قوم ثمود كانوا من سكان شبه الجزيرة العربية القدماء، عاشوا منذ منتصف الألفية الرابعة قبل الميلاد إلى القرن الثاني قبل الميلاد، يعتقد بأنهم نشأوا جنوب شرق الجزيره العربيه بين اليمن وعمان والربع الخالي في مدينة تسمى ثمود ولكنهم انتشروا شمالاً نحو الحجاز وسكنوا يثرب وتيماء والطائف والحجر والجوف وحائل والبتراء وجازان.
حسب الكتب القديمة فهم كانوا حضراً وكان الله قد أطال أعمارهم حتى إن كان أحدهم يبني البيت من اللبن فينهدم وهو حي فلمّا رؤوا ذلك اتخذوا من الجبال بيوتًا.
الكتابات والرسومات الثمودية وجدت ليس فقط في مدينة ثمود باليمن وإنما في كافة أنحاء شبه الجزيرة العربية.[1]
عبدت ثمود الله وكذلك عبد بعضهم الآلهة العربية المعروفة: ود إله المحبة، وبعل إله الأمطار.
ثمود قبيلة أو مجموعة قبائل من سكان شبه الجزيرة العربية القدماء كانوا يسكنون مدينة تسمى ثمود باليمن، إلا أن مجموعة كبيرة انتشرت شمالاً إلى الحجاز وسيناء وقد عدهم النسابون المسلمون القدامى من العرب القدماء.
يذكر ابن خلدون قوم ثمود في كتابة (تاريخ ابن خلدون) ما يوحي له بذلك وهو يتكلم عن العرب القدماء فيقول: إنهم انتقلوا إلى جزيرة العرب من بابل لما زاحمهم فيها بنو حام فسكنوا جزيرة العرب بادية مخيمين ثم كان لكل فرقة منهم ملوك وآطام وقصور، ويقول فعاد وثمود والعماليق وأُميم وجاسم وعبيل وجديس وطسم هم العرب.
أقدم الآثار المكتشفة عن ثمود تعود لنقش لسرجون الآشوري يرجع تاريخه إلى القرن الثامن قبل الميلاد حيث دارت بينهم وبين الآشورين معارك[2]، كما ورد اسم ثمود في معبد إغريقي بشمال غرب الحجاز بني عام 169م وفي مؤلفات أرسطو وبطليموس وبلينيوس.[3] وفي كتب بيزنطية تعود للقرن الخامس. وأيضا في نقوش أثرية حول مدينة تيماء. وفي قصائد الشعراء كالأعشى وأمية بن أبي الصلت الذين استشهدا بعاد وثمود كمثلين على البأس والقوة والمنعة.
وتقع الحجر (مدائن صالح) على بعد 22 كم شمال شرق مدينة العلا الواقعة في شمال غربي المدينة المنورة وتبعد عنها 395 كم. إن مقومات الاستقرار السكاني منذ قديم الزمان كانت متوفرة في موقع الحجر من حيث موقعها على طريق التجارة ووفرة الماء وخصوبة التربة والحماية الطبيعية المتمثلة في الكتل الصخرية الهائلة والمنتشرة في الموقع، وعلى ذلك ليس من الغريب أن يكون تاريخ الاستقرار السكاني بالحجر أبعد من التاريخ الذي حدده العلماء، في الحجر تتمثل في أماكن العبادة والنقوش الصخرية التي تركها الأقوام المتعاقبة وهي آثار ثمودية ولحيانية ومعينية ونبطية وهي تحمل ملامح فنية رائعة وغاية في الجمال.
حسب علم الآثار فقد سكنت مدينة الحجر من قبل المعينيين الثموديين منذ القرن 30 ق.م ومن بعدهم سكنت من قبل اللحيانيين في القرن التاسع ق.م، وفي القرن الثاني ق.م احتل الانباط مدينة الحجر وأسقطوا دولة بني لحيان واتخذوا من بيوت الحجر معابد ومقابر، وقد نسب الأنباط بناء مدينة الحجر لنفسهم في النقوش التي عثر عليها.
