قال الله تعالى في كتابه العزيز
وَإِنْ خِفْتُمْ أَلاَّ تُقْسِطُواْ فِي الْيَتَامَى فَانكِحُواْ مَا طَابَ لَكُم مِّنَ النِّسَاء مَثْنَى وَثُلاَثَ وَرُبَاعَ فَإِنْ خِفْتُمْ أَلاَّ تَعْدِلُواْ فَوَاحِدَةً أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ ذَلِكَ أَدْنَى أَلاَّ تَعُولُواْ )[النساء : 3].
يأبى الله جل وعلا إلا أن يظهر آيات قدرته ودلائل رحمته حينا بعد حين..
وإذا كان على المؤمن أن يخضع لحكم ربه ولو لم يدرك علة الحكم، فإن غير المؤمنين يكتشفون في كل حين من أسرار التشريع الإلهي وحكمته، ما يجعل المنصفين منهم ينحنون إجلالا للخالق العظيم..
والمثال الواضح هنا إباحة تعدد الزوجات..
ففي آخر الإحصاءات الرسمية لتعداد السكان بالولايات المتحدة الأمريكية تبين أن عدد الإناث يزيد على عدد الرجال بأكثر من ثمانية ملايين امرأة.. وفى بريطانيا تبلغ الزيادة خمسة ملايين امرأة، وفى ألمانيا نسبة النساء إلى الرجال هي 3: 1.. وفى إحصائية نشرتها مؤخرا جريدة (الميدان)الأسبوعية(1)أكدت الأرقام أنه من بين كل عشر فتيات مصريات في سن الزواج (الذي تأخر من 22 إلى 32 سنة ) تتزوج واحدة فقط، والزوج دائما يكون قد تخطى سن الخامسة والثلاثين وأشرف على الأربعين،حيث ينتظر الخريج ما بين 10 إلى 12 سنة ليحصل على وظيفة ثم يدخر المهر ثم يبحث عن نصفه الآخر.
وقالت الصحيفة: إن العلاقات المحرمة تزيد، وكذلك ظاهرة الزواج العرفي في ظل وجود ملايين من النساء بلا زواج.. وأكدت الباحثتان غادة محمد إبراهيم و داليا كمال عزام في دراستهما(2)تراجع حالات الزواج بين الشباب بنسبة 90 % بسبب الغلاء والبطالة وأزمة المساكن.
وتقول إحصائية رسمية أمريكية: إنه يولد سنويا في مدينة نيويورك طفل غير شرعي من كل ستة أطفال يولدون هناك [ صحيفة الأخبار المصرية عدد 2/ 7 / 1968 ]، ولا شك أن العدد على مستوى الولايات المتحدة يبلغ الملايين من مواليد السفاح سنويا.
وفى كل من العراق وإيران اختل التوازن العددي بين الرجال والنساء بصورة مفزعة بسبب الحرب الضارية التي استمرت بين البلدين ثماني سنوات.. فالنسبة تتراوح بين 1 إلى 5 في بعض المناطق ( رجل لكل خمسة نساء ) و 1 إلى 7 في مناطق أخرى.. والأمر شديد الغرابة والخطورة في جمهورية البوسنة والهرسك التي فرضت عليها حرب عنصرية قذرة طحنت البلاد أربع سنوات كاملة ( من عام 1992 حتى عام 1996 ).. فالنسبة في معظم أنحاء البوسنة والهرسك هي رجل لكل 27 امرأة، نعم 1 إلى 27، ولنا أن نتخيل حجم المأساة الاجتماعية التي يعيشها حاليا هذا البلد المسلم الذي فرضت عليه الشيوعية عشرات السنين، ثم تحرر من الشيوعية المجرمة ليقع بين أنياب صليبية أشد فتكا وإجراما.. فماذا تفعل الفتيات المسلمات اللائي لا يجدن أزواجا من المسلمين ؟ وهل نتركهن ليتزوجن من شباب الصرب الأرثوذكس أو الكروات الكاثوليك، لأن بعض المتنطعين و المتنطعات يأبون تعدد الزوجات ؟ أو أن هؤلاء يفضلون ويفضلن أن تتخذ الفتيات المسلمات عشاقا ( زناة من خلف الستار ) على النمط الغربي المنحل ؟
وفى تحقيق ساخن عن ( انفجار العوانس ) تذكر السيدة تهاني البرتقالي مراسلة الأهرام في الكويت ما حدث منذ سنوات عندما انتشرت ظاهرة إرسال مئات الخطابات من فتيات إلى زوجات كويتيات تطالب كل فتاة في رسالتها المرأة المتزوجة بقبول مشاركة امرأة أخرى لها في زوجها لحل مشكلة العنوسة في المجتمع الكويتي والخليجي بصفة عامة.. ويقول التحقيق الذي نشرته مجلة الأهرام العربي في عددها الأول: إن عدد عوانس الكويت حوالي 40 ألف فتاة.
