! لا تعيشي الوهم
إن الشغل الشاغل لجميع البشر هو كيفية تحقيق السعادة وراحة البـــال في هذه الحيـــاة، ويظل الواحد منهم طوال عمره باحثًا عن تلك السعــادة المنشودة .. وبعض الفتيات قد تنخدع وترضى بضنك العيش وتقع أسيرة للألام النفسية، ظنــًا منها أن سعادتها ستكون في اللهو واللعب والبُعد عن طريق الله عزَّ وجلَّ .. وتوهم نفسها بأنها سعيدة بحياة المزاح والفوضى وحب الخروج ومتابعة أحدث الصيحات في عالم الأزياء، على الرغم من شعورها الدائم بالحزن والنكد ..
وما لهذا خُلقتي يــــــا ابنة الإسلام،
فإن الحيــاة بعيدًا عن طاعة الله ما هي بحيــاة .. يقول الله تعالى {وَمَنْ أَعْرَضَ عَنْ ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنْكًا وَنَحْشُرُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَعْمَى} [طه: 124] ..
وهذا الضنك يكون في الدنيــــا .. فدائمًا يشعر صاحبه بالحزن والقلق والخوف، ولا يجد أي طعم للراحة النفسية .. فتجدي من تحاول أن تتهرَّب من هذا الشعور الأليــم، بالوقوع في المعاصي .. فتُضيِّع أوقاتها في سماع الأغاني، ومشاهدة الأفلام والمسلسلات، وقد تلجأ لمصادقة الشباب سواء على أرض الواقع أو على المحادثات الإلكترونية (الشات) .. ولا تعلم أنه لن يشفي جراحها، سوى حبها لربِّها جلَّ وعلا ورحمته بها.
وضنك العذاب الذي ينتظر العاصي في القبر .. إنه القبر بيت الظلمة، الذي ستمكثين فيه وحدك بلا أنيس ولا جليس سوى عملك ..
فإن كان عملك صالحًا، فنعم الرفقة الطيبة .. يقول الرسول واصفًا لحال العبد المؤمن في القبر ".. ويأتيه رجل حسن الوجه، حسن الثياب، طيب الريح، فيقول: أبشر بالذي يسرك، هذا يومك الذي كنت توعد، فيقول له: من أنت ؟ فوجهك الوجه يجيء بالخير، فيقول: أنا عملك الصالح .." [رواه أحمد وصححه الألباني]
أما إن كان عملك غير ذلك والعياذ بالله، فيأتيك كما يصفه النبي ".. ويأتيه رجل قبيح الوجه، قبيح الثياب، منتن الريح، فيقول: أبشر بالذي يسوؤك، هذا يومك الذي كنت توعد، فيقول: من أنت ؟ فوجهك الوجه يجيء بالشر، فيقول: أنا عملك الخبيث، فيقول: رب لا تقم الساعة .." [رواه أحمد وصححه الألباني]
قفي مع نفسك أخيَّه واسأليها: بماذا ستُجيبين عندما تُسألين في قبرك من ربِّك؟! ..
فإن قلبك هو الذي سينطق حينها، وليس من السهل أن يقول "ربِّي الله" إذا كان في الدنيا عابدًا لهواه .. قال تعالى {أَفَرَأَيْتَ مَنِ اتَّخَذَ إِلَهَهُ هَوَاهُ وَأَضَلَّهُ اللَّهُ عَلَى عِلْمٍ ..} [الجاثية: 23]، فهذا الذي يُطيع الله وقتما شاء، وفي بقية الأوقات يفعل كل ما يحلو له سواء كان يرضي الله عزَّ وجلَّ أو يسخطه.
وضنك العيـــش في الآخرة .. من شدة هول الحشر، الذي يُخفف على المؤمن ويمر كأنه آلاف السنين على العاصي والفاجر .. ثمَّ كثرة الوقوع من على الصراط؛ بسبب كثرة الوقوع في المعاصي في الدنيا .. وأخيرًا، تذوق أهل النار لطعام الضريع والزقوم والعياذ بالله تعالى.