يقول بعض المؤرخين إن لثمود علاقة بقبيلة لحيان. وإن من بقي من أفراها على الحياة صاروا يحملون اسم لحيان. ويتزامن هلاك الثموديين الأوائل مع منشئ مملكة لحيان حوالي 900-1300 ق.م، أما الثموديين الذين كانوا يسكنون تيماء والجوف ويثرب والطائف فيعتقد انهم قد انصهروا في قبائل أخرى ويعتقد أن قبائل معين وبني لحيان وطيء وثقيف من القبائل المنحدرة من ثمود. [4]
الكامل في التاريخ
قصة قوم ثمود كما هي في كتاب الكامل في التاريخ - لابن الأثير
ثمود: هم ولد ثمود بن جاثر بن إرم بن سام وكانت مساكن ثمود بالحجر بين المدينة المنورة وتبوك وكانوا بعد عاد قد كثروا وكفروا وعتوا فبعث الله إليهم صالح بن عبيد بن أسف بن ماشج بن عبيد بن جادر بن ثمود يدعوهم إلى توحيد الله الله وإفراده بالعبادة فـ{قالوا يا صالح قد كنت فينا مرجوًّا قبل هذا} سورة هود آية 62. الآية وكان الله قد أطال أعمارهم حتى إن كان أحدهم يبني البيت من المدر فينهدم وهو حيّ فلمّا رؤوا ذلك اتخذوا من الجبال بويتًا فارهين فنحتوها وكانوا في سعة من معايشهم ولم يزل صالح يدعوهم فلم يتبعه منهم إلا قليل مستضعفون فلما ألح عليهم بالدّعاء والتحذير والتخويف سألوه فقالوا: يا صالح اخرج معنا إلى عيدنا وكان لهم عيد يخرجون إليه بأصنامهم فأرنا آية فتدعو إلهك وندعو آلهتنا فإن استجيب لك اتبعناك وإن استجيب لنا اتبعتنا فقال: نعم فخرجوا بأصنامهم وصالح معهم فدعوا أصنامهم أن لا يستجاب لصالح ما يدعو به وقال له سيّد قومه: يا صالح أخرج لنا من هذه الصخرة - لصخرة منفردة - ناقة جوفاء عشراء فإن فعلت ذلك صدّقناك.
فأخذ عليهم المواثيق بذلك وأتى الصخرة وصلّى ودعا ربّه عز وجل فإذا هي تتمخض كما تتمخض الحامل ثم انفجرت وخرجت من وسطها الناقة كما طلبوا وهم ينظرون ثمّ نتجت سقبًا مثلها في العظم فآمن به سيد قومه واسمه جندع بن عمرو ورهط من قومه فلما خرجت الناقة قال لهم صالح: {هذه ناقة لها شرب ولكم شرب يوم معلوم} سورة الشعراء آية 155. ومتى عقرتموها أهلككم الله فكان شربها يومًا وشربهم يومًا معلومًا فإذا كان يوم شربها خلّوا بينها وبين الماء وحلبوا لبنها وملؤوا كلّ وعاء وإناء وإذا كان يوم شربهم صرفوها عن الماء فلم تشرب منه شيءًا وتزوّدوا من الماء للغد.
فأوحى الله إلى صالح أن قومك سيعقرون الناقة فقال لهم ذلك فقالوا: ما كنّا لنفعل قال: إلاّ تعقروها أنتم يوشك أن يولد فيكم مولود يعقرها قالوا: وما علامته فوالله لا نجده إلا قتلناه قال: فإنه غلام أشقر أزرق أصهب أحمر قال: فكان في المدينة شيخان عزيزان منيعان لأحدهما ابن رغب له عن المناكح وللآخر ابنة لا يجد لها كفؤًا فزوّج أحدهما ابنه بابنة الآخر فولد بينهما المولود فلمّا قال لهم صالح إنما يعقرها مولود فيكم اختاروا قوابل من القرية وجعلوا معهنّ شرطًا يطوفون في القرية فإذا وجدوا امرأة تلد نظروا ولدها ما هو فلّما وجدوا ذلك المولد صرخ النسوة وقلن: هذا الذي يريد نبيّ الله صالح فأراد الشرط أن يأخذوه فحال جدّاه بينهم وبينه وقالا: لو أراد صالح هذا لقتلناه فكان شرّ مولود وكان يشبّ في اليوم شباب غيره في الجمعة فاجتمع تسعة رهط منهم يفسدون في الأرض ولا يصلحون كانوا قتلوا أبناءهم حين ولدوا خوفًا أن يكون عاقر الناقة منهم ثمّ ندموا فأقسموا ليقتلنَّ صالحًا وأهله وقالوا: نخرج فترى الناس أننا نريد السفر فنأتي الغار الذي على طريق صالح فنكون فيه فإذا جاء الليل وخرج صالح إلى مسجده قتلناه ثمّ رجعنا إلى الغار ثم انصرفنا إلى رحالنا وقلنا ما شهدنا قتله فيصدّقنا قومه وكان صالح لا يبيت معهم كان يخرج إلى مسجد له يعرف بمسجد صالح فيبيت فيه فلمّا دخلوا الغار سقطت عليهم صخرة فقتلتهم فانطلق رجال ممن عرف الحال إلى الغار فرأوهم هلكى فعادوا يصيحون: إنّ صالحًا أمرهم بقتل أولادهم ثمّ قتلهم.
