رُبَّ امرئ حَـتْـفُـه فيما تَمَـنّـاه
ربّ مُستَعْجل فيه العَطَب ورب مُدَرَك فيه الهلاك كم يستعجل الواحد مِنّـا الأماني وكم يتلهّف شوقا إلى تحقيق الْمُراد
وكم يسعى لِنيل المطلوب وكم .. وكم ..
كم من فتاة استعجلت الزواج ، فوافقت على أول الْخُطّاب حينما غرّها بِلين الْخِطَاب !فَسَارَ بِهَا في غياهب المجهول ، وما علِمت أنه جَهولأ ما هو فـزلّ وأزلّ وضلّ وأضلّ أهله ، وأهلَكَ أهلَه قاد زوجه إلى ما فيه هلاك الدِّين ..وهي تأمل صلاحه فلم يَصلح ولكنه فَسَد وأفسَدكم
فتاة استعجلت نصيبها .. فلم ترضَ بما قَسَمَ الله لها ، بل لم ترض بِحكم ربّها فكان الموت أحب إليها ممن رضيَتْه
كم تَسَخَّطَتْ وضعها وتأخّر زواجها ، فلما نالتْ ما تَمَنّت .. تَمنّت الْمَنُون فكان الموت أهون عليها من الْهَوان
ورُبّ امرئ حَتْفُه فيما تمناه
فتاة تزوّجت شاباً فاكتشفت في أسبوعها الأول أنه مُدمِن مُخدِّرات ..فراودها عن نفسها أن تبيع عرضها مُقابل حصوله على الْمُخدِّر ، فلم تتمالك نفسها إلا أن ضربته بِمُثقّل .. فَمات !وأخرى بعد زواجها بفترة فوجِئت بأن زوجها يَطلب منها السَّفَر معه ، وشَرْطُ السفر خلع جلباب الحياء !فَفَضّلَتْ أن تكون مُطلّقة عن أن تكون مُتَبرِّجة ..وثالثة رضيتْ شخصا لا يُعرف دِينه ولا خُلُقه .. فذاقت الويل ممن تظـنّـه الطَّـلّ !وهكذا .. رُبّ ساعٍ إلى السَّرَاب يحسبه ماءاً .. فلم يَزده طَلَب السَّرَاب إلا زيادة الظمأ
ورُبّ مُتسلِّق يَبحث عن عُشّ فَوَجده كومة من القشّ !إن الْمُستَعجِل حَلِيفه الزللوالمتأني يَبْلُغ دون المستعجلقد يدرك المتأني بعض حاجته
وقد يكون مع المستعجل الزللورب طالِب للوَلَد ، وفي الولد طُغيان وكُفر ..
(وَأَمَّا الْغُلامُ فَكَانَ أَبَوَاهُ مُؤْمِنَيْنِ فَخَشِينَا أَنْ يُرْهِقَهُمَا طُغْيَانًا وَكُفْرًا) .وليس ثَـمّ مثل الصّبر والرِّضا .. :قال الأشعث بن قيس : دخلت على أمير المؤمنين علي بن أبي طالب رضي الله تعالى عنه فوجدته قد أثّر فيه صبره
على العبادة الشديدة ليلا ونهارا . فقلت : يا أمير المؤمنين إلى كم تصبر على مكابدة هذه الشدة ؟فما زادني إلا أن قال : اصبر على مضض الإدلاج في السحر
وفي الرَّوح إلى الطاعات في البكرإني رأيت وفي الأيـام تجـربـة
للصبر عاقبة محمـودة الأثـروقلّ من جَـدّ في أمـرٍ يُؤمّلـه
واستصحب الصبر إلا فاز بالظفر قال : فحفظتها منه ، وألزمت نفسي الصبر في الأمور ، فوجدت بَرَكَةَ ذلك . اهـ . وفي وصايا الحبيب المصطفى صل الله عليه وسلم : ارضَ بما قَسَم الله لك تكُن أغنى الناس . رواه الإمام أحمد والترمذي .
قال بعض السلف : لو اطّلع ابن آدم على ما صُرِف عنه وما قُدِّر له ، ما اختار غير ما اختاره الله له .وقال تعالى :
(وَعَسَى أَنْ تَكْرَهُوا شَيْئًا وَهُوَ خَيْرٌ لَكُمْ وَعَسَى أَنْ تُحِبُّوا شَيْئًا وَهُوَ شَرٌّ لَكُمْ)
قال الحسن في معنى الآية : لا تَكْرَهُوا الملمّـات الواقعة ، فَلُرُبّ أمْـرٍ تكرهه فيه نجاتك ، ولَرُبّ أمْـرٍ تحـبّـه فيه عَطَبُك .وأنشد أبو سعيد الضرير :
ربّ أمْـرٍ تَـتّقِيـه
جـرّ أمْـراً ترتضيه خَفِي المحبوب مِنْـه
وبَـدا المكـروه فيهوفي كلام العامة : كل تأخيره وفيها خِيرة !فإلى كل مُستعجِل .. تأنّ فـ :رُبّ امرئ حَتْفُه فيما تمناه
وفي مأثور القول :إذا كنت مُستعجِلاً فَسِرْ على مَهَل فربما صادَف المستعجِل الزلل !