اسلام ويب
هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.



 
الرئيسيةأحدث الصورالتسجيلدخول

من فقه الدعاء يقول سيدنا عمر بن الخطاب - رضي الله عنه -: "أنا لا أحمل همَّ الإجابة، وإنما أحمل همَّّ الدعاء، فإذا أُلهمت الدعاء كانت الإجابة معه". وهذا فهم عميق أصيل ، فليس كل دعاء مجابًا، فمن الناس من يدعو على الآخرين طالبًا إنزال الأذى بهم ؛ لأنهم ينافسونه في تجارة ، أو لأن رزقهم أوسع منه ، وكل دعاء من هذا القبيل ، مردود على صاحبه لأنه باطل وعدوان على الآخرين. والدعاء مخ العبادة ، وقمة الإيمان ، وسرّ المناجاة بين العبد وربه ، والدعاء سهم من سهام الله ، ودعاء السحر سهام القدر، فإذا انطلق من قلوب ناظرة إلى ربها ، راغبة فيما عنده ، لم يكن لها دون عرش الله مكان. جلس عمر بن الخطاب يومًا على كومة من الرمل ، بعد أن أجهده السعي والطواف على الرعية ، والنظر في مصالح المسلمين ، ثم اتجه إلى الله وقال: "اللهم قد كبرت سني ، ووهنت قوتي ، وفشت رعيتي ، فاقبضني إليك غير مضيع ولا مفتون ، واكتب لي الشهادة في سبيلك ، والموت في بلد رسولك". انظر إلى هذا الدعاء ، أي طلب من الدنيا طلبه عمر، وأي شهوة من شهوات الدنيا في هذا الدعاء ، إنها الهمم العالية ، والنفوس الكبيرة ، لا تتعلق أبدًا بشيء من عرض هذه الحياة ، وصعد هذا الدعاء من قلب رجل يسوس الشرق والغرب ، ويخطب وده الجميع ، حتى قال فيه القائل: يا من رأى عمرًا تكسوه بردته ** والزيت أدم له والكوخ مأواه يهتز كسرى على كرسيه فرقًا ** من بأسه وملوك الروم تخشاه ماذا يرجو عمر من الله في دعائه ؟ إنه يشكو إليه ضعف قوته ، وثقل الواجبات والأعباء ، ويدعو ربه أن يحفظه من الفتن ، والتقصير في حق الأمة ، ثم يتطلع إلى منزلة الشهادة في سبيله ، والموت في بلد رسوله ، فما أجمل هذه الغاية ، وما أعظم هذه العاطفة التي تمتلئ حبًا وحنينًا إلى رسول الله - صل الله عليهلم -: (أن يكون مثواه بجواره). يقول معاذ بن جبل - رضي الله عنه -: "يا بن آدم أنت محتاج إلى نصيبك من الدنيا ، وأنت إلى نصيبك من الآخرة أحوج ، فإن بدأت بنصيبك من الآخرة ، مرّ بنصيبك من الدنيا فانتظمها انتظامًا ، وإن بدأت بنصيبك من الدنيا ، فائت نصيبك من الآخرة ، وأنت من الدنيا على خطر). وروى الترمذي بسنده عن النبي - صل الله عليهلم -: أنه قال: ((من أصبح والآخرة أكبر همه جمع الله له شمله ، وجعل غناه في قلبه ، وأتته الدنيا وهي راغمة ، ومن أصبح والدنيا أكبر همه فرَّق الله عليه ضيعته ، وجعل فقره بين عينيه ولم يأته من الدنيا إلا ما كُتب له)). وأخيرًا .. أرأيت كيف أُلهم عمر الدعاء وكانت الإجابة معه ، وصدق الله العظيم إذ يقول: (وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ فَلْيَسْتَجِيبُوا لِي وَلْيُؤْمِنُوا بِي لَعَلَّهُمْ يَرْشُدُونَ) (186)" (البقرة:186).