وقيل: إنما كان تقاسم التسعة على قتل صالح بعد عقر الناقة وإنذار صالح إيّأهم بالعذاب وذلك أنّ التسعة الذين عقروا الناقة قالوا: تعالوا فلنقتل صالحًا فإن كان صادقًا عجّلنا قتله وإن كان كاذبًا ألحقناه بالناقة فأتوه ليلًا في أهله فدمغتهم الملائكة بالحجارة فهلكوا فأتى أصحابهم فرأوهم هلكى فقالوا لصالح: أنت قتلتهم وأرادوا قتله فمنعهم عشيرته وقالوا: إنه قد أنذركم العذاب فإن كان صادقًا فلا تزيدوا ربّكم غضبًا وإن كان كاذبًا فنحن نسلّمه إليكم فعادوا عنه فعلى القول الأوّل يكون التسعة الذين تقاسموا غير الذين عقروا الناقة والثاني أصح والله أعلم.
وأما سبب قتل الناقة فقيل: إن قدار بن سالف جلس مع نفر يشربون الخمر فلم يقدروا على ماء يمزجون به خمرهم لأنه كان يوم شرب الناقة فحرّض بعضهم بعضًا على قتلها وقيل: إنّ ثمودًا كان فيهم امرأتان يقال لإحداهما قطام وللأخرى قبال وكان قدار يهوى قطام ومصدع يهوى قبال ويجتمعان بهما ففي بعض الليالي قالتا لقدار ومصدع: لا سبيل لكما إلينا حتى تقتلا الناقة فقالا: نعم وخرجا وجمعا أصحابهما وقصدا الناقة وهي على حوضها فقال الشقيّ لأحدهم: اذهب فاعقرها فأتاها فتعاظمه ذلك فأضرب عنه وبعث آخر فأعظم ذلك وجعل لا يبعث أحدًا إلاّ تعاظمه قتلها حتى مشى هو إليها فتطاول فضرب عرقوبها فوقعت تركض وكان قتلها يوم الأربعاء واسمه بلغتهم جبّار وكان هلاكهم يوم الأحد وهو عندهم أوّل فلمّا قتلت أتى رجل منهم صالحًا فقال: أدرك الناقة فقد عقروها فأقبل وخرجوا يتلقّونه يعتذرون إليه: يا نبيّ الله إنما عقرها فلان إنّه لا ذنب لنا قال: انظروا هل تدركون فصيلها فإن أدركتموه فعسى الله أن يرفع عنكم العذاب فخرجوا يطلبونه ولما رأى الفصيل أمّه تضطرب قصد جبلًا يقال له القارة قصيرًا فصعده وذهبوا يطلبونه فأوحى الله إلى الجبل فطال في السماء حتى ما يناله الطير ودخل صالح القرية فلما رآه الفصيل بكى حتى سالت دموعه ثمّ استقبل صالحًا فرغًا ثلاثًا فقال صالح: لكلّ رغوة أجل يوم {تمتعوا في داركم ثلاثة أيام ذلك وعد غير مكذوب} سورة هود آية 65. وآية العذاب أن وجوهكم تصبح في اليوم الأول مصفرة وتصبح في اليوم الثاني محمرّة وتصبح في اليوم الثالث مسودّة فلما أصبحوا إذا وجوههم كأنما طليت بالخلوق صغيرهم وكبيرهم وأنثاهم فلمّا أصبحوا في اليوم الثاني إذا وجوههم محمرّة فلما أصبحوا في اليوم الثالث إذا وجوههم مسودّة كأنما طليت بالقار فتكفّنوا وتحنّطوا وكان حنوطهم الصبر والمر وكانت