اسلام ويب
هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.



 
الرئيسيةأحدث الصورالتسجيلدخول

من فقه الدعاء يقول سيدنا عمر بن الخطاب - رضي الله عنه -: "أنا لا أحمل همَّ الإجابة، وإنما أحمل همَّّ الدعاء، فإذا أُلهمت الدعاء كانت الإجابة معه". وهذا فهم عميق أصيل ، فليس كل دعاء مجابًا، فمن الناس من يدعو على الآخرين طالبًا إنزال الأذى بهم ؛ لأنهم ينافسونه في تجارة ، أو لأن رزقهم أوسع منه ، وكل دعاء من هذا القبيل ، مردود على صاحبه لأنه باطل وعدوان على الآخرين. والدعاء مخ العبادة ، وقمة الإيمان ، وسرّ المناجاة بين العبد وربه ، والدعاء سهم من سهام الله ، ودعاء السحر سهام القدر، فإذا انطلق من قلوب ناظرة إلى ربها ، راغبة فيما عنده ، لم يكن لها دون عرش الله مكان. جلس عمر بن الخطاب يومًا على كومة من الرمل ، بعد أن أجهده السعي والطواف على الرعية ، والنظر في مصالح المسلمين ، ثم اتجه إلى الله وقال: "اللهم قد كبرت سني ، ووهنت قوتي ، وفشت رعيتي ، فاقبضني إليك غير مضيع ولا مفتون ، واكتب لي الشهادة في سبيلك ، والموت في بلد رسولك". انظر إلى هذا الدعاء ، أي طلب من الدنيا طلبه عمر، وأي شهوة من شهوات الدنيا في هذا الدعاء ، إنها الهمم العالية ، والنفوس الكبيرة ، لا تتعلق أبدًا بشيء من عرض هذه الحياة ، وصعد هذا الدعاء من قلب رجل يسوس الشرق والغرب ، ويخطب وده الجميع ، حتى قال فيه القائل: يا من رأى عمرًا تكسوه بردته ** والزيت أدم له والكوخ مأواه يهتز كسرى على كرسيه فرقًا ** من بأسه وملوك الروم تخشاه ماذا يرجو عمر من الله في دعائه ؟ إنه يشكو إليه ضعف قوته ، وثقل الواجبات والأعباء ، ويدعو ربه أن يحفظه من الفتن ، والتقصير في حق الأمة ، ثم يتطلع إلى منزلة الشهادة في سبيله ، والموت في بلد رسوله ، فما أجمل هذه الغاية ، وما أعظم هذه العاطفة التي تمتلئ حبًا وحنينًا إلى رسول الله - صل الله عليهلم -: (أن يكون مثواه بجواره). يقول معاذ بن جبل - رضي الله عنه -: "يا بن آدم أنت محتاج إلى نصيبك من الدنيا ، وأنت إلى نصيبك من الآخرة أحوج ، فإن بدأت بنصيبك من الآخرة ، مرّ بنصيبك من الدنيا فانتظمها انتظامًا ، وإن بدأت بنصيبك من الدنيا ، فائت نصيبك من الآخرة ، وأنت من الدنيا على خطر). وروى الترمذي بسنده عن النبي - صل الله عليهلم -: أنه قال: ((من أصبح والآخرة أكبر همه جمع الله له شمله ، وجعل غناه في قلبه ، وأتته الدنيا وهي راغمة ، ومن أصبح والدنيا أكبر همه فرَّق الله عليه ضيعته ، وجعل فقره بين عينيه ولم يأته من الدنيا إلا ما كُتب له)). وأخيرًا .. أرأيت كيف أُلهم عمر الدعاء وكانت الإجابة معه ، وصدق الله العظيم إذ يقول: (وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ فَلْيَسْتَجِيبُوا لِي وَلْيُؤْمِنُوا بِي لَعَلَّهُمْ يَرْشُدُونَ) (186)" (البقرة:186).


 

 عمرو بن العاص .. فاتح مصر

اذهب الى الأسفل 
كاتب الموضوعرسالة


avatar


نقــاط : 100165
عمرو بن العاص .. فاتح مصر Oooo14
عمرو بن العاص .. فاتح مصر User_o10

عمرو بن العاص .. فاتح مصر Empty
مُساهمةموضوع: عمرو بن العاص .. فاتح مصر   عمرو بن العاص .. فاتح مصر Emptyالسبت 23 يونيو 2012 - 7:58

هو الصحابي الجليل عمرو بن العاص بن وائل، القرشي السهمي، يكنى أبا عبد الله وأبا محمد. كان في الجاهلية جزارًا، وكان يحترف التجارة أيضًا، فقد كان يسافر بتجارته إلى الشام واليمن ومصر والحبشة. كما كان من فرسان قريش وأبطالهم المعدودين، مذكورًا بذلك فيهم، وكان أيضًا شاعرًا حسن الشعر، حفظ عنه الكثير في مشاهد شتى. كما كان معدودًا أيضًا من دهاة العرب وشجعانهم وذوي آرائهم، ولذلك أرسلته قريش إلى النجاشي ملك الحبشة ليرد عليهم من هاجر من المسلمين إلى بلاده.

وبعد أن رجع من الحبشة، وفي سنة ثمانٍ من الهجرة، وقبل الفتح بنحو ستة أشهر قدم هو وخالد بن الوليد وعثمان بن طلحة المدينة مسلمين، فلما دخلوا على رسول الله ونظر إليهم قال: "قد رمتكم مكة بأفلاذ كبدها". وكان قد همّ بالإقبال إلى رسول الله في حين انصرافه من الحبشة، ثم لم يعزم له إلى ذلك الوقت.

ولما أسلم كان النبي يقربه ويدنيه لمعرفته وشجاعته، وقد بعث إليه رسول الله يومًا يقول له: "خذ عليك ثيابك وسلاحك ثم ائتني". قال عمرو: فأتيته وهو يتوضأ فصعّد فيَّ النظر، ثم طأطأه فقال: "إني أريد أن أبعثك على جيش فيُسلمك الله ويغنمك، وأرغب لك من المال رغبة صالحة". قال: قلت: يا رسول الله، ما أسلمت من أجل المال، ولكني أسلمت رغبة في الإسلام، وأن أكون مع رسول الله . فقال: "يا عمرو، نعم المال الصالح للمرء الصالح".

وقد كان من أهم ملامح شخصيته ما يلي:

1- يفزع إلى الله ورسوله:

فقد أخرج ابن حبان في صحيحه عنه أنه قال: فزع الناس بالمدينة مع النبي فتفرقوا، فرأيت سالمًا مولى أبي حذيفة احتبى بسيفه وجلس في المسجد، فلما رأيت ذلك فعلت مثل الذي فعل، فخرج رسول الله فرآني وسالمًا، وأتى الناس فقال رسول الله : "يا أيها الناس، ألا كان مفزعكم إلى الله ورسوله! ألا فعلتم كما فعل هذان الرجلان المؤمنان؟".

2- شهد له رسول الله بالإيمان:

وفي ذلك أخرج الحاكم في المستدرك عن أبي هريرة أنه قال: قال رسول الله : "ابنا العاص مؤمنان، هشام وعمرو".

3- أميرٌ عليم بالحرب:

فقد ذكر ابن حجر في الإصابة من طريق الليث قال: نظر عمر إلى عمرو يمشي، فقال: ما ينبغي لأبي عبد الله أن يمشي على الأرض إلا أميرًا.

