اسلام ويب
هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.



 
الرئيسيةأحدث الصورالتسجيلدخول

من فقه الدعاء يقول سيدنا عمر بن الخطاب - رضي الله عنه -: "أنا لا أحمل همَّ الإجابة، وإنما أحمل همَّّ الدعاء، فإذا أُلهمت الدعاء كانت الإجابة معه". وهذا فهم عميق أصيل ، فليس كل دعاء مجابًا، فمن الناس من يدعو على الآخرين طالبًا إنزال الأذى بهم ؛ لأنهم ينافسونه في تجارة ، أو لأن رزقهم أوسع منه ، وكل دعاء من هذا القبيل ، مردود على صاحبه لأنه باطل وعدوان على الآخرين. والدعاء مخ العبادة ، وقمة الإيمان ، وسرّ المناجاة بين العبد وربه ، والدعاء سهم من سهام الله ، ودعاء السحر سهام القدر، فإذا انطلق من قلوب ناظرة إلى ربها ، راغبة فيما عنده ، لم يكن لها دون عرش الله مكان. جلس عمر بن الخطاب يومًا على كومة من الرمل ، بعد أن أجهده السعي والطواف على الرعية ، والنظر في مصالح المسلمين ، ثم اتجه إلى الله وقال: "اللهم قد كبرت سني ، ووهنت قوتي ، وفشت رعيتي ، فاقبضني إليك غير مضيع ولا مفتون ، واكتب لي الشهادة في سبيلك ، والموت في بلد رسولك". انظر إلى هذا الدعاء ، أي طلب من الدنيا طلبه عمر، وأي شهوة من شهوات الدنيا في هذا الدعاء ، إنها الهمم العالية ، والنفوس الكبيرة ، لا تتعلق أبدًا بشيء من عرض هذه الحياة ، وصعد هذا الدعاء من قلب رجل يسوس الشرق والغرب ، ويخطب وده الجميع ، حتى قال فيه القائل: يا من رأى عمرًا تكسوه بردته ** والزيت أدم له والكوخ مأواه يهتز كسرى على كرسيه فرقًا ** من بأسه وملوك الروم تخشاه ماذا يرجو عمر من الله في دعائه ؟ إنه يشكو إليه ضعف قوته ، وثقل الواجبات والأعباء ، ويدعو ربه أن يحفظه من الفتن ، والتقصير في حق الأمة ، ثم يتطلع إلى منزلة الشهادة في سبيله ، والموت في بلد رسوله ، فما أجمل هذه الغاية ، وما أعظم هذه العاطفة التي تمتلئ حبًا وحنينًا إلى رسول الله - صل الله عليهلم -: (أن يكون مثواه بجواره). يقول معاذ بن جبل - رضي الله عنه -: "يا بن آدم أنت محتاج إلى نصيبك من الدنيا ، وأنت إلى نصيبك من الآخرة أحوج ، فإن بدأت بنصيبك من الآخرة ، مرّ بنصيبك من الدنيا فانتظمها انتظامًا ، وإن بدأت بنصيبك من الدنيا ، فائت نصيبك من الآخرة ، وأنت من الدنيا على خطر). وروى الترمذي بسنده عن النبي - صل الله عليهلم -: أنه قال: ((من أصبح والآخرة أكبر همه جمع الله له شمله ، وجعل غناه في قلبه ، وأتته الدنيا وهي راغمة ، ومن أصبح والدنيا أكبر همه فرَّق الله عليه ضيعته ، وجعل فقره بين عينيه ولم يأته من الدنيا إلا ما كُتب له)). وأخيرًا .. أرأيت كيف أُلهم عمر الدعاء وكانت الإجابة معه ، وصدق الله العظيم إذ يقول: (وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ فَلْيَسْتَجِيبُوا لِي وَلْيُؤْمِنُوا بِي لَعَلَّهُمْ يَرْشُدُونَ) (186)" (البقرة:186).


 

  تلك الملائكة كانت

اذهب الى الأسفل 
كاتب الموضوعرسالة


avatar


نقــاط : 100210
 تلك الملائكة كانت Oooo14
 تلك الملائكة كانت User_o10

 تلك الملائكة كانت Empty
مُساهمةموضوع: تلك الملائكة كانت    تلك الملائكة كانت Emptyالأحد 29 يوليو 2012 - 22:22

" تلك الملائكة كانت

تستمع إليك يا أسيد ....

