لا عجبَ أنْ نرى في بعض القلوب صحراواتٍ مقفرةً، وجبالاً جرداءَ، وأراضيَ قاحلةً...
فهذه القلوبُ تُسقى من حميم الكراهية، وأُجاجِ الحقدِ، في كؤوسٍ من الحسدِ البغيض. فحريٌّ بها أن تكونَ على تلك الحالة من القفر والجدْبِ.
ولا عجبَ أن نرى في بعض القلوب رياضاً مزهرةً، وروابيَ مُخضرَّةً، وغاباتٍ وارفةَ الظلال، تشدو على أفنانها البلابلُ والعنادلُ، ويُطربنا ويُشَنِّفُ آذاننا
حفيفُ أوراقها، وتسحرنا بجلالها وجمالها...
فهذه القلوبُ تُسقى من الكوثر والتسنيم، ومن ماءٍ مَعين, وتسقى فرات المحبة، وقَراح الصفاء والإخاء, في كؤوسٍ من الرأفة والرحمة والإخلاص والتقى. فحريٌّ بها أن تكونَ على هذه الحالة من الخصب والخير.
_ قالوا: إن الوفاء لا يتجزأ، فليس من الممكن أن يكون الإنسان نصفَ وفِيٍّ ونصفَ خائنٍ!...
ولكنْ، ليت شعري، ألا ترى معي أن الوفاء تجزّأ في أيامنا، وتقطَّع إرْباً إرباً!!
_ ما وجدت لذةً أعظمَ من لذة تعلُّم شيءٍ جديد، وما وجدت متعةً أفضلَ من كلمات المحبة الصادقة التي أرسلها إلى صديق وفِيٍّ ويرسلُها إلي، في زمنٍ كثر فيه الأصدقاءُ، وقلَّ فيه الأوفياءُ.
_ كلما فاض قلبُ المرء باليقين، كلما قل قلّتِ الشِّكايةُ، وتلاشى صوتُ الأنين. فما أشدَّ حاجتَنَا إلى إيمانٍ يباشر قلوبَنا، ويقينٍ يهوِّن علينا مصائبَ الدنيا.
_ كم من فكرةٍ جالت في فكركَ، وطربت روحُك لجمالها وجِدَّتِهَا، ولكنْ، كنتَ على فراش النوم، وغلبك النُّعاس، وأَغمضتَ جفنَكَ للكرى، قائلاً في نفسك: سأدوِّنُها في الصباح...
فما طلع عليك الفجرُ، ولاحت بوارقُه، إلا ودفنتَ تلك الفكرةَ في مقابرِ النسيان! بعد أن كُفِّنَتْ في كفن التسويف!
_ ما رأيت إنساناً مبدعاً إلا ورأيتُ في سيرته الذاتية، جنباً يتجافى عن المضجع، وعيناً تهجر النوم والكرى، ونفساً طموحاً أتعبتْ جسدَه، وتَعَبَاً مُرهِقاً، ونضالاً مُضْنِياً، و رأيتُ أنّه قد اجتاز جسرَ التعب، حتى وصل إلى شاطئ الراحة والأمان، ثم قيل له:
بصُرتَ بالراحةِ العُظمى فلَم تُرَهَا تُنالُ إلاَّ على جسرٍ مِن التَّعبِ
وخاطبه المتنبي:
وإذا كانَتِ النُّفوسُ كباراً تَعبتْ في مُرادِها الأجسامُ
_ طموحُ الناس على قدر هِمَمِهِم وعزائمهم، لا على قدر أعمارِهم وأجسادهم، وقد قلت في أحد أساتذتي الفضلاءِ:
قدْ جاوزَ الخَمسَ والسَّبعينَ في جَسَدٍ لكنَّ هِمَّتَهُ رُوحُ الصِّبا فِيهَا.