وأخرج الحاكم أيضًا في المستدرك عن عبد الله بن بريدة عن أبيه رضي الله عنهما قال: بعث رسول الله عمرو بن العاص في غزوة ذات السلاسل وفيهم أبو بكر وعمر رضي الله عنهما، فلما انتهوا إلى مكان الحرب أمرهم عمرو أن لا ينوروا نارًا، فغضب عمر وهمَّ أن ينال منه، فنهاه أبو بكر وأخبره أنه لم يستعمله رسول الله عليك إلا لعلمه بالحرب، فهدأ عنه عمر .

كما يحكي هو عن نفسه فيما أخرجه الحاكم أيضًا فيقول: "ما عدل بي رسول الله وبخالد بن الوليد أحدًا من أصحابه في حربه منذ أسلمنا".

4- شديد التواضع:

وهو فوق ذلك متواضع شديد التواضع، وقد أخرج ابن المبارك عن جرير بن حازم قال: سمعت عبد الله بن عبيد بن عمير يقول: مَرَّ عمرو بن العاص فطاف بالبيت فرأى حلقة من قريش جلوسًا، فلما رأوه قالوا: أهشام (أخو عمرو) كان أفضل في أنفسكم أو عمرو بن العاص؟ فلما فرغ من طوفه جاء فقام عليهم فقال: إني قد علمت أنكم قد قلتم شيئًا حين رأيتموني، فما قلتم؟ قالوا: ذكرناك وهشامًا فقلنا: أيهما أفضل؟ فقال: سأخبركم عن ذلك, إنا شهدنا اليرموك فبات وبِتُّ في سبيل الله وأسأله إياها، فلما أصبحنا رُزِقَهَا وحُرِمْتُهَا، ففي ذلك تبين لكم فضله عليَّ.

وقد ولاه رسول الله غزاة ذات السلاسل، وأمده بأبي بكر وعمر وأبي عبيدة بن الجراح، ثم استعمله على عُمان فمات وهو أميرها، ثم كان من أمراء الأجناد في الجهاد بالشام في زمن عمر، وهو الذي افتتح قِنَّسْرِين وصالح أهل حلب ومَنْبج وأنطاكية وولاه عمر فلسطين، هذا غير جهاده العظيم في حروب الردة.
جهاده في حرب الردة

مات الرسول وعمرو بعُمان، فأقبل حتى انتهى إلى البحرين فوجد المنذر بن ساوى في الموت، ثم خرج عنه إلى بلاد بني عامر فنزل بقُرَّة بن هبيرة وهو يقدم رِجلاً إلى الردة ويؤخر أخرى ومعه جيش من بني عامر، فأكرم قُرَّة مثواه، فلما أراد عمرو الرحلة خلا به قرة وقال: يا هذا، إن العرب لا تطيب لكم نفسًا بالإتاوة، فإن أعفيتموها من أخذ أموالها فتسمع لكم وتطيع، وإن أبيتم فلا تجتمع عليكم. فقال عمرو: أكفرت يا قرة؟ أتخوفنا بالعرب؟! فوالله لأُوطِئَنَّ عليك الخيل في حفش أمك. (والحفش: بيت ينفرد فيه النفساء).

ومر بمسيلمة الكذاب فأعطاه الأمان، فقال له عمرو: "اعرض لي ما تقول". فذكر مسيلمة بعض كلامه، فقال عمرو: "والله إنك لتعلم إنك من الكاذبين" فتوعده مسيلمة.

ولما وصل عمرو المدينة وعقد أبو بكر أحد عشر لواء لحرب أهل الردة، عقد لعمرو وأرسله إلى قضاعة، وكان قد حاربهم في حياة النبي في غزوة ذات السلاسل، وكانت قضاعة قد ارتدت بعد وفاة النبي ، فلما أنفذ إليهم أبو بكر جيشًا بقيادة عمرو، سار عمرو بجيشه في الطريق الذي سلكه من قبل حتى وصل بلاد قضاعة، فأعمل السيف في رقابهم وغلبهم على أمرهم، فعادوا إلى الإسلام، وعاد هو إلى المدينة حاملاً لواء النصر.
جهاده في أرض الشام

رد أبو بكر عَمْرًا إلى عمله الذي كان رسول الله ولاه إياه في (عُمان)، فلما أراد إرسال الجيوش لفتح أرض الشام كتب أبو بكر لعمرو: "إني كنت قد رددتك على العمل الذي ولاك رسول الله ووعدك به أخرى؛ إنجازًا لمواعيد رسول الله وقد وليته، وقد أحببت أن أفرغك لما هو خير لك في الدنيا والآخرة، إلا أن يكون الذي أنت فيه أحب إليك". فكتب إليه عمرو: "إني سهم من سهام الإسلام، وأنت بعد الله الرامي والجامع لها، فانظر أشدها وأخشاها وأفضلها فارمِ به شيئًا إن جاءك من ناحية من النواحي".

فعقد أبو بكر لعمرو وأمره أن يسلك طريق (أيلة) عامدًا إلى فلسطين، وكان العقد لكل أمير من أمراء الشام في بدء الأمر ثلاثة آلاف رجل، فلم يزل أبو بكر يتبعهم الإمداد حتى صار مع كل أمير سبعة آلاف وخمسمائة، وكان جيش عمرو مؤلفًا من أهل مكة والطائف وهوازن وبني كلاب، وقال أبو بكر لعمرو: "قد وليتك هذا الجيش، فانصرف إلى أرض فلسطين، وكاتب أبا عبيدة وانجده إذا أرادك ولا تقطع أمرًا إلا بمشورته". فأقبل عمرو على عمر بن الخطاب وقال له: "يا أبا حفص، أنت تعلم شدتي على العدو وصبري على الحرب، فلو كلمت الخليفة أن يجعلني أميرًا على أبي عبيدة، وقد رأيت منزلتي عند رسول الله ، وإني لأرجو أن يفتح الله على يدي البلاد ويهلك الأعداء". فقال عمر بن الخطاب: "ما كنت بالذي أكلمه في ذلك؛ فإنه ليس على أبي عبيدة أمير، ولَأَبو عبيدة أفضل منزلة منك وأقدم سابقة منك، والنبي قال فيه: "أبو عبيدة أمين الأمة". فقال عمرو: "ما ينقص من منزلته إذا كنت واليًا عليه؟!" فقال عمر: "ويلك يا عمرو! إنك ما تطلب بقولك هذا إلا الرياسة والشرف، فاتقِ الله ولا تطلب إلا شرف الآخرة، ووجه الله تعالى". فقال عمرو: "إن الأمر كما ذكرت".

وما كادت جيوش المسلمين تصل أرض الشام، حتى بعث هرقل قادته وجيوشه باتجاه قادة وجيوش المسلمين، فكان "تذارق" شقيق هرقل أمام عمرو على رأس جيش عدده تسعون ألفًا، ولكن قادة المسلمين فوتوا على الروم فرصة ضرب جيوش المسلمين على انفراد؛ إذ كاتبوا عَمْرًا: ما الرأي؟ فأجابهم: "إن الرأي لمثلنا الاجتماع، فإن مثلنا إذا اجتمعنا لا نغلب من قلة، وإذا نحن تفرقنا لا تقوم كل فرقة لمن استقبلها لكثرة عدونا". وكتبوا إلى أبي بكر فأجابهم مثل جواب عمرو، وقال: "إن مثلكم لا يؤتى من قلة وإنما يؤتى العشرة آلاف من الذنوب، فاحترسوا منها، واجتمعوا باليرموك".