قَدِمَ الفَتَى المكِّيُّ مُصْعَبُ بنُ عُمَيْرٍ رضي الله عنه إلَى يَثْرِبَ ، في أوَّل بَعْثَة تَبْشِيريةٍ عَرَفَهَا تاريخُ الإسلام

فَنَزَلَ على أسعدَ بنِ زُرَارَةَ رضي الله عنه أحَدِ أشرافِ الخَزْرَجِ ، واتَّخَذَ مِنْ دارِه مَقاما لنفسهِ ، ومُنْطَلَقاً لِبَثِّ دَعْوَتِهِ إلى اللّهِ ، والتبشِيرِ بِنَبيِّه محمدٍ رسولِ اللّهِ

وأخذ أبناءُ يَثْرِبَ يُقبِلون على مجالِسِ الدَّاعِيَةِ الشابِّ مُصْعِبِ بنِ عُمَيْرٍ إِقبالاً كبيراً

وكان يُغْرِيهمْ به عُذوبَةُ حديثهِ ، ووضُوحُ حُجَّتِهِ ، ورِقّةُ شَمائِلِه ، ووَضاءَةُ الإيمانِ التي تُشرِقُ من وَجْهِه القسِيم الَوسيم

وكان يجذِبُهم إليه شيءٌ آخَرُ فوق ذلك كلِّه ، هو هذا القرَآنُ الذي كان يَتْلو عليهم بَيْنَ الفيْنَةِ وَالفيْنَةِ بَعْضاً من آياتِه البَيِّناتِ ، بِصوْتِهِ الشَّجِيِّ الرّخيم ، ونَبَرَاتِه الحُلْوَةِ الآسِرَةِ ، فَيَسْتَلينُ به القلوبَ القاسِيَةَ ، وَيَسْتَدِرُّ الدُّموع العاصِيَةَ، فلا يَنْفضُّ المجلسُ مِنْ مجالِسِه إِلاَّ عن أناس أسْلموا وانْضَمَّوا إلى كتائِبِ الإيمانِ


وفي ذاتِ يوم ، خَرَجَ أسعدُ بنُ زُرَارَةَ رضي الله عنه بضيفِه الداعِيَةِ مُصْعَبِ بن عُمَيْرٍ رضي الله عنه ، لِيَلْقَى جماعةً من بَني عبدِ الأشْهَلِ ، ويَعْرض عليهم الإسْلامَ ، فدخلا بُسْتاناً من بساتين بني عبدِ الأشْهَل ، وجَلَسا عِنْدَ بِئْرِها العَذْبَةِ في ظِلالِ النخيلِ

فاجْتَمَعَ على مُصْعَبٍ جماعة قد أسْلموا وآخَرون يريدون أنْ يَسْمعوا، فانطلقَ يدعو ويُبَشِّرُ ، والناسُ إليه منصتُونَ، وَبرَوْعَةِ حديثه مأخوذون

فجاءَ مَنْ أخْبَرَ أسَيْدَ بنَ الحُضيْرِ وسَعْدَ بنَ معاذ - وكانا سَيِّدَي الأوس - بأنَّ الداعِيةَ المكيَّ قد نَزَلَ قريباً من ديارِهما ، وأنَّ الذي جَرَّأهُ على ذلك أسعدُ بنُ زُرَارَةَ

فقال سعدُ بنُ معاذٍ لأسَيْدِ بن الحُضَيْرِ:

لا أبا لك يا أسَيْدُ ، اِنْطَلِقْ إلى هذا الفتى المكيِّ الذي جاء إلى بيوتنا لِيُغْرِيَ ضعَفَاءَنَا ، وَيُسَفِّهَ آلِهَتنا ، وازْجُرْهُ ، وحَذِّرْهُ مِنْ أن يَطَأ دِيَارَنا بعدَ اليومِ

ثم أرْدَفَ يقول :

ولولا أنّهُ في ضِيَافَةِ ابن خالتي أسعدَ بن زُرَارَةَ ، وأنَّه يَمْشي في حِمَايتِه لكفيتُك ذلك

