السؤال
تم شراء (شيء) للوالد عن طريق مصرف إسلامي بحيث تم دفع الدفعة الأولى من بناته العاملات في وظائف، و قمن بكفالته أيضاً، وبعد سنتين توفي الوالد - رحمه الله و أسكنه فسيح جناته - وورثه أولاده وبناته وزوجته ووالدته، وقاموا جميعاً بالتنازل عن حصصهم لبناته وبعد فترة طلبت والدة المتوفى نصيبها من (الشيء) مع العلم أن الوالد كان قد أوصى وصية شفوية بأن تنتقل ملكية (الشيء) بعد وفاته لبناته. السؤال: ما حكم إهمال طلب الوالدة في نصيبها مع العلم أنه لا يوجد معيل للبنات بعد وفاة والدهن إلا الله تعالى (وهن يقمن بإعالة إخوتهن الصغار) ووالدة المتوفى لها أولاد كثر؟
الإجابــة
الحمد لله والصلاة والسلام على نبينا محمد وعلى آله وصحبه ومن والاه أما بعد :
فمن المعلوم أن وصية الأب بأن يكون شيء من تركته لبناته هي وصية لوارث, والوصية لوارث ليست وصية ملزمة وإنما يتوقف نفاذها على رضا الورثة كما فصلناه في الفتوى رقم 170967 والفتوى رقم 121878, فإذا لم ترض أم المتوفى بتلك الوصية وطالبت بأخذ حقها مما أوصى به ابنها لبناته فإن لها الحق في ذلك، ويجب على الورثة تمكينها من أخذ حقها منه ولو كانت غنية ولو كان لها أولاد كثر ولو كان البنات فقيرات، لأن التركة لا تقسم على أساس الغنى والفقر وإنما تقسم على ما جاء به الشرع، والأم لها السدس ما دام لابنها المتوفى فرع وارث , ولا يجوز إهمال طلب تلك الأم في أخذ نصيبها مما أوصى به الميت لبناته .
لكنها إذا كانت قد تنازلت لحفيداتها أولا وحازت البنات ذلك الشيء ثم أرادت الجدة الرجوع في تلك الهبة فإن العلماء مختلفون في حكم رجوعها، فقال بعضهم يجوز وهو المشهور من مذهب الشافعية كما جاء في شرح العلامة جلال الدين المحلي على منهاج الطالبين: وَلِلْأَبِ الرُّجُوعُ فِي هِبَةِ وَلَدِهِ ، وَكَذَا لِسَائِرِ الْأُصُولِ مِنْ الْأُمِّ وَالْأَجْدَادِ وَالْجَدَّاتِ مِنْ جِهَةِ الْأَبِ وَالْأُمِّ عَلَى الْمَشْهُورِ. اهــ. وذهب الحنفية إلى أنه يجوز الرجوع في الهبة مطلقا، وخص المالكية جواز الرجوع في الهبة بالأب والأم دون غيرهما, وليس للأم عند الحنابلة الرجوع في الهبة على الصحيح من مذهبهم فأحرى بذلك الجدة.
جاء في الموسوعة الفقهية: اخْتَلَفَ الْفُقَهَاءُ فِي جَوَازِ رُجُوعِ الْوَاهِبِ فِي هِبَتِهِ بَعْدَ قَبْضِ الْمَوْهُوبِ لَهُ الشَّيْءَ الْمَوْهُوبَ وَلَهُمْ فِي ذَلِكَ أَقْوَالٌ : الأْوَّل : عَدَمُ جَوَازِ الرُّجُوعِ إِلاَّ لأِبٍ فِيمَا وَهَبَ وَلَدَهُ ، وَهَذَا مَذْهَبُ الْمَالِكِيَّةِ وَالْحَنَابِلَةِ فِي الْمَذْهَبِ ، وَمُقَابِل الْمَشْهُورِ عِنْدَ الشَّافِعِيَّةِ وَفِي الْمَشْهُورِ عِنْدَهُمْ يُلْحَقُ سَائِرُ الأْصُول بِالأْبِ فِي جَوَازِ الرُّجُوعِ وَأَلْحَقَ الْمَالِكِيَّةُ الأْمَّ بِالأْبِ بِشَرْطِ أَنْ يَكُونَ الاِبْنُ غَيْرَ يَتِيمٍ .... الثَّانِي : يَصِحُّ الرُّجُوعُ لِلْوَاهِبِ فِي هِبَتِهِ بَعْدَ الْقَبْضِ إِذَا لَمْ يَمْنَعْ مَانِعٌ مِنْ مَوَانِعِ الرُّجُوعِ وَلَكِنَّهُ يُكْرَهُ تَنْزِيهًا، وَهَذَا مَذْهَبُ الْحَنَفِيَّةِ ....وَاشْتَرَطَ الْحَنَفِيَّةُ فِي صِحَّةِ الرُّجُوعِ لِلْوَاهِبِ التَّرَاضِيَ أَوِ التَّقَاضِيَ حَتَّى لاَ يَصِحَّ الرُّجُوعُ بِدُونِ وَاحِدٍ مِنْهُمَا. الثَّالِثُ عَنْ أَحْمَدَ : لَيْسَ لِلأْبِ الرُّجُوعُ فِي الْهِبَةِ . الرَّابِعُ عَنْ أَحْمَدَ : أَنَّ لِلأْبِ الرُّجُوعَ إِنْ لَمْ يَتَعَلَّقْ بِهِ حَقٌّ أَوْ رَغْبَةٌ كَتَزْوِيجٍ وَفَلَسٍ أَوْ مَا يَمْنَعُ تَصَرُّفَ الْمُتَّهَبِ مُؤَبَّدًا أَوْ مُؤَقَّتًا . اهـــ مختصرا .
فعلى قول الجمهور لا يجوز للجدة الرجوع فيما تنازلت عنه للبنات إذا كان البنات قد حزنه .
والله تعالى أعلم