واجتمع المسلمون باليرموك، واجتمع الروم بها أيضًا، فنزل الروم (الواقوصة)، وهي على ضفة اليرموك خندقًا لهم، وانتقل المسلمون عن معسكرهم فنزلوا على طريق الروم وليس للروم طريق إلا عليهم، قال عمرو: "أيها الناس أبشروا، حصرت - والله - الروم، وقلما جاء محصور بخير".

وفي معركة اليرموك الحاسمة كان عمرو على الميمنة، فكان له أثر كبير على انتصار المسلمين في هذه المعركة، وفي معركة فتح دمشق نزل عمرو بجيشه من ناحية باب (توما)، وبعد فتحها سار المسلمون نحو (فحل) وعليهم شرحبيل ابن حسنة، وكان عمرو وأبو عبيدة بن الجراح على المجنبتين، فانتصر المسلمون على الروم أيضًا. كما شهد مع شرحبيل فتح (بيسان وطبرية)، وصالحا أهل الأردن.

وعلم عمرو أن الروم حشدوا جيوشهم وعلى رأسها قائد فلسطين أرطبون في أجنادين، فسار عمرو ومعه شرحبيل ابن حسنة واستخلف على الأردن أبا الأعور السلمي، وكان الأرطبون أدهى الروم وأبعدها غورًا، وكان قد وضع بالرملة جندًا عظيمًا، و(بإيلياء) جندًا عظيمًا أيضًا، فلما بلغ عمر بن الخطاب الخبر قال: "رمينا أرطبون الروم بأرطبون العرب (يقصد عَمْرًا)، فانظروا عما تنفرج".

وكان معاوية بن أبي سفيان قد شغل أهل قيسارية عن عمرو، كما جعل عمرو علقمة بن حكيم الفارسي ومسروق العكي وجعل أبا أيوب المالكي بالرملة، فشغل هؤلاء القادة القوات الرومانية عن قوات عمرو الأصلية.

وأقام عمرو على أجنادين لا يقدر على الأرطبون ولا تشفيه الرسل، فسار إليه بنفسه ودخل عليه كأنه رسول، ففطن به الأرطبون، وقال: لا شك أن هذا هو الأمير أو من يأخذ الأمير برأيه. فأمر رجلاً أن يقعد على طريقه ليقتله إذا مرَّ به، وفطن عمرو إلى غدر الأرطبون فقال له: "قد سمعت مني وسمعت منك، وقد وقع قولك مني موقعًا، وأنا واحد من عشرة بعثنا عمر بن الخطاب مع هذا الوالي لنكاتفه ويشهدنا أموره، فأرجع فآتيك بهم الآن، فإن رأوا في الذي عرضت مثل الذي أرى فقد رآه أهل العسكر والأمير، وإن لم يروه رددتهم إلى مأمنهم، وكنت على رأس أمرك". فقال الأرطبون: نعم، ورد الرجل الذي أمره بقتل عمرو. فخرج عمرو من عند الأرطبون، فعلم الرومي بأن عمرًا خدعه، فقال: "خدعني الرجل! هذا أدهى الخلق". وبلغت خديعته عمر بن الخطاب فقال: "لله دَرُّ عمرو!".

وقد عرف عمرو من استطلاعه الشخصي هذا نقاط الضعف في مواضع الروم، فهاجمهم واقتتلوا قتالاً شديدًا كقتال اليرموك حتى كثرت القتلى بينهم، ولكن أرطبون انهزم فأوى إلى (إيلياء) ونزل عمرو أجنادين، وانضم علقمة ومسروق وأبو أيوب إلى عمرو بأجنادين.

ولما دخل أرطبون إيلياء فتح عمرو غزة وسَبَسْطِية ونابُلُس واللُّدّ ويُبْنَى وعَمَواس وبيت جِبْرين ويافا ورفح، وقدم عليه أبو عبيدة بن الجراح وهو محاصر بإيلياء وهي بيت المقدس، فطلب أهل إيلياء من أبي عبيدة الصلح على مثل ما صولح عليه أهل مدن الشام على أن يكون المتولي للعقد لهم عمر بن الخطاب نفسه، فكتب أبو عبيدة إلى عمر بذلك، فقدم عمر وأنفذ صلح (إيلياء) وكتب لهم به عهدًا.

وحاصر عمرو قيسارية بعد فتح بيت المقدس، ولكنه خرج إلى مصر فتولى فتحها معاوية بن أبي سفيان. لقد شهد عمرو أكثر معارك فتح أرض الشام، وكان فتح أكثر فلسطين على يديه.
عمرو بن العاص.. شبهات وردود

قلما تجد فاضلاً ليس له حساد ومفترون، وهذا الأمر لم يسلم منه عمرو بن العاص ؛ فقد اختُلق في حقه قصة باطلة بصفين بين علي ومعاوية رضي الله عنهما.

يقول نصر بن مزاحم الكوفي: وحمل أهل العراق وتلقاهم أهل الشام فاجتلدوا، وحمل عمرو بن العاص فاعترضه عليّ وهو يقول:

قد علمت ذاتُ القُرون الميل ... والخِصر والأنامل الطَّفول

إلى أن يقول: ثم طعنه فصرعه، واتقاه عمرو برجله فبدت عورته، فصرف علي وجهه عنه وارتُثَّ، فقال القوم: أفلت الرجل يا أمير المؤمنين. قال: وهل تدرون من هو؟ قالوا: لا. قال: فإنه عمرو بن العاص، تلقاني بعورته فصرفت وجهي.

وذكر القصة أيضًا ابن الكلبي، كما ذكرها السهيلي في الروض الأنف، وقال عن قول علي (إنه اتقاني بعورته فأذكرني الرَّحِمَ): "ويُروى مثل ذلك عن عمرو بن العاص مع علي يوم صفين، وفي ذلك يقول الحارث بن النضر الشهمي رواه ابن الكلبي وغيره:

أفي كل يوم فارس غير منته ... وعورته وسط العجـاجة بادية

يكف لها عنه عليٌّ سـنانه ... ويضحك منه في الخلاء معاوية

والرد على هذا الافتراء والإفك المبين كالآتي:

فراوي الرواية الأولى نصر بن مزاحم الكوفي صاحب وقعة صفين شيعي جَلْد، لا يستغرب عنه كذبه وافتراؤه على الصحابة، قال عنه الذهبي في الميزان: نصر بن مزاحم الكوفي رافضي جَلْد، متروك، قال عنه العقيلي: شيعي، في حديثه اضطراب وخطأ كثير. وقال أبو خيثمة: كان كذابًا. وقال عنه ابن حجر: قال العجلي: كان رافضيًّا غاليًا، ليس بثقة ولا مأمون. وأما الكلبي هشام بن محمد بن السائب الكلبي، فقد اتفقوا على غلوه في التشيع. قال الإمام أحمد: من يحدث عنه؟! ما ظننت أن أحدًا يحدث عنه. وقال الدارقطني: متروك.