وهو عدد ليس بالقليل بالمقارنة بتعداد الشعب الكويتي ككل، وهو نصف مليون نسمة ( أي أن نسبة العوانس في الكويت تبلغ 16 % من عدد النساء في الكويت، الذي يزيد على الربع مليون نسمة ).
حرمان المرأة من العواطف أشد خطورة من حرمانها الجنسي.. فمتعة الإشباع الجنسي بدون عواطف ليس لها أي تأثير لدى المرأة.. بينما الكلمة الرقيقة واللمسة الحانية تأثيرها أكثر بكثير، وتجعلها تنعم بالإشباع الجنسي.. هذا ما يؤكده الدكتور سعيد عبد العظيم –أستاذ الأمراض النفسية و العصبية بطب القاهرة –ويضيف أن الحرمان العاطفي عند المرأة هو الطريق السريع إلى الانحراف أو البرود الجنسي، بالإضافة إلى العديد من الأمراض الجسدية والنفسية وغيرها.. (3)
يقول الدكتور محمد هلال الرفاعى أخصائي أمراض النساء والتوليد:
عدم الزواج أو تأخيره يعرض المرأة لأمراض الثدي أكثر من المتزوجة، وكذلك سرطان الرحم والأورام الليفية.. وقد سألت كثيرا من المترددات على العيادة: هل تفضلين عدم الزواج أم الاشتراك مع أخرى في زوج واحد ؟
كانت إجابة الأغلبية الساحقة هي تفضيل الزواج من رجل متزوج بأخرى على العنوسة الكئيبة، بل إن بعضهن فضلت أن تكون حتى زوجة ثالثة أو رابعة على البقاء في أسر العنوسة.
وإذا كان هذا هو رأى العلم، فإن المرأة الطبيبة تكون أقدر على وصف الحال بأصدق مقال.. تقول طبيبة في رسالة بعثت بها إلى الكاتب الكبير أحمد بهجت( إنها قرأت إحصائية تقول: إن هناك ما يقرب من عشرة ملايين سيدة وآنسة بمصر يعشن بمفردهن.. وهن إما مطلقات أو أرامل لم ينجبن أو أنجبن، ثم كبر الأبناء وتزوجوا أو هاجروا، أو فتيات لم يتزوجن مطلقا..
وتقول الطبيبة: هل يستطيع أحد أن يتخيل حجم المأساة التي يواجهها عالم (النساء الوحيدات) ؟ إن نساء هذا العالم لا يستطعن إقامة علاقات متوازنة مع الآخرين، بل يعشن في حالة من التوتر والقلق والرغبة في الانزواء بعيدا عن مصادر العيون و الألسنة والاتهامات المسبقة بمحاولات خطف الأزواج من الصديقات أو القريبات أو الجارات.. وهذا كله يقود إلى مرض الاكتئاب، ورفض الحياة، وعدم القدرة على التكيف مع نسيج المجتمع.
