الباقيات الصالحات
أعوذ بالله من الشيطان الرجيم, بسم الله الرحمن الرحيم
والصلاة والسلام على أشرف المراسلين وعلى آله وصحبه أجمعين أما بعد ......
قال عز وجلا في كتابه العزيز( الْمَالُ وَالْبَنُونَ زِينَةُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَالْبَاقِيَاتُ
الصَّالِحَاتُ خَيْرٌ عِندَ رَبِّكَ ثَوَاباً وَخَيْرٌ أَمَلاً )
صدق الله العظيم
كنت ذات يوماً في مجلس بين صديقاتي أستمع لحديثهن عن أمور الدنيا والدين ...
وأعجبني الحديث لانه كان حول هذه الايه الكريمة
فأحببت أن أكون مستمعة لكي أجني ثمرة الحديث الجميل
فتلخص الحديث عند الاغلبية وحسب معلومتهن بأن الباقيات الصالحات
هي الاعمال في الدنيا ...
وأضافت أحدهن بأن الباقيات الصالحات هي صلاة العبد لربه دون رياء
وأضافت أخرى بأنها قيام الليل ....
واردن أضافت مني لكلامهن فرردت لا تعليق على كلامهن لأنني للاسف
ليس لدي ما افيد به
لكن كان لدي سؤال وهو لما أقترنت الصالحات الباقيات بالمال والبنون ؟
هذا الاقتران يصلني الى إجابة أوسع وأشمل أي أن الصالحات الباقيات أشياء
عديدة تقيلة في الميزان من غير الفريضة لان الصلاة فريضة علينا واجبه وصلة
تربط العبد بربه وفريضة من الفرائض الخمس لإسلامنا ....
يعني أن البحث حول الباقيات الصالحات من وجهة نظري ما كان من غير الفرائض
أي ما يتوج به المؤمن اخرته قبل دنياه .
ما يخرج من القلب وينطق به اللسان ويعمل به ...
فضولي الفطري الذي في داخلي بدأ يدور بي عبر الكتب وعبر الصفحات
أبحث عن تفسير أعمق لهذه الاية حتى وجدته في
تفسير للشيخ الشعرواي حيث أوضح بأن الصالحات الباقيات هن خمس
( سبحان الله والحمد لله ولا آله ألا الله والله أكبر ولا حول ولا قوة الا بالله العظيم ) .
أنها الذكر (ذكر الله سبحان وتعالى ) قال رسول عليه الصلاة
والسلام (مثل الذي يذكر ربه والذي لا يذكره مثل الحى والميت )
أنها رياض الجنة ... وقال أبي ذر القلموني في كتابه (ففروا الى الله)
بأنها نور للعبد في الدنيا ونور له في قبره ونور له في معاده .
وتفتح للعبد الدائم عليها أبواب المعرفة .. و تنبه القلب من نومه ...
وهي سد بين العبد وبين جهنم وأن دور الجنة تبني بذكر الله فإذا أمسك العبد
عن ذكر الله أمسكت الملائكة عن البناء وبذكر الله يحصل الأمن ويسهل
الصعب وييسر العسير ويخفف المشاق
كان هذا ملخص مؤجز لشرح واسع وقيم كتبه الشيخ الشعراوي في كتابه
تفسير القران الكريم وما قاله أبي ذر القلموني في كتابه (ففروا الى الله) .
وأضيف ما قرأته للقرطبي في (كتابه تفسيرأحكام القران الكريم)
حيث أوضح بأن المال والبنون زينة الحياة الدنيا لأن في المال جمالا ونفعا
وفي البنين قوة ودفعا وأنما يبقي ما كان زاد القبر وعُدد الأخرة أي أنها
كل عمل صالح من قول وفعل يبقي للأخرة وكما قال على رضي الله عنه
(الحرث حرثان فحرث الدنيا المال والبنون وحرث الأخرة الباقيات الصالحات ) .
ويحضرني حديث لرسول الله عليه الصلاة والسلام قال (استكثروا من الباقيات
الصالحات قيل وما هي يا رسول الله ؟ قال التكبير والتهليل والتسبيح والحمد
ولا حول ولا قوة الا بالله) أسنده النسائي عن أبي سعيد الخدري .
وحديث أخر عن الرسول عليه الصلاة والسلام أنه (أخذ غُصْناً فخرطه حتى سقط ورقه
وقال إن المسلم أذا قال سبحان الله والحمد الله ولا إله ألا الله والله أكبر ولا حول
ولا قوة الا بالله تحاتّت خطاياه كما تحات هذا خذهنّ إليك أبا الدرداء قبل أن يحال
بينك وبينهن فإنهن من كنوز الجنة وصفايا الكلام وهن الباقيات الصالحات )
ذكره الثعلبي وأخرجه أبن ماجه .
وفي حديث أخر عن أبي الدرداء قال ، قال رسول الله (عليك بسبحان الله والحمد الله
ولا إله ألا الله والله أكبر ولا حول ولا قوة الا بالله فإنهن يعني يحططن الخطايا
كما تحط الشجرة ورقها ) أخرجه الترمذي
وعن أنس أبن مالك قال (أن الرسول عليه الصلاة والسلام مرّ بشجرة يابسة
الورق فضربها بعصاه فتناثر الورق فقال أن سبحان الله والحمد الله ولا إله ألا الله
والله أكبر ولا حول ولا قوة الا بالله لتساقط من ذنوب العبد
كما تساقط ورق هذه الشجرة ) .
