زواج الأقارب وحديث: (غربوا النكاح)
السؤال :
أود أن أعرف ما مدى صحة حديث : (غربوا النكاح) المتداول بين الناس بكثرة ، وهل زواج الأقارب غير محبذ في الشرع ؟
الجواب :
الحمد لله
أولا :
جاء في بعض الأحاديث الحث على تغريب النكاح ، إلا أن هذه الأحاديث لم يثبت منها شيء عن النبي صلى الله عليه وسلم .
قال الحافظ ابن الملقن رحمه الله :
"لم أر أنا في الباب في كتاب حديثي ما يستأنس به" انتهى من "البدر المنير" (7/500) .
وهذه بعض الأحاديث الواردة في هذا :
1- حديث : (غربوا النكاح) .
سئل عنه الشيخ الألباني رحمه الله فقال : ضعيف .
السائل : هل وردت أحاديث صحيحة تحض على زواج الأباعد؟
فأجاب الشيخ بقوله : "لا" . انتهى من "سلسلة الهدى والنور" (شريط رقم/594، الدقيقة/53) .
2- حديث : ( لا تنكحوا القرابة القريبة ، فإن الولد يخلق ضاوياً ) .
قال الحافظ أبو عمرو ابن الصلاح رحمه الله :
"لم أجد له أصلا معتمدا" انتهى .
نقله الحافظ ابن الملقن في "البدر المنير" (7/499) .
وذكره السبكي في " طبقات الشافعية " (6/154) ضمن الأحاديث التي ذكرها أبو حامد الغزالي في " إحياء علوم الدين " ولم يجد لها إسنادا .
وقال الشيخ الألباني رحمه الله :
"لا أصل له مرفوعاً ، وقد اشتهر اليوم عند متفقهة هذا الزمن ودكاترته ، الذين لا يتقون الله في طلابهم ، فيلقون عليهم من الأقوال والآراء ما لا حجة عليه ولا برهان ، ومن الأحاديث ما لا سنام له ولا خطام ، وما لا أصل له من كلامه عليه الصلاة والسلام ، كهذا الحديث ؛ فإني سئلت عنه مراراً من بعض طلابهم" انتهى من "السلسلة الضعيفة" (5365) .
وقد ذكر بعض العلماء استحباب أن تكون الزوجة من غير الأقارب .
قال الغزالي رحمه الله :
"أن لا تكون من القرابة القريبة ، فإن ذلك يقلل الشهوة ..." انتهى من "إحياء علوم الدين" (2/41) .
وقال ابن قدامة رحمه الله :
"يختار الأجنبية , فإن ولدها أنجب , ولهذا يقال : اغتربوا لا تضووا يعني : انكحوا الغرائب كي لا تضعف أولادكم ، وقال بعضهم : الغرائب أنجب , وبنات العم أصبر ; ولأنه لا تؤمن العداوة في النكاح , وإفضاؤه إلى الطلاق , فإذا كان في قرابته أفضى إلى قطيعة الرحم المأمور بصلتها" انتهى من "المغني" (7/83) .
غير أن هذا الحكم لم يتفق عليه الفقهاء ، فقد رَدَّه بعضهم ، مستدلين بتزويج النبي صلى الله عليه وسلم ابنته فاطمة من ابن عم أبيها علي بن أبي طالب ، وتزويجه ابنته زينب من ابن خالتها أبي العاص بن الربيع ، وغير ذلك .
قال السبكي رحمه الله – معلقا على القول باستحباب تغريب النكاح - :
"ينبغي أن لا يثبت هذا الحكم لعدم الدليل ، وقد زوج النبي صلى الله عليه وسلم عليا بفاطمة رضي الله تعالى عنهما , وهي قرابة قريبة" انتهى .
نقلا عن "مغني المحتاج" للشربيني (4/206) .
وقد سئل الشيخ ابن باز رحمه الله :
قرأتُ قولاً يقول : (اغتربوا لا تضووا) هل هو حديث صحيح ، وهل هناك أحاديث أخرى حول هذا الموضوع ؟ نرجو توضيح السنة الصحيحة في مسألة اختيار الزوجة ؟
فأجاب :
"ليس لهذا أصل ، بل كونها تتزوج من الأقارب أفضل ، والنبي صلى الله عليه وسلم زوج من أقاربه عليه الصلاة والسلام ، أما قول بعض الفقهاء هذا لا أصل له ، بل هو مخير ، إن شاء تزوج قريبة كبنت عمه وخاله ، وإن شاء تزوج بعيدا ، لا حرج في ذلك .
وأما قول من قال : الأجنبية أنجب وأفضل ، فهذا لا أصل له ، ولا دليل عليه ، فإن تيسرت قريبة طيبة فهي أولى ، وهي من هذا الباب صلة رحم ، أما إن كانت الأجنبية أزين ، وأكثر خيرا ، فالأجنبية أفضل .
المقصود أن يتحرى المرأة الصالحة قريبة أو غير قريبة ، لقوله صلى الله عليه وسلم : (تنكح المرأة لأربع : لمالها ، ولحسبها ، ولجمالها ، ولدينها ، فاظفر بذات الدين تربت يداك) ، فالمؤمن يلتمس ذات الدين الطيبة وإن كانت من غير أقاربه ، والزوجة كذلك تلتمس الزوج الصالح ، وتسأل عنه ، وإن كان من غير أقاربها" انتهى من "فتاوى نور على الدرب" (شريط رقم 831) .
والله أعلم .