 

 جمالك الحقيقي اختاه

اذهب الى الأسفل 
كاتب الموضوعرسالة


avatar


نقــاط : 100260
جمالك الحقيقي اختاه Oooo14
جمالك الحقيقي اختاه User_o10

جمالك الحقيقي اختاه Empty
مُساهمةموضوع: جمالك الحقيقي اختاه   جمالك الحقيقي اختاه Emptyالثلاثاء 27 مارس 2012 - 11:34

جمالك الحقيقي اختاه

السؤال : هل يجوز أن أتمنى من الله القادر على كل شيء سبحانه أن يرزقني جمال الوجه إذا كنت بأمس الحاجة إليه ، وهل يتحقق هذا الشيء في الدنيا ، فقد يقول بعض الناس إننا لسنا في زمن المعجزات ، لكنني أقول إن الله على كل شيء قدير في كل زمان ومكان . فهل يجوز - إن شاء الله - هذا الدعاء ؟

الجواب :

الحمد لله

الجمال نعمة من الله تعالى ، تبدأ بباطن نقي السريرة مع الله عز وجل ، فيظهر نقاؤه وصفاؤه على صفحة النفس البشرية فتكسبها بهاءً وتكسوها جلالا عميقا وسرًّا بديعا .

يقول النبي صلى الله عليه وسلم : ( إِنَّ اللَّهَ لَا يَنْظُرُ إِلَى صُوَرِكُمْ وَأَمْوَالِكُمْ وَلَكِنْ يَنْظُرُ إِلَى قُلُوبِكُمْ وَأَعْمَالِكُمْ ) رواه مسلم (2564)

يقول ابن القيم في "روضة المحبين" (221-223) :

" اعلم أن الجمال ينقسم قسمين : ظاهر ، وباطن :

فالجمال الباطن هو المحبوب لذاته ، وهو جمال العلم والعقل والجود والعفة والشجاعة ، وهذا الجمال الباطن هو محل نظر الله من عبده ، وموضع محبته ، وهذا الجمال الباطن يزين الصورة الظاهرة وإن لم تكن ذات جمال ، فتكسو صاحبَها من الجمال والمهابة والحلاوة بحسب ما اكتست روحُه من تلك الصفات ، فإن المؤمن يُعطَى مهابةً وحلاوةً بحسب إيمانه ، فمن رآه هابه ، ومن خالطه أحبه ، وهذا أمر مشهود بالعيان ، فإنك ترى الرجل الصالح المحسن ذا الأخلاق الجميلة من أحلى الناس صورة ، وإن كان أسود أو غير جميل ، ولا سيما إذا رزق حظا من صلاة الليل ، فإنها تُنَوِّرُ الوجه وتحسنه .

ومما يدل على أن الجمال الباطن أحسنُ من الظاهر أن القلوب لا تنفك عن تعظيم صاحبه ومحبته والميل إليه ، وأما الجمال الظاهر فزينة خص الله بها بعض الصور عن بعض ، وهي من زيادة الخلق التي قال الله تعالى فيها : (يَزِيدُ فِي الْخَلْقِ مَا يَشَاءُ ) فاطر/1 قالوا : هو الصوت الحسن والصورة الحسنة .

وكما أن الجمال الباطن من أعظم نعم الله تعالى على عبده ، فالجمال الظاهر نعمة منه أيضا على عبده ، يوجب شكرا ، فَإِنْ شَكَرَهُ بتقواه وصيانتِه ازداد جمالا على جماله ، وإن استعمل جماله في معاصيه سبحانه قَلَبَه له شيئا ظاهرا في الدنيا قبل الآخرة ، فتعود تلك المحاسن وَحشةً وقُبحا وشَيْنا ، وينفر عنه من رآه ، فكل من لم يتق الله عز وجل في حسنه وجماله انقلب قبحا وشَيْنا يشينُه به بين الناس ، فحسن الباطن يعلو قبح الظاهر ويستره ، وقبح الباطن يعلو جمال الظاهر ويستره " انتهى .

ويقول شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله :

" وهذا الحسن والجمال الذي يكون عن الأعمال الصالحة في القلب يسري إلى الوجه ، والقبح والشين الذي يكون عن الأعمال الفاسدة في القلب يسري إلى الوجه .. ، ثم إن ذلك يقوى بقوة الأعمال الصالحة والأعمال الفاسدة ؛ فكلما كثر البر والتقوى قوى الحسن والجمال ، وكلما قوى الإثم والعدوان قوى القبح والشين ، حتى ينسخ ذلك ما كان للصورة من حسن وقبح ؛ فكم ممن لم تكن صورته حسنة ، ولكن [ له ] من الأعمال الصالحة ما عظم به جماله وبهاؤه حتى ظهر ذلك على صورته .

