لافتات قد لا تراها فهل وقفت يوماً لتنظر فيها؟؟؟
الحمدلله تعالى أكرم فأحسن التقويم، وهدى عباده إلى صراطه المستقيم، والصلاة والسلام على المبعوث بالنور الأنور، وعلى آله وأصحابه أرباب الشرف الأكبر
وبعد:
الذنوب ما أسوأ طريقها؟
وما أخسر ربحها!!
صاحبها في عناء! وطالبها في تعب!!
راحتها سراب كاذب! وشقاؤها يقين صادق!!
وهذه أيها المذنب لافتات تمر بها وأنت في طريق المعاصي!!
نعم.. إنها لافتات قد لا تراها..
ولكنها في طريقك تمر عليها في صباحك والمساء!!
فهل وقفت يوماً لتنظر فيها.. وتقرأ حروفها؟!
فتنبه أيها المذنب!!
واقرأ معي هذه اللافتات واحدة.. واحدة!!
{فَإِنَّهَا لَا تَعْمَى الْأَبْصَارُ وَلَكِن تَعْمَى الْقُلُوبُ الَّتِي فِي الصُّدُورِ} [الحج: 46]
أين الهمم المُجدَّة ؟! .
أين النفوس المستعدَّة ؟! .
أين المتأهبين قبل الشدة ؟! .
أين المتيقظ قبل انقضاء المدة ؟! .
إِنَّمَا أَعِظُكُمْ بِوَاحِدَة ..
إنَّ العاقل من راقب العواقب ، والجاهل من مضى قُدُماً ولم يراقب..
كم يوم غابت شمسه وقلبك غائب ! .
وكم ظلام أُسبل ستره وأنت في معاصي وعجائب ! .
وكم أسبغ الله عليك وأنت على معاصيه تواظب ! .
وكم صحيفة قد ملأتها بالذنوب والمَلَكُ كاتب !.
وكم أنذرك الموت يأخذ أقرانك من حولك وأنت ساه ولاعب !.
وكم أنذرك الموت يأخذ أقرانك وأنت ساه ولاعب !.
أفق من سكرتك ..
وتذكر نزول حفرتك ، تذكر هجران الأقارب ، وتذكر إِنَّمَا أَعِظُكُمْ بِوَاحِدَة ..
آه ..لألسنٍ نطقت بالآثام .. كيف غفلت عن قول ربَِّ الأنام
{ اليَوْمَ نَخْتِمُ عَلَى أَفْوَاهِهمْ }
آه ..لأيدٍ امتدت إلى الحرام .. كيف نسيت قول الملك العلام
{ وتُكَلِّمُنَا أَيْدِيهِمْ }
آه ..لأقدامٍ سعت في الإجرام .. كيف لم تتدبر
{ وَ تَشْهَدُ أَرْجُلُهُمْ }
آه.. لأجساد تربَّت على الربا .. كيف لم تفهم
( ما نبتَ على السُحت فالنار أولى به ).
أين أثر المواعظ .. أين أثر المواعظ والآيات في قلوبنا ؟!!!
أين أثر كلام الرحمن في حياتنا ؟!!!
اسمع رعاك الله وتدَّبر الكلام . قال الله :
{ أَفَرَأَيْتَ إِنْ مَّتَّعْنَاهُمْ سِنِينَ ، ثُمَّ جَاءَهُمْ مَا كَانُواْ يُوعَدُونَ ، مَا أَغْنَى عَنْهُمْ مَّا كَانُوا يُمَتَعُونَ } .
يا ابن العشرين : كم مات من أقرانك وتخلَّفت ؟!.
يا ابن الثلاثين : أدركت الشباب فما تأسفت ؟!.
يا ابن الأربعين : ذهب الصبا وأنت على اللهو قد عكفت ؟!.
يا ابن الخمسين : أنت زرع قد دنا حصاده .. أنت زرع قد دنا حصاده .. لقد تنصّفت المئة وما أنصفت ؟!.
يا ابن الستين : هيا إلى الحساب فأنت على معترك المنايا قد أشرفت ؟!.
يا ابن السبعين : ماذا قدمَّت وماذا أخرت ؟! .
يا ابن الثمانين : لا عذر لك فقد أُعذرت ؟!.
انتبه أيها الغافل!!
قلوب أعمتها الدنيا بالزخرف الكاذب..
وتربع في شغافها حبها الأنكد!
لا تعرف السرور إلا عن طريقها..
ولا تهتدي إلى اللذاذة إلا من بابها!
ركدت خلف سرابها الخادع..
وتجافت عن سرورها الضائع!
ساعات تمضي بغير حساب..
وأعمار تنقضي إلى خراب!
أيها المذنب! مابالك تحصد الفاني.. وتترك الباقي؟!
ما بالك أعرضت عن لذة الطاعات..
وتلذذت بمرارة الخطيئات؟!
أهي الغفلة.. أم الفطنة والعقل؟!
أيها المذنب! سكون قلبك إلى غير مولاك عقاب من الله تعالى
أيها المذنب! بئس ما تسربلت به!
لقد اخترت صفة وصف الله بها أعداؤه..
وذمهم عليها أيما ذم، قال الله تعالى:
{وَلَقَدْ ذَرَأْنَا لِجَهَنَّمَ كَثِيراً مِّنَ الْجِنِّ وَالإِنسِ لَهُمْ قُلُوبٌ لاَّ يَفْقَهُونَ بِهَا وَلَهُمْ أَعْيُنٌ لاَّ يُبْصِرُونَ بِهَا وَلَهُمْ آذَانٌ لاَّ يَسْمَعُونَ بِهَا أُوْلَـئِكَ كَالأَنْعَامِ بَلْ هُمْ أَضَلُّ أُوْلَـئِكَ هُمُ الْغَافِلُونَ} [الأعراف: 179]
قال علي بن أبي طالب رضي الله عنه:
"إن أخوف ما أخاف عليكم، اتباع الهوى، وطول الأمل، فأما اتباع الهوى، فيصد عن الحق، وأما طول الأمل فيُنسي الآخرة"
أيها المذنب! ألهاك طول الأمل عن سعادتك الحقيقية!
أيها المذنب! لا تغفلن عن صلاح قلبك!
{وَمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا إِلاَّ لَعِبٌ وَلَهْوٌ وَلَلدَّارُ الآخِرَةُ خَيْرٌ لِّلَّذِينَ يَتَّقُونَ أَفَلاَ تَعْقِلُونَ} [الأنعام: 32]
أيها الغافل! هل تذكرت الموت؟
أيها المذنب! ما ترى الخلق في كل يوم يرحلون إلى تلك الدار؟!
فهل سألت نفسك يوماً: بأي زاد سترحل؟!
أيها المسكين! ما أطول سفرك!
أيها المذنب! إياك أن يبادرك الموت وأنت في غفلتك من اللاهين!
فيومها ستطول الحسرات.. وتتضاعف المصيبات!
فتدارك أمرك أيها المذنب! ولا تغرنك صحة، ولا شباب، ولا جاه.. فما أسرع أن تتقلب الأحوال!
قال حاتم الزاهد:
"أربعة لا يعرف قدرها إلا أربعة، قدر العافية إلا أهل البلاء، ولا قدر الصحة إلا المرضى، ولا قدر الحياة إلا الموتى"
والله وأقسم بالله ..
من حمل نعشاً اليوم ، سيأتي يوم ويُحمل هو على الأكتاف ..
ومن دخل المقبرة اليوم زائراً ، سيدخل يوماً ولن يخرج منها ..
ومن عاد إلى بيته اليوم ، سيأتي يوم ولن يعود ..
كان عمر رضي الله عنه يردد دائماً ويقول :
كل يوم يقولون مات فلان ، ومات فلان ، وسيأتي يوم وسيقولون مات عمر ..
ومات عمر ولكن كيف مات !!.. ومات عمر ولكن كيف مات !!..
أيها المذنب! تذكر وقوفك بين يدي من لا يغفل ولا ينام!!
فاذكر أيها المسكين وقوفك بين يديه يوم التغابن..
{يَوْمَ يَقُومُ النَّاسُ لِرَبِّ الْعَالَمِينَ} [المطففين: 6]
قال أبو الدرداء رضي الله عنه:
"أضحكني ثلاث، وأبكاني ثلاث:
أضحكني مؤمل الدنيا والموت يطلبه، وغافل ليس بمغفول عنه، وضاحك وليس يدري أراضي الله عنه، أم ساخط عليه
وأبكاني: فراق الأحبة محمد وحزبه،
وهول المطلع، والوقوف بين يدي الله عز وجل يوم تبدو السرائر، ثم لا أدري إلى جنة أم إلى نار"
وتذكر أيها المسكين لقاء ربك تعالى!!
أيها المذنب! داو قلبك من غفلته!
أيها المذنب! ما أحوجك إلى مداواة ران القلب.. ونزغات الشيطان..
فأكثر من ذكر الموت.. فإن ذكر الموت دواء عجيب لقسوة القلوب!
وأكثر من ذكر الله تعالى، وتلاوة كتابه..
ففي ذلك شفاء ورحمة
{يَا أَيُّهَا النَّاسُ قَدْ جَاءتْكُم مَّوْعِظَةٌ مِّن رَّبِّكُمْ وَشِفَاء لِّمَا فِي الصُّدُورِ وَهُدًى وَرَحْمَةٌ لِّلْمُؤْمِنِينَ} (يونس: 57)