بسم الله الرحمن الرحيم
قال تعالى: (ولا يضربن بأرجلهن ليعلم ما يخفين من زينتهن وتوبوا إلى الله جميعا أيه المؤمنون لعلكم تفلحون)
قال ابن كثير – رحمه الله – عند تفسير هذه الآية ( كانت المرأة في الجاهلية إذا كانت تمشي في الطريق وفي رجلها خلخال صامت - لا يسمع صوته- ضربت برجلها الأرض فيعلم الرجال طنينه فنهى الله المؤمنات عن ذلك . وكذلك إذا كان شيء من زينتها مستورا فتحركت بحركة لتظهر ما هو خفي , دخل في هذا النهي لقوله ( ولا يضربن بأرجلهن ليعلم ما يخفين من زينتهن ) . ومن ذلك أنها تنهى عن التعطر والتطيب عند خروجها من بيتها ليشتم الرجال طيبها , فقد قال أبو عيسى الترمذي : حدثنا محمد بن بشار , حدثنا يحيى بن سعيد القطان عن ثابت بن عمارة الحنفي , عن غنيم بن قيس عن أبي موسى , رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : " كل عين زانية , والمرأة إذا استعطرت فمرت بالمجلس فهي كذا وكذا " يعني زانية . قال : وفي الباب عن أبي هريرة وهذا حسن صحيح )
وقال العلامة الصاوي في حاشيته على تفسير الجلالين ( ليعلم ما يخفين من زينتهن ) أي فإن ذلك يورث الرجال ميلا إليهن وهذا من باب سد الباب وتعليم الأحوط , وإلا فصوت الخلخال ليس بعورة .
وسماع الزينة كإبداء الزينة و أشد والغرض التستر قاله القرطبي وقال أيضا ( من فعل ذلك منهن فرحا بحليهن فهو مكروه ومن فعل ذلك منهن تبرجا وتعرضا للرجال فهو حرام مذموم . وكذلك من الرجال إن فعل ذلك تعجبا حَرُم, فإن العجب كبيرة . وإن فعل ذلك تبرجا لم يجز . )
وقال ابن الجوزي في زاد المسير ( ولا يضربن بأرجلهن ) أي : بإحدى الرجلين على الأخرى ليضرب الخلخال الخلخال فيعلم أن عليها خلخالين .
ويقول الإمام الطبري – رحمه الله – (( ولا يجعلن في أرجلهن من الحلي ما إذا مشين أو حركنهن علم الناس الذين مشين بينهم ما يخفين ذلك )) .
وأما عن سبب نزول هذه الآية فيقول : ( حدثنا ابن عبد الأعلى قال ثنا المعتمر عن أبيه قال : زعم حضرمي أن امرأة اتخذت برتين من فضة واتخذت جزعا فمرت على قوم فضربت برجلها فوقع الخلخال على الجزع فصوت فأنزل الله ( ولا يضربن بأرجلهن ليعلم ما يخفين من زينتهن ....))
ويبين أيضا ماهو الشيء التي تضرب به وهو الأجراس فيقول : (( حدثنا الحسن , قال أخبرنا عبد الرزاق قال أخبرنا معمر عن قتادة ((ولا يضربن بأرجلهن ليعلم ما يخفين من زينتهن.....)) قال : الأجراس من حليهن يجعلنها في أرجلهن في مكان الخلاخل فنهاهن الله أن يضربن بأرجلهن لتسع تلك الأجراس .))
قوله تعالى (( وتوبوا إلى الله جميعا أيه المؤمنون لعلكم تفلحون ))
أي وتوبوا إلى الله فإنكم لا تخلون من سهو وتقصير في أداء حقوق الله تعالى , فلا تتركوا التوبة في كل حال . كما قال ذلك القرطبي .
وهنا لفتة رائعة يذكرها العلامة الصاوي كما في حاشيته فيقول: (( هذا حسن اختتام لهذه الآية , كأن الله يقول : لا تقنطوا من رحمتي , فمن كان قد وقع منه شيء مما نهيته عنه فليتب , فإن التوبة فيها الفلاح والظفر بالمقصود . ))