فهل من الممكن أن تجدي السعادة في بُعدك عن الله عزَّ وجلَّ؟؟ ..
ألا تشعرين بعقوبات الله التي تتنزل على من عصاه؟!
يقول مالك بن دينار "إن لله تعالى عقوبات فتعاهدوهن من أنفسكم في القلوب والأبدان، وضنك في المعيشة، ووهن في العبادة، وسخط في الرزق" [صفة الصفوة (2:169)].
فإن كنتِ تشتكين من الهمَّ والغم وعدم قدرتك على فعل الطاعات، فاعلمي إنه من أثر هذه العقوبــــــات.
وقال حماد بن سلمة "ليست اللعنة سوادًا يُرى في الوجه، إنما هي ألا تخرج من ذنب إلا وقعت في ذنب" .. و اللعن: هو الطرد من رحمة الله عزَّ وجلَّ، فيمنع عنكِ الرزق الطيب في الدنيا والآخرة وبالتالي لن تذوقي طعم الراحة في بُعدك عن طريق الله تعالى ..
أتعلمين ما هي الأعمال التي تستوجب نزول لعنة الله سبحانه وتعالى على صاحبها؟!
1) الوشم والتنمص وتغيير خلق الله .. قال رسول الله "لعن الله الواشمات والمستوشمات، والنامصات والمتنمصات، والمتفلجات للحسن المغيرات خلق الله" [متفق عليه] .. والنامصات والمتنمصات: أي من تأخذ من شعر حاجبيها ومن تفعل ذلك بها، حتى ولو كانت تتزين لزوجها .. والمتفلجات للحسن المغيرات خلق الله: أي من تقوم بتغيير شكل أسنانها وتقوم بعمليات التجميل؛ لكي تكون جميلة أمام الناس وهي ملعونة عند ربِّها عزَّ وجلَّ ..
فاحذري يـــا أختــــاه من تلك الذنوب التي تبدو هينة، ولكنها تستوجب لعنة الله تعالى،،
2) التبرج .. عن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما قال: سمعت رسول الله يقول "يكون في آخر أمتي رجال يركبون على سرج كأشباه الرحال ينزلون على أبواب المساجد نساؤهم كاسيات عاريات على رؤوسهن كأسنمة البخت العجاف العنوهن فإنهن ملعونات .." [رواه ابن حبان وحسنه الألباني، صحيح الترغيب والترهيب (2043)] .. وهذا الحديث من معجزات النبي وتنبآته الصادقة التي نبأه الله بها، فإننا نرى ما فيه منطبقًا تمام الانطباق على أكثر نساء أهل زماننا ولا حول ولا قوة إلا بالله [الثمر المستطاب (1:317)] ..
وقد توَّعدهم النبي بثلاث عقوبات، فقال ".. شر نسائكم المتبرجات المتخيلات وهن المنافقات، لا يدخل الجنة منهن إلا مثل الغراب الأعصم" [رواه البيهقي وصححه الألباني، صحيح الجامع (3330)] ..
واعلمي يـــا أختـــاه أن الحجاب الضيق المُزَيَّن، الذي أنتشر في بلاد الإسلام ليس هو الحجـــاب الذي يُرضي الله عزَّ وجلَّ عنكِ .. بل هو أشبه للتبرج منه للحجـــاب !!
3) نقض العهد مع الله .. يقول تعالى {فَبِمَا نَقْضِهِمْ مِيثَاقَهُمْ لَعَنَّاهُمْ وَجَعَلْنَا قُلُوبَهُمْ قَاسِيَةً ..} [المائدة: 13] .. فإن كنتِ تعاهدين الله على التوبة والإقلاع عن ذنب مُعين ثم تعودي له مرة أخرى، فهذه خيانة لله عزَّ وجلَّ تستوجب لعنته وأن يجعل قلبك قاسيًا كالحجر.
فلا تترددي يــــا أختــــاه وبادري بالتوبة في الحــــال .. اقبلي على ربِّك ولن يُضيِّعك ..