وعن طريق هذين الرافضين سارت هذه القصة في الآفاق، وتلقفها من جاء بعدهم من مؤرخي الشيعة وبعض أهل السنة ممن راجت عليهم أكاذيب الرافضة، وتُعدُّ هذه القصة أُنموذجًا لأكاذيب الشيعة الروافض وافتراءاتهم على صحابة رسول الله، فقد اختلق أعداء الصحابة من مؤرخي الرافضة مثالب لأصحاب رسول الله وصاغوها على هيئة حكايات وأشعار لكي يسهل انتشارها بين المسلمين، هادفين إلى الغَضِّ من جناب الصحابة الأبرار في غفلة من أهل السنة الذين وصلوا متأخرين إلى ساحة التحقيق في روايات التاريخ الإسلامي، بعد أن طارت تلكم الأشعار والحكايات بين القصّاص، وأصبح كثير منها من المُسلَّمات، حتى عند مؤرخي أهل السنة للأسف!
ولاية عمرو بن العاص على مصر

وَلَّى معاوية بن أبي سفيان عمرو بن العاص على مصر عام 41هـ، وهذا من باب وضع الرجل المناسب في المكان المناسب، فعمرو فاتح مصر وواليها على عهد عمر وعثمان رضوان الله عليهم، وهو أقرب الناس لتولي هذه الولاية المهمة.

وقد تكاثرت الروايات الموضوعة والضعيفة في العلاقة بين عمرو ومعاوية رضي الله عنهما، واشتمل على مغامز خفية ومعلنة على الرجلين، وتشير بعضها إلى أن معاوية قد أعطى ولاية مصر لعمرو بن العاص مكافأة له نظير وقوفه إلى جانبه أثناء الفتنة التي أعقبت استشهاد عثمان بن عفان . وفي ذلك يقول الدكتور علي محمد الصلابي: "وهذا الأمر قد بينته في كتابي عن علي بن أبي طالب بأن وقوف عمرو بن العاص مع معاوية في المطالبة بالتعجيل بتطبيق القصاص على قتلة عثمان لم يكن تضامنًا من عمرو مع شخص معاوية، بل كان نابعًا من اجتهاد عمرو الشخصي في هذه المسألة، حيث رأى الأخذ بالقوة من قتلة عثمان على الفور، فكان هذا الاجتهاد من عمرو بن العاص متطابقًا مع اجتهاد معاوية بن أبي سفيان في القضية نفسها".

وقد كانت ولاية عمرو بن العاص على مصر ذات صلاحيات واسعة بسبب ما كان يتمتع به من مقدرة إدارية فائقة، وقابليات سياسية وعسكرية متميزة، فقد واصل فتوحات الشمال الأفريقي ونظم أمر العطاء والإعمار والبناء والزراعة والري بمصر، وقد بقي في ولاية مصر حتى وفاته عام 43هـ.
إعطاء مصر طُعْمَة لعمرو بن العاص

تتعدد الروايات التي تنص على أن معاوية أعطى مصر طعمة لعمرو بن العاص لقاء تأييد الأخير له في حربه ضد علي بن أبي طالب رضوان الله عليهم.

وجُلُّ هذه الأخبار تحوي روحًا عدائية لعمرو ومعاوية، وتصور اتفاقهما على حرب عليّ، كما لو كانت مؤامرة دنيئة أو صفقة مريبة، خان فيها الرجلان ربهما، ودينهما، وتاريخهما، مقابل عَرَضٍ زائل أو نصر سريع، وكأنه من المستحيل أن يبذل ابن العاص نصرة لقضية اجتمع حولها آلاف الرجال من الشام وغيرها، وهي الطلب بدم عثمان إلا إذا نال ولاية مصر وخراجها لنفسه.

وبعض هذه الروايات تحوي سُبابًا لهذين الصحابيين، كأن تزعم أن عَمرًا فضل ولاية مصر على حُسنَى الآخرة وصرح بذلك؛ فقال: "إنما أردنا هذه الدنيا"، أو أنه قال لمعاوية: "لا أعطيك من ديني حتى آخذ من دنياك"، أو قوله: "إنما أُبايعك بها ديني" (أي بمصر)، أو قوله لمعاوية: "ولولا مصر وولاياتها لركبت المنجاة منها؛ فإني أعلم أن علي بن أبي طالب على الحق وأنت على ضده". إلى غير ذلك من الروايات.

وهي روايات باطلة وموضوعة عند المسعودي، وكتاب الإمامة والسياسة المنسوب لابن قتيبة وغيرها، تمسخ عمرو بن العاص إلى رجل مصالح، وصاحب مطامع وراغب دنيا.

وقد تأثر بالروايات الضعيفة والموضوعة والسقيمة مجموعة من الكتاب والمؤرخين، فأهووا بعمرو إلى الحضيض، كالذي كتبه محمود شيت خطاب، وعبد الخالق سيد أبو رابية، وعباس محمود العقاد الذي يتعالى عن النظر في الإسناد، ويستخف بقارئه، ويظهر له صورة معاوية وعمرو رضي الله عنهما بأنهما انتهازيان، صاحبا مصالح، ولو أجمع النقاد التاريخيون على بطلان الروايات التي استند إليها في تحليله، فهذا لا يعني للعقاد شيئًا.

فقد قال بعد أن ذكر روايات ضعيفة واهية لا تقوم بها حجة: "وليقل الناقدون التاريخيون ما بدا لهم أن يقولوا في صدق هذا الحوار، وصحة هذه الكلمات وما ثبت نقله ولم يثبت منه سنده ولا نصه، فالذي لا ريب فيه، ولو أجمعت التواريخ قاطبة على نقضه أن الاتفاق بين الرجلين، كان اتفاق مساومة ومعاونة على الملك والولاية، وأن المساومة بينهما كانت على النصيب الذي آل إلى كل منهما، ولولاه ما كان بينهما اتفاق".

وهناك عدة دلائل ترد على الروايات الضعيفة، والموضوعة والسقيمة التي لاقت رواجًا واستقرارًا في تشويه عمرو بن العاص ومعاوية بالظلم والبهتان، منها ما عرف من صحة إسلام وتقوى معاوية بن أبي سفيان وعمرو بن العاص، وتاريخهما المضيء في خدمة دين الله منذ أسلما.

ففي معاوية يكفي دعاء رسول الله عندما قال: "اللهم اجعله هاديًا مهديًّا، واهدِ به". وقوله : "اللهم علم معاوية الكتاب والحساب، وقهِ العذاب". وأما عمرو بن العاص فقد شهد له رسول الله بالإيمان حيث قال: "أسلم الناس وآمن عمرو بن العاص". وفي حديث آخر - كما قدمنا - قال: "ابنا العاص مؤمنان: عمرو وهشام". وقول رسول الله : "وصدق عمرو، إن لعمرو عند الله خيرًا كثيرًا".

وعلى هذا فإن بيعة عمرو لمعاوية في عهد عليّ كانت على الطلب بدم عثمان ، فقد كان تأثُّر عمرو بمقتل عثمان عظيمًا، فعندما سمع خبر مقتل عثمان ارتحل راجلاً يبكي، ويقول: يا عثماناه، أنعي الحياء والدين. حتى قدم دمشق، فقد كان من أقرب أصحابه وخلانه ومستشاريه، وكان يدخل في الشورى في عهد عثمان من غير ولاية، ومضى إلى معاوية ليتعاونا معًا على الاقتصاص من قتلة عثمان، والثأر للخليفة الشهيد، لقد كان مقتل عثمان كافيًا لأن يحرك كل غضبه على أولئك المجرمين السفاكين، وكان لا بد من اختيار مكان غير المدينة للثأر من هؤلاء الذين تجرءوا على حرم رسول الله وقتلوا خليفته على أعين الناس.

وأي غرابة أن يغضب عمرو لعثمان؟! وإن كان هناك من يشك في هذا الموضوع، فمداره على الروايات المكذوبة التي تصور عَمرًا: كل همه السلطة والحكم.