أخذَ أسَيْدٌ حَرْبَتَهُ ، ومَضَى نَحْوَ الْبُسْتَان ، فلمَّا رآهُ أسعدُ بنُ زُرارَةَ مُقْبلاً قال لمصعَبٍ رضي الله عنه :

وَيْحَكَ يا مُصْعَبُ ، هذا سَيِّدُ قومِه، وأرْجَحُهُمْ عقلاً ، وأكملهم كمالاً ... أسَيْدُ بنُ الحُضَيْر

فإن يُسْلِمْ تَبِعَهُ في إِسْلامِهِ خَلْقٌ كثيرٌ ، فاصْدُق اللّهَ فيه ، وأحْسِنِ التَّأنّي له

وقفَ أسيدُ بنُ الحُضيْرِ على الْجَمْع، والْتَفَتَ إلى مُصْعَبٍ وصاحِبه وقال :

ما جاءَ بكما إلى ديارنا ، وأغراكما بضُعَفَائِنا ؟! اِعْتَزِلا هذا الحَيَّ إِنْ كانَتْ لكما بنَفْسَيْكما حاجة

فالْتَفَتَ مُصْعب إلى أسَيْدٍ بِوَجْهِهِ الُمشْرِقِ بِنُورِ الايمان ، وخاطَبَه بِلَهْجَتِهِ الصَّادِقَةِ الآسِرَةِ وقال له:

يا سَيِّدَ قَوْمِه ، هَلْ لَكَ في خَيْرٍ من ذلك

قال: وما هو ؟

قال: تجلِسُ إلينا وتَسْمَعُ مِنَّا ، فإنْ رضيتَ ما قُلْنَاهُ قَبِلْتَه ، وإنْ لم تَرْضَهُ تَحَوَّلْنَا عَنْكُم ولم نَعُدْ إِليكم

فقال اُسَيْد:

لقد أنصَفْتَ ، وركَزَ رُمْحَهُ في الأرضِ وجَلَسَ

فأقبَلَ عليه مُصْعب رضي الله عنه يَذْكُرُ له حقيقةَ الإسلامِ ، ويقرأ عليه شيئاً من آياتِ القرَآن ؟ فانْبَسَطَتْ أسارِيرهُ وأشرَقَ وجهُهُ وقال:

ما أحسن هذا الذي تقولُ ، وما أجَلَّ ذلك الذي تَتْلو ...

كيف تصنعون إذا أرَدْتُمُ الدخولَ فِي الإسلامِ ؟!

فقال له مصعبرضي الله عنه :

تَغْتَسِلُ وَتُطَهِّرُ ثيابَك ، وتشهدُ أن لا إلهَ إِلاَّ اللّه وأن محمداً رسولُ اللّهِ ، وتُصَلِّي رَكْعَتَيْن

فقام إلى البئر فَتَطَهَّرَ بمائها ، وشَهدَ أنْ لا إلهَ إلاَّ اللّه وأنَّ محمداً عبدهُ ورسولُه وصَلَّى رَكْعَتَيْنِ

فانضم في ذلك اليوم إلى كَتَـائِبِ الإسـلامِ فارس من فُرْسـانِ العَرَبِ المَرْموقين ، وسيِّد من ساداتِ الأوْسِ المَعْدودين

كان يُلَقِّبُهُ قوُمه بالكَامِلِ ، لِرَجاحةِ عقلِه ، ونبَالَةِ أصْلِهِ ، ولأنَّه مَلَكَ السَّيْفَ والقَلَمَ ، إذْ كان بالإضافةِ إِلى فُروسِيتِهِ ودِقَّةِ رَمْيِهِ ، قارِئاً كاتباً في مجتمع نَدَرَ فيه مَنْ يَقْرأ وَيَكتُب

وقد كان إسْلامُه سبباً في إسلام سَعْدِ بنِ معاذٍ رضي الله عنهم

وكان إسلامُهما معاً سبباً في أن تُسْلِمَ جُموع غَفِيرَة من الأوْسِ

وأن تُصبحَ المدينةُ بَعْدَ ذلك مُهاجراً لِرَسُولِ اللّهِ صلى الله عليه وسلم ، ومَوْئِلاً وقاعِدَة لِدَوْلةِ الإسْلامِ العُظْمَى

