أنذرتكم ناراً تلظّى
الحمد لله رب العالمين القائل في كتابه الكريم :
" وَيَوْمَ يَعَضُّ الظَّالِمُ عَلَى يَدَيْهِ يَقُولُ يَا لَيْتَنِي اتَّخَذْتُ مَعَ الرَّسُولِ سَبِيلاً "
[الفرقان27] ، و الصلاة و السلام على البشير النذير محمد الذي قال :
" إنما مَثَلي و مثل أمتي كرجل استوقد ناراً فجعلت الدواب و الفراش يقعن فيها
فأنا آخذٌ بحُجُزكم و أنتم تقحَّمون فيها- تَقتحِمون في النار و تدخلوها- "
[رواه الشيخان] ، أما بعد:
جرس إنذار
يقول تعالى: "فأنذرتكم نَاراً تَلَظَّى ، لَا يَصْلَاهَا إِلَّا الْأَشْقَى" [الليل14،15].
أيها الأحباب أنذرتكم ناراً: يقول فيها النعمان بن بشير: سمعت رسول الله
صلي الله عليه وسلم يخطب فقال:
"أنذرتكم النار، أنذرتكم النار، أنذرتكم النار، فما زال يقولها حتى لو كان في
مقامي هذا لسمعه أهل السوق ، حتى سقطت خميصة كانت عليه عند رجليه"
[سنن الدار مي]. هي نارٌ لمن "نَسُواْ اللَّهَ فَنَسِيَهُمْ "[التوبة67]
و " إِنَّهَا عَلَيْهِم مُّؤْصَدَةٌ (
فِي عَمَدٍ مُّمَدَّدَةٍ "[الهمزة8،9]
"نَارًا وَقُودُهَا النَّاسُ و الْحِجَارَةُ" [التحريم6].
أنذرتكم ناراً: يتمنى أهلها فيها الفناء من شدة البلاء
"يا مالك لِيَقْضِ علينا ربُّك"[الزخرف77]. فيجابون بعد ألف عام انتظار
"إنكم ماكثون" [الزخرف78]. فيستجدون ربهم ، فيُجابون :
" اخْسَؤُوا فِيهَا وَلا تُكَلِّمُونِ "[المؤمنون108].
نارٌ أُوقد عليها ألف سنة حتى احمرَّت، ثم أوقد عليها ألف سنة حتى ابيضَّت
ثم أوقد عليها ألف سنة حتى اسودَّت، فهي سوداء مظلمة
نارٌ قال فيها صلي الله عليه وسلم" ناركم هذه التي يوقد ابن آدم جزءٌ
من سبعين جزءاً من نار جهنم ، قالوا: والله إن كانت لكافية يا رسول الله
قال: فإنها فُضّلت عليها بتسعة وستين جزءاً كلُّهنَّ مثلُ حرِّها "[متفق عليه].
أنذرتكم ناراً : حرها شديد، وقعرها بعيد، وشرابها الصديد، و مقامعها
حديد لو ضرب بها جبل أحُدٍ لأصبح هباءً منثورا
ناراً لو أن حجراً قُذف فيها لهوى سبعين خريفاً قبل أن يبلغ قعرها
ناراً أهون أهلها عذاباً من له نعلان وشراكان من نار يغلي منهما دماغه
كما يغلي المِرجَل القِدر ما يرى أن أحداً أشد منه عذاباً، وإنه لأهونهم عذاباً
ناراً "يؤتى بها يوم القيامة لها سبعون ألف زٍمام
مع كلّ زمامٍ سبعون ألف ملكٍ يجرُّونها".
أنذرتكم ناراً
لا هدوء فيها و لا نوم و لا حتى موت يقول تعالى :
" وَالَّذِينَ كَفَرُوا لَهُمْ نَارُ جَهَنَّمَ ، لَا يُقْضَى عَلَيْهِمْ فَيَمُوتُوا ، وَلَا يُخَفَّفُ عَنْهُم
مِّنْ عَذَابِهَا ، كَذَلِكَ نَجْزِي كُلَّ كَفُورٍ" [فاطر36]
ناراً طعامها الزقوم، وما أدراك ما الزقوم؟
"إِنَّ شَجَرَةَ الزَّقُّومِ(43) طَعَامُ الْأَثِيمِ(44)كَالْمُهْلِ يَغْلِي فِي
الْبُطُونِ(45)كَغَلْيِ الْحَمِيمِ" [الدخان43-46].
و في آيات أخرى " إِنَّهَا شَجَرَةٌ تَخْرُجُ فِي أَصْلِ الْجَحِيمِ (64) طَلْعُهَا كَأَنَّهُ
رُؤُوسُ الشَّيَاطِينِ (65) فَإِنَّهُمْ لَآكِلُونَ مِنْهَا فَمَالِؤُونَ مِنْهَا الْبُطُونَ (66) ثُمَّ إِنَّ
لَهُمْ عَلَيْهَا لَشَوْباً مِّنْ حَمِيمٍ (67) ثُمَّ إِنَّ مَرْجِعَهُمْ لَإِلَى الْجَحِيمِ" [الصافات64-68].
زقّومٌ يقول فيه صلي الله عليه وسلم : " لو أن قطرة من الزقوم قطرت في دار
الدنيا لأفسدت على أهل الدنيا معايشهم فكيف بمن يكون طعامه؟!!"
[رواه الترمذي و قال حسن صحيح].
أنذرتكم ناراً شرابها
" وَسُقُوا مَاءً حَمِيمًا فَقَطَّعَ أَمْعَاءهُمْ" [محمد15].
لباسها
" سَرَابِيلُهُم مِّن قَطِرَانٍ وَتَغْشَى وُجُوهَهُمْ النَّارُ" [إبراهيم50].
حال أهلها
" إِذِ الأَغْلالُ فِي أَعْنَاقِهِمْ وَالسَّلاسِلُ يُسْحَبُونَ" [غافر71].
أنذرتكم ناراً عذابها مقيم
يقول جل و على " يُرِيدُونَ أَن يَخْرُجُواْ مِنَ النَّارِ وَمَا هُم بِخَارِجِينَ
مِنْهَا وَلَهُمْ عَذَابٌ مُّقِيمٌ " [المائدة37].
وصدق الشاعر حين قال
تفر من الهجير وتتقيه *** فهلا عن جهنم قد فررنا
ولست تطيق أهونها عذاباً *** ولو كنت الحديد بها لذبتا
أيها الأخوة المؤمنون هذا وصف النار و ما أدراكم ما النار ، و الرسول
صلي الله عليه وسلم يقول : "من خاف أدلَج أسرع و اجتهد، و من أدلجَ
بلغ المنزلة ، ألا إن سلعة الله غالية ألا إن سلعة الله الجنة".
و لكي نستفيد من وصف النار لابد أن نسرع فرارا من النار ، و شوقا إلى الجنة
و حبا و طاعة لرب النار و الجنة
كيف نستفيد من وصفنا للنار؟.