أكفانهم الأنطاع ثمّ ألقوا أنفسهم إلى الأرض فجعلوا يقلبّون أبصارهم إلى السماء والأرض لا يدرون من أين يأتيهم العذاب فلمّا أصبحوا في اليوم الرابع أتتهم صيحة من السماء فيها صوت كالصاعقة فتقطّعت قلوبهم في صدورهم {فأصبحوا في ديارهم جاثمين} سورة هود آية 67. وأهلك الله من كان بين المشارق والمغارب منهم إلا رجلًا كان في الحرم فمنعه الحرم قيل: ولما سار النبيّ صلى الله عليه وسلم إلى تبوك أتى على قرية ثمود فقال لأصحابه: لا يدخلنّ أحد منكم القرية ولا تشربوا من مائها وأراهم مرتقى الفصيل في الجبل وأراهم الفجّ الذي كانت الناقة ترد منه الماء.
وأمّا صالح فإنّه سار إلى الشام فنزل فلسطين ثمّ انتقل إلى مكة فأقام بها يعبد الله حتى مات وهو ابن ثمان وخمسين سنة وكان قد أقام في قومه يدعوهم عشرين سنة.
القرآن
تفسير الآيات الإمام ابن كثير[5]
الآية رقم (61) سورة هود
{وإلى ثمود أخاهم صالحا قال يا قوم اعبدوا الله ما لكم من إله غيره هو أنشأكم من الأرض واستعمركم فيها فاستغفروه ثم توبوا إليه إن ربي قريب مجيب}
يقول : {و} لقد أرسلنا {إلى ثمود} وهم الذين كانوا يسكنون مدائن الحجر بين تبوك والمدينة وكانوا بعد عاد فبعث اللّه منهم {أخاهم صالحا} فأمرهم بعبادة اللّه وحده، ولهذا قال: {هو أنشأكم من الأرض} أي ابتدأ خلقكم منها خلق أباكم آدم، {واستعمركم فيها} أي جعلكم عماراً تعمرونها وتستغلونها، {فاستغفروه} لسالف ذنوبكم {ثم توبوا إليه} فيما تسقبلونه {إن ربي قريب مجيب}، كما قال القرآن: {وإذا سألك عبادي عني فإني قريب أجيب دعوة الداع إذا دعان}.
الآية رقم (62 : 63) سورة هود
{قالوا يا صالح قد كنت فينا مرجوا قبل هذا أتنهانا أن نعبد ما يعبد آباؤنا وإننا لفي شك مما تدعونا إليه مريب . قال يا قوم أرأيتم إن كنت على بينة من ربي وآتاني منه رحمة فمن ينصرني من الله إن عصيته فما تزيدونني غير تخسير}
يذكر ما كان من الكلام بين صالح وبين قومه وما كان عليه قومه من الجهل والعناد في قولهم: {قد كنت فينا مرجوا قبل هذا} أي كنا نرجوك في عقلك قبل أن تقول ما قلت {أتنهانا أن نعبد ما يعبد آباؤنا}، وما كان عليه أسلافنا، {وإننا لفي شك مما تدعونا إليه مريب} أي شك كثير، {قال يا قوم أرأيتم إن كنت على بينة من ربي} فيما أرسلني به إليكم على يقين وبرهان، {وآتاني منه رحمة فمن ينصرني من اللّه إن عصيته}، وتركت دعوتكم إلى الحق وعبادة اللّه وحده، فلو تركته لما نفعتموني ولما زدتموني {غير تخسير} أي خسارة.