ولهذا يظهر ذلك ظهورا بينا عند الإصرار على القبائح في آخر العمر عند قرب الموت ، فنرى وجوه أهل السنة والطاعة كلما كبروا ازداد حسنها وبهاؤها ، حتى يكون أحدهم في كبره أحسن وأجمل منه في صغره ، ونجد وجوه أهل البدعة والمعصية كلما كبروا عظم قبحها وشينها ؛ حتى لا يستطيع النظر إليها من كان منبهرا بها في حال الصغر لجمال صورتها ، وهذا ظاهر لكل أحد فيمن يعظم بدعته وفجوره ، مثل الرافضة وأهل المظالم والفواحش من الترك ونحوهم ، فإن الرافضي كلما كبر قبح وجهه وعظم شينه حتى يقوى شبهه بالخنزير ، وربما مسخ خنزيرا وقردا ، كما قد تواتر ذلك عنهم . ونجد المردان من الترك ونحوهم قد يكون أحدهم في صغره من أحسن الناس صورة ، ثم إن الذين يكثرون الفاحشة تجدهم في الكبر أقبح الناس وجوها .. " انتهى . الاستقامة (1/364-366) .



ثانيا :

إذا كنت ممن تشغله الصورة الظاهرة ـ يا عبد الله ـ فاعلم أن الله تعالى كرّم بني آدم ، وصورهم في أحسن صورة ، من بين ما حولهم من المخلوقات .

قال الله تعالى : ( اللَّهُ الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الأرْضَ قَرَارًا وَالسَّمَاءَ بِنَاءً وَصَوَّرَكُمْ فَأَحْسَنَ صُوَرَكُمْ وَرَزَقَكُمْ مِنَ الطَّيِّبَاتِ ذَلِكُمُ اللَّهُ رَبُّكُمْ فَتَبَارَكَ اللَّهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ ) غافر : 64

وقال تعالى : ( لَقَدْ خَلَقْنَا الْأِنْسَانَ فِي أَحْسَنِ تَقْوِيمٍ) (التين:4) ، والآيات في هذا المعنى كثيرة . قال الشيخ ابن سعدي رحمه الله :

" فليس في جنس الحيوانات، أحسن صورة من بني آدم، كما قال تعالى: { لَقَدْ خَلَقْنَا الإنْسَانَ فِي أَحْسَنِ تَقْوِيمٍ } وإذا أردت أن تعرف حسن الآدمي وكمال حكمة الله تعالى فيه، فانظر إليه، عضوًا عضوًا، هل تجد عضوًا من أعضائه، يليق به، ويصلح أن يكون في غير محله؟ وانظر أيضًا، إلى الميل الذي في القلوب، بعضهم لبعض، هل تجد ذلك في غير الآدمين؟ وانظر إلى ما خصه الله به من العقل والإيمان، والمحبة والمعرفة، التي هي أحسن الأخلاق المناسبة لأجمل الصور . " انتهى ، تفسير السعدي (741) .



ثالثا :

إن كنت ترى أنك لم تُرزق حظا من الجمال والوسامة ، وتأذيت لدمامة منظرك ، وسوء حالك ؛ فاعلم ـ يا عبد الله ـ أن كل خلق الله حسن ، وكل تقديره لعبده المؤمن خير ؛ وهاتان نقطتان مهمتان ، نرجو ألا تهملهما وألا تنساهما طرفة عين .

وهذان حديثان يرشدانك إلى ما قلنا في هاتين القاعدتين المهمتين من قواعد الإيمان بقضاء الله وقدره ، ومعاملته سبحانه ، والسلوك إليه .

أما الأول : فعَنْ صُهَيْبٍ رضي الله عنه قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : ( عَجَبًا لِأَمْرِ الْمُؤْمِنِ ؛ إِنَّ أَمْرَهُ كُلَّهُ خَيْرٌ ، وَلَيْسَ ذَاكَ لِأَحَدٍ إِلَّا لِلْمُؤْمِنِ ؛ إِنْ أَصَابَتْهُ سَرَّاءُ شَكَرَ فَكَانَ خَيْرًا لَهُ ، وَإِنْ أَصَابَتْهُ ضَرَّاءُ صَبَرَ ، فَكَانَ خَيْرًا لَهُ ) رواه مسلم (2999) .

