سؤال يحتاج إلى إجابة
من العجب العجاب أن تجد أقواماً صنعتهم النقد، وهمهم تتبع عيوب الآخرين، وكل عملهم ذم الآخرين ومن طرف خفي مدح أنفسهم، وياليتهم يتركون غيرهم يعملون، لكنهم بذمهم إخوانهم يصدون عن العمل ولا يعملون، فهم يرون القذى فى عيون الآخرين ولا يرون الجذع فى أعينهم ويصدق فيهم قول الشاعر:
أتبصر فى العين مني القذى وفى عينيك الجذع لا تُبصرُ
وقول الآخر:
وكيف يعيب الناس من عيب نفسه أشد إذا عَدَّ العيوب وأنكر
متى تلتمس للناس عيباً تجد لهمج عيوباً ولكن الذى فيك أكثر
وتراهم يَنقُدون رموزاً للدعوة ورجالاً نحسبهم مخلصين لا لشىء إلا لأنهم مختلفون معهم فى أمور يجوز فيها الخلاف- والمجتهد فيها مأجور إن أخطأ وبالأولى إن أصاب- وإذا سألت هذا الناقد لأخيه: ماذا قدمت للإسلام؟ لم يُجب وتراه ينفعل ويهرف بما لا طائل تحته!!
إن الأمَّة تحتاج للعمل لا تحتاج للكلام- وقديماً قالوا: لأن تضىء شمعة خير من أن تلعن الظلام، إن الداعي المخلص لا ينظر إلا إلى عيوب نفسه ويحسن الظن بإخوانه. ويكون كل همه كيف يصلح الله الناس على يديه أو على يدى غيره.
ولقد ورد فى السِّير أن عمر- رضى الله عنه- عزل خالد بن الوليد عن إمارة الجيش وقال: "ما عزلته تُهمة له، ولكن الناس يقولون إن النصر من عند خالد، ولكن النصر من عند الله؛ وولى بدلاً منه أبا عبيدة. ولا يهم أن يأتى النصر على يد خالد أو على يد أبى عبيدة- رضى الله عن الصحابة جميعاً- المهم أن يأتى النصر، وخالد رضى الله عنه بعد أن كان قائداً عاماً للجيش أصبح جندياً مطيعاً تحت إمارة أبى عبيدة رضى الله عنه، فيقول لخالد أحد الجنود: اصبر يا أمير فإنها الفتنة! فيقول أمَّا وابن الخطاب حى فلا فتنة!
إن الداعية المخلص إذا أبصر داعية ناجحاً رزقه الله القبول فرح واستبشر ودعا له بالتوفيق والسداد وشعر أن أحداً كفاه باباً من الدَّعوة فليكمل هو باقى الأبواب، كان الإمام أحمد يدعو للشافعى فى السحر، لأن العلم رحم بين أهله، والقرآن رحم بين أهله ولا ينبغى لهذين الصنفين (العلماء والقرَّاء) أن يكون صراعهما على الدنيا بل يكون تنافسهما فى طاعة الله وطلب رضاه.
ومما ورد أن رجلاً شتم ابن عباس رضى الله عنهما: فنظر إليه وقال إنك تشتمنى وفيَّ ثلاث خصال: إنى لآتى على الآية في كتاب الله فلوددت أن جميع الناس يعلمون فيها ما أعلم، وإنى لأسمع بالحاكم من حكام المسلمين يَعدل فى حكمه فأحبه ولعلي لا أتقاضى إليه أبداً، وإنى لأسمع بالغيث ينزل بأرض المسلمين فأفرح وليس لي بها سائمة ولا زرع.
ألا فليجدد الإنسان هدفه وغايته ولينظر ما يوصله وليجرد نيته وقصده؛ حينئذ يأتي الله له بالفتوحات الربانية
- يقول ابن القيم رحمه الله: (اصدق فى الطلب تأتيك المعونة).
وقد يسأل سائل: وماذا أستطيع أن أقدم للإسلام؟
ونقول له: إن الإسلام يحتاج إلى جهد كل أبنائه، كل فى مكانه، فالمدرس الذى يتقى الله عز وجل ويخرج نبتاً صالحاً يخدم أمته ودينه هذا المدرس يقوم عملاً عظيماً يستحق عليه الثواب من الله تعالى، ولقد صدق أحمد شوقى حين قال:
قم للمعلم وفّه التبجيلاً كاد المعلم أن يكون رسولاً
أعلمت أشرف وأجل من الذى يبنى أنفساً وعقولاً
والطبيب الذى يراعى الله فى مرضاه فيرأف بأحوالهم ولا يشق عليهم ولا يتاجر بمرضهم هو جندى من جنود الإسلام.
والكاتب الذى يخدم الإسلام بقلمه فيذود عن حياض الشريعة، ويدحض شبهات المفترين، ويصحح المفاهيم، ويزيل شبهات المستشرقين والمتغربين؛ يخدم الإسلام أيما خدمة.
والعالم الذى يغوص فى كتب الفقه يستخرج لآلئ المسائل ويوضح الدين للناس فى أسلوب سهل وميسر ويداوى أداء العقول والأفهام؛ يخدم الإسلام.
والصحفى الذى يتتبع المفسدين ويفضح أعمالهم ويكشف سوء قصدهم؛ ويتابع القضايا التى تهم الأمة ويقدم علاج العلماء لها؛ يخدم الإسلام.
ومن القصص الجميلة أن رجلاً مسلماً ذهب هو وزوجته إلى ألمانيا، وكانت زوجته تبحث فى رسالة (دكتوراه) فى الصيدلة، فى جامعة ألمانية، وكان الرجل ملتزماً بمبادئ دينه فيصلى الصلوات الخمس ويصوم رمضان، ولا يشرب الخمر، ولا يأكل لحم الخنزير، مما جعل أساتذة الجامعة يحترمونه، وأخذ يستضيفهم فى بيته ويشرح لهم مبادئ الإسلام على قدر معرفته ودرايته، فما كان منهم إلا أن احترموا الإسلام والمسلمين، وفى حفلة التخرج وقف رئيس الجامعة وهو يُسلم زوجته شهادة (الدكتوراه) قائلاً: "لقد تعرفت على أسرة مسلمة أعتز بمعرفتها وأتمنى أن يكون كل المسلمين بهذه الأخلاق".
فالمسلمون الذين يعيشون فى الغرب دعاة إلى الإسلام بحالهم قبل لسانهم، فإما أن يحسنوا صورة الإسلام بأعمالهم أو يسيئوا إلى أنفسهم ودينهم، وعليهم أن يتركوا الخلاف ويجتهدوا فى إيصال هذا الدين بصورته السمحة للغرب.
ويمكنك- أخى المسلم- أن تخدم الإسلام بتربية أولادك على مبادئ الإسلام، وبدعوة جيرانك والإحسان إليهم، وأن تكون نموذجاً يحتذى به فى الأخلاق الكريمة.. عسى الله أن يرفع عن أمتنا ما نزل بها من بلاء، وما يُراد بها من مؤامرات.