أولِعَ أسيدُ بنُ الحُضَيْرِ رضي الله عنه بالقرَآنِ - مُنْذُ سَمِعَهُ من مُصْعَبِ بنِ عُمَيْرٍ رضي الله عنه – وأقبَلَ عليه إقبالَ الظامِئ على المَوْرِدِ الْعَذْبِ في اليوم القائِظِ ، وجَعَلَه شُغْلَهُ الشَّاغِلَ

فكان لا يُرَى إِلاَّ مُجاهِداً غازِياً في سبيل اللّه ، أو عاكِفاً يَتْلُو كتابَ اللّهِ

وكان رخيمَ الصوتِ ، مُبينَ النُّطْقِ ، مُشْرِقَ الأداءِ ، تَطيبُ له قِراءَة القُرآنِ أكْثَرَ مَا تَطيبُ إِذا سَكَنَ الليلُ ، ونامَتِ العيونُ ، وَصَفَتِ النفوسُ

وكان الصحـابَةُ الكِرامُ يَتَحَيَّنونَ أوقاتَ قراءَتِهِ ، ويتسـابقون إِلى سَماعِ تِلاوَتِه

فيا سَعْدَ مَنْ يُتَاحُ له أن يَسْمَعَ القرَآنَ مِنْهُ رَطْباً طَريّاً كما انْزِلَ على محمدٍ

وقدِ اسْتَعْذَبَ أهلُ السَّمَاءِ تِلاَوَتَهُ ؟ اسْتَعْذَبَها أهْلُ الأرْضِ

ففي جوفِ ليلةٍ من الليالي كان أسَيْدُ بنُ الحُضَيْرِ رضي الله عنه جالِساً في مِرْبَدِهِ ، وابنُه يحيى نائمٌ إلى جانِبه ، وفرسُه التي أعَدَّها للجهادِ في سبيل اللّه مُرْتَبَطَة غَيْرَ بَعِيدٍ عنه

وكان الليلُ وادِعاً ساجِياً ، وأديمُ السماءِ رائِقاً صافِياً ، وعيونُ النجومِ تَرْمُقُ الأرضَ الهاجِعَةَ بحنانٍ وعطفٍ

فتـاقَتْ نفسُ أسَيْدِ بنِ الحُضَيْرِ رضي الله عنه لأنْ يُعَطِّرَ هذه الأجْوَاءَ النَّدِيَّةَ بِطُيُوب القرَآنِ ، فانْطَلَقَ يَتْلُو بِصوْتِهِ الرَّخيم الحنون

{ الم * ذلِكَ الْكِتَـابُ لاَ رَيْب فِيهِ هُدًى لِلمُتَّقينَ * الَّذِينَ يؤمِنُونَ بالْغَيْبِ وَيُقِيمُونَ الصَّلاَةَ وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنْفِقُونَ * وَالَّذِينَ يؤمِنُونَ بِما أنْزِلَ إِلَيْك ومَا أنْزِلَ مِنْ قَبْلِكَ وَبِالآخِرَةِ هُمْ يُوقِنُونَ }

فإذا به يَسْمَعُ فرسَـهُ وقَدْ جَالَتْ جَوْلَةً كادَت تَقْطَع بِسَبَبِها رِبَاطِهَا ، فَسَكَتَ، فَسكَنَتِ الفرَسُ وقَرَّتْفعاد يَقْرَأ:

{ أولئِكَ عَلَى هُدًى مِنْ رَبِّهِمْ وَأولئِكَ هُمُ المُفْلِحُونَ }

فجالَتِ الفرَسُ جَوْلَةً أشَدَّ مِنْ تِلْكَ وَأقْوَى.

فسكت.. فسكنتْ..

وَكَرَّرَ ذلِكَ مِرارا ً، فكان إذا قرأ أجفَلَتِ الفرسُ وهاجَتْ ، وإذا سَكَتَ سَكَنَتْ وَقَرَّتْ

فخافَ على ابْنِه يحيى أن تَطَأه ، فَمَضَى إليه لِيُوقِظَهُ ، وهنا حانَتْ منه الْتِفَاتَةٌ الى السماء ، فَرَأى غَمَامَةً كالْمظَلَّةِ لَمْ تَرَ الْعَيْنُ أرْوَعَ ولا أبهَى منها قَطّ وقد عُلِّقَ بها أمْثَالُ المصابيحِ ، فملأتِ الأفاقَ ضِياءً وسناءً ، وهى تَصْعَدُ إلى الأعلى حَتَّى غابَتْ عَنْ ناظِرَيْهِ