وأما الثاني : عن عَمْرو بْن الشَّرِيدِ عَنْ أَبِيهِ : أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ تَبِعَ رَجُلًا مِنْ ثَقِيفٍ حَتَّى هَرْوَلَ فِي أَثَرِهِ ، حَتَّى أَخَذَ ثَوْبَهُ ، فَقَالَ : ( ارْفَعْ إِزَارَكَ ) .

قَالَ : فَكَشَفَ الرَّجُلُ عَنْ رُكْبَتَيْهِ ، فَقَالَ : يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنِّي أَحْنَفُ وَتَصْطَكُّ رُكْبَتَايَ !!

فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : ( كُلُّ خَلْقِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ حَسَنٌ ) .

قَالَ : وَلَمْ يُرَ ذَلِكَ الرَّجُلُ إِلَّا وَإِزَارُهُ إِلَى أَنْصَافِ سَاقَيْهِ حَتَّى مَاتَ !!

رواه أحمد (18978) وصححه الألباني في السلسلة الصحيحة (1441) .

قال الأصمعي رحمه الله : " الحَنَف : إقبال القدم بأصابعها على الأخرى ، هذه على هذه ، وهذه على هذه " . اهـ غريب الحديث للحربي (1/436) .

فتأمل يا عبد الله ، كيف أن النبي صلى الله عليه وسلم قوم لهذا الصحابي ما وقع في نفسه من الحياء ، أو التأذي من منظر قدميه ، بما حمله على إطالة إزاره ، ليغطي ما به من العلة والعيب ، فقال له رسول الله صلى الله عليه : " كل خلق الله حسن " ؛ فمهما أصابك من شيء ، أو ألم بك من داء أو عيب ، فاعلم أن خلق الله كله حسن ، رغم كل ذلك .

فإن استعصت عليك نفسك ، وتأبت إلا النظر إلى ما أصابها من داء وعلة ، وأبت إلا أن تنظر إلى من هو أحسن صورة منها ، وأجمل منظرا مما قسم لك ، فذكرها ـ دائما ، يا عبد الله ـ بما رواه أبو هُرَيْرَةَ رضي الله عنه ، عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ :

( إِذَا نَظَرَ أَحَدُكُمْ إِلَى مَنْ فُضِّلَ عَلَيْهِ فِي الْمَالِ وَالْخَلْقِ ، فَلْيَنْظُرْ إِلَى مَنْ هُوَ أَسْفَلَ مِنْهُ )

رواه البخاري (6490) ومسلم (2963) .

قال الحافظ ابن حجر رحمه الله :

" قَوْله ( فِي الْمَال وَالْخَلْقِ ) بِفَتْحِ الْخَاءِ أَيْ الصُّورَةِ , وَيَحْتَمِل أَنْ يَدْخُلَ فِي ذَلِكَ الْأَوْلَادُ وَالْأَتْبَاعُ وَكُلُّ مَا يَتَعَلَّقُ بِزِينَةِ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا ..

قَالَ اِبْن بَطَّال : هَذَا الْحَدِيثُ جَامِعٌ لِمَعَانِي الْخَيْرِ لِأَنَّ الْمَرْءَ لَا يَكُون بِحَالٍ تَتَعَلَّق بِالدِّينِ مِنْ عِبَادَةِ رَبِّهِ مُجْتَهِدًا فِيهَا إِلَّا وَجَدَ مَنْ هُوَ فَوْقَهُ , فَمَتَى طَلَبَتْ نَفْسُهُ اللَّحَاقَ بِهِ اِسْتَقْصَرَ حَالَهُ فَيَكُون أَبَدًا فِي زِيَادَةٍ تُقَرِّبُهُ مِنْ رَبّه , وَلَا يَكُون عَلَى حَال خَسِيسَةٍ مِنْ الدُّنْيَا إِلَّا وَجَدَ مِنْ أَهْلِهَا مَنْ هُوَ أَخَسُّ حَالًا مِنْهُ . فَإِذَا تَفَكَّرَ فِي ذَلِكَ عَلِمَ أَنَّ نِعْمَةَ اللَّهِ وَصَلَتْ إِلَيْهِ دُونَ كَثِيرٍ مِمَّنْ فُضِّلَ عَلَيْهِ بِذَلِكَ مِنْ غَيْرِ أَمْرٍ أَوْجَبَهُ , فَيُلْزِمُ نَفْسَهُ الشُّكْرَ , فَيَعْظُمُ اِغْتِبَاطُهُ بِذَلِكَ فِي مَعَادِهِ " انتهى .