الآية رقم (74 : 78) سورة الاعراف
{قد جاءتكم بينة من ربكم هذه ناقة الله لكم آية فذروها تأكل في أرض الله ولا تمسوها بسوء فيأخذكم عذاب أليم . واذكروا إذ جعلكم خلفاء من بعد عاد وبوأكم في الأرض تتخذون من سهولها قصورا وتنحتون الجبال بيوتا فاذكروا آلاء الله ولا تعثوا في الأرض مفسدين . قال الملأ الذين استكبروا من قومه للذين استضعفوا لمن آمن منهم أتعلمون أن صالحا مرسل من ربه قالوا إنا بما أرسل به مؤمنون . قال الذين استكبروا إنا بالذي آمنتم به كافرون . فعقروا الناقة وعتوا عن أمر ربهم وقالوا يا صالح ائتنا بما تعدنا إن كنت من المرسلين . فأخذتهم الرجفة فأصبحوا في دارهم جاثمين}
{قد جاءتكم بينة من ربكم هذه ناقة اللّه لكم آية}، أي قد جاءتكم حجة من اللّه على صدق ما جئتكم به، وكانوا هم الذين سألوا صالحاً أن يأتيهم بآية، واقترحوا عليه بأن تخرج لهم من صخرة صماء عينوها بأنفسهم، وهي صخرة منفردة في ناحية الحجر يقال لها الكاتبة، فطلبوا منه أن يخرج لهم منها ناقة عشراء تمخض، فأخذ عليهم صالح العهود والمواثيق، لئن أجابهم اللّه إلى طلبتهم ليؤمنن به وليتبعنه، فلما أعطوه على ذلك عهودهم ومواثيقهم، قام صالح إلى صلاته ودعا اللّه عزَّ وجلَّ، فتحركت تلك الصخرة، ثم انصدعت عن ناقة جوفاء وبراء، يتحرك جنينها بين جنبيها، كما سألوا، فعند ذلك آمن رئيسهم جندع بن عمرو ومن كان معه على أمره، وأقامت الناقة وفصيلها بعدما وضعته بين أظهرهم مدة تشرب من بئرها يوماً، وتدعه لهم يوماً، وكانوا يشربون لبنها يوم شربها، يحتلبونها، فيملأون ما شاءوا من أوعيتهم وأوانيهم،
(فذروها تأكل في أرض الله ولا تمسوها بسوء فيأخذكم عذاب أليم) فاتفق الحال على أن تبقى هذه الناقة بين أظهرهم، ترعى حيث شاءت من أرضهم، وترد الماء يوماً بعد يوم، وكانت إذا وردت الماء تشرب ماء البئر يومها ذلك، فكانوا يرفعون حاجتهم من الماء في يومهم لغدهم، ويقال: إنهم كانوا يشربون من لبنها كفايتهم، ولهذا : {هذه ناقة لها شرب ولكم شرب يوم معلوم} (سورة الشعراء:155)، وكانت تسرح في بعض تلك الأودية ترد من فج وتصدر من غيره ليسعها لأنها كانت تتضلع من الماء، وكانت على ما ذكر خلقاً هائلاً ومنظراً رائعاً، إذا مرت بأنعامهم نفرت منها، فلما طال عليهم واشتد تكذيبهم لصالح النبي عزموا على قتلها ليستأثروا بالماء كل يوم، فيقال: إنهم اتفقوا كلهم على قتلها، قال قتادة: بلغني أن الذي قتلها طاف عليهم كلهم أنهم راضون بقتلها، حتى على النساء في خدورهن وعلى الصبيان، قلت: وهذا هو الظاهر لقوله عز وجل القرآن: {فكذبوه فعقروها فدمدم عليهم ربهم بذنبهم فسواها}، وقال: {وآتينا ثمود الناقة مبصرة فظلموا بها}، وقال: {فعقروا الناقة}، فأسند ذلك على مجموع القبيلة، فدل على رضى جميعهم بذلك، واللّه أعلم.