وتدق الطبيبة ناقوس الخطر محذرة مما يواجه هؤلاء النسوة من أمراض نفسية وعضوية مثل الصداع النصفي و ارتفاع ضغط الدم والتهابات المفاصل وقرحة المعدة و الأثنى عشر والقولون العصبي واضطرابات الدورة الشهرية وسقوط الشعر والانحراف الخلقي.. ويضطر الكثير منهن للارتباط برجل متزوج. (4)
و الطريف أن بعض الدول الغربية التي تعانى من المشكلة المزعجة، وهى زيادة عدد النساء فيها على عدد الرجال، اضطرت إلى الإقرار بمبدأ تعدد الزوجات، لأنه الحل الوحيد أمامها لتفادى وقوع انفجار اجتماعي لا قبل لها بمواجهته، أو علاج آثاره المدمرة.حدث هذا في ذات الوقت الذي يرفع فيه بعض المسلمين –إسما فقط –راية الحرب على تعدد الزوجات وشرعيته.
يحكى الدكتور محمد يوسف موسى ما حدث في مؤتمر الشباب العالمي الذي عقد عام 1948، بمدينة ميونخ الألمانية.. فقد وجهت الدعوة إلى الدكتور محمد يوسف وزميل مصري له للمشاركة في حلقة نقاشية داخل المؤتمر كانت مخصصة لبحث مشكلة زيادة عدد النساء أضعافا مضاعفة عن عدد الرجال بعد الحرب العالمية الثانية.. وناقشت الحلقة كل الحلول المطروحة من المشاركين الغربيين، وانتهت إلى رفضها جميعا، لأنها قاصرة عن معالجة واحتواء المشكلة العويصة. وهنا تقدم الدكتور محمد موسى وزميله الآخر بالحل الطبيعي الوحيد، وهو ضرورة إباحة تعدد الزوجات..
في البداية قوبل الرأي الإسلامي بالدهشة و النفور.. ولكن الدراسة المتأنية المنصفة العاقلة انتهت بالباحثين في المؤتمر إلى إقرار الحل الإسلامي للمشكلة، لأنه لا حل آخر سواه.. وكانت النتيجة اعتباره توصية من توصيات المؤتمر الدولي..
وبعد ذلك بعام واحد تناقلت الصحف ووكالات الأنباء مطالبة سكان مدينة ( بون) العاصمة الألمانية الغربية بإدراج نص في الدستور الألماني يسمح بتعدد الزوجات (5)وهكذا يتبين الحق ولو كره العلمانيون.
والأخذ بنظام تعدد الزوجات جنَّب المجتمعات الإسلامي شرورا ومصائب لا حصر لها.. وتكفى مقارنة بسيطة بين المجتمع السعودي مثلا ـالذي تندر فيه الجرائم الخلقية مثل الاغتصاب والدعارة ـوبين المجتمع الأمريكي الذي تكاد نسبة العشيقات فيه تزيد على نسبة الزوجات.. كما تبلغ نسبة الأطفال غير الشرعيين فيه أكثر من 45 % من نسبة المواليد سنويا، وتقول الإحصاءات الرسمية الأمريكية إن عدد الأطفال غير الشرعيين كان 88 ألف مولود سنة 1938، ثم ارتفع إلى 202 ألف عام 1957، ووصل إلى ربع مليون مولود من الزنا عام 1958.. ثم قفز الرقم إلى الملايين من ثمرات الزنا في التسعينيات، والأرقام الحقيقية تكون عادة أضعاف الأرقام الرسمية التي تذكرها الحكومات..
ولكل هذا تساءل الكاتب الشهير الفرنسي أتيين دينيه: هل حظر تعدد الزوجات له فائدة أخلاقية ؟ ويجيب بنفسه: إن هذا الأمر مشكوك فيه.. لأن الدعارة النادرة في أكثر الأقطار الإسلامية سوف تتفشى بآثارها المخربة، وكذلك سوف تنتشر عزوبة النساء بآثارها المفسدة، على غرار البلاد التي تحظر التعدد. (6)
أحبتي في الله: لا صلاح لنا و لا استقرار إلا بالرجوع إلى المنهج الحق، منهج الخالق القدير من هو أعلم بصناعته ، سبحانه أحسن كل شيء خلقه.