رابعا :

أما إذا كنت تسأل الله تعالى جمال الوجه ، تريد بذلك أن يقلب الله صورتك فيتغير أصل خلقة وجهك إلى وجه آخر حسن جميل ، فهذا دعاء فاسد ، لا يجوز للعبد أن يدعو به ولا بأي دعاء نحوه ، فهو من الاعتداء في الدعاء الذي جاء النهي عنه في قوله تعالى : ( ادْعُوا رَبَّكُمْ تَضَرُّعًا وَخُفْيَةً إِنَّهُ لَا يُحِبُّ الْمُعْتَدِينَ ( الأعراف/55 وفي حديث عبد الله بن مغفل رضي الله عنه قال : سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ :

( إِنَّهُ سَيَكُونُ فِي هَذِهِ الْأُمَّةِ قَوْمٌ يَعْتَدُونَ فِي الطَّهُورِ وَالدُّعَاءِ )

رواه أبو داود (96) وصححه ابن حجر في "التلخيص" (1/144) والألباني في "صحيح أبي داود"

يقول قتادة رحمه الله : " اعلموا أن في بعض الدعاء اعتداء " انتهى .

وقال الربيع رحمه الله : " إياك أن تسأل ربك أمرا قد نُهيت عنه ، أو ما ينبغي لك " انتهى .

انظر تفسير الطبري (5/207)

ووجه كون هذا القصد من الدعاء اعتداءً أن الله تعالى خلق الدنيا وركَّب فيها من سننه ما لا يقبل التبديل ولا التغيير – إلا في معجزات الرسل - ، فخلق الشمس وجعلها سراجا ، وخلق الأرض وجعلها مهادا ، وأنزل من السماء ماء ، وقدر للقمر منازل ومراحل ، وأعطى كل شيء خلقه ورِزقه وصورتَه التي صوره بها ، وهذه كلها أمور لا تتغير ولا تتبدل ، لأنها من السنن الكونية التي قال الله تعالى فيها : ( لَا تَبْدِيلَ لِخَلْقِ اللَّهِ ) الروم/30

يقول الشيخ عبد الرحمن السعدي في "تيسير الكريم الرحمن" (640) :

" أي : لا أحد يبدل خلق اللّه فيجعل المخلوق على غير الوضع الذي وُضِعَه " انتهى .

فكل من دعا بتغيير شيء من سنن الله الكونية اللازمة الواقعة فقد سأل ما لم يكن الرب ليفعله سبحانه ، لا لعجزه ، بل لأنه أراد ألا تتغير هذه السنن إذا وقعت ، وأنت بسؤالك الله تحويل صورتك تحويلا تاما إنما تسأل نقيض ما أراد ، وهذا من الاعتداء .

يقول شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله "مجموع الفتاوى" (1/130) :

" وقد قال تعالى : ) ادْعُوا رَبَّكُمْ تَضَرُّعًا وَخُفْيَةً إِنَّهُ لَا يُحِبُّ الْمُعْتَدِينَ ( الأعراف/55 - في الدعاء - ومن الاعتداء في الدعاء أنْ يسأل العبدُ ما لم يكن الربُّ ليفعله ، مثل : أنْ يسأله منازلَ الأنبياء وليس منهم ، أو المغفرة للمشركين ونحو ذلك ، أو يسأله ما فيه معصية لله ، كإعانته على الكفر والفسوق والعصيان " انتهى .

وقال رحمه الله (15/22) :

" وعلى هذا فالاعتداء في الدعاء :

تارة بأن يسأل ما لا يجوز له سؤاله من المعونة على المحرمات .