افيقي من حيـــــاة الوهم واتخذي الخطوات التالية للعودة إلى ربِّك عزَّ وجلَّ ..
أولاً: ادفعي التسويف واتخذي القرار فورًا .. وكلما دُعيتي إلى الخير، لبي النداء في الحال دون تأجيـــل ..
ثانيًا: اصدقي في توبتك .. فعليكِ أن تُحددي الذنوب التي تقعي فيها وتُقلعي عنها في الحال ..
فإن كان هناك تقصير في صلاتك، عاهدي نفسك على أن تُصلحي جميع الفرائض من الآن .. إن كان حجابك غير مستوفي لشروط الحجاب الشرعي، بادري بإرتداء الحجـــاب الذي يُرضي الله عزَّ وجلَّ عنكِ .. إن كنتِ تصادقين الشباب، اقطعي أي علاقة لكِ بهم ولا تُعلقي قلبك بأحد سوى الله عزَّ وجلَّ ..
اصدقي الله يـــا أختــــاه، وبادري بإيقاف هذا النزف من الذنوب .. فأنتِ الآن بيدك القرار، ولا تعلمين متى يحين الأجل،،
ثالثًا: استعيني بالله ولا تعجزي .. فقد تشعري إنك ضعيفة وعاجزة عن تنفيذ هذا القرار، فعليكِ أن تستعيني بالله وتُكثري من قول "لا حول ولا قوة إلا بالله" والدعــــاء من قلبك؛ حتى يُعينك الله عزَّ وجلَّ ويتقبَّل توبتك فهو وحده القادر على ذلك.
رابعًا: لا للمبررات .. فلا تبرري وتلتمسي الأعذار لنفسك، وتتحججي بالبيئة المُحيطة بكِ أو أهلك أو أي مبررات تجعلك تتهربين من تنفيذ قرار التوبة .. فالله عزَّ وجلَّ الذي أمرك بطاعته، لن يُضيعيك وسيُعينك على اجتياز جميع العقبات التي تواجهك إذا كنتِ صادقة في رجوعك إليه سبحانه.
خامسًا: لا تغتري بستر الله عليكِ .. يقول الله تعالى {يَا أَيُّهَا الْإِنْسَانُ مَا غَرَّكَ بِرَبِّكَ الْكَرِيمِ} [الإنفطار: 6] .. فقد أمهلك الله سبحانه وتعالى ولم يُعجِّل لك العقوبة على ذنوبك التي اقترفتيها في حق نفسك؛ لإنه حليــــم سبحـــانه ويُمهل العبد حتى يتوب .. فلا تُضيعي الفرصة وسارعي بالتوبة قبل فوات الآوان.
سادسًا: انسي الذنب .. فبمجرد توبتك من الذنب، كإنك قد ولدتي من جديد .. فعليكِ أن تنسي ذنوبِك القديمة، وابدأي صفحة جديدة مع الله تعالى ..
عن صفوان بن محرز المازني قال: بينما أنا أمشي مع ابن عمر رضي الله عنهما آخذ بيده إذ عرض رجل، فقال: كيف سمعت رسول الله يقول في النجوى؟، فقال: سمعت رسول الله يقول "إن الله يدني المؤمن فيضع عليه كنفه ويستره، فيقول: أتعرف ذنب كذا؟ أتعرف ذنب كذا؟، فيقول: نعم، أي ربِّ، حتى إذا قرره بذنوبه ورأى في نفسه أنه هلك، قال: سترتها عليك في الدنيا وأنا أغفرها لك اليوم، فيعطى كتاب حسناته، وأما الكافر والمنافقون فيقول الأشهاد {هَؤُلَاءِ الَّذِينَ كَذَبُوا عَلَى رَبِّهِمْ أَلَا لَعْنَةُ اللَّهِ عَلَى الظَّالِمِينَ}" [صحيح البخاري].
سابعًا: اهجري أماكن المعاصي .. فأي مكان كنتِ تعصي فيه الله عزَّ وجلَّ، عليكِ بتركه وعدم العودة إليه؛ كي لا تقعي في تلك المعصية مرة أخرى.
