصحح مذاهبهم أو مذاهب بعضهم فقد شك في القرآن وشك في صدق الله ورسوله, وذلك أن لله -تعالى- حكم وحكم رسوله -صلى الله عليه وسلم- بأن ما سوى الإسلام باطل محض.
ومع كل ذلك نجد من يزعم أن اليهود والنصارى مؤمنون، ويدعو إلى قيام جبهة عريضة وحزب واسع يضم أتباع كل الأديان على أساس الملة الإبراهيمية يسمى الحزب الإبراهيمي!!
إنَّ كفر اليهود والنصارى الذين لم يتبعوا شريعة محمد -صلى الله عليه وسلم- أمرٌ معلومٌ بالضرورة من دين الإسلام، جاءَ به القرآن والسنة، وانعقد عليه إجماع الأمة في كل مراحلها.
وتجاهل هذا أو إنكاره يدلُّ على غربة الدين، والجهل بحقيقة ما أنزل الله على سيد المرسلين -صلى الله عليه وسلم-.
ومن أسبابه ضعف نشر علم العقيدة وحقيقة التوحيد ومعنى الشهادتين والكفر بالطاغوت.
الأمرُ الذي جعل كثيرًا من هؤلاء الكتبة في الصحف وأمثالهم يستغربون هذه الحقائق، بل يردونها ويرفضونها للقطيعة العلمية بينهم وبين العلم الأصيل المبني على ما صحَّ به الدليل.
وقضية تصحيح دين اليهود والنصارى من أخطر الدعوات التي تزامنت مع دعوات التقارب بين الأديان في العالم الإسلامي.
وقد تبنى نحوها عدد من المفكرين من أمثال: جمال الدين الأفغاني ومحمد عبده، ود. حسن الترابي وغيرهم، وردَّ عليهم أهل العلم في حينها.
وأبطلوا تلك الدعاوى التلفيقية التي تسعى إلى توحيد الديانات باسم "الدعوة الإبراهيمية"، أو تحت شعار "العالمية"
وقبل هؤلاء تبناها غلاة الصوفية من أصحاب وحدة الوجود كابن عربي وبن سبعين وابن هود الذين يرون أنَّ كل عقيدة اعتنقها قومٌ فهي صحيحة تؤدي إلى الله.
حتى قال قائلهم:
عقد الخلائق في الإله عقائدًا *** وأنا اعتقدت جميع ما اعتقدوه
والغريب في طرح المقلدة المعاصرين شدة جرأتهم على النصوص القرآنية والأحاديث النبوية، وشغبهم على أهل العلم حين يبينون حكمها، وحكم من لم يكفر اليهود والنصارى.
محاولين جهدهم نفي مصطلح "الكفر" أصلًا ورأسًا وأن من يطلقه فهو تكفيري إرهابي؛ لأنه يصح لأيّ أحد في نظرهم أن يعتقد ما يشاء ويقول ما يشاء وهو لا يزال مسلم!! أي: إسلام بجمع بين كافة الملل والأديان!!!.
إن دينا لا حدود له ليس بدين، وماذا لو قال قائل: أنا لي عقار ثبتت ملكيته لي، ولكن ليس له حدود ولا أطراف فهل يعدُّ إلاَّ مجنونًا، أو كاذبًا؟!!.
فمال هؤلاء القوم لا يكادون يفقهون حديثًا...
إنَّ مشكلة التيار الليبرالي عندنا هي مع النص... هي مع القرآن الكريم، وليست مع شيء آخر، وإلاَّ فكيف يصحَحُ دين قومٍ اتهموا ربنا بالصاحبة والولد.
أربعوا على أنفسكم وأعيدوا قراءة القرآن بقلب صادقٍ واعٍ، ألم يقل الرب -تبارك وتعالى-: {لَقَدْ كَفَرَ الَّذِينَ قَالُوا إِنَّ اللَّهَ هُوَ الْمَسِيحُ ابْنُ مَرْيَمَ قُلْ فَمَنْ يَمْلِكُ مِنَ اللَّهِ شَيْئًا إِنْ أَرَادَ أَنْ يُهْلِكَ الْمَسِيحَ ابْنَ مَرْيَمَ وَأُمَّهُ وَمَنْ فِي الأَرْضِ جَمِيعًا وَلِلَّهِ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ وَمَا بَيْنَهُمَا يَخْلُقُ مَا يَشَاءُ وَاللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ} [المائدة: 17].
