السؤال :
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته ،،
حياكم الله ياشيخ ...
انتشر بالانترنت حديث " إن حاسبني لأحاسبنه " وقد وصلني بالايميل كاملا ونصه :
" بينما النبي صلى الله عليه واله وسلم في الطواف إذا سمع اعرابيا يقول: يا كريم
فقال النبي خلفه: يا كريم
فمضى الاعرابي الى جهة الميزاب وقال: يا كريم
فقال النبي خلفه : يا كريم
فالتفت الاعرابي الى النبي وقال: يا صبيح الوجه, يارشيق القداتهزأ بي لكوني اعرابياً؟
والله لولا صباحة وجهك ورشاقة قدك لشكوتك الى حبيبي محمد صلى الله عليه واله وسلم
فتبسم النبي وقال: اما تعرف نبيك يااخا العرب؟
قال الاعرابي : لا
قال النبي : فما ايمانك به
قال : اّمنت بنبوته ولم اره وصدقت برسالته ولم القاه
قال النبي
يا أعرابي , اعلم أني نبيك في الدنيا وشفيعك في الاخرة
فأقبل الاعرابي يقبل يد النبي صلى الله عليه واله وسلم
فقال النبي
مهلا يا اخا العرب
لا تفعل بي كما تفعل الاعاجم بملوكها
فإن الله سبحانه وتعالى بعثني لا متكبراً ولا متجبراً, بل بعثني بالحق بشيراً ونذيرا
فهبط جبريل على النبي وقال له: يا محمد السلام يقرئك السلام ويخصك بالتحية والاكرام
ويقول لك : قل للاعرابي لا يغرنه حلمنا ولا كرمنا,فغداً نحاسبه على القليل والكثيروالفتيل والقطمير
فقال الاعرابي: او يحاسبني ربي يا رسول الله؟
قال : نعم يحاسبك إن شاء
فقال الاعرابي: وعزته وجلاله, إن حاسبني لأحاسبنه
فقال النبي صلى الله عليه واله وسلم : وعلى ماذا تحاسب ربك يا
اخا العرب؟
قال الاعرابي : إن حاسبني ربي على ذنبي حاسبته على مغفرتهوإن حاسبني على معصيتي حاسبته على عفوه وإن حاسبني على بخلي حاسبته على كرمه
:فبكى النبي حتى إبتلت لحيته
فهبط جبريل على النبي
وقال : يا محمد, السلام يقرئك السلام
ويقول لك
يا محمد قلل من بكائك فقد الهيت حملة العرش عن تسبيحهم وقل لأخيك الاعرابي لا يحاسبنا ولا نحاسبه فإنه رفيقك في الجنة "
فهل لهذا الحديث أصل ؟!!
وماحكم ياشيخنا تناقل مثل هذه الأحاديث والتعقيب عليها بعبارة :" اللهم إغفر لكل من نقـلها ونشرها ووالديه ولا تحرمهم الأجـر
يا كريم " دون السؤال عن صحتها والتأكد من أنها مقبولة ، خصوصا في مثل هذه الأحاديث الشاذة في صياغتها ومفرداتها ؟
وشكر الله لكم
الجواب:
الحمد لله والصلاة والسلام على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وبعد :
هذا الحديث لا أصل له ، ولاتجوز روايته ، لأنّه مكذوب على النبي صلى الله عليه وسلم ، وذلك لائح على ألفاظه الركيكة، ونكارة متنـة
فالعبد لايخاطب ربه بهذا الخطاب المنافي للأدب ، وماكان النبي صلى الله عليه وسلم ليقـر قائلا عن ربه ( لئن حاسبني ربي لأحاسبنه ) ذلك أن العبد لايحاسب ربه ، قال تعالى ( لايٌسْئَلُ عَمّا يَفْعَلُ وَهُمْ يُسْأَلُوُنْ ) ولهذا فحتى الرسل يوم القيامة يقولون تأدبا مع الله : ( يَوْمَ يَجْمَعُ اللَّهُ الرُّسُلَ فَيَقُولُ مَاذَا أُجِبْتُمْ قَالُواْ لاَ عِلْمَ لَنَا إِنَّكَ أَنتَ عَلاَّمُ الْغُيُوبِ ) .
والعبـد يسأل ربه عفوه وكرمه ، ولا يحاسبه على شيء ، ومع ذلك فلا يدخل أحدٌ الجنة إلا برحمة الله ، لايدخل أحدٌ بعمله ، كما صح في الحديث ، فالعبد في حال التقصير دائمـا بمقتضى عبوديته ، والرب هـو المتفضل الرحمن الرحيم بكمال صفاته ، ولهذا ورد في حديث سيد الاستغفار أن يقول العبـد ( أبوء لك بنعمتك علي وأبوء بذنبي فاغفر لي فإنه لايغفر الذنوب إلا أنـت ) متفق عليه .
أبوء : أي أقـرّ وأعترف بنعمك العظيمة التي قابلتها بالتقصير والذنب .
والصحيح أن يقول العبد : إن حاسبني ربي على ذنوبي ، رجوتُ رحمته وسألته مغفرته ، فإني العبد الخطّاء وهو الرب الرحيم العفو الغفور.
وإن حاسبني على بخلي ، سألته أن يمن علي بكرمه وتجاوزه ، فإني مقر بذنبي وهـو الجواد الكريم المنان ، فمن أرجو إن لم أرجوه ، ومن ذا يغفر الذنوب سواه ، ومن أكرم الكرماء غيره سبحانه ، أونحو هذا من القول الذي فيه الإقرار بالعبودية والذنب ، في مقام السؤال والتوسل والتذلل لله تعالى الخالي من خطاب التحدي المنافي للأدب.
الشيخ حامد العلي