وذكر ابن جرير وغيره من علماء التفسير: أن سبب قتلها أن امرأة منهم يقال لها عنيزة وتكنى أم عثمان، كانت عجوزاً كافرة، وكانت من أشد الناس عداوة لصالح، وكانت لها بنات حسان ومال جزيل، وكان زوجها ذؤاب بن عمرو أحد رؤساء ثمود، وامرأة أخرى يقال لها صدقة ذات حسب ومال وجمال، وكانت تحت رجل مسلم من ثمود ففارقته، فكانتا تجعلان جعلاً لمن التزم لهما بقتل الناقة فدعت صدقة رجلاً يقال له: الحباب، فعرضت عليه نفسها إن هو عقر الناقة، فأبى عليها، فدعت ابن عم لها يقال له: مصدع بن المحيا فأجابها إلى ذلك، ودعت عنيزة بنت غنم قدار بن سالف وكان رجلاً أحمر أزرق قصيراً يزعمون أنه كان ولد زانية، وقالت له: أعطيك أي بناتي شئت على أن تعقر الناقة، فعند ذلك انطلق قدار بن سالف ومصدع بن المحيا فاستغويا غواة من ثمود، فاتبعهما سبعة نفر، فصاروا تسعة رهط، وهم الذين قال فيهم اللّه :
الآية رقم (47) سورة النمل
{وكان في المدينة تسعة رهط يفسدون في الأرض ولا يصلحون}
وكانوا رؤساء في قومهم، فاستمالوا القبيلة الكافرة بكمالها، فطاوعتهم على ذلك، فانطلقوا فرصدوا الناقة حين صدرت عن الماء وقد كمن لها قدار بن سالف في أصل صخرة على طريقها، وكمن لها مصدع في أصل أخرى، فمرت على مصدع فرماها بسهم فانتظم به عضلة ساقها، وخرجت بنت غنم عنيزة، وأمرت ابنتها - وكانت من أحسن الناس وجهاً - فسفرت عن وجهها لقدار وزمرته، وشد عليها قدار بالسيف فكشف عن عرقوبها، فخرت ساقطة إلى الأرض، ورغت رغاة واحدة تحذر سقبها، ثم طعن في لبّتها فنحرها، وانطلق سقبها وهو فصيلها حتى أتى جبلاً منيعاً، فصعد أعلى صخرة فيه ورغا.
فلما فعلوا ذلك وفرغوا من عقر الناقة وبلغ الخبر صالحاً جاءهم وهم مجتمعون، فلما رأى الناقة بكى وقال: {تمتعوا في داركم ثلاثة أيام} الآية، وكان قتلهم الناقة يوم الأربعاء، فلما أمسى أولئك التسعة الرهط عزموا على قتل صالح، وقالوا: إن كان صادقاً عجلناه قبلنا، وإن كان كاذباً ألحقناه بناقته {قالوا تقاسموا بالله لنبيتنه وأهله ثم لنقولن لوليه ما شهدنا مهلك أهله وإنا لصادقون}، فلما عزموا على ذلك وتواطؤوا عليه وجاؤوا من الليل ليفتكوا بنبي اللّه، فأرسل اللّه عليهم حجارة فرضختهم سلفاً وتعجيلاً قبل قومهم، وأصبح ثمود يوم الخميس - وهو اليوم الأول من أيام النظرة - ووجوههم مصفرة، كما وعدهم صالح، وأصبحوا في اليوم الثاني من أيام التأجيل - وهو يوم الجمعة - ووجوههم محمرة، وأصبحوا في اليوم الثالث من أيام المتاع - وهو يوم السبت - ووجوههم مسودة، فلما أصبحوا من يوم الأحد، وقد تحنطوا وقعدوا ينتظرون نقمة اللّه وعذابه - عياذاً باللّه من ذلك - لا يدرون ماذا يفعل بهم، ولا كيف يأتيهم العذاب، وأشرقت الشمس، جاءتهم صيحة من السماء ورجفة شديدة من أسفل منهم، ففاضت الأرواح وزهقت النفوس في ساعة واحدة. {فأصبحوا في دارهم جاثمين} أي صرعى لا أرواح فيهم، ولم يفلت منهم أحد لا صغير ولا كبير، لا ذكر ولا أنثى، ولم يبق من ذرية ثمود أحد سوى صالح ومن تبعه بدليل قوله عز وجل القرآن {فانظر كيف كان عاقبة مكرهم أنا دمرناهم وقومهم أجمعين فتلك بيوتهم خاوية بما ظلموا، إن في ذلك لآية لقوم يعلمون وأنجينا الذين آمنوا وكانوا يتقون} الآية (51:53) سورة النمل.
الآية رقم (79) سورة الأعراف
{فتولى عنهم وقال يا قوم لقد أبلغتكم رسالة ربي ونصحت لكم ولكن لا تحبون الناصحين}
هذا تقريع من صالح لقومه لما أهلكهم اللّه بمخالفته إياه وتمردهم على اللّه، وإبائهم عن قبول الحق، وإعراضهم عن الهدى إلى العمى، قال لهم صالح ذلك بعد هلاكهم تقريعاً وتوبيخاً.
الآية رقم (1: 12) سورة الحاقة
{الحاقة. ما الحاقة. وما ادراك ما الحاقة. كذبت ثمود وعاد بالقارعة. فاما ثمود فاهلكوا بالطاغية. واما عاد فاهلكوا بريح صرصر عاتية. سخرها عليهم سبع ليال وثمانية ايام حسوما فترى القوم فيها صرعى كانهم اعجاز نخل خاوية. فهل ترى لهم من باقية. وجاء فرعون ومن قبله والمؤتفكات بالخاطئة. فعصوا رسول ربهم فاخذهم اخذة رابية. انا لما طغا الماء حملناكم في الجارية. لنجعلها لكم تذكرة وتعيها اذن واعية}
{الحاقَّةُ} من أسماء يوم القيامة، لان فيها يتحقق الوعد والوعيد، ولهذا عظَّم اللّه امرها فقال: {وما ادراك ما الحاقَّة}، ثم ذكر اهلاكه الأمم المكذبين بها فقال القرآن: {فاما ثمود فاهلكوا بالطاغية} وهي الصيحة التي اسكتتهم والزلزلة التي اسكنتهم، هكذا قال قتادة {الطاغية}: الصيحة، وهو اختيار ابن جرير، وقال مجاهد: {الطاغية} الذنوب، وكذا قال ابن زيد انها الطغيان، وقرا: {كذبت ثمود بطغوها}، {واما عاد فاهلكوا بريح صرصر} اي باردة، قال قتادة والسدي: {عاتية} اي شديدة الهبوب، عتت عليهم حتى نقبت عن افئدتهم، وقال الضحّاك: {صرصر} باردة {عاتية} عتت عليهم بغير رحمة ولا بركة، وقال علي: عتت على الخزنة فخرجت بغير حساب، {سخرها عليهم} اي سلطها عليهم {سبع ليالي وثمانية ايام حسوماً} اي كوامل متتابعات مشائيم، قال ابن مسعود: {حسوماً} متتابعات، وعن عكرمة والربيع: مشائيم عليهم كقوله عز وجل القرآن: {في ايام نحسات} ويقال: انها التي تسميها الناس الاعجاز، وكان الناس اخذوا ذلك من قوله عز وجل القرآن: {فترى القوم فيها صرعى كانهم اعجاز نخل خاوية}. وقيل: لانها تكون في عجز الشتاء، قال ابن عباس: {خاوية} خربة، وقال غيره: بالية، اي جعلت الريح تضرب باحدهم الأرض فيخرّ ميتاً على امِّ رَاْسه، فينشدح راسه، وتبقى جثته هامدة، كانها قائمة النخلة إذا خرت بلا اغصان، "{فهل ترى لهم من باقية} أي من فرقة باقية أو نفس باقية. وقيل: من بقية. وقيل: من بقاء. فاعلة بمعنى المصدر؛ نحو العاقبة والعافية. ويجوز أن يكون اسما؛ أي هل تجد لهم أحدا باقيا. وقال ابن جريج: كانوا سبع ليال وثمانية أيام أحياء في عذاب الله من الريح، فلما أمسوا في اليوم الثامن ماتوا، فاحتملتهم الريح فألقتهم في البحر ذلك قوله عز وجل: "فهل ترى لهم من باقية"، ثم قال القرآن: {وجاء فرعون ومن قبله} اي ومن قبله من الأمم المشبهين له، وقوله عز وجل القرآن: {والمؤتفكات} وهم الأمم المكذبون بالرسل، {بالخاطئة} وهي التكذيب بما انزل اللّه، قال الربيع {بالخاطئة} اي بالمعصية، وقال مجاهد: بالخطايا، ولهذا قال القرآن: {فعصوا رسول ربهم} اي كل كذب رسول اللّه اليهم كما قال القرآن: {ان كلٌ الا كذب الرسل فحق وعيد}، ومن كذب برسول فقد كذب بالجميع، كما قال القرآن: {كذبت قوم نوح المرسلين}، {كذبت عاد المرسلين} وانما جاء إلى كل امّة رسول واحد، ولهذا قال ههنا: {فعصوا رسول ربهم فاخذهم اخذة رابية} اي عظيمة شديدة اليمة، قال مجاهد {رابية}: شديدة، وقال السدي: مهلكة.
ثم قال القرآن: {انا لمّا طغى الماء} أي ازداد على الحد، وقال ابن عباس: {طغى الماء} كثر، وذلك بسبب دعوة نوح، فاستجاب اللّه له، وعمَّ أهل الأرض بالطوفان إلا من كان مع نوح في السفينة، فالناس كلهم من سلالة نوح وذريته، قال علي بن أبي طالب: لم تنزل قطرة من ماء الا بكيل على يدي ملك، فلما كان يوم نوح اذن للماء دون الخزان، فطغى الماء على الخزان، فخرج، فذلك قوله عز وجل القرآن: {انا لمّا طغى الماء} أي زاد على الحد باذن اللّه، {حملناكم في الجارية} ولم ينزل شيء من الريح الا بكيل على يدي ملك الا يوم عاد فانه اذن لها دون الخزان فخرجت، فذلك قوله عز وجل القرآن: {بريح صرصر عاتية} "رواه ابن جرير"، ولهذا قال القرآن ممتناً على الناس {حملناكم في الجارية} وهي السفينة الجارية على وجه الماء، {لنجعلها لكم تذكرة} أي وابقينا لكم من جنسها ما تركبون على تيار الماء في البحار، كما قال: {وجعل لكم من الفلك والانعام ما تركبون}، وقال القرآن: {واية لهم انا حملنا ذريتهم في الفلك المشحون * وخلقنا لهم من مثله ما يركبون} وقال قتادة: ابقى اللّه السفينة حتى ادركها أوائل هذه الأمة، والأول اظهر، ولهذا قال القرآن: {وتعيها اذن واعية} أي وتفهم هذه النعمة وتذكرها اذن واعية، قال ابن عباس: حافظة سامعة، وقال قتادة: {اذن واعية} عقلت عن اللّه فانتفعت بما سمعت من كتاب اللّه. وقال الضحّاك: {وتعيها اذن واعية} سمعتها اذن ووعت، أي من له سمع صحيح وعقل رجيح، وهذا عام في كل من فهم ووعي.
الحديث
وكان رسول الله حين مر بمدينة الحجر وهو عند بيوت ثمود فاستقى الناس من الآبار التي كانت تشرب منها ثمود فعجنوا ونصبوا القدور باللحم فأمرهم رسول الله فأهرقوا القدور وعلفوا العجين الإبل ثم ارتحل بهم حتى نزل بهم على البئر التي كانت تشرب منها الناقة ونهاهم أن يدخلوا على القوم الذين عذبوا فقال (إني أخشى أن يصيبكم مثل ما أصابهم فلا تدخلوا عليهم).
وقال الإمام أحمد : حدثنا عفان، حدثنا عبد العزيز بن مسلم، حدثنا عبد الله بن دينار، عن عبد الله بن عمر قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو بالحجر: (لا تدخلوا على هؤلاء المعذبين، إلا أن تكونوا باكين، فإن لم تكونوا باكين فلا تدخلوا عليهم، أن يصيبكم مثل ما أصابهم).
وعن أبي كبشة الانمارى عن أبيه قال
لما كان في غزوة تبوك تسارع الناس إلى أهل الحجر يدخلون عليهم فبلغ ذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم فنادى في الناس : " الصلاة جامعه" قال : فأتيت النبي صلى الله عليه وسلم وهو ممسك ببعيره وهو يقول :علام تدخلون على قوم غضب الله عليهم فناداه رجل فقال : نعجب منهم يا رسول الله !فقال :إلا أنبئكم شيئاً بأعجب من ذلك ؟ رجل من أنفسكم ينبئكم بما كان قبلكم وما هو كائن بعدكم فاستقيموا وسددوا فإن الله لا يعبأ بعذابكم شيئاً وسيأتي قوم لا يدفعون عن أنفسهم شيئاً).