ألم يقل -سبحانه-: {لَقَدْ كَفَرَ الَّذِينَ قَالُوا إِنَّ اللَّهَ هُوَ الْمَسِيحُ ابْنُ مَرْيَمَ وَقَالَ الْمَسِيحُ يَا بَنِي إِسْرَائِيلَ اعْبُدُوا اللَّهَ رَبِّي وَرَبَّكُمْ إِنَّهُ مَنْ يُشْرِكْ بِاللَّهِ فَقَدْ حَرَّمَ اللَّهُ عَلَيْهِ الْجَنَّةَ وَمَأْوَاهُ النَّارُ وَمَا لِلظَّالِمِينَ مِنْ أَنْصَارٍ} [المائدة: 72].
ألم يقل: {لَقَدْ كَفَرَ الَّذِينَ قَالُوا إِنَّ اللَّهَ ثَالِثُ ثَلاثَةٍ وَمَا مِنْ إِلَهٍ إِلا إِلَهٌ وَاحِدٌ وَإِنْ لَمْ يَنْتَهُوا عَمَّا يَقُولُونَ لَيَمَسَّنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ} [المائدة: 73].
ألم يقل: {مَا يَوَدُّ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ وَلا الْمُشْرِكِينَ أَنْ يُنَـزَّلَ عَلَيْكُمْ مِنْ خَيْرٍ مِنْ رَبِّكُمْ وَاللَّهُ يَخْتَصُّ بِرَحْمَتِهِ مَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ ذُو الْفَضْلِ الْعَظِيمِ} [البقرة: 105].
ألم يقل: {لَمْ يَكُنِ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ وَالْمُشْرِكِينَ مُنْفَكِّينَ حَتَّى تَأْتِيَهُمُ الْبَيِّنَةُ} [البينة: 1] {إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ وَالْمُشْرِكِينَ فِي نَارِ جَهَنَّمَ خَالِدِينَ فِيهَا أُولَئِكَ هُمْ شَرُّ الْبَرِيَّةِ} [البينة: 6]. ولفظة "مِن" في الثلاثة المواضع نص عامة المفسرين على أنها بيانية وليست تبعيضية كما حاول المحرفون تأويلها
"ألم يقل الرب -تبارك وتعالى-: {وَمَنْ يَبْتَغِ غَيْرَ الإِسْلامِ دِينًا فَلَنْ يُقْبَلَ مِنْهُ وَهُوَ فِي الآخِرَةِ مِنَ الْخَاسِرِينَ} [آل عمران: 85].
ألم يكن محمد -صلى الله عليه وسلم- خاتم الأنبياء والمرسلين، فلا يصح أن يعبد الله إلاَّ من طريقه، وطريق ما جاء به.
ألم يكن القرآن مهيمنًا على سائر الكتب {وَأَنْـزَلْنَا إِلَيْكَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ مُصَدِّقًا لِمَا بَيْنَ يَدَيْهِ مِنَ الْكِتَابِ وَمُهَيْمِنًا عَلَيْهِ} [المائدة: 48]. أي: شهيدًا وحاكمًا وناسخًا لجميع الكتب السابقة.
وهل يوجد في نصارى اليوم من لا يعتقد التثليث والتشريك مع الله -تعالى-.
ألم يقل -صلى الله عليه وسلم-: «والذي نفس محمد بيده! لا يسمع بي أحد من هذه الأمة يهودي ولا نصراني، ثم يموت ولم يؤمن بالذي أرسلت به، إلا كان من أصحاب النار» [1].
فكيف يطيب قلب مؤمن يعظم ربه أن يصحح ديانة أمة (الضلال والتثليث وعباد الأصنام، الذين سبوا الله الخالق سبًّا ما سبّه إياه أحد من البشر، ولم يقروا بأنه الواحد الفرد الصمد، الذي {لَمْ يَلِدْ وَلَمْ يُولَدْ (3) وَلَمْ يَكُنْ لَهُ كُفُوًا أَحَدٌ} [الإخلاص:3، 4]، ولم يجعلوه أكبر من كل شيء, بل قالوا فيه ما {تَكَادُ السَّمَاوَاتُ يَتَفَطَّرْنَ مِنْهُ وَتَنْشَقُّ الأَرْضُ وَتَخِرُّ الْجِبَالُ هَدًّا} [مريم :90]. فقل ما شئت في طائفة أصل عقيدتها أن الله ثالث ثلاثة، وأن مريم صاحبته، وأن المسيح ابنه، وأنه نزل عن كرسي عظمته، والتحم ببطن الصاحبة وجرى له ما جرى إلى أن قتل ومات ودفن، فدينها عبادة الصلبان ودعاء الصورة المنقوشة بالأحمر والأصفر في الحيطان، يقولون في دعائهم: يا والدة الإله ارزقينا، واغفري لنا وارحمينا" [2].
وهذه القضية من الوضوح والظهور بمكان لا يخفى على أهل الإسلام، لولا أن أهل التحريف والانحراف صالوا وجالوا وشغبوا على العلم وأهله وتنادوا مصبحين أن اغدوا على قضيتكم إن كنتم صارمين...
