حكايات امراة من الزمن الجميل
جلست بجوارها وسألتها كيف حالك يا جدتي الغالية ؟ فنظرت إلي وابتسمت ابتسامة صافية ووضعت يدها على كتفي وقالت , الحمد لله على كل حال , أنا بخير وفى نعم لا تعد ولا تحصى .
ثم قلت لها كيف ترى زماننا , اهو الأفضل أم الزمن الذي ولى ومضى ؟
أخذت نفسا عميقا ثم قالت :
الزمان هو الزمان حفيدي العزيز , ولكن البشر هم من تغيروا , سأروى لك بعض الحكايات لتعلم جيدا من تغير , الزمان أم البشر ؟
المرآة : كانت فيما مضى جوهرة ثمينة ولؤلؤة نفيسة ودرة مكنونة ,لا يستطيع احد الاقتراب منها أو النظر إليها إلا بكل تقدير واحترام , كانت صعبة المنال لا يتمكن اى إنسان من الاقتراب منها إلا من خلال طريق واحد وهو الزواج منها على سنة الله ورسوله , وهى بدورها كانت تحترم تلك المكانة وتقدسها , لذلك كانت ترضى بما قسمه الله لها من زوج صالح تقي وكانت تعتبره هو جنتها ونارها وهو والدها وزوجها وأخوها وحبيبها وصديقها , كانت هي من ترسم اللحظات السعيدة معه وتدخل البهجة والسرور على قلبيهما , كانت تنتظر اللحظة التي كان يحتاج إليها زوجها لتلبى رغباته واحتياجاته , كانت شريكته في كل شئ .
الرجل : كان رجلا بمعنى الكلمة ,كانت أفعاله وأعماله وشهامته تتحدث عنه ,كان يغار على أهله من نسمة الهواء , كان لا يحتمل أن يسير مع زوجته أو ابنته ثم يرى أعين الناس ترميهم بنظرات الذئاب الجائعة , كان يعي حقا معنى الرجولة والشهامة , يخرج يوميا في الصباح بعد صلاة الفجر متوجها إلى أعماله ومشاغله دون كلل اوملل اوضجر , كان يحب العمل والنشاط والإنتاج .
الجيران : ما أجملها من جيرة حين ترى الجار يقدم لجاره كل شئ عنده من مستلزمات هو يحتاجها , كان الجار يحب جاره ويتمنى مساعدته ويسال عنه كلما غاب عن عينه , كنا زمان نقتسم الرغيف بيننا ولم يكن هناك يبيت من غير عشاء , كان عارا على أهل القرية أو المدينة أن يصبح من بينهم محتاجا أو فقيرا , كانت النوايا خالصة كنا نبيت وأبواب المنازل مفتحة على مصراعيها .
الشباب: كانوا فتية أقوياء يحافظون على نعمة شبابهم , جل ما كان يشغل بالهم هو العمل والفوز بزوجة رقيقة جميلة ,كانوا اقويا بإيمانهم وعزيمتهم الفتية , كانوا عونا للجميع , وجوههم كانت منيرة كأنها القمر في ليلة اكتماله , كانوا مدركين جيدا لحقيقة إمكانياتهم , كان الشيوخ يلجمون نزوات عواطفهم وحماسهم بالحكمة والموعظة الحسنة , فكان الشباب يرضخ لهم ويستجيب لأرائهم بل كانوا يجلون الكبار عنهم ويمجدونهم وينتظرون أن ينالوا من خبراتهم في الحياة .
العلماء : كنا نسميهم المشايخ وكنا نجلهم ونقدرهم ونتمنى النظر إليهم , كانوا لا يخشون في الله لومة لائم كانوا أتقياء ورعين , يوجهون الناس إلى ما فيه الخير والصلاح دائما , كانت لهم هيبة وإجلال ومكانة عند كل الناس حتى الملوك والأمراء والرؤساء .
الناس جميعا كانوا بخير , قلوبهم صافية , عقولهم لبيبة , ألسنتهم فصيحة لا تتكلم إلا بخير , كانوا يجلون ويقدرون بعضهم البعض , كانوا متعاونين على الخير حريصين على حسن الروابط بينهم , كانوا يتصدون للخونة والمجرمين بكل حزم وقوة واتحاد , كانوا حقا بشر .
أما اليوم فكل شئ تغيير , الجميع حريصون على الحياة , مقبلون على ملذاتها ويركعون لشهواتها ,لا يدركون قيمة أنفسهم كأعظم خلق الله على وجه الأرض , متسلطون , وجوههم وجوها قبيحة سوداء مظلمة من كثرة الذنوب والمعاصي , قلوبهم نتنة وعفنة من كثرة الأغلال والأحقاد , أجسادهم وهنة وضعيفة من الهم والحزن والكسل , أصبحوا عبيدا للجاه والمال والسلطان , يخشون البشر أكثر من خشيتهم لله الواحد القهار , يظلمون يسرقون يزنون يكذبون يرتكبون كل الفواحش والمنكرات دون خجل أو كسوف , ضاع الحق بينهم لذلك أذلهم الله وختم على أفواههم وأبصارهم فلم يستطيعون أن يفرقوا بين الحق والباطل , فنسفت معالمهم واحتلت منازلهم ودنست مساجدهم وديست كرامتهم وزهقت أرواحهم وتناثرت أشلاءهم في كل مكان .
ولكن لا تيأس حفيدي أبدا فهناك الأمل موجود , وهناك قبل كل شئ رحمة الله الذي يرحم بها عباده المذنبين , لا تقلق أبدا فالخير في أمتنا الإسلامية إلى يوم القيامة كما قال الحبيب محمد (صلى الله عليه وسلم ) .
قلت لها بماذا توصيننا ياجدتى العظيمة ؟ قالت اسمع حبيبي هذة الكلمات وانقلها إلى كل الشباب والى كل من تعرفه :
( لا تقطع كل الخيوط بينك وبين الله , وتذكر جيدا أن رحمة الله وسعت كل شئ فلا تحزن أبدا وكن على يقين أن الله ينتظرك رغم كل ما اقترفته وفعلته فهو الحليم الغفار الذي يعلم كل شئ ولا يخفى عليه شئ والزم الصحبة الصالحة التي تريد وجه الله في كل أعمالها , ولا تكترث إلى الغوغاء والجهلاء من الناس ما دمت متوكلا على الله فهو حسبك وناصرك , واملأ قلبك بالحب ولا تحمل فيه إلا كل خير لكل الناس حتى أعدائك ادعوا الله أن يهديهم ويرشدهم إلى الصلاح والفلاح , وارضا بكل ما وهبه الله لك ولا تسخط أبدا وارسم البسمة على وجهك أولا حتى تستطيع رسمها على الآخرين , واسعد زوجتك وأولادك أولا حتى تستطيع أن تكون مصدر سعادة للآخرين ففاقد الشئ لا يعطيه , وايقين علم اليقين أن كل شئ يحدث في هذا الكون هو من تدبير الله فلا تقل إلا قدر الله ما شاء فعل )
فقبلت يداها وقلت لها أريد منك دعوة , فقالت : ( اللهم أعطيه كل ما يتمناه لغيره ) فقلت اللهم أمين