وتارة يسأل ما لا يفعله الله ، مثل : أن يسأل تخليده إلى يوم القيامة ، أو يسأله أن يرفع عنه لوازم البشرية من الحاجة إلى الطعام والشراب ، ويسأله بأن يطلعه على غيبه ، أو أن يجعله من المعصومين ، أو يهب له ولدا من غير زوجة ، ونحو ذلك مما سؤاله اعتداء لا يحبه الله ولا يحب سائله " انتهى .

وانظر جواب السؤال رقم (41017) .

وأما إذا كنت تريد بذلك نوعا من الحسن في وجهك أكثر مما عندك ، كالذي يطلبه الناس في "عمليات التجميل " : فيُخشى من مثل ذلك الدعاء أن يكون ـ أيضا ـ من الاعتداء في الدعاء الذي ذكرنا حكمه ، فما زال في الناس من يحتاج إلى ذلك ، وقد كان غير واحد من الصحابة معروفين به ، ولم يؤثر عن أحد من السلف الدعاء بمثل هذا ، ولم تجر العادة بحصوله ؛ اللهم إلا أن يكون ذلك من إلقاء البهاء عليه ، والمحبة له ، كالذي يحصل لأهل الصلاح ، كما ذكره شيخ الإسلام فيما سبق ، وأما أن يتغير شكل أنفه ، أو لون عينيه .. ، أو ما إلى ذلك ، فهو مما لم تجر العادة بحصوله ، ولا الدعاء به ، فأقل ما يقال فيه : إنه ينبغي تركه ، والاشتغال بما هو أولى بالعبد من تحسين صورته الباطنة بالإيمان والعمل الصالح ، ولعل الحاجة التي

دعتك إلى ذلك ، وتظن أنها لا تحصل إلا بهذا التغيير ، تحصل لك ، هي أو ما هو أفضل منها أضعافا مضاعفة ، تحصل لك بما هو أيسر من ذلك من الإقبال على الله ، وتعلق القلب به .

قال الله جل وعلا : ( إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ سَيَجْعَلُ لَهُمُ الرَّحْمَنُ وُدّاً ) مريم/96 .

قال قتادة رحمه الله :

" إي والله ، في قلوب أهل الإيمان ، ذُكر لنا أن هَرِم بن حَيَّان كان يقول : ما أقبل عبد بقلبه إلى الله إلا أقبل الله بقلوب المؤمنين إليه حتى يرزقه مودتهم ورحمتهم ..

وكان عثمان بن عفان رضي الله عنه يقول : ما من عبد يعمل خيرًا أو شرًّا، إلا كساه الله عز وجل رداء عمله " . انتهى . "تفسير ابن كثير" (5/269) .

وعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : ( إِنَّ اللَّهَ إِذَا أَحَبَّ عَبْدًا دَعَا جِبْرِيلَ فَقَالَ إِنِّي أُحِبُّ فُلَانًا فَأَحِبَّهُ قَالَ فَيُحِبُّهُ جِبْرِيلُ ثُمَّ يُنَادِي فِي السَّمَاءِ فَيَقُولُ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ فُلَانًا فَأَحِبُّوهُ فَيُحِبُّهُ أَهْلُ السَّمَاءِ قَالَ ثُمَّ يُوضَعُ لَهُ الْقَبُولُ فِي الْأَرْضِ .

وَإِذَا أَبْغَضَ عَبْدًا دَعَا جِبْرِيلَ فَيَقُولُ إِنِّي أُبْغِضُ فُلَانًا فَأَبْغِضْهُ قَالَ فَيُبْغِضُهُ جِبْرِيلُ ثُمَّ يُنَادِي فِي أَهْلِ السَّمَاءِ إِنَّ اللَّهَ يُبْغِضُ فُلَانًا فَأَبْغِضُوهُ قَالَ فَيُبْغِضُونَهُ ثُمَّ تُوضَعُ لَهُ الْبَغْضَاءُ فِي الْأَرْضِ ) .

رواه البخاري (3209) ومسلم (2637) واللفظ له .





والله أعلم .

الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
 
جمالك الحقيقي اختاه
الرجوع الى أعلى الصفحة 
صفحة 1 من اصل 1

صلاحيات هذا المنتدى:لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى
اسلام ويب :: ۩✖ المكتبه الاسلاميه والفتاوي الشرعيه ۩✖ :: فتــــاوي واسئله :: فقــــه العبــــادات-
انتقل الى: