قالـــــــ الله تعالى:
(وَأَسَرُّوا النَّدَامَةَ لَمَّا رَأَوْا الْعَذَابَ)
المنزل الأول: الندم عند حضور الموت. قال الله تعالى في سورة ق: (وَجَاءَتْ سَكْرَةُ الْمَوْتِ بِالْحَقِّ ذَلِكَ مَا كُنْتَ مِنْهُ تَحِيدُ(19). فالكافر يطلب التأخير من أجل أن
يؤمن ويعمل عملاً صالحاً، وذلك حين تيقن ضلالته وعاين الملائكة التي تقبض روحه، قال تعالى في سورة الأنفال: (وَلَوْ
تَرَى إِذْ يَتَوَفَّى الَّذِينَ كَفَرُوا الْمَلائِكَةُ يَضْرِبُونَ وُجُوهَهُمْ وَأَدْبَارَهُمْ..(50).
والمؤمن المفرط يطلب التأخير أيضاً لأنه ضيع وترك العمل الصالح الذي فيه طاعة ربه عز وجل، وقيل: فيما ترك من المال
حتى يتصدق، فالعمل الصالح نعمة عظيمة فالمحافظة على الصلاة، والصيام، والحج، والزكاة ، والأمر بالمعروف والنهي عن
المنكر، والدعوة إلى الله تعالى على بصيرة، واتباع سنن المصطفى صلى الله عليه وسلم، واجتناب البدع والضلالات
والخرافات ، والقيام بفرائض الله تعالى، وتدبر الكتاب العزيز، وتعليم الناس، والصدقة، وبر الوالدين، والأخلاق الحسنة، نعم
عظيمة
قال الله تعالى في سورة المؤمنون: (حَتَّى إِذَا جَاءَ أَحَدَهُمْ الْمَوْتُ قَالَ رَبِّ ارْجِعُونِ (99) لَعَلِّي أَعْمَلُ صَالِحًا فِيمَا تَرَكْتُ كَلا
إِنَّهَا كَلِمَةٌ هُوَ قَائِلُهَا وَمِنْ وَرَائِهِمْ بَرْزَخٌ إِلَى يَوْمِ يُبْعَثُونَ(100).
نقل البغوي وابن كثير قول قتادة: والله ما تمنى أن يرجع إلى أهل ولا إلى عشيرة، ولا بأن يجمع الدنيا ويقضي الشهوات
ولكن تمنى أن يرجع فيعمل بطاعة الله عز وجل .
قال القرطبي في "الجامع": "ودلت الآية على أن أحداً لا يموت حتى يعرف اضطراراً أهو من أولياء الله أم من أعداء الله، ولولا
ذلك لما سأل الرجعة، فيعلموا ذلك قبل نزول الموت وذواقه".
واستظهر الشنقيطي ـ رحمه الله ـ كلام ابن عطية في الآية: من أن الكافر والمفرط في عمل الخير إذا حضر أحدهما الموت
طلبا الرجعة إلى الحياة، ليعملا العمل الصالح الذي يدخلهما الجنة، ويتداركا به ما سلف منهما من الكفر والتفريط وأنهما لا
يجابان إلى ذلك كما دل عليه حرف الزجر والردع الذي هو (كلا) جاء موضحاً في مواضع أخر كقوله تعالى في سورة
المنافقون
وَأَنْفِقُوا مِنْ مَا رَزَقْنَاكُمْ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَأْتِيَ أَحَدَكُمْ الْمَوْتُ فَيَقُولَ رَبِّ لَوْلا أَخَّرْتَنِي إِلَى أَجَلٍ قَرِيبٍ فَأَصَّدَّقَ وَأَكُنْ مِنْ الصَّالِحِينَ(
10) وَلَنْ يُؤَخِّرَ اللَّهُ نَفْسًا إِذَا جَاءَ أَجَلُهَا..(11)، وقوله تعالى في سورة إبراهيم: (وَأَنذِرْ النَّاسَ يَوْمَ يَأْتِيهِمْ الْعَذَابُ فَيَقُولُ الَّذِينَ
ظَلَمُوا رَبَّنَا أَخِّرْنَا إِلَى أَجَلٍ قَرِيبٍ نُجِبْ دَعْوَتَكَ وَنَتَّبِعْ الرُّسُلَ أَوَلَمْ تَكُونُوا أَقْسَمْتُمْ مِنْ قَبْلُ مَا لَكُمْ مِنْ زَوَالٍ(44). إلى غير ذلك
من الآيات.المنزل الثاني: عند حمل الجنازة.أخرج البخاري في "صحيحه" ، والنسائي، وأحمد ، والبيهقي ، عَنْ سَعِيدٍ الْمَقْبُرِيِّ عَنْ أَبِيهِ أَنَّهُ سَمِعَ أَبَا سَعِيدٍ الْخُدْرِيَّ ـ
رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ ـ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ:
"إِذَا وُضِعَتْ الْجِنَازَةُ وَاحْتَمَلَهَا الرِّجَالُ عَلَى أَعْنَاقِهِمْ فَإِنْ كَانَتْ صَالِحَةً قَالَتْ: قَدِّمُونِي، قدموني، وَإِنْ كَانَتْ غَيْرَ صَالِحَةٍ قَالَتْ:
يَا وَيْلَهَا أَيْنَ يَذْهَبُونَ بِهَا، يَسْمَعُ صَوْتَهَا كُلُّ شَيْءٍ إِلا الإنْسَانَ وَلَوْ سَمِعَهُ لصَعِقَ".ولذلك وجب الإسراع في السير في الجنازة ، سيراً دون الرمل، فقد أخرج الشيخان وغيرهما عن أبي هريرة ـ رضي الله عنه
ـ مرفوعاً: "أسرعوا بالجنازة فإن تك صالحة فخير تقدمونها عليه، وإن تكن غير ذلك فشر تضعونه عن رقابكم".
المنزل الثالث: في القبر. عَنِ الْبَرَاءِ بْنِ عَازِبٍ قَالَ خَرَجْنَا مَعَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي جِنَازَةِ رَجُلٍ مِنْ الأنْصَارِ فَانْتَهَيْنَا إِلَى الْقَبْرِ وَلَمَّا يُلْحَدْ
فَجَلَسَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَجَلَسْنَا حَوْلَهُ وَكَأَنَّ عَلَى رُءُوسِنَا الطَّيْرَ وَفِي يَدِهِ عُودٌ يَنْكُتُ فِي الأرْضِ فَرَفَعَ
رَأْسَهُ فَقَالَ: "اسْتَعِيذُوا بِاللَّهِ مِنْ عَذَابِ الْقَبْرِ مَرَّتَيْنِ أَوْ ثَلاثًا ثُمَّ قَالَ إِنَّ الْعَبْدَ الْمُؤْمِنَ إِذَا كَانَ فِي انْقِطَاعٍ مِنْ الدُّنْيَا وَإِقْبَالٍ مِنْ الآخِرَةِ نَزَلَ
إِلَيْهِ مَلَائِكَةٌ مِنْ السَّمَاءِ بِيضُ الْوُجُوهِ كَأَنَّ وُجُوهَهُمْ الشَّمْسُ مَعَهُمْ كَفَنٌ مِنْ أَكْفَانِ الْجَنَّةِ وَحَنُوطٌ مِنْ حَنُوطِ الْجَنَّةِ حَتَّى
يَجْلِسُوا مِنْهُ مَدَّ الْبَصَرِ ثُمَّ يَجِيءُ مَلَكُ الْمَوْتِ عَلَيْهِ السَّلَام حَتَّى يَجْلِسَ عِنْدَ رَأْسِهِ فَيَقُولُ أَيَّتُهَا النَّفْسُ الطَّيِّبَةُ اخْرُجِي إِلَى
مَغْفِرَةٍ مِنْ اللَّهِ وَرِضْوَانٍ ..
إلى أن قَالَ:
"وَإِنَّ الْعَبْدَ الْكَافِرَ إِذَا كَانَ فِي انْقِطَاعٍ مِنْ الدُّنْيَا وَإِقْبَالٍ مِنْ الآخِرَةِ نَزَلَ إِلَيْهِ مِنْ السَّمَاءِ مَلاائِكَةٌ سُودُ الْوُجُوهِ مَعَهُمْ الْمُسُوحُ
فَيَجْلِسُونَ مِنْهُ مَدَّ الْبَصَرِ ثُمَّ يَجِيءُ مَلَكُ الْمَوْتِ حَتَّى يَجْلِسَ عِنْدَ رَأْسِهِ فَيَقُولُ أَيَّتُهَا النَّفْسُ الْخَبِيثَةُ اخْرُجِي إِلَى سَخَطٍ مِنْ
اللَّهِ وَغَضَبٍ قَالَ فَتُفَرَّقُ فِي جَسَدِهِ فَيَنْتَزِعُهَا كَمَا يُنْتَزَعُ السَّفُّودُ مِنْ الصُّوفِ الْمَبْلُولِ فَيَأْخُذُهَا فَإِذَا أَخَذَهَا لَمْ يَدَعُوهَا فِي يَدِهِ
طَرْفَةَ عَيْنٍ حَتَّى يَجْعَلُوهَا فِي تِلْكَ الْمُسُوحِ وَيَخْرُجُ مِنْهَا كَأَنْتَنِ رِيحِ جِيفَةٍ وُجِدَتْ عَلَى وَجْهِ الأرْضِ ..
إلى أن قال:
"فَتُعَادُ رُوحُهُ فِي جَسَدِهِ وَيَأْتِيهِ مَلَكَانِ فَيُجْلِسَانِهِ فَيَقُولَانِ لَهُ مَنْ رَبُّكَ فَيَقُولُ هَاهْ هَاهْ لا أَدْرِي فَيَقُولانِ لَهُ مَا دِينُكَ فَيَقُولُ هَاهْ
هَاهْ لا أَدْرِي فَيَقُولانِ لَهُ مَا هَذَا الرَّجُلُ الَّذِي بُعِثَ فِيكُمْ فَيَقُولُ هَاهْ هَاهْ لا أَدْرِي فَيُنَادِي مُنَادٍ مِنْ السَّمَاءِ أَنْ كَذَبَ فَافْرِشُوا لَهُ
مِنْ النَّارِ وَافْتَحُوا لَهُ بَابًا إِلَى النَّارِ فَيَأْتِيهِ مِنْ حَرِّهَا وَسَمُومِهَا وَيُضَيَّقُ عَلَيْهِ قَبْرُهُ حَتَّى تَخْتَلِفَ فِيهِ أَضْلاعُهُ وَيَأْتِيهِ رَجُلٌ قَبِيحُ
الْوَجْهِ قَبِيحُ الثِّيَابِ مُنْتِنُ الرِّيحِ فَيَقُولُ أَبْشِرْ بِالَّذِي يَسُوءُكَ هَذَا يَوْمُكَ الَّذِي كُنْتَ تُوعَدُ فَيَقُولُ مَنْ أَنْتَ فَوَجْهُكَ الْوَجْهُ يَجِيءُ
بِالشَّرِّ فَيَقُولُ أَنَا عَمَلُكَ الْخَبِيثُ فَيَقُولُ رَبِّ لا تُقِمْ السَّاعَةَ".
المنزل الرابع: يوم القيامة. يندم ويقول: (يَا لَيْتَنِي قَدَّمْتُ لِحَيَاتِي). يندم أنه لم يقدم الإيمان ، ويندم أنه لم يقدم العمل الصالح، ويندم أنه لم يقدم
اتباع محمد صلى الله عليه وسلم.
قال الله تعالى في سورة الفجر:
(كَلا إِذَا دُكَّتْ الأرْضُ دَكًّا دَكًّا(21) وَجَاءَ رَبُّكَ وَالْمَلَكُ صَفًّا صَفًّا(22) وَجِيءَ يَوْمَئِذٍ بِجَهَنَّمَ يَوْمَئِذٍ
يَتَذَكَّرُ الإنْسَانُ وَأَنَّى لَهُ الذِّكْرَى(23) يَقُولُ يَا لَيْتَنِي قَدَّمْتُ لِحَيَاتِي(24). قال ابن كثير ـرحمه الله ـ: يندم على ما كان سلف منه من المعاصي إن كان عاصياً ويود لو كان ازداد من الطاعات إن كان
طائعاً. قلت: كما يندم المبتدع الذي ابتدع في دين الله تعالى ما ليس فيه ويتمنى لو انتهج في الدنيا منهج النبي محمد
صلى الله عليه وسلم وكان من أتباعه محباً للسنة داعياً لها.
ويشهد لهذا القول قول الله تعالى في سورة الفرقان :
(وَيَوْمَ يَعَضُّ الظَّالِمُ عَلَى يَدَيْهِ يَقُولُ يَا لَيْتَنِي اتَّخَذْتُ مَعَ الرَّسُولِ
سَبِيلاً(27) يَاوَيْلَتِى لَيْتَنِي لَمْ أَتَّخِذْ فُلانًا خَلِيلاً(28) لَقَدْ أَضَلَّنِي عَنْ الذِّكْرِ بَعْدَ إِذْ جَاءَنِي ..(29).
وقال تعالى في سورة
الحاقة:
(وَأَمَّا مَنْ أُوتِيَ كِتَابَهُ بِشِمَالِهِ فَيَقُولُ يَا لَيْتَنِي لَمْ أُوتَ كِتَابِيه(25).
وحين تعاين الحقيقة ويقف المرء على مرأى من
الوضوح والتجلي فإنه لا ينفع الندم كما قال تعالى في سورة الأعراف:
(هَلْ يَنظُرُونَ إِلا تَأْوِيلَهُ يَوْمَ يَأْتِي تَأْوِيلُهُ يَقُولُ الَّذِينَ
نَسُوهُ مِنْ قَبْلُ قَدْ جَاءَتْ رُسُلُ رَبِّنَا بِالْحَقِّ فَهَلْ لَنَا مِنْ شُفَعَاءَ فَيَشْفَعُوا لَنَا أَوْ نُرَدُّ فَنَعْمَلَ غَيْرَ الَّذِي كُنَّا نَعْمَلُ قَدْ خَسِرُوا
أَنفُسَهُمْ وَضَلَّ عَنْهُمْ مَا كَانُوا يَفْتَرُونَ(53).
المنزل الخامس: عند الحساب والقضاء والناس بين يدي الله تعالى. قال الله تعالى في سورة السجدة:
(وَلَوْ تَرَى إِذْ الْمُجْرِمُونَ نَاكِسُوا رُءُوسِهِمْ عِنْدَ رَبِّهِمْ رَبَّنَا أَبْصَرْنَا وَسَمِعْنَا فَارْجِعْنَا نَعْمَلْ
صَالِحًا إِنَّا مُوقِنُونَ(12).
يقولون: ربنا بان لنا الأمر ووضح ـ الآن ـ مع أنه كان واضحاً لهم في دنياهم التي ابتلوا فيها لكنهم آثروا الدنيا على الآخرة
وكفروا بالله وعصوا ومضى وقت الإمهال وخسروا الفرصة الممنوحة بعنادهم بعد إقامة البيان والحجة والدليل . قال الله تعالى
في سورة النبأ:
(إِنَّا أَنذَرْنَاكُمْ عَذَابًا قَرِيبًا يَوْمَ يَنظُرُ الْمَرْءُ مَا قَدَّمَتْ يَدَاهُ وَيَقُولُ الْكَافِرُ يَا لَيْتَنِي كُنتُ تُرَابًا(40).
فحين عاين الكافر عذاب الله ونظر إلى حكم الله بين الحيوانات التي كانت في الدنيا فيفصل بينها بحكمه العدل الذي لا
يجور حتى إنه ليقتص للشاة الجماء من القرناء فإذا فرغ من الحكم بينها قال لها: كوني تراباً فتصير تراباً فعند ذلك يقول
الكافر (يَا لَيْتَنِي كُنتُ تُرَابًا). وقد ورد معنى هذا في حديث أبي هريرة مرفوعاً ـ والذي أخرجه ابن جرير في "تفسيره" وهو
في "الصحيحة" (1966) ـ: "يقضي الله بين خلقه الجن والإنس والبهائم، وإنه ليقيد يومئذ الجماء من القرناء، حتى إذا لم
تبعة عند واحدة لأخرى قال الله: كونوا تراباً، فعند ذلك يقول الكافر: (يَا لَيْتَنِي كُنتُ تُرَابًا).
المنزل السادس: عند أول مس من العذاب وهو أدناه.
وقال الله تعالى في سورة الأنبياء:
(وَلَئِنْ مَسَّتْهُمْ نَفْحَةٌ مِنْ عَذَابِ رَبِّكَ لَيَقُولُنَّ يَاوَيْلَنَا إِنَّا كُنَّا ظَالِمِينَ(46).
المنزل السابع: عند الوقوف على النار.
قال الله تعالى في سورة الأنعام:
(وَلَوْ تَرَى إِذْ وُقِفُوا عَلَى النَّارِ فَقَالُوا يَالَيْتَنَا نُرَدُّ وَلا نُكَذِّبَ بِآيَاتِ رَبِّنَا وَنَكُونَ مِنْ الْمُؤْمِنِينَ(27).
المنزل الثامن: في الوهلة الأولى لرؤية النار.
وقال الله تعالى في سورة الملك:
(وَقَالُوا لَوْ كُنَّا نَسْمَعُ أَوْ نَعْقِلُ مَا كُنَّا فِي أَصْحَابِ السَّعِيرِ(10). وقال تعالى في سورة الشورى: (..وَتَرَى الظَّالِمِينَ لَمَّا رَأَوْا
الْعَذَابَ يَقُولُونَ هَلْ إِلَى مَرَدٍّ مِنْ سَبِيلٍ(44).
المنزل التاسع: وهم في النار.
ومقالاتهم في النار كثيرة وعجيبة تعبر عن خالص ندمهم فلا يردون ولا يعذرون.قال الله تعالى في سورة الأحزاب:
(يَوْمَ تُقَلَّبُ وُجُوهُهُمْ فِي النَّارِ يَقُولُونَ يَالَيْتَنَا أَطَعْنَا اللَّهَ وَأَطَعْنَا الرَّسُولا(66).وفي الآية كما ترى بيان لأهمية طاعة الرسول صلى الله عليه وسلم ورسالة للعصاة والمبتدعة الذين يفرقون بين الكتاب
والسنة، أو يفرقون بين السنة والسنة ـ بزعمهم ـ هذا متواتر وهذا آحاد. فلهم أن يراجعوا أنفسهم الآن قبل فوات الأوان قبل
أن يقولوا يا ليتنا أطعنا الله وأطعنا الرسولا. وقال الله تعالى في سورة فاطر:
(وَالَّذِينَ كَفَرُوا لَهُمْ نَارُ جَهَنَّمَ لا يُقْضَى عَلَيْهِمْ
فَيَمُوتُوا وَلا يُخَفَّفُ عَنْهُمْ مِنْ عَذَابِهَا كَذَلِكَ نَجْزِي كُلَّ كَفُورٍ(36) وَهُمْ يَصْطَرِخُونَ فِيهَا رَبَّنَا أَخْرِجْنَا نَعْمَلْ صَالِحًا غَيْرَ الَّذِي كُنَّا
نَعْمَلُ أَوَلَمْ نُعَمِّرْكُمْ مَا يَتَذَكَّرُ فِيهِ مَنْ تَذَكَّرَ وَجَاءَكُمْ النَّذِيرُ فَذُوقُوا فَمَا لِلظَّالِمِينَ مِنْ نَصِيرٍ(37).
ومعنى قوله تعالى: (يَصْطَرِخُونَ) أي: ينادون فيها يجأرون إلى الله عز وجل بأصواتهم، لقد سألوا الرجعة في غير وقتها فيقال
لهم: (أَوَلَمْ نُعَمِّرْكُمْ مَا يَتَذَكَّرُ فِيهِ مَنْ تَذَكَّرَ وَجَاءَكُمْ النَّذِيرُ).قال ابن كثير ـ رحمه الله ـ: أوَ ما عشتم في الدنيا أعماراً لو كنتم
ممن ينتفع بالحق لانتفعتم به في مدة عمركم؟
قال الشيخ عبد الرحمن السعدي ـ رحمه الله ـ:متعناكم في الدنيا، وأدررنا عليكم الأرزاق؛ وقيضنا لكم أسباب الراحة؛ ومددنا لكم في العمر؛ وتابعنا عليكم الآيات؛
(وَجَـاءَكُمْ النَّذِيرُ) وواصلنا إليكم النذر؛ وابتليناكم بالسراء والضـراء، لتنيبوا إلينا وترجعوا إلينا فلم ينجعفيكم إنذار، ولم تفد
فيكم موعظة، وأخرنا عنكم العقوبة، حتى إذا انقضت آجالكم، وتمت أعماركم، ورحلتم عن دار الإمكان، بأشر الحالات،
ووصلتم إلى هذه الدار، دار الجزاء على الأعمال، سألتم الرجعة.
هيهات هيهات،
فات وقت الإمكان، وغضب عليكم الرحيم
الرحمن، واشتد عليكم عذاب النار، ونسيكم أهل الجنة فامكثوا في جهنم، خالدين مخلدين، وفي العذاب مهانين.
وفي الختام أخي المسلم اذكر قول الله تعالى في سورة الأنعام:
(قَدْ خَسِرَ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِلِقَاءِ اللَّهِ حَتَّى إِذَا جَاءَتْهُمْ السَّاعَةُ بَغْتَةً قَالُوا يَا حَسْرَتَنَا عَلَى مَا فَرَّطْنَا فِيهَا وَهُمْ يَحْمِلُونَ أَوْزَارَهُمْ
عَلَى ظُهُورِهِمْ أَلا سَاءَ مَا يَزِرُونَ(31) .
وصــــــــلى الله علـــــى نبينا محمــــد وعلى آله وصحــــــــبه أجمعين
رب اغفر لي ولوالدي ولمن دخل بيتي مؤمناً وللمؤمنين والمؤمنـات