وعن أبن مسعود قال ،قال رسول الله " لقيت إبراهيم عليه السلام ليلة أسْري بي
فقال يا محمد أقرئ أمتك مني السلام وأخبرهم أن الجنة طيبة التربة عذبة الماء
وأنها قيعان وأن غراسها سبحان الله والحمد الله ولا إله ألا الله والله أكبر
ولا حول ولا قوة الا بالله" ) أخرجه الترمذي .
وعن أبي هرير رضي الله عنه قال (مّر بي الرسول عليه الصلاة والسلام يوما
وأنا أغرس غرسا فقال : يا أبا هريرة ماالذي تغرس ؟ فقلت :غراسا فقال: ألا أدُلّك
على غراس خير من هذا يغرس لك بكل واحدة شجرة في الجنة "سبحان الله
والحمد الله ولا إله ألا الله والله أكبر ولا حول ولا قوة الا بالله ")
وما لنا بعد هذه الأحاديث والكلام الشافي ألا أن نقول لا إله إلا الله والله
أكبر وسبحان الله والحمد لله ولا حول ولا قوة الا بالله.
وأحب أن أعود الى أول كلامي وهو المال والبنون ولدي أضافت بسيطة
عن عطاء بن يسار عن ابي سعيد الخدري أن رسول الله عليه الصلاة والسلام
قال (إن أخاف ما أخاف عليكم ما يفتح الله لكم من زهرة الدنيا) ، قالوا
وما زهرة الدنيا يارسول الله قال (بركات الارض) اي زينة الحياة الدنيا
فإنما المال والبنون زهرة زائلة ونعمة حائلة بين العبد وربه لاختبار العبد بها
وقليل هم الشاكرين لله المجتهدين في الباقيات الصالحات
كم من أجيال مرت عمرت في الأرض حين من الدهر ورزقت بنين وقصور
وأموال لكن حين اللقاء برب العباد تُرك كل شئ في مكانه وعادت الروح
الى خالقها والذي رجع مع تلك الروح هي الباقيات الصالحات من الأعمال
ولكن يمكن لتلك الزهرة أن تكون زهرة دائمة وهذا بيد الإنسان وحده يمكن أن
يستثمر ماله ووقته في العبادة والرزق الحلال وتحليل ماله بالزكاة والصدقات
ويمكن له أن يغرس بذرة الإيمان والحب الخالص لله في أبنائه ببناء أساس
سليم لتربية إسلامية ويكون ذاك البيت مسجد صغير من مساجد
الله يذكر فيه اسمه, منبره الصدق والإخلاص لله
يكون الإمام فيه الوالدين معاً قدوةً لأطفالهم حافظين لكتاب الله عاملين
به ومقتدين بسنة رسول الله
سؤالي الذي دائما يطرح نفسه ...
من منا تجرع حلاوة الإيمان ؟
في رأي من تجرع حلاوة الإيمان هو ذاك الزارع في حياته الحسنات الحاصد
لها بعد الممات وليس معني هذا الكلام أن الصالحات الباقيات التي ذكرت
هي نطق باللسان فقط .. لا بل هي عمل قبل ذكر فقول سبحان الله وبحمده
حدثنا الرسول الكريم ليلة الإسراء والمعراج
أنها كتبت على الكرسي مقرونة بـ لا آله الا الله محمد رسول الله و الله أكبر
ولا حول ولا قوة الا بالله مع الاسم الأعظم لله سبحانه وتعالى الذي لا يعلمه
أحد سواه والملائكة تسبح لله بها وكل ما خلق الله من نبات وحيوان
وانسان وبحار وانهار ورياح وكواكب ونجوم كل شي لم يخلق من فراغ
بل ليسبح ويعبد الله وحده لا شريك له
كل مخلوقات الله تشهد بأن لا إله الا الله وحده الرحمن الرحيم ذو الجلال
والإكرام وأن محمد خاتم النبين ورسول من عند الله لنشر رسالة الإسلام
والله أكبر على كل طاغي وظالم وعدو للإسلام وأنه لا حول ولا قوة الا بالله
يعني أنه علينا الرضاء وتمام التوكل على الله وأن الله الحق
ومن يتوكل على الله فهو حسبه
أذن نستخلص من ذلك أن الايمان والتوكل والرضاء والإخلاص والوفاء
ومحبة الله ورسوله والأمانة والتقوي والصبر والشكرلله
كل هذه المعاني الجوهرية هى جذور إيمانية وصفات المؤمن الصادق في
عبادته لله عز وجلا تصدر من قلب مؤمن بالله وتخرج قول وعمل في تسبيح
وتهليل وتكبير لله وحده عاملاً بها للوصول الى نور اليقين أنها الباقيات الصالحات .
فأن اجتمعت لذي العبد كانت في ميزان الحق وطريقه لنور الله ..
أسال الله أن يوصلنا لنوره جميع ويبعدنا عن الظلمات