ومن الدلائل على بطلان فرية إعطاء مصر طُعْمة لعمرو بن العاص ما ذكره أبو مخنف - أحد رواة الفرية السابقة - أن دفع معاوية لجيشه إلى فتح مصر وأخذها من يد أنصار علي بن أبي طالب سنة 38هـ، وكان عمرو قائده في هذه الحملة، أنه كان يرجو أن يكون إذا ظهر عليها ظهر على حرب عليّ لعظم خراجها. فكيف يهب معاوية ذلك الخراج كله لعمرو بن العاص وهو في مسيس الحاجة إليه؟!

ومن الدلائل أيضًا: أن معاوية كتب بعد استخلافه إلى عامله على خراج مصر وردان أن زد على كل امرئ من القبط قيراطًا، فرد عليه: كيف وفي عهدهم أن لا يزاد عليهم؟! ولم يلِ وردان خراج مصر لمعاوية إلا في ولاية عمرو بن العاص؛ لأن من ولوا مصر بعد موت عمرو، وهم: عتبة بن أبي سفيان، وعقبة بن عامر، ومسلمة بن مخلد، كانوا يتولون صلاتها وخراجها، وهذه الرواية صريحة قاطعة في الدلالة على اهتمام معاوية بزيادة حصيلة الخراج في مصر، وفي ولاية عمرو بن العاص عليها.

وهذا الاهتمام لا معنى له إلا إذا كان فائض الخراج في مصر يحمل إلى معاوية في دمشق ليواجه به وجوه الإنفاق المتنوعة، كما أن معاوية لم يكن يستحل أن يتنازل عن خراج مصر وهي من أغنى الأقاليم للدولة الإسلامية آنذاك لفرد واحد، وهو يعلم أنه حق الأمة كلها، وأنه لا يملك التنازل عنه. وقد روى ابن تميمة عن عطية بن قيس قال: سمعت معاوية بن أبي سفيان يخطبنا يقول: إن في بيت ملكم فضلاً بعد أعطياتكم، وإني قاسمه بينكم، فإن كان يأتينا فضل عام قابل قسمناه عليكم، وإلا فلا عتبة عليّ؛ فإنه ليس بمالي وإنما هو مال الله الذي أفاءَه عليكم.

وإذا أضفنا إلى ذلك ما نعرفه من تنافس الأمصار الإسلامية مع بعضها، ووجود معارضة للأمويين في مصر كانت حديثة العهد منذ تبعية مصر لعلي بن أبي طالب حتى دخلها عمرو بن العاص سنة 38هـ، لازددنا يقينًا أن أهلها لم يكونوا يقبلون ما يزعمه الرواة حول إعطائها طعمة لعمرو بن العاص .

وعلى ذات السبيل نذكر أن من رجال مصر من بذل في سبيل نصرة معاوية مثلما بذل عمرو بن العاص، إن لم يَفُقْهُ، كمعاوية بن حَدِيج وأصحابه من العثمانية، وهؤلاء لا يقبلون بحال أن يمتاز عمرو عليهم كل هذا الامتياز، ونذكر أن معاوية بن حديج هذا قد أرجع ابن أخت معاوية عبد الرحمن بن أم الحكم الذي ولاه معاوية مصر، من قبل أن يدخلها، ورفض أن يتولى إمارتهم، ورده إلى الشام على نحو غير كريم، فما استطاع معاوية أن يُغضِب ابن حديج
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل


avatar


نقــاط : 100165
عمرو بن العاص .. فاتح مصر Oooo14
عمرو بن العاص .. فاتح مصر User_o10

عمرو بن العاص .. فاتح مصر Empty
مُساهمةموضوع: رد: عمرو بن العاص .. فاتح مصر   عمرو بن العاص .. فاتح مصر Emptyالسبت 23 يونيو 2012 - 7:59

لم يكن فتح مصر عشوائيًّا، وإنما كان ذلك بخطة محكمة ودراسة مسبقة، ويرجع السبب في ذلك إلى عدة عوامل؛ منها ما هو ديني أو عسكري أو سياسي أو اقتصادي أو غير ذلك.
1- الدافع الديني:

فتح مصريتمثل هذا الدافع في رغبة المسلمين في الاضطلاع بأعباء الدعوة الإسلامية العالمية، وضرورة أداء أمانة تبليغها إلى العالمين لإبراء الذمة أمام الله U، وقد سبق للمسلمين في عهد الرسول r دعوة المقوقس إلى الإسلام سلميًّا، فقد أرسل له النبي r الصحابي الجليل حاطب بن أبي بلتعة، وكذلك أبو بكر الصديق t أرسل إليه حاطبًا مرة أخرى، وفي عهد عمر بن الخطاب t أرسل إليه كعب بن عدي بن حنظلة التنوخي، فما كان من المقوقس إلا أن اكتفى بالرد الحسن.

ولما كانت مصر خاضعة للإمبراطورية البيزنطية كان من الضروري مواجهة جند هذه الإمبراطورية على أرض مصر؛ ذلك أنهم يحولون بين المصريين وبين الدخول في الإسلام.

لقد تطلع المسلمون إلى فتح مصر بعد ورودها في كثير من المواضع في القرآن الكريم عند التعرض لقصص الأنبياء الأولين، وتبشير النبي r صحابته بفتحها وتنويهه بجندها، وتوصيته بأهلها خيرًا، ومن أجل ذلك كله حرص المسلمون على فتحها.
2- الدافع العسكري:

كان هذا الفتح طبيعيًّا لأن مصر هي الامتداد الطبيعي الجنوبي لفلسطين، كما أن فتح ما فُتِحَ من مدن فلسطينية قد أجهد البيزنطيين، ولا بد من ضربة قاصمة لوجودهم في هذه الأماكن الجنوبية فكان ذلك.

ومن ناحية أخرى فإن "أرطبون" قائد بيت المقدس قد انسحب منها بنظام إلى مصر لإعادة المقاومة، ودفع المسلمين عن الشام ثانية، ولذلك استدعى الأمر مباغتة هؤلاء والإيقاع بهم قبل تزايد خطرهم واستعمال قوتهم.

كما أن الاستيلاء على ما في مصر من ثغور وسفن سوف يمكِّن المسلمين من إخضاع مدن الشام الشمالية الواقعة على البحر المتوسط، والتي كانت لا تزال تقاوم المسلمين، ففتح مصر ضرورة حربية ملحة تكميلاً لفتح بلاد الشام؛ لأن الإمبراطورية البيزنطية كانت تسيطر على الشام ومصر وبلاد المغرب، وتلك البلاد -عسكريًّا- تعد منطقة واحدة؛ إذ إن فتح جزء منها يستلزم فتح الأجزاء الأخرى نتيجة التعرض للصدام مع عدو واحد يحتلها.

وكذلك كان من الممكن عند إغفال فتح مصر مهاجمة البيزنطيين دار الخلافة عن طريق البحر الأحمر، فتهبط قواتهم إلى ميناء جدة أو الجار، وتتم مهاجمة الحجاز.

وكان من دواعي فتح مصر أيضًا أن البيزنطيين حاولوا استرداد الشام من المسلمين، وأرادوا عرقلة جهودهم للتوجه جنوبًا، وهاجموهم من شمال الشام، فشعر المسلمون أنهم محاصرون بين قوات بيزنطة في آسيا الصغرى وقواتهم في مصر.

أضف إلى ذلك أيضًا سهولة فتح مصر الذي لن يكلف العرب المسلمين سوى القليل من الأرواح والأموال؛ لقلة التحصينات بها.