إن بيان الحق عند الالتباس والجهل واجب شرعي على من يستطيعه كما يقول ابن القيم -رحمه الله- "ومن بعض حقوق الله على عبده ردُّ الطاعنين على كتابه ورسوله ودينه، ومجاهدتهم بالحجة والبيان، والسيف والسنان، والقلب والجنان، وليس وراء ذلك حبة خردل من الإيمان" [3].
وقد بين علماء الملة من كافة المذاهب هذه القضية غاية البيان وشرحوها في مصنفاتهم في العقيدة والفقه وسأذكر طرفا من أقوالهم على سبيل الاختصار
يقول ابن أبي العز الحنفي: "فلا خلاف بين المسلمين أن الرجل لو أظهر إنكار الواجبات الظاهرة المتواترة، والمحرمات الظاهرة والمتواترة، ونحو ذلك، فإنه يستتاب، فإن تاب، وإلا قتل كافرًا مرتدًا" [4].
ويقول ملا قاري الحنفي في شرح الفقه الأكبر للإمام أبي حنيفة: "فلا خلاف بين المسلمين أن الرجل لو أظهر إنكار الواجبات الظاهرة المتواترة، والمحرمات الظاهرة، والمتواترة، فإنه يستتاب فإن تاب وإلا قتل كافرًا مرتدًا" [5]. وأي واجب أظهر وأبين من وجوب اعتقاد كفر الكافرين من الكتابيين أو الوثنيين.
ومن المالكية يقول القاضي عياض: "وكذلك من أنكر القرآن، أو حرفًا منه، أو شيئًا منه، أو زاد فيه، وكذلك من أنكر شيئًا مما نص فيه القرآن -بعد علمه- أنه من القرآن الذي في أيدي الناس ومصاحف المسلمين، ولم يكن جاهلًا به، ولا قريب عهد بالإسلام، … وكذلك من أنكر الجنة أو النار، أو البعث أو الحساب أو القيامة فهو كافر بإجماع للنص عليه، وإجماع الأمة على صحة نقله متواترًا…" [6].
وقال أيضًا: "… وكذلك نقطع بتكفير كل من كذب وأنكر قاعدة من قواعد الشرع وما تواتر كمن أنكر وجوب الصلوات الخمس...." [7].
وقال أيضًا: "... ولهذا نكفر من دان بغير ملة المسلمين من الملل، أو وقف فيهم، أو شك، أو صحح مذهبهم، وإن أظهر مع ذلك الإسلام، واعتقده، واعتقد إبطال كل مذهب سواه، فهو كافر بإظهار ما أظهره من خلاف ذلك" [8].
ومن الشافعية يقول الإمام النووي -رحمه الله-: "إن من جحد ما يعلم من دين الإسلام ضرورة حكم بردته وكفره إلا أن يكون قريب عهد بالإسلام أو نشأ ببادية بعيدة ونحوه ممن يخفى عليه فيعرف ذلك فإن استمر حكم بكفره" [9].
ومثله ما قاله الإمام الشوكاني الشافعي في (الدواء العاجل): "وقد تقرر في القواعد الإسلامية أن منكر القطعي أو جاحده، والعامل على خلافه تمردًا وعنادًا أو استحلالًا أو استخفافًا كافر بالله وبالشريعة المطهرة التي اختارها الله -تعالى- لعباده" [10].
ومن الحنابلة يقول الإمام ابن بطة -رحمه الله-: "فكل من ترك شيئًا من الفرائض التي فرضها الله في كتابه أو أكدها رسول الله -صلى الله عليه وسلم- في سننه -على سبيل الجحود لها والتكذيب بها- فهو كافر بين الكفر لا يشك في ذلك عاقل يؤمن بالله واليوم الآخر…" [11].
أليس الكفر بالطاغوت أحد فرائض الدين ومن أكبر ضروريات الإسلام بل هو ركن كلمة التوحيد العظمى {فَمَنْ يَكْفُرْ بِالطَّاغُوتِ وَيُؤْمِنْ بِاللَّهِ فَقَدِ اسْتَمْسَكَ بِالْعُرْوَةِ الْوُثْقَى} [البقرة: 256] فأي جرأة لعابث أو موتور يجعل هذا المعنى من التشويه الإيدلوجي للإسلام.
وقال شيخ الإسلام ابن تيمية -رحمه الله-: "أن الذي يدين به المسلمون من أن محمدًا -صلى الله عليه وسلم- بُعث إلى الثقلين: الإنس والجن, أهل الكتاب وغيرهم, وأن من لم يؤمن به فهو كافر مستحق لعذاب الله مستحق للجهاد، وهو مما أجمع عليه أهل الإيمان بالله ورسوله، لأن الرسول -صلى الله عليه وسلم- هو الذي جاء بذلك وذكره الله في كتابه وبينه الرسول -صلى الله عليه وسلم- أيضا في الحكمة المنزلة عليه من غير الكتاب، فإنه -تعالى- أنزل عليه الكتاب والحكمة ولم يبتدع المسلمون شيئًا من ذلك من تلقاء أنفسهم كما ابتدعت النصارى كثيرًا من دينهم، بل أكثر دينهم، وبدلوا دين المسيح وغيّروه، ولهذا كان كفر النصارى لما بعث محمد -صلى الله عليه وسلم- مثل كفر اليهود لما بعث المسيح -عليه السلام-" [12]، وقال: "وإذا تناولت النصارى كان حكمهم في ذلك حكم اليهود، والله -تعالى- إنما أثنى على من آمن من أهل الكتاب كما قال -تعالى-: {وَإِنَّ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ لَمَنْ يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَمَا أُنْـزِلَ إِلَيْكُمْ وَمَا أُنْـزِلَ إِلَيْهِمْ خَاشِعِينَ لِلَّهِ لا يَشْتَرُونَ بِآيَاتِ اللَّهِ ثَمَنًا قَلِيلا أُولَئِكَ لَهُمْ أَجْرُهُمْ عِنْدَ رَبِّهِمْ إِنَّ اللَّهَ سَرِيعُ الْحِسَابِ} [سورة آل عمران: 199]" [13].
وقال: "ومن شك في كفر هؤلاء -يعني الملاحدة من أهل الحلول والوحدة- بعد معرفة قولهم ومعرفة دين الإسلام فهو كافر، كمن يشك في كفر اليهود والنصارى والمشركين" [14]، فقد جعل -رحمه الله- كفر اليهود والنصارى أصلا مستقرا يقيس عليه كفر غيرهم.
وذكر الإمام محمد بن عبد الوهاب -رحمه الله- من نواقض الإسلام: "الثالث: من لم يكفر المشركين، أو شك في كفرهم، أو صحح مذهبهم، كفر إجماعًا" [15]، وقال الإمام سليمان بن عبد الله بن محمد بن عبد الوهاب -رحمهم الله-: "...فإن كان شاكًا في كفرهم أو جاهلًا بكفرهم بينت له الأدلة من كتاب الله وسنة رسوله -صلى الله عليه وسلم- على كفرهم، فإن شك بعد ذلك وتردد فإنه بإجماع العلماء على أن من شك في كفر الكفار فهو كافر" [16].
ولا يزال أهل العلم في مصنفات التفسير والعقيدة وشروح الحديث وكتب الفقه قديما وحديثا يبينون هذه المسألة وكذا كتب أئمة الدعوة -رحمهم الله- حافلة بذلك وفتاوى هيئة كبار العلماء واللجنة الدائمة وغيرهم من أهل العلم في كل مصر، فالحمدُ لله الذي كشفَ خفاياهم وأظهرَ للمسلمين ما كانوا يبطنون.
فهل يكف هؤلاء العابثون ويتعلموا حقيقة التوحيد والإيمان ويثوبوا إلى رشدهم ويتوبوا من ضلالاتهم وتسويقهم لها وقد نادى الله من كذب عليه وزعم أنه ثالث ثلاثة ناداهم بالتوبة والرجوع إليه فقال: {أَفَلا يَتُوبُونَ إِلَى اللَّهِ وَيَسْتَغْفِرُونَهُ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ} [المائدة 74].
وصلى الله وسلم على نبينا محمد.
الهوامش:
[1] صحيح مسلم- 153.
[2] هداية الحياري في أجوبة اليهود والنصارى ص8.
[3] هداية الحيارى في أجوبة اليهود والنصارى ص10.
[4] شرح الطحاوية 355.
[5] شرح الفقه الأكبر 138، وانظر ص 143.
[6] الشفا 2/1076 – 1077/.
[7] الشفا 2/1073.
[8] الشفا 2/1071.
[9] مسلم بشرح النووي 1/128.
[10] الدواء العاجل 34 ضمن مجموعة الرسائل السلفية.
[11] الإبانة لابن بطة العكبري 2/764.
[12] الجواب الصحيح لمن يدل دين المسيح لشيخ الإسلام ابن تيمية-مطابع المجد التجارية-ص/126.
[13] المصدر السابق ص/264-365.
[14] مجموع الفتاوى 2/368.
[15] مجموعة الشيخ (الرسائل الشخصية) 213.
[16] رسالة أوثق عرى الإيمان، الجامع الفريد ص 370.