ثامنًا: غيِّري صُحبتك .. فعليكِ أن تبتعدي عن جميع رفيقات السوء، اللاتي كُن يُعينك على المعصية وابحثي عن الرفقة الصالحة .. وقد قال رسول الله "المرء على دين خليله، فلينظر أحدكم من يخالل" [رواه أحمد وحسنه الألباني] .. فلن تثبتي إلا إذا كان لديكِ رفقة صالحة، تتعاونوا سويًا على طاعة الله عزَّ وجلَّ.
تاسعًا: انشغلي بالأعمال الصالحة .. فإن الفراغ يُساعدك على الوقوع في المعصية، أما لو انشغلتي بالأعمال الصالحة؛ كحفظ القرآن أو التطوع في الأعمال الخيرية وغيرها، فلن تجدي وقت للمعصية وستزيدين من رصيد حسناتك .. ونفسك إن لم تشغلها بالحق، شغلتك بالباطل.
عاشرًا: استشعري لذة الطاعة .. عن أنس رضي الله عنه قال: قال رسول الله "ثلاث من كن فيه وجد بهن حلاوة الإيمان؛ من كان الله ورسوله أحب إليه مما سواهما، ومن أحب عبدًا لا يحبه إلا لله، ومن يكره أن يعود في الكفر بعد أن أنقذه الله منه كما يكره أن يلقى في النار" [متفق عليه]
فلكي تنالي حلاوة الإيمان؛ عليكِ أن ..
1) تستشعري حب الله عزَّ وجلَّ من داخل قلبك .. وإن كنتِ تحبي ربِّك بصدق ستطيعين كل أوامره ..
تَعْصِي الْإِلَهَ وَأَنْتَ تُظْهِرُ حُبَّهُ ... هَذَا مُحَالٌ فِي الْقِيَاسِ بَدِيعُ
لَوْ كَانَ حُبُّكَ صادقاً لَأَطَعْتَهُ ... إِنَّ الْمُحِبَّ لِمَنْ يُحِبُّ مُطِيعُ2) احبي أخواتك في الله بحق .. فلا يربط بين قلوبكم سوى حب الله فقط، وليس أي مصلحة دنيوية.
3) وكلما تذكرتي ذنب من ذنوبك القديمة، استشعري شدة كرهك له؛ لإنه يُغضِب الله عزَّ وجلَّ.
يـــا أختــــاه، هذه نصيحة لكِ من قلب مُشفق عليكِ ويرجو لكِ السعادة في الدنيــا والآخرة ..
فاتخذي القرار الآن بأن تعيشي الحيـــاة الطيبة الهانئة في طاعة الله عزَّ وجلَّ ..
وإن كنتِ تريدي ربِّك بحق، فاعلمي إنه سبحــــانه يريد لكِ التوبة ..
يقول تعالى {وَاللَّهُ يُرِيدُ أَنْ يَتُوبَ عَلَيْكُمْ وَيُرِيدُ الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ الشَّهَوَاتِ أَنْ تَمِيلُوا مَيْلًا عَظِيمًا * يُرِيدُ اللَّهُ أَنْ يُخَفِّفَ عَنْكُمْ وَخُلِقَ الْإِنْسَانُ ضَعِيفًا} [النساء: 27,28]
وعن أبي هريرة: عن رسول الله أنه قال "قال الله عزَّ وجلَّ: أنا عند ظن عبدي بي وأنا معه حيث يذكرني، والله لله أفرح بتوبة عبده من أحدكم يجد ضالته بالفلاة، ومن تقرَّب إليَّ شبرًا تقربت إليه ذراعًا، ومن تقرَّب إليَّ ذراعًا تقربت إليه باعًا، وإذا أقبل إليَّ يمشي أقبلت إليه أهرول" [صحيح مسلم]
فقوليها من الآن:
أنــــــا عــــــــائدة إليـــــــــــــك يــــــا رب ..
نسأل الله أن يتوب علينا توبة يرضى بها عنا، وأن يمدنا بالعون والقوة لكي نمشي في طريقه الحق،،