فلمَّا أصبَحَ مَضَى إلى رسولِ اللّهِ صلى الله عليه وسلم ، وقَصَّ عليه خَبَرَ ما رأى ، فقال لـه النبيُّ عليه الصلاةُ والسلامُ :

" تِلْكَ الملائكةُ كانتْ تَسْتَمِعُ لَكَ يا أسَيْدُ ... ولَوْ أنكَ مَضَيْتَ في قِراءَتِك لرآها الناسُ ولم تَسْتَترْ منهم "

وكما أولِعَ أسَيْدُ بنُ الحُضَيْرِ رضي الله عنه بكتابِ اللّهِ فقد أولِعَ برسولِ اللّهِ صلى الله عليه وسلم فكان ـ كما حَدَّثَ عن نفسِه - أصْفَى ما يكونُ صفاءً وأشَدَّ ما يكونُ شَفَافِيَة وإيماناً حين يَقْرأ القرآنَ أوْ يَسْمَعُه

وحينَ يَنْظُرُ إلى رسولِ اللّهِ صلى الله عليه وسلم وهو يَخْطُبُ أو يُحَدِّثُ

وكان كثيراً ما يَتَمنَّى أنْ يَمس جَسَدُهُ جَسَدَ رسولِ اللّهِ صلى الله عليه وسلم ، وأنْ يُكِبَّ عليه لاثِماً مُقَبِّلاً

وقد أتِيحَ له ذلك ذاتَ مَرَّةً

ففي ذاتِ يوم كان أسيدٌ يُطْرِفُ القومَ بِمُلَحِه ، فَغمَزَهُ رسولُ اللّهِ صلوات اللّهِ عليه في خاصِرَتِهِ بِيَدِه ، كأنَّه يَسْتَحْسِنُ ما يقول

فقال أسَيْدٌ :أوْجَعْتَني يا رسولَ اللّهِ

فقال عليه الصلاةُ والسلامُ :

اقْتَصَّ مِنِّي يا أسَيْدُ

فقال أسيد:

إنَّ عليكَ قميصاً ولم يَكُنْ عَلَيَّ قميصٌ حينَ غَمَزْتَني

فَرَفَعَ رسولُ اللّهِ صلى الله عليه وسلم قميصَه عن جَسَدِه، فاحْتَضَنَهُ أسَيْدٌ وَجَعَلَ يُقَبِّلُ ما بَيْنَ إِبْطِهِ وخَاصِرَتِهِ وهو يقول :

بأبي أنتَ وأمِّي يا رسولَ اللّهِ، إِنها لَبُغْيَة كنتُ أتمنَّاها مُنْذُ عرفتُك ، وقد بَلَغْتُها الآن

وقد كان الرسولُ صلواتُ اللّه عليهِ يُبَادِلُ أسَيْداً حُبّاً بِحُـب ، ويحفظُ له سابِقَتَه في الإسلامِ وَذَوْدَهُ عَنْه يومَ أحُدٍ

حتَّى إِنه طُعِنَ سَبْعَ طعناتٍ مُميتاتٍ في ذلك اليومَ

وكان يعرفُ له قَدْرَهُ وَمَنْزِلَتَهُ في قَوْمِهِ ، فإذا شَفِعَ في أحدٍ مِنْهُمْ شَفَّعَهُ فيه

حَدَثَ أسَيْد قال :

جئتُ إلى رسـولِ اللّهِ صلى الله عليه وسلم فذكرتُ له أهلَ بيتٍ من الأْنصـارِ فيهـم مَحاويج

وَجُلُّ أهلِ ذلك البيت نِسْوَة ، فقال عليه الصَّلاةُ والسلامُ :

لقدْ جِئْتَنَا يَا أسَيْدُ بَعْدَ أنْ أنْفَقْنَا مَا بِأيْدِينا ، فإذا سمعتَ بشيء قد جاءَنا فاذْكُر لنا أهلَ ذلك البيتِ

فجـاءَه بَعْدَ ذلك مال من خَيْبَر فقسَمَهُ بين المسـلمين فأعطَى الأنصـارَ وأجْزَلَ ، وأعْطَى أهلَ ذلك البيتِ وأجْزَلَ ، فقلتُ له:

جزاكَ اللّهُ عَنْهُم - يا نبيَّ اللّهِ - خيراً

فقال :

وأنتم مَعْشَرَ الأنصارِ جزاكُمُ اللّهُ أطيَبَ الجزاءِ ، فإنَّكم - ما عَلِمْتُ - أعِفَّةٌ صُبُر ، وإنَّكم سَتَلْقَوْنَ أثرَةً بَعْدِي ، فاصْبِروا حتَّى تَلْقَوْني ، ومَوْعِدُكم الحَوْضُ

قال أسَيد رضي الله عنه :

فلمَّا آلت الخِلاَفَةُ إلى عمرَ بنِ الخطابِ رضىَ اللّه عنه قَسَمَ بين المسلمين مالا ومَتَاعاً ، فَبَعَثَ إلَيَّ بُحلَّة فاسْتَصْغَرْتُها

فَبَيْنَا أنا في المَسْجِدِ إِذْ مرَّ بي شابّ من قُريش عليه حُلَّةٌ سابِغَة من تلك الحُلَلِ التي أرسَلَهَا إلَيَّ عمرُ ، وهو يجرُّها على الأرضِ جرّا

فذكرتُ لِمَنْ معي قول رسولَ اللّهِ صلى الله عليه وسلم :

" إنَّكم سَتَلْقَوْنَ أثرَةً من بعدي " ، وقلت : صَدَق رسول اللّهِ صلى الله عليه وسلم

فانْطَلَقَ رجلٌ إلى عمرَ رضي الله عنه واخْبَرَهُ بما قُلْتُ ، فجاءني مُسْرِعاً وأنا أصَلِّي فقال :

صَلّ يا أسَيْدُ :

فلمَّا قَضَيْتُ صلاتي أقبلَ علَّي ، وقال :

ماذا قلت ؟

فأخبَرْتُه بِما رَأيتُ وَبِما قَلْتُ

فقال : عفا اللّهُ عَنْكَ ، تِلْكَ حُلَّةٌ بَعَثْتُ بها إلى فلانٍ ، وهو أنصارِيّ عَقَبي بَدْرِيٌّ أحُدِيّ ، فشراها منه هذا الفَتَى القُرَشِيُّ وَلبِسَها

أفتَظُنُّ أن هذا الذي أخبرَ به رسولُ اللّهِ صلى الله عليه وسلم يكونُ في زماني ؟!!

فقال أسَيْدٌ رضي الله عنه :

واللّه يا أميرَ المؤمنين لقد ظننتُ أنَّ ذلك لا يكَونُ في زمانِك

لم يَعِشْ أسيدُ بن الحضيرِ بَعْدَ ذلك طويلاً ، فقد اختارَه اللّهُ إِلى جوارِه في عَهْدِ عمرَ رضى اللّهُ عنه وعَنْ عُمَرَ

فوُجِدَ أنَّ عليه دَيْناً مقدارهُ أربعةُ آلافِ دِرْهِمٍ ، فَهَمَّ وَرَثَتُهُ بِبَيْع أرضٍ له لِوَفاءِ دُيونِه فلما عَرَفَ عمرُ رضي الله عنه ذلك قال:

لا أتْرُكُ بني أخي أسَيْدٍ عالَةً على النَّاس

ثمَّ كَلَّمَ الْغُرَماءَ فَرَضُوا بأن يشتروا منه ثَمَرَ الأرضِ أربع سنين ، كلُّ سنةٍ بألْف

.:: رضي الله عن الصحابة أجمعين ::.

**********

الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
 
تلك الملائكة كانت
الرجوع الى أعلى الصفحة 
صفحة 1 من اصل 1
 مواضيع مماثلة
-
»  إذا كانت الملائكة لا تقرب جيفة الكافر فكيف ستسأله في القبر ؟
» #لا يصح#كيف تموت الملائكة؟..
» الملائكة الكروبيون
»  أناس تصلي عليهم الملائكة
» بعض أسماء الملائكة ووظيفة كل منهم

صلاحيات هذا المنتدى:لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى
اسلام ويب :: ۩✖ منتدي الاسلاميات العامه ۩✖ :: مقــــالات اســــلاميه :: مقـالات منـوعه-
انتقل الى: