يظل الإنسان بخير مادام بعيدا عن الفتن، إذا بدت إليه هرب منها، وفر عنها، وإذا رآها مقبلة عليه من بعيد أ
غلق على نفسه أبوابها، وأحكم سداد منافذها حتى لا تجد إليه سبيلا، فمثل هذا في عافية، قد أراح
نفسه وطلب لها السلامة،
والسلامة لا يعدلها شيء، كما قال ابن مسعود رضي الله عنه.
فإذا ما طرق العبد أبواب الفتن وسبل الشهوة وتهاون في رد الشبهات، وإغلاق الأبواب أمام المغريات،
انفتحت عليه أبواب البليات، فكم من قدم زلت بعد ثبوتها،
وكم ممن ظن نفسه يحسن السباحة قد جرفه التيار فأغرقه في بحرها بعد أن كان زمانا على شاطئ
السلامة، فما أشد طوفان الشهوات إذا انفتح بابُ ردِّه، وما أقوى سيلَ المغريات إذا انتقض بناءُ سدِّه.
فمن تعرض للفتن استشرفت له،
ومن رعى حول الحمى يوشك أن يرتع فيه، ومن تساهل في الشبهات وقع في الحرام ولابد .
وقد ضرب الله لنا مثلا على لسان رسوله كما في الحديث الصحيح عن النواس بن سمعان رضي الله عنه
قال عليه الصلاة والسلام:[ ضرب الله مثلا صراطا مستقيما، وعلى جنبتي الصراط سوران فيهما أبواب مفتحة، وعلى الأبواب ستور
مرخاة، وعلى باب الصراط داع يقول
: يا أيها الناس، ادخلوا الصراط جميعا ولا تعوجوا، وداع يدعو من فوق الصراط، فإذا أراد الإنسان أن يفتح
شيئا من تلك الأبواب، قال:
ويحك، لا تفتحه؛ فإنك إن تفتحه تلجه .
فالصراط الإسلام، والسوران حدود الله، والأبواب المفتحة محارم الله، وذلك الداعي على رأس الصراط
كتاب الله، والداعي من فوق الصراط واعظ الله في قلب كل مسلم ].
فحدود الله تبارك وتعالى وحرماته جعل سبحانه عليها ستورا من الممنوعات والمكروهات، ولا يتوصل
الإنسان إلى انتهاك المحرم حتى يرفع هذه الستور، وعند ذلك يقع في الممنوع وينتهك المحظور، ومن
رفع الستر وفتح الباب ولج ولابد، والمعصوم من عصمه الله.
إن الفرار من الفتن يحمي صاحبه من مقارفة الذنوب، والمتجرئ على الشبهات
وبدايات المحرمات غالبا ما يقع فيها، فيتمنى في آخر آمره ألَّو ترك الستر مرخيا وظل بعيدا عن البلاء.
إن غلق أبواب الفتن والبعد عن بواعث المعصية، وأماكن الزلل ومثيرات الشهوة ونوازع الشر من علامات
صحة العقل وكمال الإيمان.. ومن اقترب من الفتن بعدت عنه السلامة، وكان على شفا جرف هار يوشك
أن ينهار به،
واسمع إلى ابن الجوزي رحمه الله تعالى وهو يقول:"
من قارب الفتنة بعدت عنه السلامة، ومن ادعى الصبر وكل إلى نفسه، وربَّ نظرةٍ لم تناظِر. وأحق
الأشياء بالضبط والقهر- اللسان والعين ـ؛ فإياك أن تغتر بعزمك على ترك الهوى مع مقاربة الفتنة؛ فإن
الهوى مكايد، وكم من شجاع في صف الحرب اغتيل , فأتاه ما لم يحتسب ممن يأنف النظر إليه، وانظر
حمزة ووحشي .
فَتَبَصَّـــــــرْ ولا تشــــــمْ كلَّ برقٍ *** رب برق فيـــه صـــواعقُ حَيْنِ
واغضضِ الطرفَ تَسْتَرح من غرام *** تكتسي فيه ثوب ذلٍّ وشين
فبــــلاء الفتى موافقــة النفــــــــ *** س وبدءُ الهوى طموح العين