كما أن معرفة عمرو بن العاص t لمصر ودرايته بها، وهو القائد المختار لفتح البلاد، وَفَّرَ على المسلمين كثيرًا من المعاناة والتكاليف. إضافة إلى أن أغلب الجند الذين اشتركوا في الفتح كانوا من العناصر اليمنية، وأغلبهم من قبيلتي غافق وعك على وجه الخصوص، وهؤلاء اليمانية مهروا في قتال الحصون الساحلية، واشتركوا مع عمرو في فتح الحصون ببلاد الشام، فهم أقدر الناس على فتح مصر ومعالجة شئونها العسكرية، كما كانوا على دراية ببناء المدن واختطاطها، والإلمام بالزراعة، فهم من هذه الناحية العسكرية أقدر الناس على تفهم أمور مصر ومعالجة شئونها.
3- الدافع السياسي الاقتصادي:

وهو يتعلق بما تَجَمَّع لدى المسلمين من معلومات عن أوضاع مصر السيئة في ظل حكم البيزنطيين، وما تَرَدَّتْ إليه أوضاعها الاقتصادية نتيجة المظالم المادية، والنهب المنظم لثروات البلاد لصالح الغرباء عنها.

ويُضَافُ إلى ذلك الصراع الديني المذهبي الذي أَجَّجَ العداوة والأحقاد بين عامة الشعب من القبط، وبين البيزنطيين.

أدرك المسلمون ذلك كله، وأدركوا معه غنى مصر وثراءها، وعلموا أن ضمها إلى بلدان الإسلام يضمن انتعاشًا في اقتصاد المسلمين، ويوفر لهم الأموال التي تساعد على مزيد من الفتوح، إضافة إلى أن مصر كانت مركزًا رئيسيًّا لتمويل بيزنطة بالقمح، ومع انهيار الجيش البيزنطي، وما حَلَّ بمصر من ضعف وانقسام كانت الفرصة مواتية للإقدام على فتح مصر.
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل


avatar


نقــاط : 100165
عمرو بن العاص .. فاتح مصر Oooo14
عمرو بن العاص .. فاتح مصر User_o10

عمرو بن العاص .. فاتح مصر Empty
مُساهمةموضوع: رد: عمرو بن العاص .. فاتح مصر   عمرو بن العاص .. فاتح مصر Emptyالسبت 23 يونيو 2012 - 7:59

جاء الفتح الإسلامي لمصر عام 640 - 642م، وهذا الفتح لم يكن على أي نسقٍ سابق أو لاحق، وبالرغم من أن الفتح الإسلامي قد محا كل أثر لأي غزو سابق، وبالرغم من أن أرض الكنانة مصر تعرضت لغزوات واحتلال بعد ذلك، فإن أيًا منها لم يستطع أن يغير شيئًا من نتائج الفتح الإسلامي على يد عمرو بن العاص في عهد الخليفة الراشد عمر بن الخطاب رضي الله عنهما.

وعلى إثر هذا الفتح ظلت مصر عربية إسلامية إلى يومنا هذا، وإلى أن تقوم الساعة بإذن الله، وكان دخول المسلمين مصر في أعقاب دول وحضارات سبقت، بدأت بالفرعونية ثم الرومانية فالقبطية والبيزنطية.

المقوقس:
لم تكن كلمه "المقوقس" اسما لرجل، إنما كانت لقبا أو اسما لوظيفة، فهي كلمة يونانية معناها المفخم أو المبجل، كما نقول اليوم: صاحب الجلالة أو السمو، أو عظمة السلطان أو فخامة الرئيس. وقد ظهر هذا اللفظ أول ما ظهر في تاريخنا في رسالة النبي صلى الله عليه وسلم إلى المقوقس عظيم القبط، ثم عاد إلى الظهور مرة أخرى في أحداث فتح مصر.

ونذهب إلى أنه لم يكن مقوقسا واحدا، إنما كان هناك مقوقسان: أولهما الذي تلقى رسالة النبي صلى الله عليه وسلم، وكان اسمه جورج، وكما قال عنه الرواة المسلمون: جريج بن قرقب الرومي، وكان هو الحاكم الرومي من قِبَلِ القسطنطينية، وكانت رسالة النبي صلى الله عليه وسلم إليه تدعوه إلى الإسلام، وبالرغم من أنه لم يسلم لكنه أجاب جوابا جميلا، وبعث إلى النبي صلى الله عليه وسلم ببعض الهدايا.

أما المقوقس الثاني فقد ذكرته المصادر العربية باسم "فيرس"، وكتبها بعضهم "قيرس"، ونختار أن نكتبها كما تنطق وهي سيروس Cyrus وهو اسم مازال معروفا عند اليونانيين وغيرهم، وكان هو الحاكم الرومي من قبل هرقل على ولاية مصر، كما كان البطرك الملكاني لكنيسة الإسكندرية، فاجتمعت في يده السلطتان.

وبعض من كتب ذهب إلى أنه كان مصريا قبطيا، وبعضهم استند إلى رسالة النبي صلى الله عليه وسلم إليه التي استهلها بعبارة: «من محمد رسول الله إلى المقوقس عظيم القبط»، ويبنون على ذلك أنه كان من القبط، ولكن في روايات واضحة أنه كان من الروم، وفى أوضاع كالتي كانت في مصر حينذاك كان عظيم القبط من الروم.

كانت الكنيسة قد انشقت إلى كنيستين: الكنيسة اليعقوبية في الإسكندرية، وتقول بأن للمسيح إرادة واحدة وطبيعة واحدة إلهية، والكنيسة البيزنطية، وتقول بأن للمسيح إرادة واحدة وطبيعتين. وأراد هرقل - كما أشرنا - التوفيق بين الكنيستين، وابتدع سرجيوس بطرك القسطنطينية بدعة جديدة بأن للمسيح إرادة واحدة وأن يمتنع الناس عن الخوض في طبيعته، وتبنى هرقل هذا المذهب، وقَبِلَه سيروس مطران فاسيس فى مستهل عام 631م فولاه هرقل بطركة الإسكندرية، كما أسند إليه حكم مصر وجمع خراجها.

ولكن بنيامين تزعم القبط في رفض هذا المذهب الملكاني، وراح المقوقس يحارب القبط ومذهبهم ويضطهدهم لإجبارهم على مذهبه، حتى صار اسمه مفزعا للقبط كريها لديهم، ويذكر مؤرخو القبط أنهم ولمدة عشر سنين كانوا يخيرون بين قبول مذهب خلقيدونية أو الجلْد أو الموت، حتى قال بتلر: " علينا أن نبين هنا بيانا لا شك فيه أنه لم يكن في ذلك الوقت شيء اسمه القبط في ميدان النضال، ولم تكن منهم طائفة لها يد فيه، بل كان القبط إذ ذاك بمنحاة عنه، قد أذلهم قيرس وأرغم أنوفهم".

وقد دبر فريق من الجايانية من القبط لقتل سيروس، ولكن أخبار المؤامرة نمت إلى علمه فقضى عليها، ولم يكن القبط وحدهم الذين عارضوا المقوقس سيروس، وإنما الملكانيون أيضا لم يعجبهم ذلك المذهب الوسط بين المذهبين، وتزعم معارضتهم صفرونيوس بطرك القدس.

ثم جاء المسلمون وفتحوا الفرما ثم بلبيس ثم هزموا الروم في عين شمس وحاصروا حصن بابليون وكان به المقوقس، ثم عبر إلى جزيرة (الروضة) في 6 يونيه 641م، وبعث إلى عمرو ليفاوضه، ومال المقوقس إلى الصلح ولكن من معه عارضوه، فرحل إلى الإسكندرية في النهر، واستاء منه هرقل فاستدعاه إلى القسطنطينية، ورفض الصلح وأسلمه إلى حاكم المدينة ليهينه ويشهر به ثم نفاه.

ومات هرقل وكانت زوجته مارتينا ذات نفوذ؛ وكان سيروس من حزبها فأعيد إلى الإسكندرية ومعه أمداد من جند الروم، وعاد إلى عسفه بالقبط، ثم قدم على عمرو في بابليون وأذعن له بأداء الجزية، واتفق معه على تسليم الإسكندرية بعد 11 شهرا!!

لم يذكر المقوقس أمر الصلح لأهل الإسكندرية حتى حل الموعد وتحرك المسلمون إليها، فأعلن الأمر وغضب الناس وتظاهروا عند قصره، وبرر ما عمل بأنه لصالحهم وحقن دمائهم ولعجز دولتهم، فقبلوا كلامه وجمعوا الجزية، وحملها سيروس إلى عمرو (ربما في أول المحرم 22 هـ - 642م).

وفي القسطنطينية زال أمر مارتينا وتم نفيها وإذلالها؛ فتكاثرت على سيروس الأحزان وقد زال أمره هو الآخر، وأصيب بالدوسنتاريا مع شيخوخته، فمات في 21 مارس، ولم يكن مقوقسا يوم مات لكنه كان مازال بطركا للكنيسة الملكانية بالإسكندرية، وبعد ثلاثة أشهر ألبسوا الشماس بطرس رداء البطركة في 14 يوليه(1).

العلاقة بين مصر والدولة الإسلامية قبل الفتح
لم تبدأ علاقة المسلمين بمصر بفتحها على يد عمرو بن العاص رضي الله عنه، وإنما سبق ذلك مقدمات في عهد النبي صلى الله عليه وسلم، ثم في خلافة أبي بكر الصديق وعمر بن الخطاب رضي الله عنهما..

ففي شهر ذي الحجة من العام السادس حدث صلح الحديبية بين النبي صلى الله عليه وسلم وبين قريش، وقضت شروط الصلح بهدنة بين الطرفين مقدارها عشر سنوات، وما إن عاد رسول الله صلى الله عليه وسلم من الحديبية إلى المدينة حتى بعث كتبه مع مبعوثه إلى الملوك من حوله يدعوهم إلى الإسلام.

فقد قام رسول الله صلى الله عليه وسلم على المنبر فحمد الله، وأثنى عليه وتشهد ثم قال: «أما بعد، فإني أريد أن أبعث بعضكم إلى ملوك العجم، فلا تختلفوا عليَّ كما اختلفت بنو إسرائيل على عيسى بن مريم، وذلك أن الله تبارك وتعالى أوحى إلى عيسى أن ابعث إلى ملوك الأرض فبعث الحواريين، فأما القريب مكانا فرضي، وأما البعيد مكانا فكره، وقال: لا أحسن كلام من تبعثني إليه، فقال عيسى: اللهم أمرت الحواربين بالذي أمرتني فاختلفوا عليَّ، فأوحى الله إليه أني سأكفيك، فأصبح كل إنسان منهم يتكلم بلسان الذي وُجِّهَ إليهم».

فقال المهاجرون: يا رسول الله، والله لا نختلف عليك أبدا في شيء، فمرنا وابعثنا، فبعث حاطب بن أبي بلتعة إلى المقوقس صاحب الإسكندرية، وشجاع بن وهب الأسدي إلى كسرى، وبعث دحية بن خليفة إلى قيصر (هرقل)، وبعث عمرو بن العاص إلى ابني الجلندي أميري عمان(2).

مضى حاطب بن أبي بلتعة رضي الله عنه بكتاب رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى المقوقس، وأترك سيدنا حاطب رضي الله عنه يتحدث عن نفسه إذ يقول: "ثم توجهت أريد مصر ولم أزل إلى أن أتيتها، فلما وصلت إلى باب الملك، قالوا: من أين جئت؟ قلت: أنا رسول إلى ملككم، فقالوا: من عند من؟ قلت: من عند رسول الله صلى الله عليه وسلم، فلما سمعوا بذلك أحاطوا بي وأوصلوني إلى قصر الشمع بعد أن استأذنوا لي، وأوقفوني على باب الملك فأمرهم بإحضاري بين يديه، فعقلت راحلتي وسرت معهم عند المقوقس، وإذا هو في قبة كثُرَ الجوهر في حافتها، ولمع الياقوت من أركانها، والحجَّاب بين يديه، فأومأت بتحية الإسلام، فقال حاجبه: يا أخا العرب، أين رسالتك؟ قال: فأخرجت الكتاب، فأخذه الملك من يدي بيده.

قال: فباسه ووضعه على عينيه، وقال: مرحبا بكتاب النبي العربي، ثم قرأه وزيره الباكلمين، فقال له: اقرأه جهراً؛ فإنه من عند رجل كريم، فقرأه الوزير إلى أن أتى إلى آخره،

وهذا نصه: بسم الله الرحمن الرحيم، من محمد رسول الله إلى المقوقس عظيم القبط، سلام على من اتبع الهدى، أما بعد؛ فإني أدعوك بدعاية الإسلام، فَأَسْلِمْ تسلم، وأسلم يؤتك الله أجرك مرتين، {يَا أَهْلَ الْكِتَابِ تَعَالَوْا إِلَى كَلِمَةٍ سَوَاءٍ بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمْ أَلَّا نَعْبُدَ إِلَّا اللَّهَ وَلَا نُشْرِكَ بِهِ شَيْئًا وَلَا يَتَّخِذَ بَعْضُنَا بَعْضًا أَرْبَابًا مِنْ دُونِ اللَّهِ فَإِنْ تَوَلَّوْا فَقُولُوا اشْهَدُوا بِأَنَّا مُسْلِمُونَ} [آل عمران: 64] فقال الملك لخادمه الكبير: هات السفط الذي عندك؛ فأتى به ففتحه واستخرج نمطا ففتح ذلك النمط، وإذا فيه صفة آدم وجميع الأنبياء صلوات الله عليهم أجمعين وفي آخره صفة محمد صلى الله عليه وسلم، فقال لي: صِفْ صاحبك حتى كأني أراه.

قال حاطب: ومن يقدر أن يصف عضوا من أعضاء رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ فقال: لابد من ذلك، قال: فوقفت بعدما كنت جالسا، وقلت: إن صاحبي وسيم قسيم، معتدل القامة، بعيد الهامة، بين كتفيه شامة، وله علامة كالقمر إذا برز، صاحب خشوع وديانة، وعفة وصيانة، صادق اللهجة، واضح البهجة، أشم العرنين، واضح الجبين، سهل الخدين، رقيق الشفتين، براق الثنايا، بعينيه دعج، وبحاجبيه زجج، وصدره يترجرج، وبطنه كطي الثوب المدبج، له لسان فصيح، ونسب صحيح، وخُلُقٌ مليح.

قال: والملك ينظر في النمط، فلما فرغت قال: صدقت يا عربي هكذا صفته، فبينما هو يخاطبني إذ نُصِبت الموائد، وأحضروا الطعام؛ فأمرني أن أتقدم فامتنعت، فتَبَسَّمَ وقال: وقد علمتُ ما أُحِلَّ لكم وحُرِّمَ عليكم، ولم أقدم لك إلا لحم الطير، فقلت: إني لا آكل في هذه الصحاف الذهب والفضة؛ فإن الله قد وعدنا بها في الجنة، قال: فبدلوا طعامي في صحاف فخار فأكلت، فقال: أي طعام أحب إلى صاحبك؟ فقلت: الدباء (يعني: القرع)، فإذا كان عندنا منه شيء آثرناه على غيره. فقال: ففي أي شيء يشرب الماء؟ فقلت: في قعب من خشب.

قال: أيحب الهدية؟ قلت: نعم؛ فإنه قال صلى الله عليه وسلم: «لو دُعِيتُ إلى كراع لأجبت، ولو أُهديَ إليَّ ذراع لقبلت».

قال: أيأكل الصدقة؟ قلت: لا، بل يقبل الهدية ويأبى الصدقة، وقد رأيته إذا أُتِيَ بهدية لا يأكل منها حتى يأكل صاحبها. فقال الملك: أيكتحل؟ قلت: نعم، في عينه اليمنى ثلاثا وفي اليسرى اثنتين، وقال: "من شاء اكتحل أكثر من ذلك أو أقل" وكحله الإثمد، وينظر في المرآة، ويرجل شعره، ويستاك.

فقال المقوقس: إذا ركب ما الذي يحمل على رأسه؟ فقلت: راية سوداء ولواء أبيض، وعلى اللواء مكتوب لا إله إلا الله محمد رسول الله. فقال: أله كرسي يجلس عليه أو قبة. قلت: نعم، له قبة حمراء تسع نحو الأربعين. قال: فما الذي يحب من الخيل؟ قلت: الأشقر الأرتم الأغر المحجل في الساق، وقد تركت عنده فرسا يقال لها: المرعد.

قال: فلما سمع كلامي انتخب من خيله فرسا أفخر خيول مصر الموصوفة، وأمر به فأسرج وألجم، فأعده هدية لرسول الله صلى الله عليه وسلم وهو فرسه المأمون، وأرسل معه حمارا يقال له: عفير، وبغلة يقال لها: دلدل، وجارية اسمها: بريرة وكانت سوداء، وجارية بيضاء من أجمل بنات القبط اسمها: مارية، وغلام اسمه: محبوب، وطيب وعود وند ومسك وعمائم وقباطي، وأمر وزيره أن يكتب إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم كتابا يقول فيه: "باسمك اللهم، من المقوقس إلى محمد، أما بعد؛ فقد وصل كتابك وفهمته، أنت تقول: إن الله أرسلك رسولا وفضلك تفضيلا وأنزل عليك قرآنا مبينا، فكشفنا - يا محمد - خبرك، فوجدناك أقرب داع إلى الله وأصدق من تكلم بالصدق، ولولا أنني ملكت مُلكا عظيما لكنت أول من آمن لعلمي أنك خاتم النبيين وإمام المرسلين، والسلام عليك ورحمة الله وبركاته مني إلى يوم الدين.

قال: وسلم الكتاب والهدية إلي و قبلني بين عيني، وقال: بالله عليك قَبِّلْ بين عيني محمد عني هكذا، ثم بعث معي من يوصلني إلى بلاد العرب وإلى مأمني. قال: فوجدنا قافلة من بلاد الشام وهي تريد المدينة فصحبتها إلى أن وردت المدينة، فأتيت المسجد وأنخت ناقتي ودخلت، وسلمت على رسول الله صلى الله عليه وسلم وأنشأت أقول:
أنعم صباحا يا وسيلة أحمد *** نرجو النجاة غدا بيوم الموقف
إني مضيت إلى الذي أرسلتني *** أطوي المهامة كالمجد المعنف
حتى رأيت بمصر صاحب ملكهم *** فبدا إليَّ بمثل قول المنصف
فقرأ كتابك حين فك ختامه *** فأطل يرعد كاهتزاز المرهف
قال البطارقة الذين تجمعوا *** ماذا يروعك من كتاب مشرف
قالوا: وهمت فقال: لست بواهم *** إني قرأت بيان لفظ الأحرف
هذا الكتاب كتابه لك جامعا *** يا خير مأمول بحبك نكتفي (3)

ويذكر ابن عبد الحكم أن المقوقس قال لحاطب بن أبي بلتعة رضى الله عنه بعد أن قرأ الكتاب: ما منعه إن كان نبيا أن يدعو عليَّ فيُسلَّط عليَّ! فقال له حاطب: ما منع عيسى بن مريم أن يدعو على من أبى عليه أن يُفعَل به ويُفعَل؟ فوجم ساعة، ثم استعادها فأعاد عليه حاطب فسكت، فقال له حاطب: إنه قد كان قبلك رجل زعم أنه الرب الأعلى فانتقم الله به ثم انتقم منه، فاعتبِر بغيرك ولا يُعتبَر بك، وإن لك دينًا لن تدعه إلا لما هو خير منه، وهو الإسلام الكافي – والله - به فَقْدَ ما سواه، وما بشارة موسى بعيسى من قبل إلا كبشارة عيسى بمحمد، وما دعاؤنا إياك إلى القرآن إلا كدعائك أهل التوراة إلى الإنجيل، ولسنا ننهاك عن دين المسيح، ولكنا نأمرك به.

ويروي ابن عبد الحكم أيضا أن المقوقس أرسل ذات ليلة إلى حاطب رضي الله عنه وليس عنده أحد إلا ترجمان له فقال: ألا تخبرني عن أمور أسألك عنها؟ فإني أعلم أن صاحبك قد تخيرك حين بعثك قال: لا تسألني عن شيء إلا صدقتك. قال: إلام يدعو محمد؟ قال: إلى أن تعبد الله، لا تشرك به شيئا، وتخلع ما سواه، ويأمر بالصلاة. قال: فكم تصلون؟ قال: خمس صلوات في اليوم والليلة، وصيام شهر رمضان، وحج البيت، والوفاء بالعهد، وينهى عن أكل الميتة والدم.

قال: من أتباعه؟ قال: الفتيان من قومه وغيرهم، قال: فهل يقاتل قومه؟ قال: نعم. قال: صفه لي، فوصفه بصفة من صفته لم آتِ عليها، قال: قد بقيت أشياء لم أَرَكَ ذكرتها: في عينه حمرة قلما تفارقه، وبين كتفيه خاتم النبوة، يركب الحمار ويلبس الشملة، ويجتزيء بالتمرات والكسر، لا يبالي من لاقى من عَمٍّ ولا ابن عم.

قلت: هذه صفته. قال: قد كنت أعلم أن نبيا قد بقي، وقد كنت أظن أن مخرجه الشام، وهناك كانت تخرج الأنبياء من قبله، فأراه قد خرج من العرب، في جهد وبؤس، والقبط لا تطاوعني في اتِّباعه، ولا أحب أن يُعْلَمَ بمحاورتي إياك، وسيظهر على البلاد وينزل أصحابه من بعده بساحتنا هذه حتى يظهروا على ما هاهنا، وأنا لا أذكر القبط من هذه حرفًا، فارجع إلى صاحبك.
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
 
عمرو بن العاص .. فاتح مصر
الرجوع الى أعلى الصفحة 
صفحة 1 من اصل 1

صلاحيات هذا المنتدى:لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى
اسلام ويب :: ۩✖ منتدي الاسلاميات العامه ۩✖ :: مقــــالات اســــلاميه :: مقـالات منـوعه-
انتقل الى: